عندما أشدت بالعمل النقابي التشاركي بين التنظيمات النقابية والجمعوية في الملف المطلبي لهيئة التفتيش، لم أكن أسعى إلى تعليق لافتات المدح والتبجيل على عناوين معينة. بقدر ما كنت أسعى إلى حشد الهمم لاستنبات فكر جديد في العمل النقابي يوحد الجهود من أجل مظلومية جهاز التفتيش بقطاع التربية والتكوين. وإلى تحميله كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية المنوطة به اتجاه تصحيح مسار هذا الملف ومسار المنظومة التربوية والتكوينية. وعرضت القول بأن مصداقية تلك التنظيمات النقابية والجمعوية على المحك، حتى تبرهن عن جدارة الانتماء إليها والانخراط في صفوفها؛ بما تدعيه أمام الهيئة والشغيلة التعليمية من الدفاع عن حقوقها. ومن ثم وجد المناضلون النقابيون والمنخرطون الجمعويون من الواجب ضمن اختصاصات التنظيمات النقابية والجمعوية أن تنبري كلها ودون استثناء للتعاطي مع ملف المفتشين بعيدا عن أية خلفية سياسية أو إيديولوجية أو عقائدية معينة أو الاترهان لدى مؤسسة حزبية أو سلطة معينة، بما يعني تحقيق الاستقلال لهذا العمل النقابي التشاركي.وانطلاقا من إيماني العميق بأن العمل التشاركي هو أرقى عمل مجتمعي يقود إلى الوحدة والالتحام والتعاون والتآزر والتآخي في ظل تصريف الاختلافات والتميزات والتفردات بالحوار والحوار فقط، كنت من المدافعين ومازلت عن هذا العمل الجماعي. لكن مع الأسف الشديد كلما مر الوقت والزمن إلا وازدادت قناعتي أن الفعل النقابي المغربي مازال مرتهنا لدى الفعل السياسي، ومازال لم يبلغ حلمه بعد حتى يستقل، ومازالت الرقابة السياسية تتحكم في مداخله ومخارجه، وتملي عليه موضوعات تعاطيه ومنهجيات التعاطي. مما يزيده تأزما ويفقده قواعده التي يرتكز عليها وينطلق منها. فهو يتجه في الاتجاه المعاكس لتلك القواعد المناضلة!وهذه القناعة يستنبتها فينا العمل النقابي من خلال ممارسات اللجنة لعشرية، التي كانت مصب اهتمامنا جميعا سواء في مستوى الدعم أو في مستوى التتبع والدراسة والتحليل. فقد جاءت رسالتها المطلبية للسيد الوزير الأول في شأن الملف المطلبي لهيئة التفتيش بقطاع التربية والتكوين في سياق اجتماع اللجنة مع السيد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي عاملا من عوامل خفض الاحتقان بين قطاع التربية الوطنية وهيئة التفتيش، مما دفع بالهيئة عبر ممثلها الشرعي والأكثر تمثيلية في اللجن الثنائية " نقابة مفتشي التعليم " رفع بعض الصيغ النضالية عن برنامج المفتشين النضالي الساري بينهم، ورفع نسبة الأمل والانفراج في هذا الملف إلى درجة تفاؤلية معينة. وأصبحنا نسمع عن أطروحات للحل من هذا وذاك. لكن مع الأسف الشديد؛ ما عدنا نسمع عن هذه اللجنة العشرية شيئا يفيد في حل المشكل! في مقابل أننا ميدانيا؛ نجد بسماتها واضحة وجلية في محاولة توطين تنظيم التفتيش الذي هو مدخل للملف المطلبي، فأصبحنا نقرأ مضامين مشاريع المذكرات الوزارية بنغمتها وبأرضيتها الخلفية. وكأننا أمام لجنة وزارية وظيفية معنية بتسويق ما تروجه الوزارة من تنظيم قد ينسجم مع واقع المنظومة التربوية والتكوينية وقد لا ينسجم معه؟! وكأنها ليست لجنة للحوار والمتابعة النقابية والجمعوية للملف المطلبي لهيئة التفتيش!هذه اللجنة العشرية لم يسمع عنها أنها اجتمعت لتقويم مصير مطلبها للسيد الوزير الأول، ولم يروى عنها أنها أصدرت بيانا توضح فيه لمن أصدر بياناتها السابقة المحطات المسطرية والأدائية التي تسلكها في التعاطي مع هذا الملف. وإنما همها الكبير هو توطين وترسيخ تنظيم التفتيش رغما عن اختلالاته، ورغما عن عدم استقلالية جهاز التفتيش، ورغما عن عذاب ومعاناة وتأزم هيئة التفتيش؟ ومن تم يكون السؤال التالي مبررا طرحه بكل المقاييس: هل اللجنة العشرية التي تدعي تمثيل المفتشين تمثلهم حقيقة وتدافع عنهم أم تمثل الوزارة وتدافع عنها؟ وهل استحضرت مسؤوليتها التاريخية والمهنية في التعاطي مع هذا الملف القديم؟إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة لا تنبع من مقال أو بيان أو طرح نقابي وجمعوي وإنما تنبع من واقع الممارسة والميدان. فلا يمكن لي المصادقة على مصداقية أي عمل نقابي سواء تشاركي أو فردي دون نتائج ملموسة في الميدان. أما الخطاب البيانوي أو النقابوي أو الجمعاوي؛ يبقى لدي مجرد كلمات إذا لم يصادق عليها الواقع بالملموس والمحسوس، تدين صاحبها وتفقده المصداقية لدي ولدى القواعد، مما يجعلني ويجعل القواعد ترفع الصوت: بأنك أيها التنظيم النقابي أو الجمعوي تمثل نفسك ولا تمثلني إطلاقا. ومنه أي كلام مطلق يدعيه أي تنظيم نقابي وخلافه في تمثيل هيئة التفتيش يكون مشكوكا في أمره؛ فهو نسبي يجب تحديد نسبته كما ونوعا، ولا يقبل بتاتا إطلاقه وتعميمه ترويج ما يفعله بنا بيننا.عندما انبثق العمل التشاركي في شأن الملف المطلبي لهيئة التفتيش علقنا عليه الأمل الكبير في تغيير الفكر والأدوات والمنهجيات والمدخلات والمخرجات؛ لكن ربما لم نقرأ جيدا هذا المعطى في ظل سياق التكثلات والتجمعات الشكلية لا العميقة التي تذيب الجليد بين المكونات وتقارب بينهم حتى تكاد تصير بنية عضوية واحدة. ومنه فإن أية مفتشة وأي مفتش يقدر إطاره معني بالتساؤل عن مصداقية العمل النقابي التشاركي في ظل تلك التنظيمات النقابية والجمعوية التي تدعي السهر على متابعة ملفه المطلبي وتصدر باسمه البيانات وتعممها عليه. فإما أن تنضبط هذه التنظيمات لقواعدها التي تخوض أغلبيتها النضال من أجل إحقاق حقوقها أو نعلنها نحن القواعد على الملأ أنها تنظيمات غير منضبطة لهذه القواعد ومن ثم نزيل عنها شرعية التمثيل في الانتخابات القادمة للجن الثنائية المدخل الرئيس لهذه التظيمات النقابية خاصة.إن هيئة التفتيش لم تشهد إجماعا عبر تاريخها الطويل بالقدر الذي شهدته حول ملفها المطلبي. ومنه لا يبقى لأي تنظيم نقابي أو جمعوي أو سياسي يتنمي إليه المفتش مسوغات عدم الدعم والمساندة لمظلوم اتضح ظلمه وبان حقه. وبالتالي فعلى كل مفتش و مفتشة ينتمي إلى تنظيم ما أن يدافع عن حقوقه المهضومة من خلال ذلك التنظيم ولو بتوضيح تلك المظلومية والدفاع عن إطاره أمام خصومه القدامى والجدد. فلا يعقل بتاتا وإطلاقا الانتماء إلى تنظيمات لا تحمل همنا مع هم غيرنا.فالمحطة القادمة هي مساءلة اللجنة العشرية رسميا عبر التنظيمات التي ننتمي إليها جميعا وكتابة عما فعلت في الملف، حتى نضعها أمام مسؤوليتها النقابية والجمعوية، وإلا فنزع الشرعية عنها في الانتخابات القادمة واجب شرعي وأخلاقي ومهني وإنساني، ومسؤولية كل مفتشة ومفتش مرتبطة بضميره نحو إطار التفتيش. إننا إذا لم نفعل حقنا المشروع في اختيار الجدير بتمثيلنا في اللجن الثنائية سيبقى ملفنا المطلبي مرتهن لمن ارتهن لدى وزارتنا.وعليه فإني أوجه سؤالي الكتابي هذا إلى اللجنة العشرية طالبا منها الإجابة عنه كتابة في الصحف والمنابر الإعلامية وعبر بيان رسمي منها موقع ومختوم بأختامها:•أين وصلت في تعاطيك ما الملف المطلبي لهيئة التفتيش؟إننا نحن القواعد نتمنى على لجنتنا العشرية أن تهتم بملفنا المطلبي اكثر من اهتمامها بتوطين تنظيم التفتيش، فهذا التنظيم سيوطن بمجرد حل الملف المطلبي. وكل التقدير لمن يساهم في حل الملف المطلبي لهيئة التفتيش مهما كان، وفي أي موقع كان، ومن أي تنظيم كان.عبد العزيز قريش /تاونات