أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    القبض على شخص استغل حريق سوق بني مكادة لسرقة بضائع التجار    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    الأمن يوقف فرنسيا من أصل جزائري    البطولة: المغرب التطواني يواصل إهدار النقاط بهزيمة أمام الدفاع الجديدي تقربه من مغادرة قسم الصفوة    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    رئيس الحكومة يتباحث مع الوزير الأول الفرنسي    فرنسا.. قتيل وجريحين في حادث طعن بمولهاوس (فيديو)    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    في تنسيق بين ولايتي أمن البيضاء وأسفي.. توقيف شخص متورط في النصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    الوداد الرياضي يتعادل مع ضيفه النادي المكناسي (0-0)    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    غرق ثلاثة قوارب للصيد التقليدي بميناء الحسيمة    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    الركراكي: اللاعب أهم من "التكتيك"    مبادرة "الحوت بثمن معقول".. أزيد من 4000 طن من الأسماك عبر حوالي 1000 نقطة بيع    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    تشبثا بأرضهم داخل فلسطين.. أسرى فلسطينيون يرفضون الإبعاد للخارج ويمكثون في السجون الإسرائلية    نهضة بركان تسير نحو لقب تاريخي    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    الملك يبارك يوم التأسيس السعودي    دنيا بطمة تلفت أنظار السوشل ميديا    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    لاعب الرجاء بوكرين يغيب عن "الكلاسيكو" أمام الجيش الملكي بسبب الإصابة    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    "العدل والإحسان" تدعو لوقفة بفاس احتجاجا على استمرار تشميع بيت أحد أعضاءها منذ 6 سنوات    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    فيديو عن وصول الملك محمد السادس إلى مدينة المضيق    الصحراء المغربية.. منتدى "الفوبريل" بالهندوراس يؤكد دعمه لحل سلمي ونهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النشر الرقمي في المجال الأدبي خاصياته...تداعياته و آثاره
نشر في أسيف يوم 28 - 02 - 2008

انتهى عصر النشر الأحادي أي ذلك الورقي فحسب، وانتشى مسار آخر لإيصال الكتابات الأدبية و الإبداعات إلى الناس، فلقد أتاحت الشبكة العنكبوتية لكل منتجي أنساق الكلمات و لكل مبدعي الأجناس الأدبية منابر شتى يستطيعون من خلالها التواصل مع من يرومون إيصال جمالية و مضامين ما يبدعونه إليهم... لكن هاته المنابر الإلكترونية ولئن قدمت خدمات و كسرت ذلك الاحتكار الذي كان للمنابر الورقية، فإنها في المقابل قد ساهمت قي تبدي ظواهر معينة لم تكن الموجودة حين غيابها...
