المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذ. امحمد طلابي في أول حوار له بعد التحاقه بحركة التوحيد والإصلاح: حركة التوحيد والإصلاح هي القادرة على الفعل والتأثير في الساحة وما أثارني هو اعتمادها الشورى و الديمقراطية الداخلية
نشر في التجديد يوم 20 - 10 - 2002

عندما تلتقي بالأستاذ امحمد طلابي يأسرك بابتسامته الهادئة والصادقة، وعندما يتحدث تلمس في كلامه البساطة والعمق في الوقت نفسه، ففي هذا الحوار الذي أجريناه معه قبل أيام من الجمع العام لحركة التوحيد والإصلاح أوضح الأستاذ طلابي الدواعي التي دفعته لاختيار حركة التوحيد والإصلاح دون غيرها، حيث ذكر أن أي حركة تريد أن تكون "حركة تاريخية" فعليها أن تمتلك خمسة أسس: (الفكرة النافرة، الرجال، القوة ورباط الخيل، التنظيم الشوري وأسلوب التدافع)، موضحا أن هذه الأسس متوفرة في حركة التوحيد والإصلاح، التي اختارها بعد أربع سنوات قضاها الأستاذ طلابي في تمحيص الحركات الإسلامية المغربية، التي تمتلك قواسم مشتركة ولكن الموقف من الديمقراطية والملكية أفرز بعض الاختلافات السياسية، التي تحد من وحدة العمل السياسي الإسلامي في بلادنا.
وأبرز الأستاذ طلابي أن اقتراع 27 شتنبر 2002 كان حدثا سياسيا "كبيرا" بكل المقاييس، موضحا أن ذلك يعتبر أول إصلاح في ملف سياسي انتظر أكثر من نصف قرن، وهو "النزاهة" التي فسرها بأنها عدم تدخل الدولة في توزيع المقاعد النيابية على الأحزاب، وعبر عن مفاجأته من النتائج التي حصل عليها حزب اليسار الماركسي، وأشاد بالصعود القوي للتيار الإسلامي المشارك.

نرحب بك الأستاذ طلابي مرة أخرى على صفحات جريدة التجديد، فقد خصصتَ جريدة التجديد في السنة الماضية بسيرتك الذاتية والسياسية التي تحدثنا فيها عن انتقالك بالتمام من الماركسية إلى الإسلام، وها أنت اليوم تعلن انضمامك لفصيل إسلامي، لتنتقل بذلك إلى العمل الجماعي الإسلامي المنظم، وهنا يطرح السؤال لماذا حركة التوحيد والإصلاح بالضبط؟
بسم الله الرحمان الرحيم الجواب عن هذا السؤال يؤدي إلى طرح سؤال آخر هو: ما المطلوب من أي حركة إسلامية تريد أن تكون حركة تاريخية (أي فاعلة ومؤثرة في نهضة الأمة) وأرى أن الجانب التاريخي هو الأساس وأن أية حركة إسلامية يجب أن تكون غايتها الفعل في تاريخ أمتها والتأثير في المجتمع الذي تنتمي إليه، ولكي يكون هذا الفعل التاريخي وازنا ومؤثرا فعلى هذه الحركة أن تمتلك عدة شروط تمكنها من الوصول إلى أهدافها. وأجملها في خمسة أسس:
1 امتلاك الفكرة النافرة: أي امتلاكها لمشروع حضاري قادر على تحقيق نفير في الأمة في بعده التربوي والسياسي وأرى أن البعد الأساس الذي تمتلكه حركة التوحيد والإصلاح هو إيمانها سياسيا بشكل النظام السياسي القائم، وأعنى الإيمان بأهمية النظام الملكي كشكل سياسي لازم للحمة الأمة ومكوناتها، وضروري أيضا لإنهاض الأمة، وهذه قناعة سياسية عميقة بالنسبة إلي، فإعادة تشكيل مضمون الدولة ومضمون المجتمع تمر ضرورة من الوعي بالبيئة السياسية المعيشة والتفاعل معها بشكل إيجابي فاعل وليس سلبي، بحيث يؤدي في النهاية إلى تفعيل تلك الدولة نفسها، وهذه إحدى خصائص حركة التوحيد والإصلاح التي تؤمن بالإسلام وبضرورة عودة "دولة الشريعة" على المدى الاستراتيجي، ولكن وفق الشكل السياسي القائم في البيئة السياسية المغربية والموروث منذ 13 قرنا، تلك قناعة سياسية أساسية أدت بي إلى الحسم في الاختيار والانتماء.
2 امتلاك الرجال: وهو الأساس الثاني لأي جماعة منظمة تريد أن تكون تاريخية، فقد نجد بعض التقاطعات بين التوحيد والإصلاح وبعض الجماعات الأخرى، ولكن ليس كافيا أن تمتلك المشروع السياسي والفكرة النافرة، فلابد أن تمتلك الرجال القادرين على إنزالها على أرض الواقع وتحريكها فيه، أي تمتلك "المجاهدين".
فانطلاقا من استقصاء الممارسة الجهادية للإخوان في التوحيد والإصلاح وتفحصها لأكثر من أربع سنوات وصلت إلى قناعة بأن الحركة تمتلك "الرجال": الرجال "المتحركين" و"المجاهدين" القادرين على الفعل والتأثير، وأحسن مثال أعطيه هو المعركة التي أحدثها رجال التوحيد والإصلاح، والمقاومة التي أبدوها ضد خطة إدماج المرأة في التنمية، فهم الذين بادروا إلى المعركة وهيؤوا لها، ثم بعد ذلك طبعا التحقت كل الجماعات والفصائل وغيرها، وكان ذلك في رأيي بفعل وجود نواة من "الرجال" قادرين على الفعل في الساحة، وهذا مهم، وأقول إن قناعتي السياسية بالخط العام لحركة التوحيد والإصلاح هي بسبعة أعشار، وقد اختلف مع الخط العام بثلاثة أعشار.

