يختلف المسلمون كل سنة في تحديد بداية ونهاية شهري رمضان وشوال، وقد يصل الاختلاف إلى ثلاثة أيام أحيانًا، فتعلن دول بداية الشهر الهجري بناء على الحسابات الفلكية، وتعلن أخرى بداية الشهر في يوم ثانٍ بناء على رؤية الهلال، وفي نفس الوقت تعلن دول أخرى بداية الشهر الهجري في يوم ثالث بناء على رؤية الهلال أيضاً. وأجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي فقط؛ أي إذا جاء من يشهد برؤية الهلال، ودلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة، فإن هذه الشهادة ترد، وحجتهم في ذلك أن «البينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسًا وعقلا وشرعًا، والشرع لا يأتي بالمستحيلات»، وممن قال بهذا الرأي محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر، والشيخ علي الطنطاوي، وأيضا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد. من جهة أخرى، أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي والإثبات؛ فقد زاد مؤيدو هذا الرأي عن أصحاب الرأي السابق أنه إذا دلت الحسابات الفلكية على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته كهلال؛ فإنه يؤخذ بالحسابات الفلكية، ويكون اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي الدكتور يوسف القرضاوي. والفريق الآخر من الفقهاء لم يُجز استخدام الحساب الفلكي لا في النفي ولا في الإثبات؛ فإذا ما جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته، حتى إذا وجدت حسابات فلكية تدل على أن القمر لم يكن موجوداً في السماء في ذلك الوقت. ومن القائلين بهذا الرأي الشيخ ابن باز، وقد يكون ذلك لاعتقاد أصحاب هذا الرأي أن الحسابات الفلكية غير دقيقة أو غير قطعية، كما انهم اعتمدوا في مذهبهم على الحديث الشريف «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». ويرى الدكتور محمد بولوز عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في حديث مع «التجديد»، أن «الراجح والمناسب لظاهر الشرع وطبيعة الأمة المسلمة هو اعتماد الرؤية لثبوت الأهلة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين»، ويستشهد أيضا بولوز بما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين»، يضيف المتحدث، «حتى من يستند في ترجيح اعتماد الحساب على لفظة -فاقدروا له- الواردة في العديد من الأحاديث الصحيحة يمكن رد اجتهاده بما جاء مما يشبه شرحا لها في موطن صحيح آخر، بأنه إتمام عدة الشهر ثلاثين، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين»، وفي رواية، «فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين». ويرى بولوز أنه «إذا سلمنا بمبدأ الرؤية اعتمدنا بعد ذلك أيسر السبل وأكثرها علمية وأنجعها لتحقيق ذلك، والمهم هو التأكد والتثبت سواء بالطرق التقليدية أو الوسائل المعاصرة، ثم الأخذ برأي توحيد الرؤية فنصوم ونفطر مع أول بلد تثبت فيه الرؤية ثبوتا شرعيا بشروطه المعتبرة، وإذا تم ترجيح هذا النظر من طرف أولياء الأمور واتخذوا قرارا شجاعا في منظمة المؤتمر الإسلامي بتوحيد الرؤية زال الخلاف تلقائيا بين الفلكيين والفقهاء»، يضيف المتحدث «الفقهاء يؤصلون للرؤية الشرعية وتوحيدها والفلكيون يؤكدون بالطرق العلمية ثبوت الرؤية من عدمها، فالشرع حاكم والعقل الرشيد المسدد يحسن التنزيل والتطبيق». من جهة أخرى، يرى بولوز أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان إنما هو الرؤية الشرعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، والشهر العربي المعتمد في التوقيت الشرعي يتكون إما من تسعة وعشرين يوما وإما ثلاثين، فإذا ثبت رؤية الهلال يوم التاسع والعشرين من شعبان وجب الإمساك في اليوم الموالي وإلا تم إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين وكان اليوم بعده أول رمضان، وينقل المتحدث ما قاله ابن رشد صاحب «بداية المجتهد وكفاية المقتصد»: «إذا غم الهلال فإن الجمهور يرون أن الحكم في ذلك أن تكمل العدة ثلاثين»، وبخصوص العدد المعتبر في رؤية الهلال استشهد بوبوز بما قاله مالك رحمه الله، «إنه لا يجوز أن يصام ولا يفطر بأقل من شهادة رجلين عدلين»، وبما ذهب إليه أبو حنيفة، «إن كانت السماء صاحية أي ليس فيها غيوم ببلد كبير لم يقبل إلا شهادة العدد الغفير من الناس، فلا اعتبار برؤية الواحد كما لا اعتبار برؤية الفاسق، فلا بد أن يكون الشاهد مستقيم الحالة أو على الأقل أن يكون مستور الحال بمعنى غير معروف بفسق أو فجور وكذب». وعلاقة بموضوع توحد الدول الإسلامية في صيام اليوم الأول من رمضان، يقول بولوز في حديثه مع «التجديد» دائما، أن «هذه المسألة فيها خلاف فقهي قديم من زمن الصحابة رضي الله عنهم»، وقال «أجمع العلماء أنه لا يراعى في توحيد الرؤية البلدان النائية والمتباعدة جدا كالمغرب وأندونيسيا لاختلاف المطالع، وأما إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف فيجب أن يحمل بعضها على بعض لأنها في قياس الأفق والبلد الواحد، والاختلاف في توحيد الرؤية ليس قائما بين المذاهب الفقهية فحسب وإنما قد تجدها داخل المذهب الواحد، فمثلا في الفقه المالكي هناك خلاف بين المدرسة المصرية والمدرسة الحجازية»، ويميل عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى أنه انطلاقا مما يراه من مقاصد الشرع ومن باب قدرة أولياء الأمور على حسم الخلاف لصالح رأي على آخر، «هو توحيد الرؤية وفي ذلك توحيد لمشاعر المسلمين في الصيام وليلة القدر والعيد والتأريخ الهجري وغير ذلك»، يضيف المتحدث، «ونأخذ بعين الاعتبار اختلاف الزمان بيننا وبين أجدادنا من حيث سهولة التواصل والإخبار بين مشرق الأمة ومغربها بخلاف ما كان في الماضي»، ويعتقد بولوز أنه «لو كنا في اتحاد مغاربي أو عربي أو إسلامي لتغيرت المعادلة وأصبحنا نصوم مع أول بلد تثبت فيه الرؤية لنفهم أن القضية في عمقها سياسية أكثر منها مسألة فقهية».