و لهذا يبدو من المستساغ، بل و من المطلوب التطرق بالدراسة لمثل هذه التداعيات، و ذلك حتى يُصوَّب المسار و تُسدَّد الخطى، ثم و تُغلق الأبواب أمام كل الانحرافات التي يمكن أن تطال هذا المستجد، الذي ما هو إلا نتاج العبقرية الإنسانية و التراكم المعرفي البشري، ذلك الذي سيكون من الغبن لتلك الإنسانية أن يضيع حقها في الاستفادة منه على وجه الأكمل و الأفضل. فبتواتر استعمال هذه التقنية، و باستدامة توسلها، يمكن الإطلاع على كل الحيثيات و التداعيات التي ترتبت عن هذا المسلك للنشر و لإشاعة الأدب و الثقافة، ذلك الذي فرض نفسه على الساحة الفكرية العربية مؤخرا، و حدا بها هي تلك الساحة إلى الانفتاح على واقع جديد قد تمر الفترات الزمنية و حتى تلك المطولة منها قبل أن يُتوصل إلى حسن استيعاب أبعاده فيها، و من ثم إلى إتقان التعامل مع خصائصه و مقوماته من طرف المتفاعلين داخلها. و في إطار محاولة للغوص في حنايا هذا الموضوع من أجل استجلاء غوامضه، و بهدف تقصي الحقائق المرتبطة به، يبدو من الإيجابي استقصاء أغلب التداعيات السلبية التي نتجت عن هذا التوجه الرقمي للنشر، و ذلك من بعد استقراء لمعظم خاصياته و مقوماته و كذا إيجابياته. 1 الخاصيات: كان النشر الورقي و لمدة طويلة يُخضع الكاتب للضوابط محددة سلفا و للمعايير منتقاة بعناية من طرف صاحب الجريدة أو الدورية...و ما كان لذلك الكاتب إلا أن ينحني أمامها تلك الإكراهات لكي يحظى بوصول كلماته إلى الناس...أو أن يتحمل التبعات المادية و يتجه إلى دور النشر إن قبلت هي أيضا أن تجازف بتبني ما انثال من أعماق ذهنه و فكره... لكن و قد ابتكر هذا المسار الرقمي فقد تخطيت الحواجز و أصبح النشر يتميز: * باللحظية في بعض المواقع ، إذ يكفي أن يقرر الكاتب موعد إرسال ما يكتب حتى يكون ماثلا أمام القراء. * و بالمباشراتية، إذ لا يُحتاج إلى موافقة مسبقة من صاحب الموقع في بعض المواقع أيضا، و يُكتفى بأن يكون الكاتب عضوا مسجلا في سجل الموقع و لو حتى باسم مستعار... * و أيضا بكونه المتاح للجميع، و ذلك دونما اعتبار لشهرة أو لرسوخ في عالم الكتابة و الإبداع، إذ يمكن حتى للمبتدئ أن يوصل ما خط أسطره أو بالأحرى رقن أحرفه على ملمس الحاسوب إلى الناس. 2 الإيجابيات: ثم و لا شك من أن انبثاق هذه الكيفية للنشر من رحم التقنية متعها بخاصية النفع و بالإيجابية، فما من داع يكون الدافع للإنسان إلى اختراع شيء ما إلا الاحتياج إليه، و إلا الافتقار إلى تميز و رقي و جودة خدماته. و لذا يمكن الجزم بأن هنالك إيجابيات كثيرة كامنة و بينة، و تتأتى حتما من وراء نهج هذا السبيل المبتدع المبتكر، و منها أنه: * يُمَكِّن من الانتشار السريع عن طريق كثرة القراء و المطلعين. * يساعد الأديب على تجاوز مشكلة انعدام القدرة الشرائية، تلك القدرة الممكنة من التعامل الحر مع المنشورات الورقية الجرائد و المجلات و الكتب، و من الإطلاع اللامحدود عليها. * يفتح باب التكوين الثقافي المستمر، و ذلك عن طريق فعل القراءة الموازي لعملية النشر لكثير من الكتابات، تلك التي تغني الرصيد المعرفي، و تُفعِّل التراكم الثقافي الواعي لدى الكاتب. * يعطي فرصة ولوج الكثير من الفضاءات، تلك التي قد تكون المستحيلة المقاربة بفعل البعد الجغرافي، أو بسبب الاختلاف الإيديولوجي، أو حتى بسبب حداثة السن و انعدام التجربة الإبداعية الطويلة. 3 التداعيات و الآثار السلبية: و يبقى أنه كما لهذه الوسيلة محاسن شتى، و تقدم خدمات شتى متميزة تقرب الثقافة الأدبية و النتاجات الإبداعية للجمهور من القراء، فهي في نفس الوقت تلك التي يؤدي سوء استعمالها إلى ظهور ندوب مُشوِّهة، و تسم بعمق وجه المجال الأدبي العربي، و من ذلك: أ فسح المجال لنشر الرديء و المتدني من الأعمال.