وداعا نجاة، وداعٌُ رددته العشرات كما المئات ممن حضروا وداعك الأخير، وداعا وأنت التي استطعت أن تُجَمِّعيِ كل ألوان الطيف المجتمعي حول جثمانك الطاهر، وكما كنت دائما مع الجميع، كان هناك ذلك الصباح الحار جميعُ الجميعْ، الجيران والأحباب والزملاء والزميلات وحتى تلامذتك بَكَوْكِ بحرقة فاقت كل تصورٍ أو وصف، كان هناك السياسيون والنقابيون والإعلاميون والمنتخبون ومختلف فعاليات المجتمع المدني، وكان هناك البسطاء ممن عرفوا قدرك حين كنت كالنحلة لا تتأخرين عن الحضور في كل مكان، حتى أننا اعتبرناك أنت وأختك بهيجة جزءُُ من مشهدنا الدائم الحضور في كل مكان، الكل بكاك ذلك الصباح، زملاؤك وزميلاتك بتلك الإعدادية التي كنت عنوانها البارز، وبالتكبير والزغاريد تم نقل جثمانك الطاهر إلى المسجد ومنه إلى الثَّرىَ، وكم كان المشهد جليلا ومئات السيارات والحافلات والدراجات تحملك إلى مثواكِ الأخير ، الكل كان يمشي ورائك ذلك الصباح وفي نفسه ألف سؤال، كيف استطاعت هذه النجاة أن تحمل في قلبها حب هذه الآلاف من المُشيِّعين الذين تحملوا حرقة الشمس اللاَّهِبة وحرقة الفراق؟؟، بل كيف انسلَّتْ فجأةً وفي صمتٍ وغفلةٍ من الجميع، مُعلنة عن الوداع الأخير؟، وكيف رحلتْ نجاةُ وهي التي رتبت رحلةً لتلامذتها يوما بعد الرحيل؟. وها أنت ترحلين فمن سيرحل معهم وبِهِمْ بعد اليوم؟؟ رحمك الله يا صديقة الجميع، ويا أخت الجميع، ويا من لم تكن تتأخر عن كل دعوة تأتي لفعل الخير والعمل الجمعوي الصادق، رحمك الله وأنت التي رسمت للحب معاني كثيرة رغم المعاناة وظلم القدر، يا من جمعت كل صفات المربية والأستاذة وفاعلة الخير في السر والعلن، رحمك الله وأنت تودعين الجميع بدءً بِوَحيِدتَكِ غيثة مرورا بالمصطفى ونور الدين وبهيجة التي لم تصدق أن رفيقتها ترحل بدون كلمة وداع!، رحمك الله وأنت البارة بالوالد( اعزيزي) وبالوالدة ( خِّيتي)، رحمك الله وأنت التي توقف قلبها الطيب فوق أوراق امتحان تلامذتها، وهم أنفسهم تلامذتك الذين هجروا الإعدادية ذلك الصباح، وجلسوا قرب جثمانك ينتظرون في ذهول،يتساءلون في خشوع، هل سترحل نجاة إلى الأبد؟، ومن البيت إلى المسجد إلى قبرك الطاهر، تسابقت الأيادي لحملك على الأكتاف، وتسابق الكل للصلاة على روحك الطاهرة، وكان الكل يردد التكبير والدعوات الصالحة ، واختلط العناق بالدموع بالنحيب بالبكاء، رحمك الله وعزاءنا واحد في فقدانك، للوالد والوالدة ، للأستاذ الجليل إدريس افريج، إلى نور الدين والمصطفى، إلى الدكتورة بهيجة، إلى كبيرة وإلى كل من وقف ذلك الصباح الحار باكيا على فراق نجاة، إلى كل عائلة افريج، عزائنا واحد في موتك المفاجئ، فقلبك الذي حمل كل معاني الحب توقف فجأة ، لسبب وحيد هو أنه ضاق بكل ألوان الحب الذي كنت توزعينه أينما حَلَلْتِ ، وبأروع كلمات الحب ندعو ك بالرحمة والمغفرة، وثقي بأنك معنا مهما حاولتِ الرحيل، إنا لله وإنا إليه راجعون.عبد الغني دهنون