وهذا طبيعي...
طبيعي جدا، ولكن الذي دفعني إلى أن ألتحق وأنضم إلى صفوف هذه الحركة هو التفاعل مع هؤلاء الرجال الفاعلين والمتحركين في الساحة إعلاميا وتنظيميا ومن خلال البرلمان وعلى صعيد العلاقات الدولية والعديد من الجبهات.. فهذا يؤدي إلى تفعيل الحركة الإسلامية أكثر ويمكنها من أن تصبح حركة سياسية تاريخية فاعلة في الأمة خلال العقد أوالعقدين المقبلين.

إذا أردنا أستاذ طلابي أن نتعرف على هذه الثلاثة أعشار المتبقية، ماذا تؤاخذ علي هذه الحركة؟
لا أريد في الواقع أن أناقش الآن الثلاثة أعشار تلك، فهي ذات علاقة ببعض القضايا السياسية فقط..

مواقف معينة؟
مواقف محددة من بعض القضايا السياسية، وخصوصا موقف التحالفات، ففي رأيي يجب أن نعيد النقاش في التحالفات ونتداول فيها، كما يجب أن نعد ورشة للإصلاح السياسي في بلدنا، فهتان النقطتان فيهما نقاش، ويمكن أن يقع فيهما التباين، ولكنه ليس تباينا مطلقا كما أنه تباين كمي وليس نوعيا، والحوار والتفاعل الداخلي سيؤدي إلى إنضاج الثلاثة أعشار الأخرى، وقد أعيد النظر فيما أعتنقه وأعتبره الآن حقيقة، ونترك ذلك للحوار الداخلي.

نعود إلى العنصر الثالث
الأساس الثالث هو امتلاك القوة ورباط الخيل في الحدود الحيوية، وفي رأيي أن هذه الحركة تمتلك الحد الأدنى من "اللوجيستيك" الضروري لأي تدافع في الساحة، فقد تمتلك جماعة ما مشروعا سياسيا وبعض الرجال ولكنها إن لم تمتلك "اللوجستيك" فقد تتعطل في الفعل والتأثير في الساحة

وبالتالي لن تصل إلى أهدافها..
لن تصل إلى غايتها المثلى وهي إعادة بناء دولة الشريعة التي دمرها الاستعمار، وأعتبر أنها أكبر كارثة سياسية أصابت الأمة الإسلامية سواء في المغرب أو خارجه.
4 الأساس الرابع يكمن في التنظيم الشوري، لقد راقبت الممارسة الشورية والديمقراطية، ولو من الخارج، لرجال حركة التوحيد والإصلاح، وأقول أن ما يميز رجال هذه الحركة أنهم يشتغلون على جبهتين: الجبهة التربوية الدعوية والجبهة السياسية الحزبية، وما أثارني هو بداية تلمس الديمقراطية الداخلية واعتماد الشورى في اتخاذ القرار وانتخاب الأجهزة والرؤساء الأمناء، وهذا مهم للغاية، وكذا انتخاب رئيس الفريق البرلماني بالاقتراع السري، وأنا أعتبر أن اعتماد الاقتراع السري في الانتخاب هو أرقى أساليب الانتخاب التي ستؤدي إلى تشكيل عرف سياسي داخلي يحدث ثورة داخلية مهمة للغاية، وهذا غائب عند الأحزاب التي تدعي أنها ديمقراطية.

ألا ترى بأن اعتماد الشورى والأسلوب الانتخابي الذي وصفته بالراقي يقلل من وجود تيارات داخل التنظيم الواحد وكذا الاصطفاف وراء بعض الرموز؟
هذا مهم للغاية لأنه سيؤدي إلى تبديد كل قوى الانشقاق التي تفرخ عند غياب الديمقراطية الداخلية وغياب التناوب.
فهذا الأسلوب لامسته في عدد من المحطات انطلاقا من تسمية الحزب وانتخاب رئيس الفريق ورئيس الحركة وغيرها من المحطات، وسأساهم إن شاء الله في تعميق هذا الأسلوب لأنه في رأيي تعميق التنظيم الشوري هو من أهم الثورات السياسية، التي يجب أن تحدث داخل الأحزاب.
5 أما الأس الخامس فهو أسلوب التدافع: وأهم ما يميز هذه الجماعة هو مبدأ الوسطية، وعقيدة الإسلام مبنية على مبدإ الوسطية وهو مبدأ عقدي وليس مبدأ سياسيا (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالوسطية منهج يؤدي إلى بناء الفكر الأسلم وإنتاج الممارسة الأسلم هذا مع احترام مبدأ الواقعية والتدرج واعتماد مبدأ التراكم الكمي الذي سينهي إلى تغيرات كيفية على صعيد السياسة والاقتصاد وغيرهما.

