عندما لامست أطراف أصابعي جسدها، شعرت بقشعريرة تسري في بدني، وكأنني أمسكت بالقطب الشمالي كله، بالرغم من أن رائحة اللهب التي تفوح من جسدها تلفح وجهك عن بعد.سمراء هي، شقراء هي، بيضاء هي، لا ذاك ولا ذاك هي، فهي كل فتيات الأرض بآن واحد.جسد يتمايل كرقاص الساعة، وبخار أنوثتها يصل الى حد الإشباع على سطح الأرض، إبتسامتها تجمع بين الهزل والحقيقة، ونظرات عيونها كخيوط الشمس الذهبية حين تسطع في الصباح الباكر، تكون بالدافئة التي يرغب كل العالم ان يعيش بداخلها، وشعر كموج البحر في نسيم الصباح، يتمايل بخفة و أنوثة طاغية لا يستطيع المرء مقاومته فيغوص فيه حتى يأخذه كل البحر الى شاطئ لا يعرف الحرمان. صحوت من أفكاري على ازيز المقعد الخشبي الذي أجلس عليه وعلى رماد سيجرتي الذي لسع صدري، فلعنت ذلك الكرسي وتلك السيجارة التي أيقظتني من حلم كنت أود أن لا أصحو منه، فعدلت من جلستي وأطفأت السيجارة وعدت أغرق ثانية في شريط ذكرياتي.كم كانت الحياة جميلة بوجودك، كم كانت لها معنى حقيقي، كنت أرى إشراقة الشمس من خلال ابتسامتك، كنت أرى الربيع عندما أنظر لعينيك، كم كنت أتمنى أن تضميني كطفل صغير، حرم من حنان الدنيا كلها، واشتاق للنوم، ولو مرة واحدة، بهدوء وإطمئنان.كل ذلك الحب يموت صامتا بحفلة وداع لا تعرف من الرحمة شيئا، ودعتني ودعتها ونظرت لعينيها فإذا بها دمعة تترقرق في مآقيها وتنهمر منها باستحياء وصمت لم اتمالك نفسي، ارتعشت أطراف أصابعي وأنا أصافحها للمرة الأخيرة، اهتز جسدي، رجفت شفتاي، تلعثم الكلام في فمي، لم استطع ان انطق ولو بحرف واحد، وخيم الصمت على الوجود، ثم انسحبت بهدوء، كأنها إنسحبت روحي من جسدي.صعدت الى المركبة تاركة ورائها جرحا أبديا ينزف، فتحت نافذة المركبة قبل ان تنطلق بها وأكدت ان لا أنسى موعد زفافها من يوم الجمعة السادسة مساءاً، هززت لها برأسي ثم تحركت المركبة وتحركت عيناي معها حتى اختفت عن ناظري وابتعدت.صحوت ثانية من افكاري على صوت الباب يقرع، واحد يناديني، توجهت نحو الباب وانا متثاقل الخطوات، كأنني جلست دهراً على هذا الكرسي، فإذا بصديقي أحمد يقول: هل كنت نائما؟ مضى عليّ أكثر من ربعساعة وانا أقرع عليك الباب وانادي، هل نسيت موعد حفلة الزفاف.نزلت كلماته على رأسي كصعقة الكهرباء، ايقظني من الحلم الجميل الى الواقع المر، استأذنت منه لارتدي ملابسي، صعدنا الى المركبة، وجلست بحزن وصمت، واشعلت سيجارة تلو الاخرى.وصلنا لقاعة الاحتفالات، جلسنا في اخر المكان، وكنت انظر اليها وهي بثوبها الابيض على انها عروس في يوم جنازتها، فهذا حفل جنائزي وليس حفل زفاف بالنسبة لي.فسأفقدها بعد هذه الليلة الى الابد، اني اودعك بصمت وانسحب من حياتك بصمت، حتى الآهات لم استطع ان أخرجها من صدري، ستبقى دفينة تقتلني في اليوم مليون مرة.إقتربت منها لألقي عليها نظرة الوداع، لم استطع النظر لعينيها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة فيها حزن وعتاب، خرجت مهرولا أحاول ان ألملم نفسي وجسدي قبل ان اسقط مغشيا على الارض، وعدت الى حجرتي، واستلقيت على ذلك الكرسي،ولكني جسد بلا روح.هكذا ولد حبي صامتاً، ومات صامتاً، وسأبقى أبكيك صمتاً