نكبت حارتنا بامرأة حل لطف الله عليها , تخرج كل ليلة صارخة شاتمة متوعدة , واهلالحارة في نومهم العميق .. لا تبقى ولا توفر احدا , توجة اقذع الشتائم , وتقذفالتهديدات بأن " تفعل وتترك " بنساء الحارة ورجالها , ويتطاير الزبد من شفتيها فينوباتها الليلية العصبية .. وكثيرا ما تلوح بسكين مطبخها متوعدة مزمجرة . مما تركتوجسا في نفوسنا , بان ترتكب حماقة على حين غفلة . والحق يقال , ان اهل حارتنا يؤذيهمحالها البائس , ويريدون للطف الله ان يطولها مرة اخرى بمؤسسة ترعاها , علها تعود الىكامل وعيها وتصبح واحدة منا وفينا , تغرق مثلنا في النوم حين يحين زمنة السلطاني , وتستيقظ ليومها الجديد , بنشاط وأمل , وتبادلنا ونبادلها التحيات والاحاديثوالعلاقات الطيبة المرجوة بين الجيران . وسننسى ايامها السوداء التي أطارتالنوم من عيوننا وعيون اطفالنا , بصراخها المؤذي وبشتائمها المدوية في سكون الليل , وبعربدتها المنفلتة على رجال الحارة ونسائها , لانهم يتنفسون نفس الهواء الذي يصلها , ويلاطفهم نفس النسيم الذي يرطب قيظ الصيف في بيوت الجميع , او يرى الله بها امرهرحمة لها ولنا , فهو الرحيم وهو السميع . تلك المرأة والمتلطف بها , كما يفكرالبعض .. ولا اقول هذا على ذمتي او مسؤوليتي , حتى لا اتحمل وزر الخطيئة , انماانقل ما يدور وليس في ذلك ما يدل على اشتراكي بما يفكرون .. بان الله يحمل اثمتصرفاتها المنفلتة , اذ اختصها بلطفة وبتنا عاجزين عن فهم وتعليل ألطافة التي كثرتواتسعت مع تزايد شتائم جارتنا وصرخاتها المدوية في منتصف الليل , فهمنا انها تتهمنابتنظيم اعتداء عليها , واننا نجمع القمامة ونفرغها امام منزلها , واننا نصطادالذباب والهسهس ونجمعة ونطلقة في محيط بيتها , واننا نمارس السحر لتبقى الدنياسوداء في وجهها , ونتآمر لنسرق الورود التي لا تألو جهدا , رغم لطف الله بها .. علىرعايتها بحنو واكثارها . وكثيرا ما اصابتنا الحيرة من عقلها الشائط في علاقاتةمع اهل الحارة والجيران الاقربين خاصة .. وقدرتها العجيبة في رعاية الورود,تخصيبها واكثارها . والحقيقة , لولا عقلها المصاب بلطفة , دام مجدة في عليائة , لما تردد احد في التقرب والتعلم والاستفادة من خبرة جارتنا في تنمية الورود , بلودعوتها اهلا وعلى الرحب والسعة في بيوتنا , بعد ان يعود عقلها الى مخدعة , ويتسترلسانها بمأمنة. وللتاريخ اقول ان جارتنا نزلت علينا في يوم غائم ... ولا يدري احدكيف تم هبوطها ومن اين مصادرها لامتلاك بيتها الكبير ذي الساحات والمشارف والاحواض , وقد قارن البعض هبوطها بالهبوط الناجح على القمر . غير ان هبوط القمر لهمصمموه ومطلقو آلاتة , اما هبوطها فلم يعرف اصلة ووسائلة , ولا مبتدأه ولا خبره , انما اضحى حقيقة نعايشها بقبول وتوجس بالا تكون وراء جارتنا سيرة لا تطمئن البال ولاتضيف لبيوت الحارة كرامة وصونا للشرف , وكان واضحا ان هبوطها في حارتنا هو شوكةتزداد انغراسا مع الايام , ورغم الورود المنماة في الاحواض والشرفات , الا انالاحساس يحمل توجسا لا تفسير ظاهر له وقلقا من آت مجهول , قد لا يتناسب مع حارتناواخلاقنا وقيمنا وحسن سيرتنا , وقد تواصل ازعاجها وزعيقها المؤذي , وحرماننا منالنوم الهانيء ,واقلاق راحة بالنا , ومثولها امامنا ببشاعة لم ينتظرها احد منالخالق في خلقة الذي قيل لنا في صغرنا , بان صناعتة في منتهى الكمالوالجمال والاتقان , فهل كانوا يكذبون علينا ؟! وماذا يستفدون من اخفاء الحقيقة ؟! او هي محاولة لتجربتنا في ايماننا بقدرتة ومشيئتة سبحانة في عليائة؟! . وكيفنرى الجمال في كل ما نرى ؟ وهل ابقت جارتنا شيئا من دلالات جمالها ؟! ترى ما الذييمسخ سحنتها في عز الليل , ويحيلها شرسة تأخذ راحتنا ونومنا الهنيء , لتصلية على ناركلماتها النابية والمؤذية ؟ كنا نتأمل ونتعجب ونناشدة سبحانة .. ان يحل بنا مزيدامن الصبر والتقوى وان لا يجربنا بجارتنا , ونقيم لة الدعوات ان يبرد غيظها غيرالمبرر , ويطفئ حدتها الملتهبة ويخفف انذاراتها لنا بالثبور والدمار , وازاحة الغشاءعن عينيها علها تبصر نوايانا الطيبة ويرتد لها عقلها , ويطمئن بالها ويزول كربهاوزعيقها , فننعم بغفوة آمنة اشتقنا لها وافتقدناها منذ ابتلينا بها . سبحانك فيعلاك , لا يتم امر الابمشيئتك , ولا يرى النور انس او جان الا باذنك , رحمتك يا قدير , حنانك يا غفور . طال انتظارنا للطف آخر , يضاف على لطف الخالق الاول الذيانعم به على جارتنا , فيعدل ما بار في خلقها , فتزول حيرتنا من حديث بعض ضعاف النفوسوقليلي الايمان من اهل حارانا , انة في عليائة ( المغفرة ثم المغفرة ) لة جولاتةوصولاتة , بعضها لأمر في نفسة او خارج عن ارادتة كما يدعون .. لا يكتمل تجلية , ولاتنتظم صنعتة , ويبقى منتقصا وعديم الفائدة للبشر , وان الامر يشبة سكة الانتاج , يخرج منها الصالح تماما والصالح اقل والباير كجارتنا .. ولكن حيرتنا بقدرتها , رغملطفة النازل عليها .. على تنمية الورود ورعايتها بحب جلى واضح معظم ساعات النهار , اما ساعات الليل فتكرسها لشتمنا وقذفنا بسافل الكلام وبأشد التهديدات قساوة وجنونا , فكيف يتساوى الورد مع الجنون ؟! بعض الشباب تواقحوا واعلنوا ان جنونها من جوعفرجها ,وان اشباع فرجها يضمن صمتها في الليالي التي احالتها الى معاناة طويلة لاهلحارتنا , ولكن هل هناك من يجرؤ على تطبيق هذة النظرية ؟!. بعض الشيوخ ايقظت فيهمنظرية الشباب الفرجية , ذكريات ايامهم الغابرة , فتنافسوا في قص غزواتهم وعنترياتهم , فاضحكوا اهل الحارة , ومسكها عليهم الشباب وتساءلوا بخبث وهزء , ان كان من المعقولان يكون شيوخنا, الذين يدبون على عصيهم واحيانا على عصيين , ويقحون ويبصقون ويضرطونكل ساعات يومهم , لهم مثل هذا السجل الذي لا يخجل بة اكبر " دون جوان " عرفتة غرفالنوم ؟ وان كان شيوخنا الافاضل بمثل هذه القدرة التاريخية على حرث الفرج , فكيفتحول هبوط جارتنا في حارتنا بمثل هذا الاشكال وبمثل هذة الضراوة , بمثل هذا التعطشللاذى ,وبمثل تلك الدلالات البارزة لجوع فرجها ؟! والبعض سأل ما لا جواب له , لماذايا حضرات الرواد البواسل لم تتطوعوا لاشباع جوع جارتنا قبل أن يمسها لطفة ؟! والواقع ان الشيوخ كالشباب , استطابوا حديث الفروج , حتى زجرهم عقلاء الحيوانذروهم بالويل والثبور والحرق بنار جهنم اذا واصلوا الخوض في المحرمات والاعراض, فالجارة , حتى الغريبة عن الحارة , والدخلية على بيوتها , لها حرمتها , فنحنالعرب استثنانا الله من الرذيلة ,ووهبنا الفحولة لنستثمرها في العمل الصالحوالمشروع , بالاكثار من نسلنا , وتعزيز جيوش المؤمنين الصالحين , وان الدلالة لمصيبةحارتنا بجارتنا هي مئات التجارب التي لا بد لنا ان نقف فيها بثبات وايمان , حتى لانسقط بالتجربة الربانية ونتحول الى عبدة الشيطان لعنة الله علية , وان لا ننسى انلسبحانة في عليائة شؤون في خلقة , ليس لنا ان نخوض فيها حتى لا نقع بالمحظور , وانهتبارك اسمة , لا ينتظر