كيوسك الخميس | المغرب وجهة استراتيجية للمصنعين الأوروبيين للسيارات    مجلس حقوق الإنسان يقدم مجموعة توصيات لتغيير قانون المسطرة الجنائية    جهة الداخلة – وادي الذهب تضع الاستثمار في صلب دينامية التنمية الجهوية    في 58 دائرة انتخابية.. "الأحرار" يهيمن على نتائج الانتخابات الجماعية الجزئية    ابن كيران يدعو إلى جمع تبرعات لتنظيم المؤتمر بعد رفض الداخلية تمويله    شراكة رائدة بين بيوفارما و الفدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة أولماس – زعير لتطويرهذه السلالة المغربية    الصين تعلن عن التجارب الجديدة لعلوم الحياة في محطة الفضاء    التوترات التجارية.. واشنطن تعتزم تقليص الرسوم الجمركية على الصين    الفاتيكان يعلن الحداد 9 أيام بدءا من السبت ويترقب توافد حشود كبيرة في اليوم الثاني من وداع البابا    الرجاء يتجاوز الحسنية والجيش الملكي يعزز الوصافة بعد فوزه على الشباب السالمي    خالد بوطيب يجبر فيفا على معاقبة الزمالك    وفد من المتطوعين الهولنديين يختتم زيارته لمنطقة الريف    زلزال تركيا.. تسجيل 185 هزة ارتدادية وإصابة 236 شخصا    نحو 81% من الأسر المغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة (مندوبية التخطيط)    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    "الذكاء الاصطناعي" يرشد الفلاحين بالدارجة في المعرض الدولي بمكناس    قصف ليلي يخلف 9 قتلى في كييف    إيواء شاب يعاني نفسيا مستشفى انزكان بعد احتجاج عائلته على عدم قبوله    برادة يحوّل التكريم إلى "ورقة ترافعية" لصالح المغاربة و"اتحاد الكتاب"    السبتي: العنف الهستيري ضد غزة يذكّر بإبادة الهنود الحمر و"الأبارتايد"    طنجة.. مصنع كبير "يطمع" في الرصيف ويشوّه وجه المدينة! (صور)    الحبس النافذ لرجلي أمن ببنجرير    مشاركة OCP في "سيام".. ترسيخٌ للعنصر البشري في التحول الفلاحي    منتوج غريب يتسبب في تسمم 11 طفلا باشتوكة    ريال مدريد يقلص الفارق مع برشلونة    موتسيبي: نجاح كرة القدم في المغرب يجسد القيادة المتبصرة للملك محمد السادس    وزراء أفارقة يتفقون بمكناس على خطة زراعية ودعم تفاوضي موحّد للقارة    خبراء ينادون بتدريس التنشيط الرياضي    بنعلي تعلن عن إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور على خلفية ارتفاع لافت للاستثمار في الطاقات المتجددة    الأردن يتهم "الإخوان" بتصنيع الأسلحة    رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    مقاضاة الدولة وأزمة سيادة القانون: الواقع وال0فاق    الحكم الذاتي والاستفتاء البعدي!    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    "بي دي إس" تطالب بالتحقيق في شحنة بميناء طنجة المتوسط متجهة إلى إسرائيل    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النشر الرقمي في المجال الأدبي خاصياته...تداعياته و آثاره
نشر في أسيف يوم 28 - 02 - 2008

انتهى عصر النشر الأحادي أي ذلك الورقي فحسب، وانتشى مسار آخر لإيصال الكتابات الأدبية و الإبداعات إلى الناس، فلقد أتاحت الشبكة العنكبوتية لكل منتجي أنساق الكلمات و لكل مبدعي الأجناس الأدبية منابر شتى يستطيعون من خلالها التواصل مع من يرومون إيصال جمالية و مضامين ما يبدعونه إليهم... لكن هاته المنابر الإلكترونية ولئن قدمت خدمات و كسرت ذلك الاحتكار الذي كان للمنابر الورقية، فإنها في المقابل قد ساهمت قي تبدي ظواهر معينة لم تكن الموجودة حين غيابها...
