"الطاقة أخلفت موعد التنمية"، "من غير اللائق أن يتحدث المكتب الوطني للكهرباء عن هذه الأرقام"، "إذا كانت أرقام المكتب بخصوص الكهربة القروية صحيحة، فأنا مستعد لتقديم استقالتي من مجلس النواب"، "تناقضات بين أولويات المكتب وأولويات الوزارة"، "خدمات المكتب الوطني للكهرباء تساوي صفرا"...هذه الكلمات وأخرى شكلت العناوين البارزة لتدخلات النواب خلال الاجتماع المشترك بين كل من لجنة المالية ولجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب الخميس الماضي، والذي جاء استمرارا لاجتماع الثلاثاء. وإذا كان أعضاء اللجنتين قد أصروا على الحصول على عرض المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، وهو ما استجاب له في اجتماع الخميس، فإن هذا العرض لم يغير شيئا من مواقف النواب لاعتماده لغة الخشب، وخلص النواب إلى أن استجابة وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة ومعها المدير العام للمكتب، كانت مجرد مناورة من أجل إسكات صوت النواب، ذلك أن العروض جاءت خالية من أي تحليل استراتيجي ولم تتناول المشاكل البنيوية للقطاع وآثار ارتجالية الهيكلة الجديدة داخل المكتب.ويمكن القول إن مداخلات النواب كرست حقيقة تخبط قطاع الكهرباء في مشاكل بالجملة وانعدام أي أجندة محددة لإنشاء أول محطة نووية، مما يبين أن التصريحات المتعددة للمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء كانت مجرد حملات إعلامية سابقة لأوانها، إضافة إلى اعتراف كل من المكتب وقبله الوزارة بتعثر البرنامج الوطني للكهربة القروية الذي يدعي المكتب تحقيقه بنسبة 93 في المئة حاليا و97 في المئة في شتنبر المقبل.وعلل المدير العام للمكتب الانقطاعات الكهربائية التي تعرفها كل جهات المملكة مرة بالتغيرات المناخية،وكأن المغرب وحده الذي يعرف هذه الظاهرة، ومرة أخرى بالزبناء الذين لا يقومون بالصيانة أو بالعمليات التخريبية التي تظل معدودة على رؤوس الأصابع ويحاول المكتب تضخيمها وكأن المغرب في حالة فوضى، علما أن حقيقة هذه الانقطاعات الكهربائية تعزى في غالبها إما إلى انعدام الصيانة من طرف المكتب أو النقص الحاصل في الكهرباء كما هو الحال في الشهور الأخيرة. بل إن الوزير ة الوصية كشفت في عرضها الذي جاء بمعطيات جديدة ومناقضة للمعطيات التي تضمنها عرض المدير العام للكهرباء (كشفت) عن أن نمو الطلب عن الطاقة سنة 2007 لم تتجاوز نسبة 7 في المائة. وتشير بعض المصادر إلى أن الشهور الأولى من سنة 2008 لم يتعد نمو الطلب 5.5 في المائة، في وقت يتم فيه الترويج أن نمو الطلب على الطاقة يتراوح ما بين 8 و9 في المائة. ولعل تراجع نمو الطلب تفسره، إما بوادر كساد الاقتصاد المغربي أو كثرة الانقطاعات الكهربائية أو التعثر الكبير لبرنامج الكهربة القروية الشمولي. كما كشف عرض الوزيرة، وعكس ما تروج له الحكومة بشأن ارتفاع فاتورة مصادر الطاقة، (كشف) أن أسعار الفيول مثلا وهي المادة الأولى المستعملة، قد عرفت تراجعا من 2783 درهما للطن سنة 2006 إلى 2506 دراهم للطن سنة 2007 والغاز الطبيعي من 50 درهما /MBTU سنة 2006 إلى 47 درهما سنة 2007. من ملامح التناقض بين عرضين، مشروع الجرف الأصفر، حيث برمجته الوزيرة ضمن أولوياتها الضرورية بينما صنفه المكتب ضمن مشاريعه البعيدة المدى.من جهة أخرى، تميزت أشغال الاجتماع المذكور بالإجماع على تأخر إنجاز مشاريع إنتاج الطاقة، كمشروع سد الوحدة ومحطة عين بني مطهر، وهما نموذجان على التأخير الذي عرفته هذه المحطات في السنتين الأخيرتين، ويتبين أن المكتب الوطني للكهرباء لم يبذل أي مجهود في هذا الصدد.كما شكك النواب في الأرقام المتعلقة ببرنامج الكهربة القروية الشمولي،وتساءلوا حول مدى مصداقية هذه الأرقام التي تظل تجانب الواقع، بل إن أحد النواب عبر عن استعداده لتقديم استقالته من مجلس النواب في حال ثبوت نسب الكهربة القروية التي يدعيها المكتب.من القرارات الاستراتيجية التي أفرزها الاجتماع المذكور انفراد المكتب الوطني للكهرباء بالإعلان عن تحويل المكتب إلى شركة مساهمة في أفق فتح رأسمالها، وبالتالي خوصصتها تدريجيا، وكذا عملية الانتقال من الصندوق الداخلي للتقاعد إلى صناديق التقاعد التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، إضافة إلى تفويت المكتب الوطني للكهرباء سد "بين الويدان" وأخيرا إنشاء وحدة جديدة لتكريرالنفط.وللتذكير، فإن دعوة المدير العام للكهرباء إلى قبة البرلمان جاءت على خلفية الحديث عن ظهور بوادر أزمة في الكهرباء وكذا المشاكل المالية التي يعانيها المكتب.