توفي الكاتب والأديب إدريس الشرايبي، مساء يوم الأحد الماضي، عن سن يناهز الواحدة والثمانين من عمره، بعد مرض ظل، على إثره، ملازما للفراش بإحدى المصحات بفرنسا مدة نصف شهر تقريبا، وكان الشرايبي الذي تم تكريمه بمسقط رأسه بالجديدة يومي 13 و14 دجنبر الماضي، قد طلب من الله أن يمهله ويطيل عمره ولو لستة أشهر من أجل إنهاء مهمتين، لا ثالث لهما وتتعلق الأولى بإنهاء المشروع الذي بدأ كتابته، رواية استلهم أحداثها وشخوصها، خلال يوم من أيام الصيف الماضي، عندما استيقظ على وقع قنبلة(بفتح القاف) مدينة قنا، الرواية كما قال الشرايبي آنذاك، تنطلق من سقوط منزل على سيدة وضعت بنتا، السيدة توفيت والبنت ظلت مرتبطة بها وحية، عبر حبل السرة، وتتعلق المهمة الثانية باعتماد مجموعة من الفنانين الشباب المغاربة واحتوائهم فنيا وأدبيا، خاصة أن حدثا أثر في نفسيته بشكل كبير، عندما استقل سيارة أجرة صغيرة بمراكش ووجد السائق يتحدث بلغة جميلة وأدبية راقية عن الحريري، سأله من أين تعلمت ذلك؟ فوجئ لما وجد السائق طالبا مجازا ومعطلا...وكان إدريس الشرايبي، قد عاد في بداية شهر فبراير الماضي، ونزل بأحد الفنادق المطلة على البحر مدة شهر تقريبا كان خلالها منهمكا في كتابة الرواية السالفة الذكر، قبل أن يعود إلى فرنسا بعد أن أحس بنوبة مرض مفاجئ، وكأنه جاء ليودع مسقط رأسه للآبد، ومعلوم أن الشرايبي ازداد في 15 يوليوز 1926 بالجديدة، وانتقل إلى البيضاء لاستكمال دراسته، قبل أن يهاجر إلى فرنسا سنة 1946، وكان لصدور روايته الأولى الماضي البسيط، سنة 1954 وقع اختلف بين الفرنسيين الذين استحسنوها وعملوا على احتضانها والترويج لها، بينما خلفت ردود فعل ضدها من طرف المثقفين المغاربة، الذين اعتبروا أن الشرايبي تنكر لبلده وثقافته من خلال انتقاداته اللاذعة لمجموعة من التقاليد والممارسات التي كالنت سائدة آنذاك، وللشرايبي العديد من الكتب والمؤلفات نذكر منها على سبيل المثال، الماضي البسيط سنة 1954، والتيوس 1955 والحمار 1956 وتعاقب مفتوح سنة 1966 والحضارة أماه 1972 وموت بكندا 1975 وأم الربيع 1982 وميلاد في الفجر 1986 المفتش علي 1991 الرجل القادم من الماضي 2004 ... وظل الشرايبي مرتبطا وجدانيا بالجديدة، مؤكدا أن عودته إليها، هي عودة إلى منابع الطفولة والنوسطالجيا والتي مكنته من الوقوف مليا بأماكن عديدة نسج معها ألفة وعلاقة وطيدة، في زمن بعيد، وخاصة وقوفه على شاطئ البحر، الذي لم يتغير لونه منذ تركه آخر مرة مند 21 سنة، رغم تغير الكثير من الأشياء، واستمتع بزقزة الطيور والتي لم تتغير، ربما منذ ثمانين سنة، والتقى ببعض الحمر،(Ce sont mes frères) على حد تعبيره، والتي نسج معها، في يوم من الأيام، علاقة مودة وإخاء، نظرة فلسفية للحياة ولكنها الحقيقة في أبسط تجلياتها، التي ظل يبحث عنها في بلاد المهجر وأكد الشرايبي والذي كان يتحدث للعديد من الفعاليات الثقافية والفنية، أنه وجد راحة شاملة افتقدها هناك ببلاد المهجر، وجعلته يتساءل عن أدق الجزئيات التي عاشها في الماضي البسيط، وأم الربيع، منذ الستينات ونسج معها ألفة ومودة خاصة ومنها سجائر الفافوريت وطابا سبور والتروب والشاي بالنعناع والشيبة، معترفا بتجدره وارتباطه بتربة دكالة رغم جدوره الفاسية، فوالداه انتقلا في بداية القرن الماضي إلى الجديدة وكان والده تاجرا في مادتي الشاي والسكر...