ولكن هذه الوسطية والواقعية والاعتدال أفكار غير جذابة للجماهير ولا تثير القواعد الشعبية التواقة لرفع الظلم بقوة الخطاب والممارسة معا؟
أنا أعتبر أن الوسطية هي قمة الفكر الشعبي، وأنا لا أقصد بالوسطية الاستسلام والهوان بل العكس فأنا أقصد الواقعية المجاهدة المؤثرة في الواقع، لا الواقعية المستسلمة للواقع، فأنا لا أومن بالواقعية التي تؤدي إلى الإفلاس والاندماج في ثقافة المخزن، أو الواقعية التي تنتهي بنا إلى التراجع عن مشروعنا الحضاري، بل أنا أقول يجب أن يكون الهدف صلبا، ولكن بتكتيكات مرنة، بمعنى أن نكون بمثابة من يلاكم وهو يلبس قفازا من الحرير ولكن يده من حديد!
وهذه في رأيي كلها قضايا تمتلكها حركة التوحيد والإصلاح، وهناك قضايا سنعالجها إن شاء الله داخل الحركة وبالطريقة التي تساعد على ترسيخ آلية الشورى والديمقراطية، وليس إلى خلق الفتن فأنا لا أومن بخلق الفتن الذي أعتبره من ثقافة التخلف التي ورثناها عن اليسار، ويجب علينا أن نحمي جماعتنا منها فهي مخلفات من التيار اليساري وهي رجعية بالمفهوم السياسي للكلمة.
هذا باختصار ما دفعني إلى الالتحاق بحركة التوحيد والإصلاح وليس بغيرها.

لماذا اختار الأستاذ امحمد طلابي هذا التوقيت بالضبط ليعلن عن انضمامه وعن اختياره لحركة التوحيد والإصلاح الذي تم قبل هذا الوقت؟
فيما يخص توقيت الإعلان عن الانتماء لحركة التوحيد والإصلاح أسجل بعض الملاحظات أولا أنا أؤمن بالقضاء والقدر، فالله سبحانه وتعالى قدر كل شيء تقديرا رغم أنه أعطانا عز وجل حرية الاختيار فأنا مسؤول عن اختياري هذه الجماعة، ثانيا إن انسحابي من اليسار قد مر عليه أكثر من أربع سنوات ودخلت الآن في السنة الخامسة وهذا الوقت كاف لإعادة تأهيل نفسي أولا من الناحية العقدية والتربوية وكذا إعادة التوافق ما بين العقيدة التي أومن بها والممارسة التي أقوم بها يوميا في حياتي الخاصة والعامة، وهذه السنوات الأربع كانت ضرورية لفحص ميدان العمل الإسلامي، فأنا قد اتخذت قرارا بالانسحاب من هيئة وقيادة حزب، ولا يمكن لي أن أقدم على اتخاذ قرار بالانضمام إلى صفوف هيئة أو حزب جديد إلا بعد تريث وروية وتدبر.
والإعلان جاء بعد أن استنفدت عملية التفحص للميدان الإسلامي، وبعد أن امتلكت في الحدود الدنيا عملية التأهيل العقدي والأخلاقي والنفسي، وبعد ذلك طرح علي السؤال باستمرار وبإلحاح: ما العمل؟ وأي جماعة يمكن أن تشتغل من خلالها؟ وبدأت أفكر إلى أن كانت المبادرة من أخي ذ. أحمد الريسوني حفظه الله الذي طرح علي بشكل رسمي رغبة الحركة في انضمامي إلى صفوفها وتعزيز حركتها ومسيرتها، ووعدته تلميحا بالانضمام إلى هذه الجماعة، لكن بعد الانتخابات التشريعية 72 شتنبر حتى نتفادى إعطاء الفرصة للذين يصطادون في الماء العكر وحتى لا يقولون أن فلانا انسحب من اليسار ليلتحق بالحركة الإسلامية ليتخذ مواقع في البرلمان أو غيره، فقد انتظرت حتى تشكلت الحكومة كي لا يقال إن فلانا انتمى في فترة يتهافت فيها الناس على المواقع وهذا التوقيت كان مناسبا، فقد جاء بعد مرحلة اختمرت فيها الرؤية للحركات والتيارت الإسلامية.

