تتفق العديد من الآراء حول خصوصية تجربة لجوء المرأة العربية و ما يرافقها من معاناة وخوف و حرمان.فشرارة التمزق تبدأ منذ اللحظة التي تقرر فيها اللاجئة قسرا مغادرة وطنها الأصلي والتوجه إلى بلد كألمانيا . فعالم اللاجئة العربية مسكون بالألم الذي لا ينتهي بمجرد الوصول إلى الأرض الألمانية. محنة اللجوء التي لا تنتهي ! التقينا بلينا كنامة ،مسئولة بالنادي ، وهو عبارة عن مركز تأسس عام 1979 بالعاصمة الألمانية بدعم من مؤسسة الهجرة و الاندماج ببرلين ، والغرض منه مساعدة النساء العربيات وتسهيل حياتهن اليومية داخل المجتمع الألماني. لقد سمحت لنا هذه المقابلة بتعرية العديد من الوقائع و الإشكالات التي تقض مضاجع اللاجئات العربيات، اللواتي ،و بسبب جهلن بالقوانين الألمانية، يقمن بإجراءات غير مجدية. تقول لينا: « هناك عددا من اللاجئات العربيات يدفعن مبالغ مالية للمحامي من أجل تسوية وضعيتهن في الوقت الذي يكفي الاتصال هاتفيا أو مباشرة بمنظمات حقوقية و جهات تابعة للكنيسة تدافع عن حقوقهن ». فالنادي يتدخل لدى المسؤولين و السلطات المختصة بشؤون اللاجئين ببرلين لحل الكثير من مشاكل اللاجئات. وتتذكر لينا العديد من الحالات التي تم تسويتها، كحالة لاجئة فلسطينية من لبنان كانت مهددة بالتسفير، لكن بعد توجيه النادي لرسالة في الموضوع يشرح فيها الصعوبات و الظروف القاتلة التي ستتعرض لها هذه اللاجئة بلبنان، تراجعت السلطات الألمانية المختصة عن قرارها. فنتائج الجهل بالقانون الألماني على حياة و مصير اللاجئات تعتبر وخيمة .وفي هذا الصدد، تقدم لينا مثالا بالعديد من اللاجئات الفلسطينيات من لبنان اللواتي لا يعرفن أن أبنائهن الذين يعيشون ثماني سنوات في ألمانيا، يحق لهم الحصول على الجنسية الألمانية. وعن قوانين اللجوء الألمانية، تتمتع كل ولاية بمعايير و قوانين خاصة. فمثلا ولاية برلين أقرت قانونا بحصول كل فلسطيني من لبنان على الإقامة بألمانيا في الوقت الذي لا نجد هذا الأمر في ولايات أخرى. فحسب لينا نجد الكثير من اللاجئات حصلن على الإقامة و بعدها على الجنسية الألمانية. وتشير المعطيات أن السواد الأعظم من اللاجئات العربيات يأتين رفقة أزواجهن أو يلتحقن بعد قدوم الأزواج إلى ألمانيا. وبما أن ولاية برلين غير قادرة الآن على استقبال لاجئين جدد، فإن السلطات المختصة تقوم بترحيل العديد من اللاجئات إلى شرق ألمانيا أو إلى مناطق معزولة. و حسب ما ورد في تصريحات المسئولة بمؤسسة النادي ، فإن «الكثير من اللاجئات يتخوفن من التوجه إلى شرق ألمانيا بدعوى المد العنصري المنتشر هناك على الرغم من أن هذا الأمر بعد مجرد حكم مسبق لا يجب تعميمه ». لكن هناك تخوفات أخرى معقولة تؤكدها حكاية لاجئة عراقية تم إيداعها بملجأ بمنطقة غابوية ،و كانت الوحيدة التي تسكن مع الرجال حيث تعرضت للاعتداء . فغياب ملاجئ خاصة بالنساء يسبب حرجا و مشاكل عديدة للاجئات العربيات التي و بحكم الثقافة و