ب عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية.ج ترهل الساحة الأدبية العربية. د حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية.ه ظهور تيارات أدبية متنافرة. أ فسح المجال لنشر الرديء و المتدني من الأعمال: و ذلك لغة و أسلوبا، و حتى تحقيقا للمعايير المتطلب تواجدها حين إنجاز أي جنس من الأجناس الأدبية، و كذا أي نوع من أنساق الكلمات، و لربما يرجع ذلك إلى: * كثرة المواقع التي ترى نفسها الأدبية و كذا تَناسُل أعدادها. * تكالب أصحاب المواقع على نشر كل الكتابات مهما كانت متدنية درجاتها الإبداعية، و ذلك من أجل سد الحاجة إلى ما تُملأ به الصفحات. * محاولة اكتساب الشهرة و إثارة الانتباه من طرف بعض المواقع الأدبية، و ذلك عن طريق قبول نشر الكتابات المثيرة للجدل الفكري السياسي أو الإيديولوجي، أو تلك المتضمنة للجرعات الزائدة عن اللزوم حتى من الجرأة على الدين أو على الأخلاق، و ذلك مهما كان منحطة أو غير متوفرة على معايير الإبداع الأدبي تلك الكتابات. * محاباة المعارف و الأصدقاء الذين يمارسون الكتابة من طرف القائمين على بعض المواقع، و كذا نشر كل ما يخطر لهم على بال و يكتبونه، و ذلك دون احتساب مقدار جودة ما يكتبون. ب عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية: فلقد دأب النقد منذ ظهور الإبداع الأدبي على السير بجانبه من أجل تصويب مساره و تسديد خطاه، إذ لولاه لما أمكن فرز الزائف من الصحيح، و لما تُوُصِّلَ إلى تحديد مواصفات معينة يجب توفر الحد الأدنى منها حتى يُتحدث عن وجود بذار الإبداع. و لما كان النشر الورقي محدود الكمية مقارنة مع هذا الرقمي، فإن مسيرة نقدية مسايرة له كانت دائما الموجودة، هذا زيادة على أن ذلك الصنف من النشر كان أصلا يُخضع النتاجات الأدبية لغربال الناشرين، الذين ما كانوا يسمحون لدورياتهم و لجرائدهم بأن تستقبل ما يُمكن أن يُشين بسمعتهم و بمكانتهم الأدبية و المعرفية. و قد انتفى هذا الغربال الفارز في إطار النشر الرقمي، فإن الحبل قد أُلقي على الغارب، و أصبح كل ما يخرج من العقول قابلا للنشر و قابلا للصنيف في إطار الإبداع الأدبي. و لعل للتجريب دور في تكريس هذا الوضع، إذ يختبئ وراءه كل منتج للكتابة من أجل تمرير ما يكتب كإبداع منه خاص به، ثم و تراه المردد بأنه ليس المحتاج بالضرورة إلى موافقة الناس وحتى النقاد... و قد ساعدت في تغييب النقد الأدبي المُوجِّه المُصَوِّب عوامل عدة منها: * 1 كثرة المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتية:و ذلك لكثرة المواقع المستقبلة للنتاجات الأدبية. * عدم اقتناع الكثير من نقاد الأدب المرموقين الجادين بالنشر الرقمي أصلا:إذ يعتبرون ما نشر و ينشر عن طريقه من سقط الكتابة، و من ثم لا يستحق أن يُحتفى به و تتابع مسيرته... * عدم قدرة البعض من النقاد على النفاذ إلى العالم الرقمي:و ذلك لضعف أو لغياب المعرفة بالمعلوميات و استعمال الحواسيب، ثم إن الجهل باللغات الأجنبية من طرف الكثير من النقاد العرب هو السبب شبه الغالب لتلك الأمية المعلوماتية، و خاصة لدى الجيل المتقدم منهم هم أولائك النقاد. * انحسار الرغبة الحقيقية في ممارسة النقد الرصين:ذلك المبني على الأسس العلمية الأكاديمية، إذ بعد الإطلاع على الآداب الأجنبية سواء مباشرة في لغاتها