اقتراحتنا , ولا ينقصة صواب الرأي وحسن التدبير , وانه لوشاء للطف لسانها او اخرسها , وانه لو شاء لبعث اليها فحلا يضمها الى حريمة بدلوحدتها القاسية .. ويروضها ويشبعها فما وفرجا , فتطيب حالها وتستقر نفسها , ولكنمشيئتة لم تكن كذلك , فالحذار من الخوض في شؤونة .. قال شاب يلوح البريق في عينية , انعقلاءنا زجرونا عن حديث الفروج بتهديدنا بالويل والثبور ونار جهنم , وفتحوا حديثالفحول , اي اننا عدنا لنفس المنطقة المحظورة , نتداول فيها لحل اشكالاتنا , ولكنلم يثبت حتى اليوم ان امة تحررت بقدرة فحولها على حرث فروج الغزاة , او اناشكالياتنا حلت بقدرتنا الفحولية .. فهذا يعيد الحديث الى اصلة , والى نفس المناطقالمحظورة التي منعنا عنها عقلاء حارتنا , وهو يثبت اننا شبابا وشيوخا حرث الزمن فيعقلهم وعقلنا , مصابون بنفس الداء .. وان العقل في هذة المنطقة , يخرج في اجازة .. ويبدو ان اجازتة طالت وهي بسبب ما نعانية من الهبوط الغريب لجارتنا في حارتنا .. اشتدت قوه صراخ جارتنا واستمرت لزمن اطول , وصرنا نسمع عويل الذئاب بين صرخاتهاوكأنها تتحول الى امرأة ذئب , وقد ارتعد الرجال قبل النساء .. والتصق الاطفاليامهاتهم رعبا , ولم يجرؤ احد منهم على عبور الشارع بقرب بيتها الا ركضا سريعا ومنالجهة البعيدة , وتساءل البعض ان كانت جارتنا حقا امرأة , ام هي فحل بثياب تمويهيةبقصد الفتك بحرمات الحارة ؟ واشتعلت الاضواء الحمراء , واحس اهل الحارة بالخطرالمحدق ,وقال البعض لعل المخفي اعظم , وغرقنا في حيرتنا . ربنا هبنا من لدنكرحمة , وعزز ايماننا واحفظ لنا كرامتنا .استقر رأي حارتنا بعد ان اعياها الحال ,وتكاثرت الوساوس والهواجس , ان يستنجدوا بالحارات الاخرى , فالمصيبة قد تلحق بهمان لم نتدارك الامر ونوقف الشر المتزايد .. حقا لا يمكن انكار نخوة ابناء الحاراتوهمتهم المباركة , فتوافدوا جماعات جماعات لمد يد العون ودعمنا من الآفة المستفحلة .. وبعضهم اكتفى مشكورا بالدعوات الحارة , لخالق الارض والسموات , ان ينصرالمؤمنين الصامدين على الشر والاشرار , فاقيمت الموالد في حارتنا , ترحيبابالامدادات من اصلب الرجال .. وذبحنا الذبائح ,واكلنا ودبكنا ولوحنا بسيوفنا امامشرفتها .. ومع ذلك لا يبدو ان جارتنا فهمت ان هذة الجحافل والسيوف هي لوقف استفحالشراستها وعدوانها , بل استمرت بصراخها الليلي المؤذي مما ارهق رجال الحارات وحرمهممن الخلود للنوم والراحة , ومع ذلك لم يتخلوا عنا الا بعد ان نفذ مخزوننا من الارزوالخراف , فرجع كل الى حارتة معلنين بصلابة انهم على استعداد دائم , اذا ما تواصلاستفحال الامر , ان يعودا من جديد لدعم صمودنا وتقوية شكيمتنا , ودعوا لنا بالخيروالوفاق , فشكرناهم على نخوتهم , وودعناهم بمثل ما لاقيناهم من ترحاب . ويبدوان جارتنا انتظرت هذة اللحظة ... بعودة الطوابير الداعمة الى احيائها , فازدادجنونها.. وبدأت تخرج لشوارع الحارة وازقتها في ساعات الليل والنهار , تعترضالنساء والاطفال , صارخة شاتمة ملوحة بقبضتها , فلم يجد البعض حلا الا مغادرة الحارة , خوفا ورعبا من اذاها , بعد ان بات واضحا اننا لا نملك ما نطعم بة طوابير الدعم منالحارات الاخرى . حقا , اهل الحارة لم يكونوا قاصرين عن "فلخ نيعها" اما مازجرهم فهو اباؤهم عن تلويث رجولتهم بالتشاطر على امرأة مصابة بلطف اللة . اسودتدنيانا ولم يعد لحياتنا معنى , ولم ندر كيف وصلنا لهذه الحال ومن اين ابتلينا بهذاالمأزق؟