الدين، يرفضن السكن في ملاجئ مختلطة. وفي هذا السياق، تأخذ المؤسسة السالفة الذكر المبادرة لشرح الثقافة العربية و الإسلامية للمسئولين الألمان حتى يأخذوا بعين الاعتبار إشكالية الاختلاط بالملاجئ الألمانية. اللاجئات العربيات يعانين من حصار خاص . و تحكي أندريا شفندنر، مستشارة بمؤسسة المنتدى الألمانية ببرلين ،عن هذه الواقع قائلة :« عندما لا تتوفر اللاجئات لا على إقامة قانونية ولا على جواز سفر ، يَصِرن محاصرات في ألمانيا» هذه الحالة تترتب عنها مشاكل نفسية متعددة و تؤدي إلى انهيارات و إحباط ينعكس سلبا على أبناء اللاجئين ومستقبلهم. وتسجل الإحصائيات الخاصة بمؤسسة النادي،أن اغلب اللاجئات العربيات يقدمن من لبنان و فلسطين ،و حاليا هناك أفواج من العراقيات التي يتم ترحيلهم بعيدا عن العاصمة إلى مناطق ألمانية مختلفة. فهناك أصناف مختلفة من اللاجئات ،لكن لينا كنامة تختزلها في ثلاث دفعات : «الدفعة الأولى أتت إبان الحرب اللبنانية في سنوات السبعينات، أما الدفعة الثانية فقد قدمت بعد سقوط جدار برلين وأطلق عليها اسم اللجوء الاقتصادي . و الدفعة الأخيرة نسبتها ضئيلة وتمثل اللاجئات اللواتي بدأن يدخلن إلى ألمانيا مؤخرا بدعوى ميولا تهن الجنسية المثلية التي لا يقدرن على تحقيقها في بلدانهن الأصلية. سهام ورحلة 17 عاما من اللجوءتعيش سهام بذاكرة اللاجئة الفلسطينية التي أتت إلى ألمانيا عام 1990 هاربة من جحيم الحرب بلبنان. لقد مرت بالعديد من الأوقات الصعبة و التي ما زالت لابدة في ذهنها منذ أن تقدمت بطلب اللجوء . سهام، اسم لاجئة تخاف من المجهول. تقول سهام أنها ما زالت تعاني مرارة اللجوء. سألتها عندما كانت تلقي نظرة على كتاب للغة الألمانية كانت تحمله بين يديها: كيف رحلت عن وطنك ؟ ترددت سهام ، صمتت ثوان معدودة ، اغرورقت عيناها بالدموع وهي تنظر ثانية إلى كتاب اللغة الألمانية ، قبل أن تنطق :« لقد قدمت قسرا من لبنان إلى برلين ، نزلت عند أخي الذي يسكن في العاصمة . بعد ثمانية شهور تقدمت بطلب اللجوء لكن تم رفضه وأصدروا في حقي قرارا بالتسفير إلى لبنان. اخترت الاختفاء عن أنظار البوليس ثلاث سنوات حتى لا أغادر ألمانيا... » عادت سهام ثانية إلى مسلسل طلب اللجوء ، تقدمت إلى السلطات بطلبها وشرحت مشاكلها ... وبعد أخذ ورد تم تسليمها إقامة مؤقتة فرض عليها أن تجددها مرة على رأس كل ستة أشهر. فسهام ما زالت لحد الساعة تنتظر إقامة قانونية واضحة تبعد عنها شبح الخوف. سهام لا تنس جراح السنوات و الشهور عندما كانت تنتظر مرة كل شهرين بمصالح الشرطة الألمانية من الرابعة صباحا إلى الرابعة بعد الزوال من أجل تسوية وضعية لجوءها. لقد طال زمن المعاناة و مازالت حرقته جاثمة على صدرها، فسهام مازالت تتوقع كل الاحتمالات، تتوقع أن يأتي يوما ما تحس فيه بالاطمئنان.