الأصلية أو عن طريق الترجمات، ظهرت قوالب أخرى شتتت ذهن النقاد غير الراسخين، فما عادوا القادرين على الدفاع عن طروحاتهم النقدية التي هوجمت و انتقدت هي الأخرى، فنودي بالذائقة من القارئ وحدها المعيار يُتكأ عليه من أجل تقييم العمل الأدبي. * تقليص المسافة بين الناقد و الأديب المنتج: و كذا تواجدهما معا في فضاء افتراضي واحد، مع ما أحدث ذلك من إمكانية للتفاعل المباشر بينهما كتبادل الآراء و الردود و التعليقات، و كل هذا قزم فرص انحشار الحياد و النزاهة بين ثنايا النقد المفترض أن يكون، و فتح الباب أمام كثرة المجاملات و تبادل كيل الشكر و المدائح. * تواجد العدد من الكتاب في الحيز الواحد: مع التمكن من إطلاع كل واحد منهما على نتاج الأخر، ثم و بروز الرغبة الجامحة في نيل الإعجاب الصادر من ذلك الآخر، فيبدأ بمغازلته و بالرفع من قيمة ما كتبه طمعا في الحصول على المقابل إشادة بما أنتجه هو و نَسَّق كلماتِه...كل هذا حتى دون اطلاع كل منهما على مضمون و عمق ذالك المنتج من طرف كليهما في بعض الأحيان!لكنها المجاملات الثقيلة حد الغثيان في الكثير من المواقع حتى الجادة منها، و تراد و يسعى وراءها اعتقادا بأن تلك الانطباعات من طرف المعلقين مما يكسب شهرة أو مرتبة أو ترقية في سلم عوالم الأدب، مع أن المعلقين في الكثير من الأحيان ليسوا إلا من الهواة و لا شأن لهم بالمعرفة الواعية في مجال الأدب، ثم وهم لا رصيد علمي لهم يمكنهم من الحكم على الإبداعات التي نشرت، أو قاموا هم بنشرها على صفحات المواقع الإلكترونية. و لعل من أبرز مظاهر ذلك التكالب على تبادل المجاملات و انحشارها في نسيج فكر جل إن لم نقل كل الأدباء الممارسين للنشر الرقمي: انتشار تلكم "الحوارات" المبثوثة هنا و هنالك في المواقع الأدبية: و التي يقومون بها هم "الأدباء"الواحد تلو الآخر مع بعضهم البعض، و ذلك بهدف الحديث عن أنفسهم و كذا عن "إنجازاتهم الأدبية العظيمة" و التي ما حكم بعظمتها و بتفردها في الكثير من الأحيان أحد سواهم. تعدد تلكم "القراءات" المسماة "نقدية": تلك الموشاة بالمدائح و المطرزة بتفخيم المحاسن، المغيب منها تمام ذكر المثالب و النقائص للإبداعات المنشورة، و يقوم بها: من تخصصوا في هذا الباب، ومن هم حتى مدفوعي الأجر في بعض الأحيان!!! أو هم أولائك الأدباء لإبداعات بعضهم البعض، مع الحرص على إلصاق و تكرار الألقاب الرنانة للكاتب و للمكتوب دون حدود و لا نهايات. * التعامل المنحاز غير المحايد مع الإنتاجات المُبدَعَة من طرف الجنس الآخر المغاير:و هذه الظاهرة كانت المؤثرة نسبيا في ميدان النقد الأدبي زمن النشر الورقي، لكنها الآن الأكثر تأثيرا و الأعمق وسما بفعل التعارف و الاحتكاك المباشرين بين الجنسين في العوالم الرقمية. ثم و يبدو هذا الأمر أكثر وضوحا حين يتعلق بتعامل الرجال مع نصوص أدبية للنساء!إذ تظهر التعليقات و التفاعلات و كأنها موجهة لشخص الأديبة لا إلى نصوصها...