ولكن هذا التوقيت يأتي قبيل أيام معدودات من عقد حركة التوحيد والإصلاح لجمعها العام الثاني الذي سينتخب فيه الرئيس وقادة الصفوف الأولى؟!
يا أخي أقول لك بكل صراحة إنه لم يكن لي أي علم بأن الجمع العام سيكون أيام 31 و41 دجنبر الجاري ولكن هذا قدر الله وهو توافق جميل، وما زاد من سرعة الإعلان هي الأحداث التي عرفها المغرب نتيجة انتخابات 72 شتنبر التي أعتبرها محطة سياسية أساسية في تاريخ المغرب، فأكبر حدث فيها هو التقدم في النزاهة، أما الحدث الثاني فهو التقدم الذي أحرزته الحركة الإسلامية وارتفاع عدد المقاعد المحصل عليها وبالتالي ازدياد رصيدها ورأسمالها السياسي وسط الرأي العام المغربي.
فهذان الدافعان سرعا من الإعلان باعتبار أنني انتقلت من اليسار في مرحلة سابقة لأعطى دفعة ولو معنوية لإخواني في الحركة الإسلامية واليوم بعد هذه المحطة رأيت بأن الفرصة قد جاءت للإعلان من جديد عن قرار الالتحاق لإعطاء دفعة معنوية أخرى للحركة الإسلامية وبالخصوص حركة التوحيد والإصلاح التي انتميت إليها.

ننتقل أستاذ طلابي إلى الدور الذي تشعرون أنكم ستؤدونه من داخل الحركة، كيف ترون هذا الدور المرتقب؟
ربما في البداية سأكون عالة على هذه الجماعة (يبتسم)، فمنذ أن قررت الالتحاق بهذه الجماعة خططت أن يكون دوري الأول في هذه العملية هو طلب المشيخة أي التعلم أولا، فقد انتظرت أربع سنوات لإحداث عملية تأهيل ذاتية وبشكل عصامي ولكني أرى بأن المشيخة عن طريق التأهيل والتكوين الذاتي غير كافية، لأن ذلك لا يتم إلا عبر شيوخ، الشيخ الأول طبعا هو الأستاذ، ولا تتم المشيخة فقط بالتواصل المباشر فقط بين الطالب والأستاذ، ولكنها تتم أيضا من خلال أدوات ومؤسسات أخرى تلعب دور الشيخ بالتأهيل والتكوين والتربية، وأريد أيضا صقل منهجيتي في التفكير من خلال الممارسة والاحتكاك والتماس مع أكثر من شخص، وهذا هو دور الجماعة، أي إعادة تكوين وتشكيل الأطر، وأعتبر أن هذا الدور ستلعبه الحركة تجاهي. وهذا لا يعني أنني سأكون بخيلا داخل الحركة، بل إن كل ما أمتلكه من خبرة خلال 51 عاما من العمل السياسي ومن خبرة نظرية من خلال التحصيل العام سأساهم به في إغناء حركة التوحيد والإصلاح والمساهمة في الرفع من حصة تأهيلها في كل المجالات وأعتبر ذلك واجبا وفرضا شرعيا.
أما الدور الذي يمكن أن أساهم به إلى جانب إخوتي ولو كان بنسبة ضئيلة وهو الحرص المشدد أولا على إدماج آلية الديمقراطية كجزء أساسي من مصادر الطاقة في حركتنا سواء في المجال السياسي أو في المجال الدعوي، كما سأحرص على أن نشدد الحراسة على كل الواردات من الفكر الغربي الذي يمكن أن تؤدي بنا إلى ضعف المناعة الحضارية والثقافية التي تسمح لثقافة الاستهلاك والميكيافيلية وأساليبها الخبيثة الانتشار، فكما علينا أن ندمج الثقافة الإنسانية علينا أن نكون يقظين حتى لا تتسرب الواردات المذكورة لأنها إن تسربت فستؤدي إلى تسوس الحركة ومناضليها لا قدر الله وهذه من أخطر الأمراض التي علينا مواجهتها إن شاء الله.

