لا شك أن بروز و انتشار المواقع الالكترونية الإخبارية بشكل كثيف على مختلف مواقع الشبكة العنكبوتية كان له افرازات عميقة على الجسم الإعلامي بجميع أصنافه، و فتح شرخا في داخل الذهنية الإعلامية التقليدية ليُعيد صياغة المشهد الإعلامي وفق منظور مختلف و جديد يتأقلم مع المتغيرات في هذا السياق.فمنذ بداية التسعينات تحديدا، انطلقت مسيرة إنشاء المواقع الالكترونية الإعلامية لتعمّ بسرعة جميع أنحاء العالم. وتتركز أسس هذا التوجه على اعتبار تواجد عامليْن: الأول يتعلق بسهولة و ببساطة فتْح مواقع على الواب من الناحية التقنية، و الثانية يرتبط بضعف الموارد المالية المطلوبة للقيام بتلك العملية. و من هنا انطلقت عملية ضخمة لبعث مصادر إخبارية الكترونية تتناول شتى المواضيع و تغوص في عدد من الموضوعات المتنوعة. واثر ذلك، واقتناعا بأهميتها، التحقت غالبية الصحف و الهيئات الإذاعية و التلفزية المرموقة بهذه الموجة، ليصبح الإعلام الالكتروني في ظرف وجيز شديد الخطورة و عميق التأثير سواء على صناع القرار أو من ناحية تشكيل الرأي العام. و لا بد من القول في هذا المستوى إلى أن للصحافة الالكترونية مقتضيات و متطلبات إضافية على بقية أشكال الصحافة الأخرى. فالإعلامي الأمريكي جون ثوان دوب ناشر cyberjournalist.net قال "إن الكتابة للصحافة الالكترونية هي مزيج من كتابة الصحافة المطبوعة و الكتابة الإذاعية و التلفزيونية". إذ يمكن لصحفيي الانترنت مثلهم في ذلك نظرائهم في التلفزيون أن يضمّنوا تقاريرهم الإخبارية صورا و مقاطع صوتية و صور فيديو، بالإضافة إلى عناصر تفاعلية تسمح للقارئ بمطالعة التقرير و تمحيصه بالسرعة التي يختارها. فالصحافة الالكترونية هي "الصحافة المكتوبة زائد". و هي تسمح أيضا للقراء بأن يستجيبوا على الفور و بصورة مباشرة للكاتب أو المحرر عن طريق الرسائل الالكترونية أو حتى في محادثة خاصة.زد على ذلك خصوصية السرعة في ترويج المعلومة التي تتميز بها الصحافة الالكترونية. ففور ورود الخبر، لا تتعدى جاهزية عرضه على الموقع سوى فترة الموافقة عليه من قبل هيئة التحرير. وهو ما يفسر التجاء معظم وكالات الأنباء العالمية إلى بعث مواقع لها، تستعيض فيها عن تقنيات العمل السابقة من فاكس و تيلكس و غيرها من الوسائل التي لا تضاهي الانترنت في السرعة. و إذا كان من الصعب جدا الإقرار بوجود صحافة الكترونية تونسية محترفة و منفصلة عن النسخة المطبوعة، نظرا للصعوبات المركزية التي تعترض المبادرين من أجلها، فان بعض المحاولات المتناثرة خصوصا في دول المهجر تستحق الإثناء. و تكمن صعوبة الانخراط في سياق تأسيس إعلام الكتروني جاد و محترم إلى وجود "غول" كبير وشرس يقف معرقلا أمام تطور مثل هذا القطاع، وأعني به تحديدا الرقابة الالكترونية الصارمة التي تحركها شرطة الانترنت و التي تحجب بشكل رهيب جميع المواقع التي تتناول الحياة التونسية من منطلق نقدي أو مستقل. فالجهاز العتيد و الإمكانيات التكنولوجية الرفيعة التي يمتلكها ذلك الصنف من أعوان وزارة الداخلية لا تترك موقعا مهما كان طبيعته مفتوحا للعموم، بل تصل بهم الجسارة إلى القيام بتدمير مواقع بعينها أو زرع فيروسات في أخرى. ولا يمكن بالطبع من خلال التعرض لتلك الأساليب التفاؤل بإمكانية تأسيس إعلام الكتروني حر و ناضج.و تعيق أيضا عملية التطور الايجابي لصحافة الكترونية تونسية، حالة التكلس و التحجّر للعقلية المحلية، و عدم مواكبتها لأهم الاحداثات في هذا الميدان. فمازال المواطن التونسي لا يعتمد على الصحافة الالكترونية كمرجع للحصول على الأخبار أو البحث في التحاليل و التعاليق المعمقة فيما يحدث في الشأن العام، مخيرا في الكثير من الأحيان الرجوع إلى القنوات الفضائية أو العودة إلى الصحف و المجلات المطبوعة في حالات أخرى. و يعود سبب ذلك إلى عدم ثقته بعد فيما يصدر من مقالات و نصوص على المواقع في الانترنت التي بقي الكثير منها مجهولا و قليل الاحترام.بقي أن نشير في هذا المجال إلى ضرورة انكباب كل من جمعية الصحفيين و نقابة الصحفيين التونسيين حول هذا الموضوع بجدية، وإعطائه ما يستحقه من الأهمية أخذا بعين الاعتبار بدرجة أولى كوْن العاملين في هذا القطاع يواجهون نفس الصعوبات التي يتعرض إليها بقية زملائهم، زيادة إلى أنّ مجلس النواب يدرس حاليا مشروع قانون حول الصحافة الالكترونية، ومن المترقب أن يدْرج فيه العشرات من الفصول القانونية الزجرية و السالبة للحرية على غرار مجلة الصحافة. و بالتالي فان أمام هذين الهيكلين الاشتغال منذ هذه اللحظة على معارضة ما يمكن أن يؤشر لتأبيد حالة اللاحرية التي نعيشها اليوم.