ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمة‏ والحرية‏ والمسئولية
نشر في أسيف يوم 14 - 11 - 2006

نعترف‏ جميعا‏ أن‏ عملية‏ التحول‏ الديمقراطي‏ هي‏ عملية‏ صعبة‏ ومعقدة‏, وأن‏ طرق‏ الوصول‏ إليها‏ تثير‏ من‏ الجدل‏ والاختلاف‏ بأكثر‏ مما‏ تفترضه‏ من‏ اتفاق‏ أو‏ إجماع‏ . ولا‏ بد‏ من‏ الاعتراف‏ أيضا‏ بأنها‏ عادة‏ لا‏ تسير‏ في‏ اتجاه‏ واحد‏ إلي‏ الأمام‏ , بل‏ إنها‏ في‏ مراحلها‏ الانتقالية‏ - وبحكم‏ التعريف‏ والتجربة‏ - قد‏ تتعرض‏ للعثرات‏, بل‏ والانتكاسات‏ فتمضي‏ خطوة‏ للأمام‏ حينا‏ وخطوات‏ أخري‏ إلي‏ الخلف‏ حينا‏ آخر‏ ثم‏ تتكرر‏ تلك‏ الدورة‏ حتى‏ تستقر‏ في‏ النهاية‏ علي‏ قواعد‏ ترتضيها‏ الغالبية‏.‏
فأي‏, تغيير‏ بل‏ وكل‏ تغيير‏ مهما‏ تكن‏ الرغبة‏ فيه‏ والشوق‏ إليه‏ , يثير‏ من‏ المخاوف‏ والشكوك‏ ما‏ يجعل‏ الإقدام‏ عليه‏ يكتنفه‏ الكثير‏ من‏ التردد‏, فالانتقال‏ مما‏ هو‏ معتاد‏ إلي‏ ما‏ هو‏ جديد‏ ليس‏ أمرا‏ سهلا‏. لذلك‏ فإن‏ الارتكان‏ أو‏ الرهان‏ علي‏ وجود‏ بعض‏ المؤشرات‏ الأولية‏ للتغيير‏ لا‏ يكفي‏ في‏ ذاته‏ للحكم‏ علي‏ سلامة‏ تلك‏ العملية‏ ورسوخها‏, مثلما‏ لا‏ يضمن‏ تلقائيا‏ تحققها‏, بل‏ قد‏ يعد‏ من‏ قبيل‏ التبسيط‏ المخل‏ لتلك‏ العملية‏ المعقدة‏ والتي‏ بلا‏ شك‏ لا‏ تقف‏ عند‏ حدود‏ أو‏ مستويات‏ الحديث‏ عما‏ يدخل‏ ضمن‏ ' القضايا‏ الكبرى‏', أي‏ التغييرات‏ الدستورية‏ والقانونية‏ والتشريعية‏ , فضلا‏ عن‏ عملية‏ الانتخابات‏ ذاتها‏ .‏فهذه‏ المستويات‏ تعد‏ من‏ الكليات‏ الظاهرة‏ ولكنها‏ قد‏ تغفل‏ المستويات‏ التحتية‏ الأكثر‏ تأثيرا‏ في‏ عملية‏ التغيير‏ والتي‏ تمتلئ‏ بالجزئيات‏ والتفاصيل‏ المهمة‏ , وعلي‏ الرغم‏ من‏ أهميتها‏ ومحوريتها‏ مازالت‏ لا‏ تحتل‏ المكانة‏ التي‏ تستحقها‏ في‏ النقاش‏ العام‏ مقارنة‏ بالعناوين‏ '‏البراقة‏ ' لتلك‏ القضايا‏ الكلية‏ المشار‏ إليها‏ , والمقصود‏ هنا‏ هو‏ الثقافة‏ السياسية‏ التي‏ يتمتع‏ بها‏ أي‏ مجتمع‏ والتي‏ تعد‏ هي‏ البيئة‏ الأشمل‏ التي‏ تحتوي‏ بداخلها‏ جميع‏ القضايا‏ الكبرى‏ المتعلقة‏ بعملية‏ التحول‏ الديمقراطي‏. فهذه‏ البيئة‏ إما‏ أن‏ تكون‏ بيئة‏ حاضنة‏ لقيم‏ الحرية‏ والتعددية‏ والإصلاح‏ والتغيير‏ التي‏ تستوجبها‏ تلك‏ العملية‏, وإما‏ علي‏ العكس‏ تكون‏ طاردة‏ أو‏ نافرة‏ من‏ تلك‏ القيم‏ . ولا‏ شك‏ أن‏ وسائل‏ التنشئة‏ لتلك‏ الثقافة‏ - التي‏ تعد‏ فرعا‏ من‏ الثقافة‏ العامة‏ السائدة‏ - تتعدد‏ وتتنوع‏ ولكن‏ تبقي‏ أهم‏ وسائلها‏ متركزة‏ في‏ الصحافة‏ والإعلام‏ , وبالتحديد‏ في‏ لغتها‏ السياسية‏ التي‏ تعبر‏ من‏ خلالها‏ عن‏ قيم‏ معينة‏ تنشرها‏ في‏ المجتمع‏ وتقود‏ أو‏ توجه‏ بها‏ الرأي‏ العام‏, وهذا‏ بالضبط‏ ما‏ يتوقف‏ عنده‏ هذا‏ المقال‏ , لما‏ لتلك‏ الوسائل‏ من‏ دلالات‏ عميقة‏ وأثر‏ بالغ‏ علي‏ باقي‏ مجريات‏ أو‏ جوانب‏ التطور‏ الديمقراطي‏ . فعلي‏ مدي‏ السنوات‏ القليلة‏ الماضية‏ شهدت‏ الصحافة‏ - وربما‏ الإعلام‏ أيضا‏ - تطورات‏ ملحوظة‏,‏خاصة‏ من‏ الناحية‏ الكمية‏ المتمثلة‏ في‏ زيادة‏ عدد‏ إصدارات‏ الصحف‏ الخاصة‏ أو‏ ما‏ تسمي‏ مجازا‏ بالمستقلة‏ .‏كما‏ شهدت‏ تغييرا‏ شاملا‏ في‏ جميع‏ مؤسسات‏ الصحف‏ الحكومية‏ بعد‏ فترة‏ طويلة‏ من‏ الجمود‏ الذي‏ حال‏ دون‏ تجديد‏ قياداتها‏ ودمائها‏ , وهو‏ أمر‏ سبق‏ أن‏ تناولته‏ باستفاضة‏ وسائل‏ صحفية‏ وإعلامية‏ عديدة‏ ولا‏ داعي‏ للتوقف‏ عنده‏ وقد‏ حدث‏ بالفعل‏ . ولكن‏ يبقي‏ السؤال‏ الجوهري‏: هل‏ هذه‏ المتغيرات‏ الكمية‏ والتغييرات‏ الصحفية‏ (‏دون‏ الوقوع‏ هنا‏ في‏ خطأ‏ التعميم‏ أو‏ الحصرية‏) قد‏ أدت‏ بالفعل‏ إلي‏ تغيير‏ عميق‏ في‏ المضمون‏ وفي‏ اللغة‏السياسية‏ المستخدمة‏ أو‏ في‏ الإسهام‏ في‏ نشر‏ ثقافة‏ جديدة‏ أو‏ فكر‏ جديد‏ يواكب‏ العصر‏ ويدفع‏ بتلك‏ القضايا‏ السياسية‏ الكبرى‏ إلي‏ الأمامإن‏ تاريخ‏ الصحافة‏ المصرية‏ هو‏ تاريخ‏ طويل‏ عريق‏ حافل‏ بفترات‏ الإشراق‏ والازدهار‏ والانحياز‏ لقيم‏ الحرية‏ والتنوير‏, وهو‏ ما‏ كفل‏ لمصر‏ لحقب‏ متتالية‏ موقع‏ الريادة‏ العربية‏ دون‏ افتعال‏ أو‏ شعارات‏. فحين‏ اجتذبت‏ مصر‏ مبكرا‏ رؤوس‏ الأموال‏ والكتاب‏ من‏ بلاد‏ الشام‏ في‏ السبعينيات‏ من‏ القرن‏ التاسع‏ عشر‏ واختاروها‏ مكانا‏ لإقامة‏ أعرق‏ صروح‏ الصحافة‏ العربية‏ ممثلة‏ آنذاك‏ في‏ جريدة‏ الأهرام‏ التي‏ أسسها‏ بشارة‏ ونقولا‏ تقلا‏ في‏ عام‏ 1875 لم‏ يكن‏ ذلك‏ محض‏ صدفة‏ وإنما‏ كان‏ لدورها‏ التنويري‏ , الذي‏ بدأ‏ يسطع‏ مع‏ أول‏ وأهم‏ تجربة‏ للدولة‏ الحديثة‏ في‏ عهد‏ محمد‏ علي‏ , وأيضا‏ لانفتاح‏ ثقافتها‏ ورحابتها‏ لتسع‏ الجميع‏ . ومنذ‏ ذلك‏ الحين‏ تأسست‏ مدارس‏ صحفية‏ مصرية‏ راسخة‏ وعميقة‏ كان‏ الأهرام‏ في‏ مقدماتها‏ الذي‏ تعاقب‏ علي‏ رئاسة‏ تحريره‏ والكتابة‏ فيه‏ كوكبة‏ من‏ ألمع‏ وأبرز‏ نجوم‏ الفكر‏ والأدب‏ والصحافة‏ والشعر‏ (‏أمثال‏: طه‏ حسين‏ , العقاد‏, مطران‏ خليل‏ مطران‏ , انطون‏ الجميل‏, توفيق‏ الحكيم‏ , نجيب‏ محفوظ‏ , د‏. حسين‏ فوزي‏ , يوسف‏ السباعي‏ , يوسف‏ إدريس‏ , لويس‏ عوض‏ وزكي‏ نجيب‏ محمود‏ ..) فكان‏ الأهرام‏ بحق‏ منارة‏ فكرية‏ إلي‏ جانب‏ كونه‏ صرحا‏ صحفيا‏ ضخما‏ , وكانت‏ القضايا‏ الكبري‏ التي‏ تثار‏ فيه‏ والسجالات‏ الفكرية‏ والسياسية‏ شاهدة‏ علي‏ مسئولية‏ الكلمة‏ والرغبة‏ الجارفة‏ في‏ الارتقاء‏ بالوطن‏. كذلك‏ روز اليوسف‏ التي‏ أسستها‏ فاطمة‏ اليوسف‏ عام‏ 1925 كأول‏ سيدة‏ تقتحم‏ بقوة‏ وثبات‏ مجالا‏ كان‏ قصرا‏ علي‏ الرجال‏ واعتبر‏ عملا‏ أكثر‏ من‏ رائد‏ بمعيار‏ زمانها‏ . كما‏ تولي‏ رئاسة‏ تحريرها‏ في‏ فترة‏ أخري‏ في‏ منتصف‏ الأربعينيات‏ الكاتب‏ الكبير‏ إحسان‏ عبد‏ القدوس‏. وأسست‏ مجلة‏ '‏روز اليوسف‏'‏وقادت‏ لفترة‏ طويلة‏ مدرسة‏ صحفية‏ سياسية‏ وأدبية‏ امتازت‏ بالجرأة‏ والاختلاف‏ وحققت‏ من‏ خلالها‏ ليس‏ فقط‏ شهرة‏ واسعة‏ (‏خاصة‏ في‏ أوساط‏ الشباب‏) وإنما‏ استطاعت‏ أيضا‏ أن‏ تحافظ‏ من‏ خلالها‏ علي‏ قاعدة‏ ثابتة‏ من‏ القراء‏ الذين‏ ارتبطوا‏ بها‏ زمنا‏ ليس‏ بالقصير‏.