الأستاذ امحمد طلابي انضم إلى حركة التوحيد والإصلاح ولم ينتم إلى حزب العدالة والتنمية، لماذا الحركة أولا وليس الحزب؟
أنا أعتبر أن أي حركة سواء كانت دعوية تربوية أو سياسية حزبية لابد أن تنطلق من نظرية في العمل الإسلامي، وأرى أن نظرية العمل الإسلامية هي مشروع وفكرة علينا أن نتعاون جميعا على صياغتها أطرا وقواعد ومفكرين وعلماء وفقهاء وسياسيين وغيرهم، فنحن لدينا خطوط عريضة ولكن لابد من التدقيق فيها باستمرار لتعديلها، وأعتقد أن التمييز بين التوحيد والإصلاح كحركة دعوية، والعدالة والتنمية كحزب سياسي هو تمييز تنظيمي، ولا يجب في نظري أن يكون التميز على مستوى المشروع الحضاري، فإذا كان هناك تحالف استراتيجي وهذا هو القائم باعتبار أن رجالات التوحيد والإصلاح هم رجالات العدالة والتنمية، فالأساس أن يمتلك التنظيمان معا مشروعا حضاريا وثقافيا وسياسيا عاما. كما أن العمل في إحدى الجبهات لا يعني أن هناك قطيعة مع الجبهة الثانية، فانتمائي لحركة التوحيد والإصلاح لا يعني أن كل ما له علاقة بالعدالة والتنمية لا يعنيني، فنظرية العمل الإسلامي لها مكونات عدة أولها: غاية العمل وهذه مشتركة بين التنظيمين وبالتالي فالكل يصب في عملية إشاعة هذه الغاية النبيلة ألا وهي عبادة الله العبادة الشاملة في كل مناحي الحياة. وأنا بهذا أنتمي إلى
العدالة والتنمية في هذا المستوى، وثاني المكونات هو منهج العمل، ورأيي أن هذا المكون يخص حركة التوحيد والإصلاح، أكيد أن الحزب له منهجيته في التفكير السياسي، ولكن حركة التوحيد والإصلاح لها منهجها في التفكير الثقافي العام، وتعرفون بأن المثقف يخطط تخطيطا استراتيجيا في حين أن السياسي يخطط للعمل اليومي وهذا تمييز يجب أن يكون قائما بين الحركة والحزب، وأنا اخترت اليوم أن أكون في ميدان التخطيط الاستراتيجي قبل أن أكون في ميدان العمل السياسي اليومي والتخطيط له.
وثالث المكونات هو علم العمل: فأي عمل، دعويا كان أو سياسيا فهو غير قادر على الفعل إذا لم يكن فاعله مالكا للعلم والمعرفة، فكيف تؤثر في الواقع وأنت جاهل به، وإنتاج العلم في نظري هو من خصائص المثقف والداعية والعالم، وليس من خصائص السياسي الذي يقوم بالعمل السياسي اليومي المباشر، فقد يكون السياسي عالما كما قد يكون مثقفا، ولكن حينما يكون في مجال إنتاج العلم فهو ليس في مجال العمل السياسي الحزبي المباشر، ولذلك فعلى حركة التوحيد والإصلاح أن تقوم بدور إنتاج العلم، ليأتي بعد ذلك المكون الرابع ألا وهو برنامج العمل الذي ينتجه السياسي، وأرى أن على الحزب أن يأخذ نتاج علم حركة التوحيد والإصلاح ويستخرج منه برنامجه السياسي الذي يراه ملائما لسنن التاريخ وفقه الواقع وميزان القوى في الصراع القائم مع الدولة أو مع أطراف أخرى، ويمكن للسياسي أن يكون عالما كما يمكن للعالم أن يكون سياسيا، وهذا فصل منهجي في العملية، وهذه هي بعض القضايا التي دفعتني وحفزتني إلى الانتماء إلى حركة التوحيد والإصلاح أولا وليس إلى حزب العدالة والتنمية.

كيف تقيم ذ طلابي الممارسة السياسية للحركات الإسلامية المغربية الأخرى؟
قلت لك يا أخي بأن هذه الأربع سنوات الأخيرة قد أعطتني صورة عامة عن الحركات الإسلامية في المغرب، فهناك طبعا قواسم مشتركة كثيرة، فأولا غايتها واحدة وهدفها السياسي واحد أيضا وهو إعادة بناء دولة الشريعة التي تعتبر مقصدا سياسيا مركزيا واستراتيجيا، كما أن هناك قواسم مشتركة أخرى في كيفية الدعوة وأساليب التربية وغيرها وهذا يمثل في نظري ثلاثة أرباع، وهناك اختلاف في ربع على الأقل وهو اختلاف ليس بسيطا، فصعوبة التنسيق في العمل السياسي ترجع في رأيي إلى هذا الربع، ومن الاختلافات السياسية الموجودة التي تحد من وحدة العمل السياسي الإسلامي في بلادنا هي الموقف من الديمقراطية والموقف من الملكية، وحسم هاتين النقطتين مهم للغاية وحيوي لأن الحسم فيهما سيؤدي إلى تفعيل الحركة الإسلامية عشرات الأضعاف على ما هي عليه الآن. وأتمنى وأسأل الله عز وجل أن يرشد إخوتنا في كل الجماعات إليه، ومن جهة ثانية هناك اختلاف حتى بين الذين يؤمنون بالديمقراطية وبالملكية كشكل للنظام السياسي في بلادنا، فهناك من يعمل على إفراغه دفعة واحدة من مضمونه المخزني، وهناك من يعمل على محاولة إفراغه بالتدريج.

وملئه بالمضمون المناسب (مقاطعا)
وملئه بالمضمون الإسلامي، وهناك شريحة علينا أن ننبهها أيضا، وهي التي بدأت تتعامل مع المشروع المخزني كأنه مشروع لا يتعارض مع السياسة الشرعية، فهذه أهم خلاصاتي في الواقع حول حركة العمل السياسي الإسلامية في بلادنا، وما أتمناه صراحة هو المزيد من التنسيق ، لأن التيارات العلمانية تتحالف وتعمق الروابط. فالنواة الأولى لتعميق التحالف العلماني الثلاثي ما بين الأحزاب العلمانية اليسارية والأحزاب العلمانية الإدارية والدولة المخزنية بدأ مع حكومة اليوسفي وترسخ ذلك أكثر في حكومة إدريس جطو، فنحن أمام تشكل حلف علماني من ثلاثة ركائز وهذا خطر على الحركة الإسلامية المشتتة، ولهذا فعلى الحركات الإسلامية أن تقوم بتنازلات لبعضها البعض وأن تبدأ في عملية تشكيل حلف سياسيا بالتنازلات.

