تشهد السعودية جدلا بشأن مساعي السلطات لتنظيم الإعلام الالكتروني إذ يخشى مدونون وإعلاميون من تشديد الخناق على هذا القطاع الذي يتمتع بأكبر هامش من الحرية في المملكة ويزدهر بسرعة. وكشفت وزارة الثقافة والإعلام لائحة تنظيم جديد لنشاط النشر الالكتروني بمختلف مجالاته يقضي باستكمال إجراءات وشروط للصحف والمواقع والمدونات الالكترونية لتسجيلها رسميا مع ضرورة إعلان أسماء العاملين فيها أمام الوزارة. وقوبل التنظيم الجديد الذي ما زال في طور الإعداد ولم يصبح قانونا ملزما بعد, بانتقادات واسعة في الأوساط الإعلامية والحقوقية إذ اعتبر «خطوة غير موفقة» من وزارة الثقافة والإعلام لتحجيم المجال الالكتروني الذي يرى كثيرون انه لا يمكن السيطرة عليه في الأساس. «هل سيعمد الوزير لاستصدار تصريح لنفسه لمواصلة التدوين في مدونته على تويتر وفيسبوك?», هذا السؤال طرحه المدون طراد الأسمري, محرر مدونة «حلم اخضر» في حديث مع وكالة فرانس برس. وأضاف «تلقينا التنظيم الجديد بنوع من الإحباط الشديد, فالوزارة بهذه اللائحة قامت بمغامرة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم وأتوقع أن يظل حبرا على ورق ولن يتقيد به أحد». وإذ رأى الأسمري انه كان الأجدر بالوزارة أن تفعل لائحة حقوق المؤلف ونظام الجرائم الالكترونية, قال انه «يفترض تعزيز الثقة وتوسيع هامش الحرية بدلا من تقييدها». ويرى مراقبون أن من أهداف السلطات منع تفشي التطرف في الإعلام الالكتروني الذي يستقطب جزءا كبيرا من الجيل الشاب وينتشر بسرعة مع إطلاق عشرات المواقع في السنوات الأخيرة, كما انه تحول في السنوات الأخيرة إلى مصدر أساسي للمعلومات. وكان وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة تجاوب مع بعض الانتقادات حول بنود لائحة التنظيم الجديد حول شرط موافقة الوزارة على تعيين رؤساء تحرير الصحف الالكترونية ووعد بتعديلها بحيث يتم إعلام الوزارة فقط باسم رئيس التحرير. من جهته, رأى اسعود كاتب أستاذ الإعلام الجديد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة واحد المشاركين في صياغة اللائحة الجديدة بان الوزارة تعجلت في إظهار التنظيم للعلن وان الصيغة الحالية غير واضحة. وقال «في الواقع, الأمر برمته يتوقف على تطبيق اللائحة لانها قد تفسر بطرق مختلفة فإذا ما طبقت بعقلية منفتحة ستؤدي الى نتائج جيدة, لكن الخوف من ان تطبق بنفس العقلية التي تعتمد مع الإعلام التقليدي وفي هذه الحالة ستخسر الوزارة ولن تحقق أهدافها». ويؤكد كاتب بأن الإعلام الالكتروني غير قابل للتحكم به والرقابة عليه كما هي الحال بالنسبة للاعلام التقليدي. وبالرغم من موالاته عموما للسياسات الحكومية, يشهد الإعلام التقليدي في المملكة ازدهارا مع ازدياد الهامش المخصص للجدل الاجتماعي الذي يعكس التوجهات التقليدية والليبرالية المختلفة في المملكة المحافظة. لكن الإعلام الالكتروني يمثل من دون شك الفضاء الأرحب لحرية التعبير في المملكة. وقال الأكاديمي كاتب ان «الصين بعظمتها حاولت مرارا وتكرارا السيطرة قدر استطاعتها على الفضاء الالكتروني لكنها فشلت وخضعت له في النهاية». وانتقد أستاذ الإعلام الجديد ترحيب بعض مسؤولي الصحف الالكترونية بالتنظيم الجديد محذرا من ان ذلك قد لا يكون في مصلحتهم. واعتبر في هذا السياق ان «المتمرس في الاعلام الالكتروني يفترض ان يكون حذرا من أي خطوة للتقييد, هناك مؤيدون من بعض الصحف الإلكترونية لانهم يتوقعون ذلك في مصلحتهم وسيحصلون على حوافز أكثر كمعاملتهم مثل رؤساء تحرير الصحف التقليدية وربما بعض الدعم لاحقا». وكما رأى كاتب أن الرقابة على النشر الالكتروني ينبغي ان تتم بطرق غير تقليدية مثل تطبيق انظمة وتشريعات ضد تشويه السمعة مثلا, وتفعيل انظمة جرائم المعلوماتية. وأشار إلى أن «مصدر القلق الحقيقي لدى الناس اليوم ليس من هذه الخطوة وانما من ان تتبعها خطوات قادمة وفجأة نجد الإعلام الالكتروني تحت السيطرة.» إلى ذلك, اعتبر يوسف الهزاع مدير تحرير صحيفة ايلاف الالكترونية في السعودية ان التنظيم الجديد يشكل محاولة من الوزارة لتلحق الصحف والمواقع الالكترونية بالمطبوعات ووسائل الاعلام التقليدية وتطبق عليها ما تطبقه على وسائل الاعلام التقليدية. وقال لوكالة فرانس برس «مبررهم ان هذه الصحف والمواقع الالكترونية سواء تصدر من داخل او خارج المملكة تتناول الشأن السعودي, اللائحة الجديدة لا تختلف عن نظام المطبوعات والنشر الحكومي الذي يطبق على وسائل الاعلام المطبوعة, لكن للاسف هناك هلامية في التنظيم الجديد قد تستغل من قبل المسؤول الذي يطبقه لانها تحتمل الكثير من التفسيرات» مشيرا الى ان «بنود اللائحة تناقض بعضها». وتساءل الهزاع «ما دور وزارة الثقافة والاعلام في حال حجبت بعض المواقع او الصحف الالكترونية من جهة اخرى غيرها». كما ذكر ان اللائحة الجديدة «لم تحدد دور وزارة الثقافة والاعلام في حال حجبت المواقع والصحف الالكترونية من جهة غيرها». وخلص الى القول بان «التنظيم غير مكتمل وطرح متسرعا».