أصدرت اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي يوم 20 مايو 2007، التي عقدت اجتماعها في دورة عادية، بيانا غير عادي، لا من حيث آليات إخراجه وإعلانه ونشره، ولا من حيث مضمونه، إذ لأول مرة منذ سنوات أفلحت اللجنة الإدارية في أن تنسج خيوط بيانها بالسرعة المطلوبة، وفي الوقت المناسب، بعد أن كان علينا، قبل ، الانتظار أياما وأسابيع ليظهر بيانها للوجود. وهذا على ما يبدو مؤشر أساسي ودال على أن اللجنة الإدارية أخيرا استعادت شجاعتها الأدبية والتزامها بالحدود الدنيا المعهودة في تقاليد عقد الاجتماعات وإصدار البيانات باسمها. وهي نقطة إيجابية قد تسجل لصالحها لولا أن هذا البيان والدورة معا يأتيان في وقت استنفدت فيه اللجنة الإدارية ولايتها، واستوفت السنوات الثلاث التي تفصل بين المؤتمرين، مما يعني أن البيان يصدر في ما يمكن أن ندعوه "الوقت الميت" من عمرها، إذ كان من المفترض انعقاد المؤتمر الوطني التاسع في شهر أبريل 2007 التزاما وانضباطا لما ينص عليه القانون الأساسي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، ولذلك لا بد أن نستغرب من مبدأ إطلاق صفة العادية على هذه الدورة، مع أنها ليست كذلك. هذا الوجه الأول من الصفة "غير العادية" للبيان، أما الوجه الثاني فيتعلق بمتضمناته ومحتوياته، وما يشتمل عليه من قرارات تبدو كذلك غير عادية، إذ أن قرار الدخول في إضراب وطني إنذاري لمدة 48 ساعة هذا الإضراب الإنذاري الذي غدا لازمة في تاريخ هذه اللجنة الإدارية يومي 28 و 29 مايو 2007، لم يكن ما يؤشر إليه إطلاقا قبل انعقاد الدورة، إذ أن تحديد تاريخ انعقادها في الواقع كان من أجل قطف النتائج المرجوة التي كان منتظرا أن تسفر عنها عملية اللقاء مع الوزير الأول الذي تم في وقت سابق، واختارت على ضوئه اللجنة الإدارية الموعد ربما للحصول على الحلول الممكنة لكل القضايا التي تم طرحها على أنظاره. وبيان اللجنة الإدارية الأخير الصادر بتاريخ 22 أبريل 2007 لا يحبل بأية احتمالات لركوب إستراتيجية الخطة النضالية التصاعدية، بل إنه على العكس من ذلك سجل بكل اطمئنان ووثوقية عاتية بعد تقييم مختلف مراحل الحوار مع المسؤولين الارتياح الكبير للنتائج التي توصل إليها المكتب الوطني مع وزير التربية الوطنية ، والتي كانت ثمرة مقاربة العمل التشاركي البناء، وانتهت إلى الاتفاق حول الحلول المرضية لعدد من الملفات. كما عبر البيان ذاته عن " تقدير" عبارات التنويه بالأساتذة الباحثين التي جاءت على لسان الوزير الأول، ومن ثمة فإن البيان اتكأ على ما سماه منطلق الروح الإيجابية ليدعو الحكومة إلى أجرأة الحلول المتفق عليها. وفجأة استحال هذا المنطلق بعد أسبوعين أو ما يزيد قليلا إلى منطلق روح الدخول في إضراب إنذاري، كما تحول منطق العمل التشاركي إلى منطق الصراع أوالتصادم.ويقطع البيان السبيل أمام أي تأويل سلبي في هذا الباب حين يؤكد أن جولات الحوار مع الوزارة الوصية بلغت مرحلة متقدمة، ولا ينقصها سوى الأجرأة الفعلية لمساطر تطبيق الحلول لطي الملفات بشكل نهائي. وتضمن بيان 22 أبريل 2007 إشارة التأكيد أن الحلول المتفق عليها تشمل كل النقاط الواردة في الملف المطلبي الوطني، والتي تهم عشر ملفات يتراءى أن بعضها لا يعدو أن يكون مطالب خاصة و شخصية وليس لها البتة أي طابع وطني، غير أن المثير هنا أن الحلول التي يشير إليها البيان غير محددة المعالم تماما، ولا يشير إلى أية تفاصيل حولها، ويبدو أن رغبة الاحتماء والاستجارة بالغموض والتجريد أمر مقصود لكي لا يتم الكشف عن حقيقة تلك الحلول وخلفياتها ومدى جدواها أو فاعليتها وعدالتها ونجاعتها أيضا في إنصاف كافة الأساتذة الباحثين . والعودة إلى الوراء قليلا، وإلى بيان اللجنة الإدارية بتاريخ 18 فبراير 2007 