وحول حكايتها مع اللجوء، أجابتني بلغة فيها الكثير من الألم. و بنظرات شاردة تختزل عذاب سنوات الجمر عبرت سهام من خلال جملة واحدة: «لقد فقدت أمي و أبي في حرب لبنان». سهام تتلقى مساعدة اجتماعية من الدولة الألمانية تعتبرها أقل مما كانت عليه سابقا. وعن حكاية 17 سنة في ألمانيا، عبرت سهام عن ما يخالجها من أحاسيس في جمل متناثرة: « منذ أن كنت طفلة تعودت على العيش بلبنان...لقد كنت أعمل في مستشفى ...هنا الوضع مغاير جدا » . لاجئات بلا هوية ! اللاجئات العربيات وخاصة الفلسطينيات القادمات من مخيمات لبنان لا يعانين فقط من الخوف، الاغتراب والاختلاط بالملاجئ، بل يواجهن أزمة هوية يصل مداها إلى حد نعتهن بالحالة غير الواضحة أو لاجئات دون هوية أو ما يصطلح عليه باللغة الألمانية ب ungeklärt . فنفي الهوية له أسباب عديدة تفسرها أندريا شفندنر، حيث تقول «بأن الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان عام 1948 وسجلتهم مصالح الأمن اللبنانية ،لم يُعترف لهم بالجنسية اللبنانية ، بالمقابل سلمت لهم وثيقة سفر خاصة باللاجئين كتب عليها : الجنسية فلسطينية . فحسب المنظور الألماني، فإن هؤلاء اللاجئين لا يحملون لا الجنسية اللبنانية و لا الفلسطينية ،و بالتالي فهم عبارة عن حالة غير واضحة. لينا تسرد تفسيرا آخر لحالة اللاجئين دون هوية : «لقد كان الفلسطينيون يُعتبرون بلا وطن و كذلك بلا جنسية أي ما يصطلح عليه بالألمانية ب staatenlos ،وبما أن القانون يسمح لمن لا جنسية له بالتجنُّس بألمانيا ،فإن أحد الموظفين النبهاء في الحكومة الألمانية غيَّر هذه الصفة فصارت حالة غير واضحة حتى يقطع الطريق على الفلسطينيين الذين يودون الحصول على الجنسية الألمانية» . شبح التسفير ثمة إجراءات تقوم بها اللاجئات العربيات قبل دراسة ملفاتهن و إصدار قرار في شأنها. كانت دراسة طلبات اللجوء أعقد و تأخذ وقتا أكبر مما هو عليه حاليا. لكن عمليا، و هذا هو الأخطر، يمكن لقرار التسفير أن يصدر ضد لاجئة ما لكن أبنائها يظلون في ألمانيا أو العكس. كما يمكن للقرار أن يصدر في حق الزوج اللاجئ دون الزوجة أو الأبناء. وإذا تم الإقرار بالتسفير، فإن مسلسل القهر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتم وضع المرشحين في سجن خاص في انتظار طردهم خارج الحدود الألمانية. مما لا شك فيه أن حكاية اللاجئات و مرارة تجربة اللجوء لا تنتهي. تصف لينا هذا الواقع المتأزم متحسرة: « لقد رأيت بأم عيني عائلة مكونة من ثماني أفراد يسكنون في ظروف صعبة للغاية و الأولاد لا يجدون طاولة للكتابة أو لإنجاز تماريهم المنزلية. هذا غريب... » . فالعديد من النساء اللاجئات يزرن مقر مؤسسة النادي من أجل الاستشارة وطلب التوجيه لتغيير محل سكناهم. إن الدولة الألمانية أهملت اللاجئين لعقود من الزمن قبل أن تتخذ الآن بعض القرارات الصائبة . وفي هذا الإطار، تقدم لينا مثالا بإقرار تدريس اللغة الألمانية التي لم تكن إجبارية سابقا مما سبب في الكثير من المشاكل التي لا حصر لها. •صحافي و كاتب مقيم بألمانيا[email protected]