و لعل للأديبات دور في تكريس هذا التوجه في مجال النشر الأدبي الرقمي، إذ هي الصور منهن تنضح بالنظرات الحالمة المستكينة، و تتضوع بالعري، و تُبدى كل ما يُمكِّن من استجلاب اهتمام القراء الذكور بهن، و بالتالي تبعا لذلك بنصوصهن التي تصبح في الصف الأخير من المهتم به بعد أجسادهن. إذ هو الاعتقاد راسخ لديهن بأن ذلك القارئ المعلق أو الناقد الأدبي سيتساهل حتما حين إبداء رأيه بخصوص نص أنثوي، و بالتالي سيضفي هالات من إعجابه المضمخ بالإطراء "رفقا بالقوارير"... و هذا ما ينتج تعاليق و ردودا تنثال منها عبارات الغزل المبطن و حتى الصريح، و هذا مما يؤدي طبعا إلى الإساءة إلى صورة المرأة الأديبة التي تفقد مصداقيتها و تتردى مكانتها في عالم الأدب، ذلك الذي ما كان عليها أن تروم إلا أن تكون لها القدم راسخة فيه كما الرجل دون إقحام بعد الجنس المنتمى إليه. إذ أن النقد الأدبي عمل أخلاقي بالدرجة الأولى، ويجب أن يهدف أولا و أخيرا إلى السلوك بالمبدع إلى درجات أعلى من الإبداع، و ذلك دون الغوص في تفاصيل ماهيته وهويته و جنسه.و هكذا فإن التنقيب عن جوانب و حيثيات في شخصية المبدع قبل التصدي للبحث عن خصائص و مقومات نصه المقصود بالنقد وبالتمحيص أو حتى بالتعليق انزلاق مقيت، و من ثَمَّ هو يخدش مصداقية الناقد، و حتى ينتقص من درجات علميته و ثقافته، إذ يؤدي به إلى ولوج وهدة التمييع، ويدخله في متاهة المجاملات الرخيصة غير البريئة في غالب الأحيان. إذ الناقد الأدبي الجاد المؤمن برفعة رسالته لا يبتغي إلا تشريح النص من أجل إبراز خبئه الجيد و كذلك ذلك المجانب للصواب، سواء تعلق الأمر بالقالب الأدبي أو بالمضمون، و سواء أ كان من مبدع أو من مبدعة.إذ ليس من فرق في كيفية مقاربة النصوص متعلقٌ بجنس الكاتب، فما من موضوع مباح للأديب تناوله دون الأديبة، و إلا فهو التكريس لتداعيات الموروث التقاليدي المقيت، فما لا يجب طرحه لأن الأخلاق قد تمجه وترفضه، فالأمر فيه سيان بالنسبة للجنسين، و ما هو رديء إنتاجه و مستهجن إبداعه فهو كذلك بالنسبة إليهما معا. و يبدو أن
احتكار الرجال لفضاءات الإبداع الأدبي لمدة طويلة للإقصاء كان من نصيب المرأة جعلهم غالب القضاة والمحتكم إليهم عند تقييم الكتابات في العالم الرقمي، وهم في الغالب لم يتوصلوا لحد الآن للتجرد من الأفكار المسبقة عن المرأة و السائدة في المجتمعات التقاليدية، فهي تبقى بالنسبة إليهم تلك الأنثى...و الغواني يغرهن الثناء...إذ ذلك التمييز لا زال الموجود و الكائن، و متعلق بتغلغل النظرة الغريزية للرجل إلى المرأة رغم معايشته لولوجها شتى الميادين و خاصة الفكرية والأدبية منها، و بالرغم من أن موجات "الحداثة" قد تغلغلت في نفوس الجل منهم كما يدعون. و هذا ما لا يمكن أن يستساغ أدبيا ولا حتى أخلاقيا، لأنه يُشعر بعدم الإيمان بالندية للمرأة مع الرجل في عالم الأدب، وبعدم القدرة منها على الإبداع الرصين المستحق لذلك لنقد الرصين، المؤدي بها في نهاية الأمر إلى مراجعة النفس باستمرار من أجل تحسين وتجويد الإنتاج... و بناء على هذا يجب على الأديبة الواعية أن تنشد حينما تنشر نصا إبداعيا في احد المواقع الأدبية الرصينة الحصول على انطباعات وانتقادات محايدة من الأدباء و المثقفين،و ذلك من أجل الاستفادة من توجيهاتهم و آرائهم لتتقدم قدما إلى الأمام، لا لتستجدي عبارات الإطراء والمجاملة رغم رداءة النص و تردي نوعيته...فالتوسعة في إنفاق المدائح على المرأة في مجال النقد أمر على المرأة المثقفة أن تحاربه و تستهجنه، لأن وجوده و تكريسه يعني أنها غير قادرة على الصمود كما الرجل أمام النقد البناء الجاد الموصل إلى اكتشاف الهنات، و من ثم العمل على التصدي لها بتجاوزها وإصلاحها.