يبرز هذا الجنوح إلى ركوب منحى الغموض والإعتام، إذ أن الأجرأة في سياق هذا البيان إنما تهم ملف الدكتوراه الفرنسية وإلحاق مدارس تكوين الأطر بالجامعة، بينما ملف دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه السلك الثالث وما يعادلهما لا يتعدى تخوم " التفهم" الذي عبرت عنه الوزارة الوصية، وهو ما يعني غياب أي حل عملي في هذا الباب، والبيانات التي تلته لا ترسخ إلا هذا الوجه من التعامل مع ا الملف، وهذا ما يضع بيان 20 مايو 2007 موضع التساؤل ، من زاوية مبدأ التعتيم الذي يتسلح به في مجال تحديد وتدقيق طبيعة الحلول المتفق عليها مع الوزارة الوصية. وهذا ما يحملنا للقول إن بيان 20 مايو 2007 إنما يرتد إلى اعتماد خطوة استباقية تروم في بعدها الأول استعادة زمام المبادرة، والتظاهر بمظاهر المدافع الشرس الذي لايلين عن قضايا الأساتذة الباحثين، وفي بعدها الثاني التجاهل الأعمى للخطوات النضالية التي سطرها الملتقى الوطني الثالث للأساتذة الباحثين حاملي دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه السلك الثالث وما يعادلهما ، الذي انعقد بمكناس يوم 12 مايو 2007 وخرج بالملف من دوامة التردد ومحاولة الالتفاف عليه وطمس معالمه ، وهو ما جعل الطريق أمام اللجنة الإدارية مقفرا، وأرغمها على إشهار سحرها النضالي والإيحاء بامتلاكها المفاتيح الكبرى لكل القضايا. وأكيد أن الحديث عن أجرأة الحلول المتفق عليها هي عبارة ملغومة، وترشح بكثير من ملامح التضليل وتسويق منطق الالتباس، إذ أن ما تم الاتفاق عليه لا يعدو قضية واحدة أو اثنتين، وهو ما تؤشر إليه كل المعطيات التي تتضمنها أدبيات النقابة الوطنية للتعليم العالي منذ سنتين على الأقل، وإلا لماذا لم يتم تقديم هذه الحلول والإفصاح عن طبيعتها وخصوصياتها، والأمر يتعلق في عمقه بمبدأ التستر أو التغطية على الفشل في حل ملف دكتوراه السلك الثالث ودبلوم الدراسات العليا وما يعادلهما، ومحاولة الإيقاع بالأساتذة المعنيين بالملف لينخرطوا في إضراب إنذاري سيزيد وضعهم تعقيدا وسيراكم حيفا آخر على رصيدهم الضخم من " الحيوف" التي كرسها مرسوم 19 فبراير 1997، و يتعهد طقس الإلقاء بهم في جوف ضباب لا ينتهي وعلى حافات من حلول لا يسندها غير السراب. وهذا أمر يجب التشديد عليه، وينبغي التصدي له، فالكثافة العالية التي يتمتع بها البيان تختزن رعبا خفيا يستهدف بالدرجة الأولى الأساتذة الباحثين حاملي دبلوم الدراسات العليا وما يعادله. إن القضية هنا لا تتعلق بمجرد إعلان الإضراب لينساق الجميع وراء بريقه ولمعانه، ولكن تعني تحديد المطالب بالدقة الكافية وضبط مسارها والإمساك بعناصرها الأساسية، وتمثل الحلول بعيدا عن المواربة أو أي شكل من أشكال التمويه أو الخداع، فالإضراب ليس زينة ولكنه موقف ينبغي أن ينبني على أسس ومطالب ومرتكزات واضحة وحلول عملية وملموسة تصيخ لصوت القاعدة العريضة من الأساتذة الباحثين ونبضها ومشاكلها الحقيقية. ولذا فإن الإضراب الإنذاري ليومي 29 و 30 مايو 2007 ليس إلا فخا سيقودنا إلى مجرى التيه، ليضع خارطة طريق حل قضايا فئة على حساب فئة أخرى، وهو مبدأ مرفوض . والأساتذة الباحثون حاملو دكتوراه السلك الثالث ودبلوم الدراسات العليا وما يعادلهما قد اختاروا طريقهم النضالي الذي حدد ملتقى 12 مايو2007 بمكناس مساره بكل مسؤولية ووعي بالخلفيات التي ترهن عمل النقابة الوطنية للتعليم العالي، وهو طريق يجب المضي فيه بكل إصرار حتى النهاية وتحقيق المطالب المشروعة، وكان حريا باللجنة الإدارية أن تعضد خيارهم وأن تتدارك وضعية تجاهل قضيتهم والحيف العالق بحياتهم المهنية منذ سنين، لا أن تفتح أمامهم هوة جديدة لا قرار لها، ليقدموا أنفسهم قرابين لحلول تضعهم من جديد في مهب الريح. كلية الآداب. مكناس