تنازلات عن بعض المواقف والاجتهادات؟
تنازلات في السياسة وليس تنازلات في العقيدة، فهذه التنازلات ستكون مهمة للغاية لبداية تشكيل حلف إسلامي واقعي وسطي يؤمن بالديمقراطية ولا يرى مشكلا في الملكية بل معركته الأساسية هي إفراغها من مضمونها المخزني حيث يجب ملؤها أولا بمضمون ديمقراطي ثم على المدى الاستراتيجي ملؤها بمضمون سياسي إسلامي. وهذه العملية لابد أن تبدأ، ويتطلب ذلك تقديم كل جماعة لحصتها من التنازل السياسي لصالح الجماعة الأخرى حتى نتمكن من بناء قوة إسلامية تاريخية.

تصب في المصلحة العليا للبلاد؟
بل ستكون في مصلحة الإسلام على المستوى الاستراتيجي، فهذا ما نحتاجه اليوم وهو ما علينا داخل التوحيد والإصلاح أن نعمل عليه ولو بتنازلات منا لصالح الجماعات الأخرى، ولكن لابد للجماعات الأخرى أن تحسم في مسألة الديمقراطية والشكل السياسي للنظام في بلادنا. وهذا سيُفعل الواقع السياسي في البلاد، ويعطي الفرصة لإمكانية تحول القوة السياسية الإسلامية إلى القوة الأساس في العمل السياسي وعلينا أن نأخذ الدروس والعبر من الأحزاب الإسلامية في تركيا وباكستان وغيرهما من أجل إعادة النظر في عدد من العقائد السياسية.

يبدو أن المبادرة ستبدأ من عندكم في الحركة مادمتم ترفعون شعار التوحيد والإصلاح؟
إن شاء الله.

قبل عدة أسابيع عرف المغرب إجراء انتخابات تشريعية هي الأولى من نوعها في العهد الجديد وقد سجل المراقبون بعض النقط الإيجابية لصالحها كما سجلوا بعض الحرص على استمرار بعض "السلبيات"، بذلك ماذا عن الأحزاب العلمانية بعد اقتراع 27 شتنبر 2002؟
الملاحظة الأولى التي أريد أن أبديها هي أن اقتراع 27 شتنبر هو حدث سياسي أكبر بكل مضمون الكلمة، فلأول مرة يحدث إصلاح في ملف سياسي انتظر أكثر من نصف قرن ألا وهو النزاهة، وأقصد بها عدم تدخل الدولة ووزارة الداخلية في توزيع المقاعد النيابية على الأحزاب بشكل منظم ومخطط له، وإن لم تكن بنسبة 100%، فهذه أول مرة يتم فيها احترام إرادة الناخب المغربي في تاريخ المغرب المستقل وهذا مهم للغاية، وعلينا صيانة هذا المكسب السياسي وتعميقه، فإذا تعمق ستحدث ثورة في الفكر السياسي المغربي وهي "ثورة النزاهة"، فالذي عشناه اليوم هو نزاهة بنسبة مقبولة ولكنها مقيدة وعلينا فك تلك القيود في المستقبل حتى نحقق النزاهة الكاملة.
والحدث السياسي "الأهم" بعد هذا الحدث السياسي "الأكبر"، هو الصعود القوي للتيار الإسلامي المشارك في الحياة السياسية، وهي موجة عامة لا تهم المغرب فقط بل تعم كل دار الإسلام، وهذه سُنة تاريخية جديدة، فهذا عنصر قوة نام علينا استثماره بشكل إيجابي وعقلاني حتى لا ترتد هذه الموجة السياسية الثانية بعد موجة التدين والصحوة. أما الحدث السياسي "المؤلم" فهو أن هذه النزاهة قد كشفت عن مدى "قوة" الأحزاب السياسية المغربية. وأظهرت هذه الانتخابات أن كل الأحزاب المغربية ضعيفة، فأعلى نسبة لم تتراوح 13% إلى 15% وهذه نسبة لا تمثل قوة كبيرة بالنسبة لأي حزب سياسي فحزب الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الأقوى ولكنه في تراجع، في حين أن حزب العدالة والتنمية في نمو متصاعد، وماذا لو غطى هذا الأخير كل الدوائر أو أن الجماعات الإسلامية الأخرى شاركت في العمل السياسي، وافترض لو شاركت العدل والإحسان في الحياة السياسية، فلو شاركت العدل والإحسان وغطت العدالة والتنمية كل الدوائر لما عرفنا نزاهة سياسية في بلادنا، فلو شاركت هاتان الجماعتان بكل قواهما لحدثت مذبحة أخرى للنزاهة! ولكن قدر الله أن إحداهما تقاطع والأخرى تخفف من مشاركتها
فسهل علينا ذلك أن نحقق هذا المكسب.

في هذه المرحلة..
يجب أن نرسخ أولا النزاهة، ثم بعد ذلك لنتبارى. وأريد أن أقول أن الانتخابات الأخيرة قد أثبتت بالملموس أن التيار الماركسي ببلادنا قد أصبح (صمت).