و لهذا يبدو من المستساغ، بل و من المطلوب التطرق بالدراسة لمثل هذه التداعيات، و ذلك حتى يُصوَّب المسار و تُسدَّد الخطى، ثم و تُغلق الأبواب أمام كل الانحرافات التي يمكن أن تطال هذا المستجد، الذي ما هو إلا نتاج العبقرية الإنسانية و التراكم المعرفي البشري، ذلك الذي سيكون من الغبن لتلك الإنسانية أن يضيع حقها في الاستفادة منه على وجه الأكمل و الأفضل. فبتواتر استعمال هذه التقنية، و باستدامة توسلها، يمكن الإطلاع على كل الحيثيات و التداعيات التي ترتبت عن هذا المسلك للنشر و لإشاعة الأدب و الثقافة، ذلك الذي فرض نفسه على الساحة الفكرية العربية مؤخرا، و حدا بها هي تلك الساحة إلى الانفتاح على واقع جديد قد تمر الفترات الزمنية و حتى تلك المطولة منها قبل أن يُتوصل إلى حسن استيعاب أبعاده فيها، و من ثم إلى إتقان التعامل مع خصائصه و مقوماته من طرف المتفاعلين داخلها. و في إطار محاولة للغوص في حنايا هذا الموضوع من أجل استجلاء غوامضه، و بهدف تقصي الحقائق المرتبطة به، يبدو من الإيجابي استقصاء أغلب التداعيات السلبية التي نتجت عن هذا التوجه الرقمي للنشر، و ذلك من بعد استقراء لمعظم خاصياته و مقوماته و كذا إيجابياته. 1 الخاصيات: كان النشر الورقي و لمدة طويلة يُخضع الكاتب للضوابط محددة سلفا و للمعايير منتقاة بعناية من طرف صاحب الجريدة أو الدورية...و ما كان لذلك الكاتب إلا أن ينحني أمامها تلك الإكراهات لكي يحظى بوصول كلماته إلى الناس...أو أن يتحمل التبعات المادية و يتجه إلى دور النشر إن قبلت هي أيضا أن تجازف بتبني ما انثال من أعماق ذهنه و فكره... لكن و قد ابتكر هذا المسار الرقمي فقد تخطيت الحواجز و أصبح النشر يتميز: * باللحظية في بعض المواقع ، إذ يكفي أن يقرر الكاتب موعد إرسال ما يكتب حتى يكون ماثلا أمام القراء. * و بالمباشراتية، إذ لا يُحتاج إلى موافقة مسبقة من صاحب الموقع في بعض المواقع أيضا، و يُكتفى بأن يكون الكاتب عضوا مسجلا في سجل الموقع و لو حتى باسم مستعار... * و أيضا بكونه المتاح للجميع، و ذلك دونما اعتبار لشهرة أو لرسوخ في عالم الكتابة و الإبداع، إذ يمكن حتى للمبتدئ أن يوصل ما خط أسطره أو بالأحرى رقن أحرفه على ملمس الحاسوب إلى الناس. 2 الإيجابيات: ثم و لا شك من أن انبثاق هذه الكيفية للنشر من رحم التقنية متعها بخاصية النفع و بالإيجابية، فما من داع يكون الدافع للإنسان إلى اختراع شيء ما إلا الاحتياج إليه، و إلا الافتقار إلى تميز و رقي و جودة خدماته. و لذا يمكن الجزم بأن هنالك إيجابيات كثيرة كامنة و بينة، و تتأتى حتما من وراء نهج هذا السبيل المبتدع المبتكر، و منها أنه: * يُمَكِّن من الانتشار السريع عن طريق كثرة القراء و المطلعين. * يساعد الأديب على تجاوز مشكلة انعدام القدرة الشرائية، تلك القدرة الممكنة من التعامل الحر مع المنشورات الورقية الجرائد و المجلات و الكتب، و من الإطلاع اللامحدود عليها. * يفتح باب التكوين الثقافي المستمر، و ذلك عن طريق فعل القراءة الموازي لعملية النشر لكثير من الكتابات، تلك التي تغني الرصيد المعرفي، و تُفعِّل التراكم الثقافي الواعي لدى الكاتب. * يعطي فرصة ولوج الكثير من الفضاءات، تلك التي قد تكون المستحيلة المقاربة بفعل البعد الجغرافي، أو بسبب الاختلاف الإيديولوجي، أو حتى بسبب حداثة السن و انعدام التجربة الإبداعية الطويلة. 