وفر الأنترنت إمكانية أكبر للمواطن العادي لكي يتحول إلى صحفي أو صانع للرسالة الإعلامية يستطيع بسهولة، وبتكاليف قليلة، أن يصنع إعلامه البديل والذي يصنع من خلاله الخبر والتقرير والتحقيق والحوار والتقرير الصوتي والمصور والفيديو وسائر أشكال العمل الإعلامي ليضعها على موقعه أو المدونة الخاصة به أو يرسلها عبر مجموعته البريدية. من أبرز السمات في شبكة الأنترنت أنها تمكنك أو تجعلك عضوا في مجتمع أو مجموعة مجتمعات تخيلية مختلفة ومتنوعة في إطار عام وأوسع من مجتمع عالمي يضم كل مستخدمي شبكة الأنترنت، تضم عددا من الأعضاء الذين يجمعهم انتماء أو اهتمام واحد. يتجمعون في مكان ما يتمثل في مساحة أو جزء من الفضاء الإلكتروني، ومن هنا جاءت صفة التخيلي، وتنشأ من خلال تواجد هؤلاء الأعضاء في صعيد واحد مجموعة من العلاقات والتفاعلات في ما بينهم. حسب الباحث الألماني ألبرشت هوفهاينز، صار الأنترنت أداة هائلة للحشد والتفعيل، من خلال عدد من رسائل البريد الإلكتروني، حيث يتم حشد أنصار لقضية ما أو لاتخاذ موقف ما على أرض الواقع، كما يمكنك أن تتبنى حملة لمناصرة قضية ما أو لترويج فكرة أو سلوك ما. وقد تتحول المعارك والبطولات -يضيف البرشت- إلى معارك وهمية لتفريغ شحنات الغضب أو «تنفيس» الرغبة في التغيير أو الفعل على أرض الواقع، وذلك عندما يتحول، أو عندما تصاب مسيرات التغيير بانسداد الأفق ويكتفي الإنسان ب«الجهاد» من خلال نقر لوحة المفاتيح وفأرة الكمبيوتر. كما ينبه إلى أن الحملات الإلكترونية لا ينبغي أن تقاس بمدى نجاحها أو عدد الموقعين أو المشاركين فيها ولكن بقدرتها على توصيل الاحتجاج إلى المسؤولين والتعبير عن الجماهير وحقوقها وحرياتها المنتقصة أو المعتدى عليها. في مصر، لفت الإضراب العام الذي وقع بأشكال متفاوتة في السادس من أبريل الماضي الأنظار إلى بروز قوى تغيير جديدة عبر الشبكة العنكبوتية تتجاوز الأحزاب والنقابات والحركات الشعبية التقليدية وتتفوق عليها من ناحية التأثير والقدرة على الحشد وتنظيم الاحتجاجات، خصوصا ضد غلاء المعيشة. انتقلت حملات جمع التوقيعات لحشد التأييد حول قضية ما، من بيانات المثقفين الورقية إلى الأنترنت، وأشهر المواقع هو موقع الحملات الإلكترونية المعروف www.Petitiononline.com الذي يشترك فيه 69 مليون شخص عبر العالم والذي يفاجئ متصفحه بعدد كبير من حملات جمع التوقيعات في كل المجالات السياسية، الاقتصادية، وحتى الدينية. ويتضمن، إلى جانب ذلك، حملات ضد ومع كل شيء تقريبا، وإن كانت أهمها وأكثرها الحملات ذات الصبغة السياسية، كما توجد حملات من كل دول العالم تقريبا. ولا تقتصر الحملات الإلكترونية على جمع التوقيعات، ولكن هناك توظيف لفكرة المواقع الإلكترونية بشكل عام، فأشهر حملة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية مخصص لها موقع كامل هو www.kate3.com، ويتضمن قائمة بكل الشركات الأمريكية والإسرائيلية ومنتجاتها والبدائل المحلية لهذه المنتجات، فضلاً عن أخبار عن المقاطعة وما حققته من تأثير على اقتصاديات أمريكا وإسرائيل. المراقبون يطرحون أسئلة جوهرية: إلى أي مدى تؤثر هذه الحملات كأداة لحشد الرأي العام والضغط على صانع القرار؟ ولماذا تنتشر حملات جمع التوقيعات على الأنترنت؟ وهل تصبح بديلاً عن النشاط على أرض الواقع؟ يفسر د. جيهان رشتي، عميد كلية الإعلام السابق بجامعة القاهرة، إقبال المواطنين على هذا النوع من الحملات الإلكترونية بأن الأنترنت تتيح التواصل بين مختلف البشر دون التقييد بظروف الزمان والمكان، كما تتيح حرية التعبير، ويرى أن هناك مجموعة من الأفراد يريدون إنشاء جمعية للدفاع عنهم ستواجههم مصاعب كثيرة عليهم أن يتغلبوا عليها قبل أن يبدءوا نشاطهم، كما أن قدرة الجمعيات على النفاذ إلى المواطنين والانتشار عبر وسائل الإعلام محدودة ومتوقفة على مدى نشاط وسائل الإعلام وتقديمها لوجهات نظر مختلفة، فأجهزة الإعلام الرسمية تعمل كبوق للدولة ولا تهتم بإبراز المعارضة، سواء السياسية أو الاجتماعية.