جزء من التاريخ؟
جزء من التاريخ بكل بساطة، فأنا قد فاجأتني النتائج التي حصل عليها حزب اليسار الماركسي، ولكن قيادة هذا الحزب لم تستخلص للأسف أي درس، وأرجعت ذلك إلى الضعف في التهييء وهذا ليس رأيا سليما، فعلى قيادة اليسار الماركسي في المغرب أن تقوم بعملية نقد جذري وصارم للذات وللعقيدة والإيديولوجية التي تتبناها، فأنا حينما أحاور العديد منهم أقول لهم: لا يمكن أن تصبح عضوا وقياديا في حزب أو جماعة ما إلا إذا كنت منتميا إليها وملتزما بقانونها الداخلي وبأعرافها وقلت لهم هكذا المجتمع المسلم لا يمكن لك قيادته إذا لم تكن عضوا فيه، وتلتزم بأعرافه وقانونه الداخلي الذي هو الإسلام، فلا يمكن ليساري ماركسي أن يقود مجتمعا مؤمنا فهذا من تفاهات الفكر السياسي.
ونتيجة لتداعيات 27شتنبر وبعد تسجيل ذلك التقدم في النزاهة والديمقراطية نجد أن "المد الديمقراطي" قد تم إيقافه عند تشكيل الحكومة، فقد كنا نرغب ونتمنى أن يتم التقدم في ترسيخ الأسلوب الديمقراطي في بلدنا، لكن اختيار الوزير الأول من خارج الأحزاب المتبارية وخارج إرادة الأمة يعتبر إيقافا لآلية التناوب الديمقراطي حتى وإن كان شكليا، فهذا تراجع عن التناوب الشكلي الذي تم في عهد اليوسفي، وهذه نكسة لآلية التناوب التي يجب علينا أن نكون معها، فأي حركي (إشارة إلى أعضاء حركة التوحيد والإصلاح) لابد أن يكون مع آلية التناوب الديمقراطي، لأنني أتخيل غدا أن حزب العدالة والتنمية قد اكتسح الساحة وأصبحت له الأغلبية الساحقة في البرلمان فسيجد نفسه أمام مأزق بحيث يمكن لرئيس الدولة أن يختار الوزير الأول من خارجه، وهذا ليس معقولا في العمل السياسي، وعلينا أن نتفادى ذلك في المستقبل من الناحية الدستورية بصياغة بند ينص على اختيار الوزير الأول من الحزب الأول.
وآخر حدث هو تشكيل الحكومة من نفس الأطراف العلمانية السابقة التي شكلت حكومة اليوسفي وهي: الدولة واليسار وأحزاب الإدارة ويجب أن ننتبه إلى ذلك ونعتبر منه لنعيد لم صفوفنا كحركة وجماعة إسلامية.

ننتقل ذ. طلابي إلى الشأن الدولي، فأمريكا الآن تدق طبول الحرب لشن عدوان على بلد إسلامي شقيق، وذلك بذريعة أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وفي الحقيقة إن عيون العدو الأمريكي منصبة على خيرات هذه الأمة من أجل السيطرة عليها والتحكم في مصادر هذه الثروة وضمان ولاء حكامها بعد إعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يخدم قوى الاستعمار الجديد، ما الذي يجري تحضيره الآن ضد منطقة الخليج بقيادة بوش الصغير؟
إن هذه الملحاحية في دق طبول الحرب عند الرئيس الأمريكي ضد الشعب العراقي لا يمكن فهمها إلا بالعودة العميقة للصراع في الشرق الأوسط، وإلا لما فهمنا هذه الملحاحية على تدمير العراق. فهناك في رأيي عدد من الأهداف الكبرى هي التي ترغم بوش والقيادة الأمريكية على ضرورة ضرب العراق، القوة الأولى هي اللوبي المسيحي الصهيوني الأمريكي، القوة الثانية هي اللوبي اليهودي الأمريكي والقوة الثالثة هي لوبي الشركات العملاقة وفي مقدمتها شركات إنتاج البترول. فقد تنبه الغرب إلى أن المنظومة الفكرية الوحيدة القادرة على مواجهة السيطرة الأمريكية على العالم هي الإسلام، ويرى اللوبي الصهيوني المسيحي ضرورة تجفيف منابع الدين الإسلامي، وضرب العراق ليس إلا مقدمة لضرب السعودية التي يعتبرونها الآن "عدوا" لدودا، لأن النظام السعودي الذي مازال يعتمد بالنسبة لهم على شرع الله في نظامه التربوي والثقافي هو المصنع الذي يخرج "الإرهابيين" كما يزعمون، فجميع الذين يتخرجون من السعودية هم مشاريع "إرهابيين" في نظر الغرب، ولذلك قرروا تدمير المصنع المنتج لما يسمونه بالإرهاب الإسلامي، ولكن كيف الصراع مع السعودية وهي الضامنة لتدفق البترول لهم؟
وتعرفون بأن المصدر الأساس لذلك هو الخليج، ولكن أى دخول للولايات المتحدة في الصراع مع السعودية يعني إمكانية توقف تدفق البترول من الخليج نحو مصانعهم ولهذا يحرصون أولا على تأمين التدفق إلى الغرب بالسيطرة على منابع بترول العراق، عندها يمكن أن يتفرغ الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لضرب السعودية، التي تملك أكبر احتياطي للبترول في العالم 262مليار برميل ويليه احتياطي العراق ب 112 مليار برميل ثم إيران ب 93مليار برميل ثم الخليج، إذن فتجفيف منابع الإسلام يتطلب السيطرة على العراق أولا ليبدأ تجفيف منابع البترول نفسه ثم ثالثا: تجفيف منابع الانتفاضة فالعراق من الداعمين الرئيسيين للانتفاضة، ولذلك فالحركة الصهيونية المسيحية والدولة العبرية ترى أن استمرار الانتفاضة يتم بفعل الدعم المادي والمعنوي الآتي من خارج فلسطين وخاصة من العراق، فهذه هي العوامل الكبرى للعدوان المبيت على العراق فأمريكا ترى أن حصتها في استثمار البترول العراقي موزعة ما بين الشركات الألمانية والفرنسية والروسية وهي محرومة من حصتها، فكيف يقبلون في عصر قيادة أمريكا للعالم أن تكون شركاتها على الهامش، فهذا غير معقول وغير مقبول بالنسبة
لها، ولهذا ترى ضرورة إعادة توزيع الحصص لتسيطر الشركات الأمريكية على الحصة الكبرى، وها هم الآن يتفاوضون مع روسيا وألمانيا من أجل ذلك.
وفي الأخير هناك عامل حضاري أعمق، فالولايات المتحدة اليوم يسيطر عليها ما يسمى بالديانة المسيحية البروتستانتية المعروفة ب"الإنجيلية العسكرية" وهي حركة مسيحية أكثر صهيونية من اليهود أنفسهم وهي تعتقد بعودة المسيح ليحكم "الألفية السعيدة" ولكن بشروط أهمها: عودة "شعب الله المختار" إلى أرض الميعاد وقيام الهيكل وقيام حرب "هارماجدون"! بل يعتقدون أن جميع المعارك التي تدور في الشرق الأوسط تدخل في المقدمة حرب "هارمجدون" ويؤمنون ب "الآشوري" وهو رجل سيحارب المؤمنين (أي المسيحيين) سيأتي من الشرق وربما في نظرهم أن هذا "الآشوري" هو صدام حسين! فهذه معتقدات مسيحية قد نتهاون في التعامل معها ونستهزئ منها ولكنها ذات قوة ضاربة، وبوش من الملتزمين بالمسيحية الصهيونية وأبوه ملتزم بها، وقد قال بوش الإبن صراحة بأنها ستكون "حربا صليبية"، وهو لم يقل ذلك خطأ أو كانت فلتة لسان بل قالها اعتقادا منه وتملقا للجناح الصهيوني المسيحي في الولايات المتحدة، الذي يصل أتباعه في أمريكا 70مليون عضوا وهم مؤثرون في الانتخابات الرئاسية ونواب الكونغرس وغيرهما.
فهذا كله سيدفع بوش إلى العدوان على العراق وهذه هي العوامل الكبرى التي تحدد الصراع، فهل سينجح؟ إن هذه المعركة مفتوحة ولا يمكن الحسم فيها منذ البداية.

