فاطمة ابنة محمد ابن عبد الله الفهري، تلقب بأم البنين الفهرية، هاجرت رفقة والدها وهي صغيرة من القيروان إلى مدينة فاس زمن حكم ادريس الثاني، كان والدها غنيا ويمتلك ثروة طائلة، وليس له سوى ابنتان: فاطمة ومريم، أحسن تربيتهما واعتنى بهما عناية كبيرة، تزوجت بفاس وعاشت بها حتى وافت المنية والدها وزوجها فورثت عنهم ثروتهما. فكرت فاطمة الفهرية في استثمار هذه الثروة التي آلت إليها استثمارا حقيقا يعود عليها وعلى أهلها بالثواب والأجر، فقررت بناء مسجد بفاس حتى يظل عملها بعد موتها مستمرا، عملاً بقول المصطفي الهادي صلوات الله وسلامه عليه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. ولتحقيق هذا الهدف اشترت ام البنين الفهرية أرضا بالقرب من منزلها بالقرويين ودفعت لصاحبها بسخاء حتي إذا شرعت في البناء عقدت العزم على ألا تأخذ ترابا أو مواد بناء من غير الأرض التي اشترتها بمالها، وطلبت من عمال البناء أن يحفروا حتى أعماق الأرض المزمع إقامة البناء عليها، فأخذوا يستخرجون من أعماقها الرمل الأصفر الجديد والأحجار والجص ليستخدموه في البناء، ومع أول أيام البناء أصرت على بدء الصوم، ونذرت ألا تفطر يوما حتي ينتهي العمل فيه وكان ذلك في أول رمضان من سنة 245 هجرية. كتب عنها عبد الرحمن بن خلدون « فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها، وهذا فضل يؤتيه لمن يشاء من عباده الصالحين، فسبحانه وتعالي إذا أراد لأمة الرقي والرفعة وأذن لها بالسعادة الغامرة أيقظ من بين أفرادها رجالاً ونساء، شباباً وشيوخاً، أيقظ فيهم وجداناً شريفاً وشعوراً عالياً يدفعهم للقيام بصالح الأعمال وأشرفها وما كان من أجل الدنيا والآخرة» . ويعد بعض المؤرخين هذا الجامع أول جامعة عربية إسلامية في وبذلك تصبح السيدة فاطمة بنت محمد الفهري القيرواني المعروفة بأم البنين الفهرية هي مؤسسة أو جامعة عربية إسلامية في هذه البلاد، وماتت السيدة فاطمة نحو عام 265 ه / 1180 م.