3 التداعيات و الآثار السلبية: و يبقى أنه كما لهذه الوسيلة محاسن شتى، و تقدم خدمات شتى متميزة تقرب الثقافة الأدبية و النتاجات الإبداعية للجمهور من القراء، فهي في نفس الوقت تلك التي يؤدي سوء استعمالها إلى ظهور ندوب مُشوِّهة، و تسم بعمق وجه المجال الأدبي العربي، و من ذلك: أ فسح المجال لنشر الرديء و المتدني من الأعمال.ب عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية.ج ترهل الساحة الأدبية العربية. د حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية.ه ظهور تيارات أدبية متنافرة. أ فسح المجال لنشر الرديء و المتدني من الأعمال: و ذلك لغة و أسلوبا، و حتى تحقيقا للمعايير المتطلب تواجدها حين إنجاز أي جنس من الأجناس الأدبية، و كذا أي نوع من أنساق الكلمات، و لربما يرجع ذلك إلى: * كثرة المواقع التي ترى نفسها الأدبية و كذا تَناسُل أعدادها. * تكالب أصحاب المواقع على نشر كل الكتابات مهما كانت متدنية درجاتها الإبداعية، و ذلك من أجل سد الحاجة إلى ما تُملأ به الصفحات. * محاولة اكتساب الشهرة و إثارة الانتباه من طرف بعض المواقع الأدبية، و ذلك عن طريق قبول نشر الكتابات المثيرة للجدل الفكري السياسي أو الإيديولوجي، أو تلك المتضمنة للجرعات الزائدة عن اللزوم حتى من الجرأة على الدين أو على الأخلاق، و ذلك مهما كان منحطة أو غير متوفرة على معايير الإبداع الأدبي تلك الكتابات. * محاباة المعارف و الأصدقاء الذين يمارسون الكتابة من طرف القائمين على بعض المواقع، و كذا نشر كل ما يخطر لهم على بال و يكتبونه، و ذلك دون احتساب مقدار جودة ما يكتبون. ب عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية: فلقد دأب النقد منذ ظهور الإبداع الأدبي على السير بجانبه من أجل تصويب مساره و تسديد خطاه، إذ لولاه لما أمكن فرز الزائف من الصحيح، و لما تُوُصِّلَ إلى تحديد مواصفات معينة يجب توفر الحد الأدنى منها حتى يُتحدث عن وجود بذار الإبداع. و لما كان النشر الورقي محدود الكمية مقارنة مع هذا الرقمي، فإن مسيرة نقدية مسايرة له كانت دائما الموجودة، هذا زيادة على أن ذلك الصنف من النشر كان أصلا يُخضع النتاجات الأدبية لغربال الناشرين، الذين ما كانوا يسمحون لدورياتهم و لجرائدهم بأن تستقبل ما يُمكن أن يُشين بسمعتهم و بمكانتهم الأدبية و المعرفية. و قد انتفى هذا الغربال الفارز في إطار النشر الرقمي، فإن الحبل قد أُلقي على الغارب، و أصبح كل ما يخرج من العقول قابلا للنشر و قابلا للصنيف في إطار الإبداع الأدبي. و لعل للتجريب دور في تكريس هذا الوضع، إذ يختبئ وراءه كل منتج للكتابة من أجل تمرير ما يكتب كإبداع منه خاص به، ثم و تراه المردد بأنه ليس المحتاج بالضرورة إلى موافقة الناس وحتى النقاد... و قد ساعدت في تغييب النقد الأدبي المُوجِّه المُصَوِّب عوامل عدة منها: * 1 كثرة المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتية:و ذلك لكثرة المواقع المستقبلة للنتاجات الأدبية. * عدم اقتناع الكثير من نقاد الأدب المرموقين الجادين بالنشر الرقمي أصلا:إذ يعتبرون ما نشر و ينشر عن طريقه من سقط الكتابة، و من ثم لا يستحق أن يُحتفى به و تتابع مسيرته... * عدم قدرة البعض من النقاد على النفاذ إلى العالم الرقمي:و ذلك لضعف أو لغياب المعرفة بالمعلوميات و استعمال الحواسيب، ثم إن الجهل باللغات الأجنبية من طرف الكثير من النقاد العرب هو السبب شبه