فكم من "المبدعات" أُحطن بهالات من الإعجاب و أغدقت عليهن المدائح في واقع الحال... فكان أن استسلمن لوهم التميز، و تهن في بحور تلكم العلاقات!!! و انصرم ربيع حياتهن بين أيدي المعجبين والزملاء...و اكتشفن في آخر الأمر وبعد ضياع فرص الاستقرار الاجتماعي أن الإعجاب لم يكن إلا بالجسد وبالشباب لا غير...فما من رصيد إبداعي يعتد به، و ما من إبداع كان أصلا، وإنما هو كلام معسول أتقن "النقاد "تنسيقه من أجل حيازة الاستمتاع ب"القرب" و ب"المقاربة"...!!!فالمطلوب من الأديبة الواعية إذا أن لا تطالب و أن لا تقبل إلا بما تستحق، وعوض أن تستمرئ ما ينثال عليها من هبات القول و تبرعات الاستحسان، عليها أن تسعى إلى نبذ ذلك السلوك و إلى الرد عيه بتطوير نفسها، وبناء كيانها الفكري من أجل حيازة ما لها عن جدارة واستحقاق.فحين الإطلاع على بعض المواقع التي تقدم نفسها بصفة ال"أدبية" و حتى الجادة نجد أقلاما نسائية تؤثث فضاءات تلك المواقع، و لا تعمل إلا على الترويح عن العنصر الرجالي، الذي يستغل وجودها للتفاعل معها حول التافه من المحاور و الموضوعات و حتى البذيء الشائن منها في بعض الأحيان، و ذلك من أجل الهروب من واقع مأزوم متشنج عمل على خلقه هو، ثم وهو يكرسه داخل أسرته عن طريق العنف و اللامبالاة و الإهمال. ج ترهل الساحة الأدبية العربية: و ذلك عن طريق إغراق المجال الأدبي بالنصوص المتراكمة، طبعا دون حضور معايير الجودة...فقط هو تصاعد لوتيرة الإبداع الذي فُتح بابه أمام الكل، حتى أمام من لا يتقن اللغة العربية التقريرية العادية، بَلْهَ تلك التي تمكن من النسج على النول الأدبي الرفيع. فتلكم المجاملات المبالغ فيها و غير محسوبة النتائج هي من وراء اعتقاد البعض كونهم أصبحوا الأدباء حقيقة، و بالتالي تجدهم لا يفتأون يغرقون المواقع بكل ما تتفتق عنه قرائحهم من نصوص لا تنفع إلا في التدليل على سذاجة منتجيها و بساطة تفكيرهم. د حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية: تلك التي كان يمكن إبرازها و تمتيعها بما تستحقه من الاهتمام و الدراسة لولا كونها المغمورة في بحر الغثاء الرقمي، ذلك الذي لم يعد النقاد يرون أنفسهم المعنيين بولوج خضمه من أجل العمل على تعيين الفاسد و نبذ المتهالك المتواجد فيه. ه ظهور تيارات أدبية متنافرة: و قد ساهم في ذلك تعدد المواقع، و حتى ظهور تلك لا تحتضن و لا تنشر إلا لتوجه إيديولوجي معين...و ذلك لعدم الرغبة في قبول الرأي الآخر، و لعدم استيعاب بُعدِ الحق في الاختلاف، ذلك البعد التي يُمكِّن من التواجد في فضاء افتراضي واحد، ثم و يكون عونا على إقامة حوار حضاري جاد و بناء يُفَعِّل أواصر الأخوة في الإنسانية حتى إن انتفت وشائج أخرى. و أخيرا... هذه من باب التمثيل لا الحصر بعض الخاصيات و المقومات الإيجابية و التداعيات السلبية الناتجة عن استعمال النشر الرقمي في المجال الأدبي، تلك الطريقة التي لا يمكن الاستغناء عنها لارتباطها بالتقدم الإنساني، و لإتاحتها الحصول على العديد من المكاسب...و تلك التي يجب إعادة النظر في سبل توسلها حتى يثمر لك التوسل ازدهارا و ينعا في عالم الأدب، ذلك المحتفي بجمالية الرؤى المصورة بجميل الأنساق و الكلمات...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.