قد يكون الفشل بمثابة لغة مشتركة بين قادة اليسار للإجابة عن سؤال يهم تقييم نتائج انتخابات7 شتنبر 2007، والتي لم تخل من آثار الصدمة لكل التوقعات، خصوصا إذا استحضرنا نغمة الانتصار الاستباقية والوعود بخلق مفاجآت. لقد أجمعت كل تصريحات قادة التحالف، التي خاضت المعركة على الإقرار الصريح بالإخفاق، هذا الإخفاق أعاد إنتاج ذاته من خلال اقتراع 2002 ، حيث امتدت آثاره إلى وحدة فتية تماسكت خيوطها بالقوة. فإذا كان اليسار في كل محطة انتخابية يضع بيد الكتلة الناخبة خطابا سياسيا يبدأ بضرورة الإصلاح السياسي والدستوري تبلورت ملامحه في إطار صيرورة اندماجية قادها قدماء معتقلين سياسيين ضحايا مرحلة الرصاص... فلماذا يجد نفسه أمام حصيلة انتخابية تضع رصيده في مأزق حرج؟ وبصيغة تختزل كثيرا من الجهد نتساءل: أين يكمن الخلل في الآلة الانتخابية اليسارية؟؟ استوقفتنا تصريحات عديدة لقادة اليسار تحاول، في كل مرة، وضع اليد على مكامن الضعف في الآلة الانتخابية اليسارية، تصريحات اتخذت تفسيرات عديدة تختلف من سياق إلى آخر، وفي ظل هدا التنوع في تفسير أسباب الفشل قمنا بتحليل مظاهره، من زاوية المقارنة بين الخرجات الإعلامية ،إثر تقييم نتائج اقتراع 2002، وما يقابلها من نتائج لاقتراع 7 شتنبر 2007. كانت خلاصة ما توصلنا إليه، تعكس أن الخطاب السياسي اليساري يخطئ موعده مع فرص تاريخية، قد تعمل على تجديد خلاياه بفعل قدرته على بلورة تصورات يتجاوز من خلالها عوائقه الذاتية ويقطع مع زمنه الخطي نحو فواصل تغني مساره، لكن اليسار يقع ضحية نكساته الارتدادية تشده كل مرة إلى الوراء بفعل استنساخ أزماته. رصد الأخطاءعلى إيقاع التحضير لخوض معركة 2002 اشتغلت الآلة الانتخابية لأربعة مكونات يسارية وسط تفاؤل كبير خصوصا، أمام إنجاز تاريخي أعلن عنه في مؤتمره التأسيسي 13-14-15- يوليوز2002، الأمر يتعلق بوحدة اندماجية ظلت حلما يراود أطياف اليسار. وبالرغم من هشاشة البناء وسرعة التحضير الزمني لخوض حملة انتخابية رافقها ارتجال تنظيمي كبير، كانت القناعة المشتركة هي صدقية الأشخاص ونظافتهم ومن ثمة، كان المأمول هو الحصول على فريق برلماني يتناسب مع رمزية اليسار من حيث العطاء والقدرة على تأثيث الانبعاث وهيكلة الذات. وإثر الإعلان عن نتائج الانتخابات، جاءت تصريحات قادة اليسار تحمل قدرا كبيرا من المرارة من جراء سوء التقدير للأبعاد الحقيقية لإمكانياته الذاتية وأسلوب عمله وآلياته التواصلية...فكانت قراءات بعض قادة اليسار التقييمية في بعض الصحف ترصد سوء تدبير الحملة، وقد استوقفتها الأخطاء التالية:-ضعف الآلة التواصلية: عرف الواقع الميداني تغييرات عديدة تستوجب صنع آليات على مستوى تصريف الخطاب بمستوياته، تقل أو تكثر، حسب درجة استيعاب المتلقي وقدرته. لكن يبدو أن طبيعة التواصل لدى اليسار تفترض صيرورة تاريخية في حالة سكون بفعل الأنا اليساري المسكون بهاجس " ماضي التضحيات"، وهي مفارقة تضع اليسار خارج زمن التحول والانصهار في النسيج المجتمعي. هذا الضعف على المستوى الميداني جعل اليسار يحسن النقاش – يؤكد مصطفى مفتاح- أكثر من تفعيل خلاصاته عمليا، إذ – يضيف مفتاح في تصريح له بجريدة الأيام ع 55/2002 – أننا لم نستطع أن نحول إشعاع كل الفعاليات اليسارية على مستوى المجتمع المدني إلى قوة انتخابية. ذلك أن اليسار ينطلق من كون الواقع معلب في صيغ منمطة ما يجعل خطابه السياسي يعرف احتقانا في مسالكه التواصلية. من أجل هذا أطلق مصطفى مفتاح دعوته إلى فتح مسار التواصل عبر خوض صراع من أجل مشروع مجتمعي ليظهرأنه قابل للتحقيق مستقبلا، بفعل الاقتراب والنزول أكثر إلى المواطنين.