الغالب لتلك الأمية المعلوماتية، و خاصة لدى الجيل المتقدم منهم هم أولائك النقاد. * انحسار الرغبة الحقيقية في ممارسة النقد الرصين:ذلك المبني على الأسس العلمية الأكاديمية، إذ بعد الإطلاع على الآداب الأجنبية سواء مباشرة في لغاتها الأصلية أو عن طريق الترجمات، ظهرت قوالب أخرى شتتت ذهن النقاد غير الراسخين، فما عادوا القادرين على الدفاع عن طروحاتهم النقدية التي هوجمت و انتقدت هي الأخرى، فنودي بالذائقة من القارئ وحدها المعيار يُتكأ عليه من أجل تقييم العمل الأدبي. * تقليص المسافة بين الناقد و الأديب المنتج: و كذا تواجدهما معا في فضاء افتراضي واحد، مع ما أحدث ذلك من إمكانية للتفاعل المباشر بينهما كتبادل الآراء و الردود و التعليقات، و كل هذا قزم فرص انحشار الحياد و النزاهة بين ثنايا النقد المفترض أن يكون، و فتح الباب أمام كثرة المجاملات و تبادل كيل الشكر و المدائح. * تواجد العدد من الكتاب في الحيز الواحد: مع التمكن من إطلاع كل واحد منهما على نتاج الأخر، ثم و بروز الرغبة الجامحة في نيل الإعجاب الصادر من ذلك الآخر، فيبدأ بمغازلته و بالرفع من قيمة ما كتبه طمعا في الحصول على المقابل إشادة بما أنتجه هو و نَسَّق كلماتِه...كل هذا حتى دون اطلاع كل منهما على مضمون و عمق ذالك المنتج من طرف كليهما في بعض الأحيان!لكنها المجاملات الثقيلة حد الغثيان في الكثير من المواقع حتى الجادة منها، و تراد و يسعى وراءها اعتقادا بأن تلك الانطباعات من طرف المعلقين مما يكسب شهرة أو مرتبة أو ترقية في سلم عوالم الأدب، مع أن المعلقين في الكثير من الأحيان ليسوا إلا من الهواة و لا شأن لهم بالمعرفة الواعية في مجال الأدب، ثم وهم لا رصيد علمي لهم يمكنهم من الحكم على الإبداعات التي نشرت، أو قاموا هم بنشرها على صفحات المواقع الإلكترونية. و لعل من أبرز مظاهر ذلك التكالب على تبادل المجاملات و انحشارها في نسيج فكر جل إن لم نقل كل الأدباء الممارسين للنشر الرقمي: انتشار تلكم "الحوارات" المبثوثة هنا و هنالك في المواقع الأدبية: و التي يقومون بها هم "الأدباء"الواحد تلو الآخر مع بعضهم البعض، و ذلك بهدف الحديث عن أنفسهم و كذا عن "إنجازاتهم الأدبية العظيمة" و التي ما حكم بعظمتها و بتفردها في الكثير من الأحيان أحد سواهم. تعدد تلكم "القراءات" المسماة "نقدية": تلك الموشاة بالمدائح و المطرزة بتفخيم المحاسن، المغيب منها تمام ذكر المثالب و النقائص للإبداعات المنشورة، و يقوم بها: من تخصصوا في هذا الباب، ومن هم حتى مدفوعي الأجر في بعض الأحيان!!! أو هم أولائك الأدباء لإبداعات بعضهم البعض، مع الحرص على إلصاق و تكرار الألقاب الرنانة للكاتب و للمكتوب دون حدود و لا نهايات. * التعامل المنحاز غير المحايد مع الإنتاجات المُبدَعَة من طرف الجنس الآخر المغاير:و هذه الظاهرة كانت المؤثرة نسبيا في ميدان النقد الأدبي زمن النشر الورقي، لكنها الآن الأكثر تأثيرا و الأعمق وسما بفعل التعارف و الاحتكاك المباشرين بين الجنسين في العوالم الرقمية. ثم و يبدو هذا الأمر أكثر وضوحا حين يتعلق بتعامل الرجال مع نصوص أدبية للنساء!إذ تظهر التعليقات و التفاعلات و كأنها موجهة لشخص الأديبة لا إلى نصوصها...