بوش الصغير قد يتحكم في بدايتها ولكنه حتما لن يتحكم في نهايتها.
بالطبع.

وهنا يطرح السؤال: ما العمل؟ وما الدور المطلوب من الأنظمة والشعوب العربية الإسلامية أمام هذه الهجمة الجديدة؟
أكيد بأن الأمة الإسلامية مبتلاة والابتلاء جزء من عقيدتنا، وهو يتطلب عملا، ورأيي بصراحة أن المدخل لكل مشاكلنا العظمى التي نعيشها هو بناء الديمقراطية فأعظم كارثة أصابت الأمة في القرن العشرين هي إلغاء دولة الشريعة وإلغاء الخلافة، ولا يمكن حل هذه الابتلاءات الكبرى في رأيي إلا بإشراك الأمة في الشأن السياسي العام، والمدخل لهذا هو بناء الطريق الديمقراطي للسلطة في كل قطر عربي، وهو الطريق إلى صيانة مقدرات العراق وغيرها من الشعوب سوف لن يتم إلا بإعادة بناء الطريق الديمقراطي للسلطة الذي سيعطي لإرادة الأمة القدرة على رسم مصيرها وبالتالي القدرة على مواجهة الأعداء وفي مقدمتهم الغزو الأمريكي الجديد.

كلمة أخيرة ذ، امحمد طلابي
أولا أشكر الإخوة في جريدة التجديد على هذه الالتفاتة وأريد أن أقول في الأخير أنني أتمني أن أكون عند حسن ظن الإخوة، وأسأل الله عز وجل أن يلهمني السداد والتوفيق إلى جانب إخوتي في حركة التوحيد والإصلاح، من أجل نهضة الأمة وعودة دولة الشريعة ولو على حقبة قرن من الزمان ولكن يبقى هذا هو هدفنا السامي، لنكون أمة شاهدة على أمم العالم، شاهدة بالعلم وبالعدل وبإنقاذها من الضلال ومن العوز المادي ومن الظلم، فأمتنا هي أمة الشهادة ونسأل الله عز وجل أن يلهمنا الطريق المستقيم من أجل تحقيق هذه الغايات الكبرى وشكرا لكم.

نحن الذين نشكرك أستاذ طلابي جزيل الشكر على تخصيص جريدة التجديد بهذا الحوار الشيق والمفيد وإلى فرصة أخرى إن شاء الله.
حاوره: إسماعيل العلوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.