-زمن التحضير الانتخابي: لقد جاءت الخلاصة التي تشير إلى أن اليسار يفتقر إلى تنظيم يلج معركة انتخابية، بسبب انشغال الفصائل الأربعة بعقد مؤتمرها التأسيسي خلال شهر يوليوز وانتخاب المكتب السياسي نهاية من نفس الشهر، وهي الهيأة التي ستتحمل مسؤولية التدبير ملف الانتخابات. وفي شهر غشت حيث تم الحسم في موضوع المشاركة في الانتخابات. هذا الضغط الزمني في الحسم والتحضير أفرز بعض الأصوات خلال الندوة التأسيسية 15-يوليوز-2001، تحذر من مغبة السقوط في كارثة قد تلقي بضلالها على مسار الوحدة. لكن التقدير السياسي انفلت من عقال مرجعيته الزمنية، الأمر الذي ولد وحدة ضعيفة على المستوى الانتخابي.-ضعف القيادة السياسية: في عدة تصريحات إعلامية، اعتبر- محسن عيوش- أن نتائج الحملة الانتخابية بمثابة هزيمة حقيقية ليس لليسار الاشتراكي الموحد فقط، بل للحركة اليسارية ككل. ولهذا السبب أرجع المسؤولية إلى الهيئة المسيرة مطالبا إياها، في خطوة جريئة، إلى تقديم استقالتها كمكتب سياسي للجنة المركزية، بسبب انتفاء الأهداف التي حددتها في تحصيل أكبر عدد من المقاعد وأكبر عدد من الأصوات. كما طالب بأن يقف الحزب بكل مناضليه وقفة جدية وعميقة من أجل تحليل أسباب الهزيمة والأخطاء التي ارتكبها، وهو بهذا يرمي من جهة، إلى إشاعة جو من الوضوح في انتقاد عجز الذات وقصورها في تحقيق أهدافها، ومن جهة أخرى يتطلع إلى محاولة إعادة هيكلة المكتب السياسي الذي أصبح عاجزا في تدبير المرحلة. ومن ثمة، يمكن القول كل من أخطأ في تدبير المرحلة أوساعد على ذلك سيعاقب طبقا للقوانين الجاري بها العمل داخل المؤسسة الحزبية.- النقد والنقد الذاتي: " لقد أخفقنا... لتكون لدينا الجرأة السياسية لنقول بأننا أخطأنا " بهذا الحس والقدرة على البوح في تحميل المسؤولية للذات، تهيئ حورية شريف شروط التجاوز لبناء المستقبل السياسي لليسار وسط محيطه الاجتماعي. فالإقرار بالخطأ إشارة إيجابية لإعادة ترتيب الأوراق. وعن سؤال هل مارسنا نحن كيسار اشتراكي الموحد الحملة الانتخابية من خلال ما ركمناه أم أننا نسينا ذلك وقمنا بحملة مهللة عشوائية؟ هنا يعتبر محسن عيوش أن الكيفية التي تمت بها إدارة العملية الانتخابية أخطأت الإنصات إلى الهموم الحقيقية لقضايا المواطن مقترحا على " كل المناضلين المسؤولين تقديم النقد والنقد الذاتي ". هذه القدرة على الربط بين النقد الذاتي كقيمة أخلاقية واقتراح بدائل ممكنة للخروج من الفعل الهامشي الذي يوجد فيه اليسار، ما جعل حورية شريف تنظر إلى المرحلة المقبلة من زاوية تجاوز الخطأ نحو بناء الهياكل محليا والتعريف باليسار الاشتراكي الموحد بتاريخه ومستقبله، وإعادة نظر في وسائل العمل... ويدخل في إطار توسيع مساحة النقد الذاتي، أن اليسار– حسب مصطفى مفتاح- " لا يتواجد في الأحياء الهامشية". فالقدرة على النقد الذاتي لم تتأسس من فراغ، بل جاءت نتيجة صدمة الإخفاق حملت معها تصريحات بعض قادة اليسار إلى التعامل مع الذات بشكل صارم، ولد إمكانية تجاوز الأزمة عبر إنتاج صيغ وتصورات من شأنها أن تغني رصيد اليسار لتدارك أعطابه. فهل نجح اليسار في تخطي حواجزه النفسية والسياسية من أجل تحقيق أهداف تدخل في إطار إستراتيجية النضال الديمقراطي ؟