و لعل للأديبات دور في تكريس هذا التوجه في مجال النشر الأدبي الرقمي، إذ هي الصور منهن تنضح بالنظرات الحالمة المستكينة، و تتضوع بالعري، و تُبدى كل ما يُمكِّن من استجلاب اهتمام القراء الذكور بهن، و بالتالي تبعا لذلك بنصوصهن التي تصبح في الصف الأخير من المهتم به بعد أجسادهن. إذ هو الاعتقاد راسخ لديهن بأن ذلك القارئ المعلق أو الناقد الأدبي سيتساهل حتما حين إبداء رأيه بخصوص نص أنثوي، و بالتالي سيضفي هالات من إعجابه المضمخ بالإطراء "رفقا بالقوارير"... و هذا ما ينتج تعاليق و ردودا تنثال منها عبارات الغزل المبطن و حتى الصريح، و هذا مما يؤدي طبعا إلى الإساءة إلى صورة المرأة الأديبة التي تفقد مصداقيتها و تتردى مكانتها في عالم الأدب، ذلك الذي ما كان عليها أن تروم إلا أن تكون لها القدم راسخة فيه كما الرجل دون إقحام بعد الجنس المنتمى إليه. إذ أن النقد الأدبي عمل أخلاقي بالدرجة الأولى، ويجب أن يهدف أولا و أخيرا إلى السلوك بالمبدع إلى درجات أعلى من الإبداع، و ذلك دون الغوص في تفاصيل ماهيته وهويته و جنسه.و هكذا فإن التنقيب عن جوانب و حيثيات في شخصية المبدع قبل التصدي للبحث عن خصائص و مقومات نصه المقصود بالنقد وبالتمحيص أو حتى بالتعليق انزلاق مقيت، و من ثَمَّ هو يخدش مصداقية الناقد، و حتى ينتقص من درجات علميته و ثقافته، إذ يؤدي به إلى ولوج وهدة التمييع، ويدخله في متاهة المجاملات الرخيصة غير البريئة في غالب الأحيان. إذ الناقد الأدبي الجاد المؤمن برفعة رسالته لا يبتغي إلا تشريح النص من أجل إبراز خبئه الجيد و كذلك ذلك المجانب للصواب، سواء تعلق الأمر بالقالب الأدبي أو بالمضمون، و سواء أ كان من مبدع أو من مبدعة.إذ ليس من فرق في كيفية مقاربة النصوص متعلقٌ بجنس الكاتب، فما من موضوع مباح للأديب تناوله دون الأديبة، و إلا فهو التكريس لتداعيات الموروث التقاليدي المقيت، فما لا يجب طرحه لأن الأخلاق قد تمجه وترفضه، فالأمر فيه سيان بالنسبة للجنسين، و ما هو رديء إنتاجه و مستهجن إبداعه فهو كذلك بالنسبة إليهما معا. و يبدو أن
احتكار الرجال لفضاءات الإبداع الأدبي لمدة طويلة للإقصاء كان من نصيب المرأة جعلهم غالب القضاة والمحتكم إليهم عند تقييم الكتابات في العالم الرقمي، وهم في الغالب لم يتوصلوا لحد الآن للتجرد من الأفكار المسبقة عن المرأة و السائدة في المجتمعات التقاليدية، فهي تبقى بالنسبة إليهم تلك الأنثى...و الغواني يغرهن الثناء...إذ ذلك التمييز لا زال الموجود و الكائن، و متعلق بتغلغل النظرة الغريزية للرجل إلى المرأة رغم معايشته لولوجها شتى الميادين و خاصة الفكرية والأدبية منها، و بالرغم من أن موجات "الحداثة" قد تغلغلت في نفوس الجل منهم كما يدعون. و هذا ما لا يمكن أن يستساغ أدبيا ولا حتى أخلاقيا، لأنه يُشعر بعدم الإيمان بالندية للمرأة مع الرجل في عالم الأدب، وبعدم القدرة منها على الإبداع الرصين المستحق لذلك لنقد الرصين، المؤدي بها في نهاية الأمر إلى مراجعة النفس باستمرار من أجل تحسين وتجويد الإنتاج... و بناء على هذا يجب على الأديبة الواعية أن تنشد حينما تنشر نصا إبداعيا في احد المواقع الأدبية الرصينة الحصول على انطباعات وانتقادات محايدة من الأدباء و المثقفين،و ذلك من أجل الاستفادة من توجيهاتهم و آرائهم لتتقدم قدما إلى الأمام، لا لتستجدي عبارات الإطراء والمجاملة رغم رداءة النص و تردي نوعيته...فالتوسعة في إنفاق المدائح على المرأة في مجال النقد أمر على المرأة المثقفة أن تحاربه و تستهجنه، لأن وجوده و تكريسه يعني أنها غير قادرة على الصمود كما الرجل أمام النقد البناء الجاد الموصل إلى اكتشاف الهنات، و من ثم العمل على التصدي لها بتجاوزها وإصلاحها.