حال الجارة تزداد سوءا وعدوانا وباتت البيوت التي تركها اصحابها مرتعاخصبا لانفلاتها , كانت بلا اهل ليردوها عن غيها.لا نعرف من اين هبطت علينا , وهل لها زوج , ام انة كان ونفق بعد ان رأى حالها ؟ وكيف تصير حال كرامتنا اذامددنا ايدينا عليها ؟! بعض الشباب . تنظموا وتسلحوا بالعصى لردع انفلاتها , الاان كبارنا زجروهم وافهموهم ان للجار مهما استجار حرمتة , فكيف والحال مع امرأةوحيدة ومصابة بلطف الله .. ؟! ادعوا لها بالرحمة ؟؟ولكن الله , سبحانة في علاه , لة كما يظهر رأي مختلف , طرقة ليست دائما مفهومة لخليقتة , فها هي الجارة تذهلناوتحيرنا بوضعها مولودة في كل بيت مهجور .. ترى من اقتحمها ؟؟ وهل كان اقتحامهاميسرا ؟وهل مقتحمها انس مثلنا او جن من المتحررين من اسر سليمان الملك . وكيفلم يلحظ أحد من اهل الحارة تغير حالها وشكلها بانتفاخ بطنها ؟! والمذهل وضعها عددا منالمولودات من غير المعقول ان يحمل بة بطن وحيد , فهل هي امرأة كما فهمنا حتى اليوم .. ام جنية متمردة من اسر سليمان الملك ؟! وهل يصاب الجن بلطف الله كالبشر ؟! وهليمكن ان يشبع انس جوع فرج جنية ؟! وكيف يمكن الجماع بين انس وجنية ؟!وهل يسمح الشرعبهذا الجماع ؟!ومن اين لهذة الجارة هذا الخصب غير المحدود , وبهذة الكثرة المستحيلةعلى بني البشر ؟! فهل نحن امام عجيبة دنيوية لم يسمع بها احد من قبل ؟والمرعباكثر ان المولودات شديدات الصراخ كأمهن , فهل انتقل لهن لطف الله بالوراثة ؟! وماالحل امامنا ؟ هل نحمل عصانا ونرحل ؟! وبدأت تدور قصص تشابة الخيال , بان بناتجارتنا , رغم صغرهن ... يتجولن في الحارات الاخرى مطلقات صراخا ذئبيا مرعبا .. والمذهل انها لم تلد اي مولود ذكر !! بلغ الذل مداه .. وبدأ تمرد الشباب على حكمالشيوخ , واتهامهم بالمسؤولية عن التقاعس ولجم الانفلات الارعن لجارتنا في وقته , واعطاؤها المجال الحيوي للتكاثر الغريب والمذهل وبدونالاخصاب من ذكر , وقال الشباب انة بلغ السيل الزبى ,وانهم ليسوا على استعدادليكونوا نسخة طبق الاصل عن اهلهم , وان ما يجري هو تجاوز لكل مفاهيم التجارب الالهيةببني البشر , التي يذكرها علماؤنا ويلوحون بها لزجر الشباب عن غية كما يقولون , وقد اعلن معظم الشباب انة حتى الكفر اكثر عزة من الذل والمهانة لكل العمر , وانالاصطلاء بنار جهنم اكثر رحمة من الاصطلاء بشراستها واهاناتها وبالحرمان من الراحةوالنوم المتواصل , وبالتزام عدم الرد , جرت نقاشات حادة , ولكن الاجيال اختلفتطرقها وقناعتها حتى الاولاد انصتوا لحجج الطرفين وكأنهم يفهمون ما يجري.وفي فجرهادئ عليل النسيم , رائق الاشراق , وقع المحظور , كان من الرعب التفكير فية , ويبدوانة بين الرعب والجرأة شعرة معاوية , وقد انقطعت . لطفك ايها الخالق , مدد منقدرتك , مدد من رحمتك .كان الاولاد, الذين لا يفهمون كما آمن الكبار .. في طريقهملمدارسهم , كما في كل يوم .. وكل منهم يحمل اثقالة من الكتب والدفاتر والاقلام , وزوادة اليوم , وكالعادة بنات جارتنا يضججن ويعتدين على الاولاد , غير ان الاولاد هذةالمرة لم يفزعوا , تسمرت انظار الحارة ولم يدروا ما يحصل .. وما هي الا لحظات حتىكانت شنطاتهم بكتبهم ودفاترهم ملقاة على قارعة الطريق , وفي يد كل ولد حجر , وبيدةالاخرى يرسم شارة النصر ..كان الفجر هادئا , ولكن حجارة الاولاد المنطلقة بتصميمجعلتة فجرا داميا.نبيل عودة – كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة[email protected]