من النقد إلى اللاتجاوزكان من الطبيعي ، أن تكون محطة 7 شتنبر 2007 تتويجا لمسار محفوف بتراكمات وإضافات نوعية أغنت روح اليسار وانتشلت نموذجه من بين تشابهات ونسخ متطابقة، خصوصا وأن المساحة الزمنية بين اقتراع 2002 و2007 عاش الحزب الاشتراكي الموحد على إيقاع ثورة داخلية بيضاء وضعت تجربته الفتية في المحك، سواء في مؤتمره الاستثنائي23-24شتنبر2005 ، لحظة الاندماج السلس مع جمعية الوفاء للديمقراطية أو في مؤتمره الوطني الثاني، والتي تفاعلت معه إيجابيا أوساط سياسية عديدة وطنية وعربية ودولية، أما المنابر الإعلامية اعتبرت ما يجري داخل اليسار الاشتراكي الموحد ما يشبه طائر الفنيق، في إشارة إلى مسار جديد يعمل على ترسيخ قيم الديمقراطية الداخلية دعامتها الأساسية أرضيات التيارات التي نوقشت مضامينها على صفحات وموقع الحزب، ولقد تم الحسم ديمقراطيا في سيادة جزء منها عبر جدلية الإقناع والاختيار بين المؤتمرين بحضور هيئات المجتمع المدني.وعلى هامش بنائه الداخلي، حاول الحزب أن ينفتح على محيطه سواء باسم " التجمع اليسار الديمقراطي" أو من خلال " التحالف اليساري"... ومن داخل هدا المحيط خاض الحزب معاركه من أجل إسقاط قانون الانتخابات، وقانون الإرهاب... ويدخل في إطار مواجهة القوانين مواجهة غلاء الأسعار... فإذا كان هذا هو السياق العام الذي حمل اليسار إلى الواجهة السياسية والإعلامية، أين يقبع الخلل؟!!! والحال أن الحزب شد عضده بجبهة التحالف 27 ماي2007 في خوض معركته الانتخابية؟كان لابد، أن نتسلل في كل مرة، وهذا اختيار منهجي لهذا العمل، إلى تصريحات قادة اليسار للوقوف على حقيقة ما جرى، منطلقين من سؤال جيد طرحه ذ. محمد الساسي، أثناء تقييمه لنتائج 7 شتنبر2007، وهو: لماذا لم نستطع أن نقنع جيشا من المقاطعين للانتخابات بجدوى الانخراط معنا في معركة تعتبر إحدى حلقاتها، هي تعزيز موقعنا في البرلمان؟عن هذا السؤال، يرجع أسباب الفشل ذ. الساسي إلى طبيعة الخطاب السياسي اليساري الذي ينتمي إلى مؤسسة التعقيد، إذ أنه " مركب ومعقد وتدبير هذا الخطاب وتنزيله مهمة صعبة للغاية، ولا يمكن للناخب أن يستوعب مضامين خطابنا بسهولة". فالرصيد الرمزي لليسار لم يجد بعد قنوات لتسريبه إلى تربة الشارع المجتمعي. يبقى السؤال، كيف يخوض الحزب إذن معركة انتخابية بلغة عصية عن أفهام المجتمع ؟!!ثم كيف لم ينتبه شراح اليسار ومفسروه إلى هذا المأزق اللغوي، وهو الذي يتحدث بلغة الارتباط العضوي. أنفهم أن اليسار عبر مساره الطويل كان في حالة فك الارتباط مع المجتمع، بسبب عطب في لغته التواصلية ؟ لكن ما أسباب تبنيه ظاهرة صوتية مركبة أمام متلقي مواطنته مقهورة في هويتها ووضعها الاقتصادي والاجتماعي..؟ حقيقة نستقبل هذا الإشكال باندهاش كبير، ونحن نستحضر فلسفة ماركس وانجلز ولينين كيف أنها وصلت إلى ملايين الفقراء والعمال والفلاحين...تحت أجناس إبداعية مختلفة طوعت اللغة كما يطوع الصانع مادته. أليس في صفوف اليسار رجال خبروا بيداغوجية الإلقاء ومارسوا أنواعا من الصنافات، واشتغلوا على مسارات فارقية في التبليغ؟ ونعتقد أن محمد الساسي رجل تعليم يحسن التواصل المتعدد المسارات، لكن يبدو أن سلطة الموقع وتغييره لها وقع كبير في مقاربة الأشياء بموضوعية، إذ انتقاله من باحث ينشد الرصانة والدقة – كما عهدناه- إلى مرشح في دائرة انتخابية أوقعه في تشويش نظري، خصوصا في معالجة إشكال يندرج فيما يمكن تسميته بصد الإحراج. ولإيجاد مخرج التمس التبرير من خلال الزج بالإشكال داخل ثنائية ميتافيزيقية تتمثل في الأطروحة ونقيضها. ذلك أن اليسار يجمع في توليفة متشنجة خطابا سياسيا ينتعش من خلال فعل " التواطؤ" مع المواطنين من أجل " تنمية العناصر التحويلية" داخل مؤسسات تعيش " خصوصا ديمقراطيا على مستوى المؤسساتي..وعلى مستوى الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.."ونقيضه عبر اعتماد" خطابا نقديا ". فاليسار على هذا المستوى، يعيش سكيزوفرينيا اللغة تمتد أعراضها إلى الزمن الاتحادي في توظيفه لإستراتيجية مركبة وفق سياق التكريس واصطناع التحويل، وهي إستراتيجية بطبقتين مختلفتين، ضمنية وظاهرة تتبادلان الأدوار حسب التحلل من الالتزامات التنظيمية للحزب للهرولة نحو التطبيع مع القصر، مما يقتضي مستوى من الخطاب، ونقيضه عند صناعة الارتباط مع القواعد والمواطن. وفي تصريح له- بجريدة اليسار الموحد ع204/2007- اعتبر محمد مجاهد الأمين العام لحزب الاشتراكي الموحد، أن أسباب الفشل تعود إلى سلط تتمثل في الفساد، واستعمال المال، مذكرا " بدور المال في ترجيح كفة الفاسدين الذين ابتكروا تقنيات جديدة تجاوزت شراء الأفراد إلى شراء الأحياء والدواوير بواسطة سماسرة محترفين ووسطاء نافدين". وفي مجمل تصريحاته لوسائل الإعلام ألقى محمد المجاهد اللوم على عناصر خارج إرادة آلته الحزبية، محملا المسؤولية لممارسات تعمل على إفساد الحياة الانتخابية ب "دعم الدولة على حساب أطراف أخرى" والتزامها بما سمي " الحياد السلبي" أمام خروقات عديدة تم رصدها.أما عبد السلام العزيز الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، أشار إلى أن" نتائجنا كتحالف يساري لم تكن تتناسب وطموحنا.. للكيفية التي تمت بها الانتخابات، والتي انتصر فيها المال والأعيان والدين، مما جعل النسق العام للانتخابات لا يخرج عن طبيعته". وفي إطار استحضار الآخر كأساس فيما جرى وغياب رصد الخلل من زاوية تحمل المسؤولية كذات مساهمة بشكل كبير، خصوصا أمام انتخابات أجمعت كل القوى السياسية على اعتبارها أقل ضررا، اعتبر من جهته، الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أحمد بنجلون، على أن " ثالوث المخزن والمال والدين " ألحق ضررا بالقوى الديمقراطية. و في اجتماع عقدته الهيئة التنفيذية للتحالف يوم 5/5/2007 خصص لتقييم العملية الانتخابية، سجلت الهيئة في بيان مشترك مجموعة من الخروقات تتعلق بعملية تزوير نتائج الانتخابات. ومضامين هذا البيان لا تختلف كثيرا عن البيانات التي كان يصوغها- في إطار التنسيق- حزبا "النهج الديمقراطي" "والطليعة الديمقراطي الاشتراكي" لتبرير الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرين أن العملية الانتخابية تؤطر في ظل نظام مخزني بنيته الأساسية قائمة على تزوير إرادة الناخب. لماذا يعتبر اليسار الآخر مساهما في التأثير والإقصاء في الوقت الذي يلتمس العذر للذات تحت ذرائع متباينة؟ ما معنى أن يكثف اليسار من اقتناء مفاهيم جاهزة وبسيطة لتوصيف الفساد الانتخابي، في الوقت الذي يلتجئ إلى مؤسسة التعقيد لتبرير إشكالية فشله وعجزه؟ لماذا ظلت الذات اليسارية أثناء تقييم الحصيلة الانتخابية ذاتا ترانسندنتالية ؟فرص تاريخية أخطأها اليسارداخل لحظات تاريخية، عرف المشروع اليساري إمكانية انبعاثه من جديد، فالحصيلة التقييمية لنتائج انتخابات 2002 دفعت النخبة السياسية اليسارية إلى تخطي تجربة استنساخ أدوات الأزمة في التعاطي مع الفشل، ففي سياق تاريخي يعرف انفتاحا سياسيا ساهم إلى حد ما في تحرير اليسار من عوائقه الموضوعية، انبثقت تجربة منفتحة على واجهة النقد والنقد الذاتي، حيث وضعت الآلة الانتخابية أمام مسؤولية الجماعية. فمقولة " لقد أخطأنا " كانت محكومة بشروط التجاوز، قصد بناء إستراتيجية انتخابية، فبموجب هذه تصورات وضع الخطاب السياسي اليساري أمام مشروع قطيعة تاريخية. هذا الإصرار على التجاوز، هو نتيجة الخوف من نفي الهزيمة الواقعية- كما يؤكد محسن عيوش- بخطاب لفظي، لأن النفي يرتكز على فقدان القدرة على تحل المسؤولية من جهة، ويؤدي إلى عدم توفير الوسائل المادية والمعنوية لتجاوز الهزيمة. لكن فعل الانتعاش الذي بدأ يدب في جسد اليسار مؤخرا، أقنعه بعودة الروح اليسارية، من حيث التوظيف لرأسماله الرمزي والأخلاقي الذي وضع – حسب محمد الساسي- كضمانة للمواطنين. وهو بالمناسبة نفس رأسمال الرمزي الذي وضع أثناء استحقاقات 2002 بتفاؤل أكبر. لماذا يضيع اليسار لحظات تاريخية من مساره النضالي ليعلن – في كل مرة- عن خطا استمراريا مع فشله؟ ثم ما معنى أن يتقمص صورة السلفي للإشادة والعودة إلى الموروث الصالح؟ أليس هذا الموروث بات يكشف عن هشاشته وضعفه أمام واقع يعرف كثير من التحولات؟ من خلال تحليلنا لمستوى الخطاب السياسي إزاء التجربة الانتخابية، يتضح أن محطة 2002 كانت مطبوعة بعمق نظري في التعاطي مع الأزمة، سواء من حيث النظر إلى إشكالية التواصل من جانبها التقني ،إذ يقترح مصطفى مفتاح التعامل تواصليا مع القضايا الأساسية بصيغة أسهل، عكس النظر إلى الإشكالية من زاوية فلسفية مركبة يشرح أبعادها محمد الساسي في اضطراب نظري كبير، الأمر الذي يستوجب مساءلة الهوية اليسارية وأخد إشكالاتها على محمل الجد. وداخل سياق يطبعه التناغم السياسي والأخلاقي ، يحدد محسن عيوش تصورات التجاوز، في ظل الإقرار بالخطأ، و النقد الذاتي، و تقديم الاستقالة، في الأبعاد التالية:-مستوى المبدئي العام/ التصور المجتمعي.-المستوى السياسي/ البرامج السياسية وأساليب العمل.-المستوى التنظيمي/ الأدوات والبنيات التي يعتمدها الحزب.يقابل هذا الإصرار على التجاوز و تخطي أزمة اليسار وعقدته الانتخابية، هوس استنساخ الأزمة في حركة ارتدادية تنقله من إحباط إلى آخر، ليجد تبريره في مقولة" لقد فشلنا مرحليا في ذلك " تبريرات تكثف أسباب الفشل ولا تساعد على التعاطي الإيجابي مع المشكل ، وهذا يؤدي في الواقع العملي ، كما أشار عيوش، إلى الانتقال من هزيمة إلى أخرى وإلى تنوير الهزائم واعتبارها موضوعيا. أما تقييم ما جرى من زاوية مسؤولية الذات، فهي رغبة لفظية لدى محمد الساسي، وإشارة كلامية لدى محمد مجاهد.