فكم من "المبدعات" أُحطن بهالات من الإعجاب و أغدقت عليهن المدائح في واقع الحال... فكان أن استسلمن لوهم التميز، و تهن في بحور تلكم العلاقات!!! و انصرم ربيع حياتهن بين أيدي المعجبين والزملاء...و اكتشفن في آخر الأمر وبعد ضياع فرص الاستقرار الاجتماعي أن الإعجاب لم يكن إلا بالجسد وبالشباب لا غير...فما من رصيد إبداعي يعتد به، و ما من إبداع كان أصلا، وإنما هو كلام معسول أتقن "النقاد "تنسيقه من أجل حيازة الاستمتاع ب"القرب" و ب"المقاربة"...!!!فالمطلوب من الأديبة الواعية إذا أن لا تطالب و أن لا تقبل إلا بما تستحق، وعوض أن تستمرئ ما ينثال عليها من هبات القول و تبرعات الاستحسان، عليها أن تسعى إلى نبذ ذلك السلوك و إلى الرد عيه بتطوير نفسها، وبناء كيانها الفكري من أجل حيازة ما لها عن جدارة واستحقاق.فحين الإطلاع على بعض المواقع التي تقدم نفسها بصفة ال"أدبية" و حتى الجادة نجد أقلاما نسائية تؤثث فضاءات تلك المواقع، و لا تعمل إلا على الترويح عن العنصر الرجالي، الذي يستغل وجودها للتفاعل معها حول التافه من المحاور و الموضوعات و حتى البذيء الشائن منها في بعض الأحيان، و ذلك من أجل الهروب من واقع مأزوم متشنج عمل على خلقه هو، ثم وهو يكرسه داخل أسرته عن طريق العنف و اللامبالاة و الإهمال. ج ترهل الساحة الأدبية العربية: و ذلك عن طريق إغراق المجال الأدبي بالنصوص المتراكمة، طبعا دون حضور معايير الجودة...فقط هو تصاعد لوتيرة الإبداع الذي فُتح بابه أمام الكل، حتى أمام من لا يتقن اللغة العربية التقريرية العادية، بَلْهَ تلك التي تمكن من النسج على النول الأدبي الرفيع. فتلكم المجاملات المبالغ فيها و غير محسوبة النتائج هي من وراء اعتقاد البعض كونهم أصبحوا الأدباء حقيقة، و بالتالي تجدهم لا يفتأون يغرقون المواقع بكل ما تتفتق عنه قرائحهم من نصوص لا تنفع إلا في التدليل على سذاجة منتجيها و بساطة تفكيرهم. د حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية: تلك التي كان يمكن إبرازها و تمتيعها بما تستحقه من الاهتمام و الدراسة لولا كونها المغمورة في بحر الغثاء الرقمي، ذلك الذي لم يعد النقاد يرون أنفسهم المعنيين بولوج خضمه من أجل العمل على تعيين الفاسد و نبذ المتهالك المتواجد فيه. ه ظهور تيارات أدبية متنافرة: و قد ساهم في ذلك تعدد المواقع، و حتى ظهور تلك لا تحتضن و لا تنشر إلا لتوجه إيديولوجي معين...و ذلك لعدم الرغبة في قبول الرأي الآخر، و لعدم استيعاب بُعدِ الحق في الاختلاف، ذلك البعد التي يُمكِّن من التواجد في فضاء افتراضي واحد، ثم و يكون عونا على إقامة حوار حضاري جاد و بناء يُفَعِّل أواصر الأخوة في الإنسانية حتى إن انتفت وشائج أخرى. و أخيرا... هذه من باب التمثيل لا الحصر بعض الخاصيات و المقومات الإيجابية و التداعيات السلبية الناتجة عن استعمال النشر الرقمي في المجال الأدبي، تلك الطريقة التي لا يمكن الاستغناء عنها لارتباطها بالتقدم الإنساني، و لإتاحتها الحصول على العديد من المكاسب...و تلك التي يجب إعادة النظر في سبل توسلها حتى يثمر لك التوسل ازدهارا و ينعا في عالم الأدب، ذلك المحتفي بجمالية الرؤى المصورة بجميل الأنساق و الكلمات...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.