‏ولاشك‏ أن‏ المدرسة‏ الصحفية‏ التي‏ أسسها‏ مصطفي‏ وعلي‏ أمين‏ في‏ الأخبار‏ كانت‏ هي‏ الأخرى‏ إضافة‏ مميزة‏ تدلل‏ علي‏ مدي‏ تنوع‏ الإبداع‏ الصحفي‏ وتعدد‏ مدارسه‏ ومناهجه‏ وليس‏ فقط‏ زيادته‏ العددية‏ أو‏ الكمية‏ . وهناك‏ بالطبع‏ أمثلة‏ أخري‏ عديدة‏ ليس‏ المجال‏ هنا‏ يتسع‏ لحصرها‏ جميعا‏ وإنما‏ ما‏ تهدف‏ إليه‏ تلك‏ اللمحة‏ السريعة‏ للتاريخ‏ العريق‏ للصحافة‏ المصرية‏ هو‏ المقارنة‏ بين‏ ما‏ كانت‏ عليه‏ وما‏ أصبح‏ عليه‏ حالها‏ الآن‏ . فعلي‏ الرغم‏ من‏ الزيادة‏ الملحوظة‏ وربما‏ غير‏ المسبوقة‏ في‏ أعداد‏ الصحف‏ إلا‏ أن‏ ذلك‏ لم‏ ينعكس‏ - في‏ أغلب‏ حالاتها‏- علي‏ مضمونها‏ السياسي‏ , أو‏ لغة‏ خطابها‏ والارتقاء‏ المرجو‏ منه‏ , أو‏ قدرتها‏ علي‏ اقتحام‏ قضايا‏ جديدة‏ وجريئة‏ تشكل‏ تحديات‏ حقيقية‏ أمام‏ عملية‏ الإصلاح‏ , وفي‏ كلمة‏ واحدة‏ في‏ قدرتها‏ علي‏ ترسيخ‏ قواعد‏ جوهرية‏ للحرية‏ والتعددية‏ الحقيقية‏ تؤمن‏ , بحق‏ , بالتنوع‏ في‏ الآراء‏ ووجهات‏ النظر‏ والمنطلقات‏ الفكرية‏ وتستمد‏ قوتها‏ لا‏ من‏' الصوت‏ العالي‏' أو‏ ' الترهيب‏ ' ولكن‏ من‏ قوة‏ الإقناع‏ والتأثير على‏ الأفكار‏ ذاتها‏ والقضايا‏ التي‏ تطرحها‏ وفق‏ رؤية‏ شاملة‏ متجانسة‏ .الواقع‏ إننا‏ إزاء‏ ظاهرة‏ جديدة‏ تستحق‏ كثيرا‏ من‏ التأمل‏ فأغلب‏ (‏ولا‏ نقول‏ كل‏) الصحف‏ سواء‏ سميت‏ بالقومية‏ أو الخاصة‏ تكتسب‏ تقريبا‏ شكلا‏ وخطا‏ واحدا‏ ما‏ يجعلها‏ تبدو‏ أقرب‏ إلي‏ '‏المعزوفة‏' الواحدة‏ التي‏ يحركها‏ '‏مايسترو‏' واحد‏ مع‏ اختلاف‏ المستويات‏ بالطبع‏ . والأهم‏ من‏ الحديث‏ عن‏ هذا‏ الشكل‏ هو‏ طبيعة‏ اللغة‏ السياسية‏ التي‏ تخصصت‏ فيها‏ بعض‏ تلك‏ الصحف‏ والتي‏ بات‏ من‏ المعتاد‏ أن‏ تخرج‏ عن‏ حدود‏ النقد‏ الموضوعي‏ واللياقة‏ الأدبية‏ أو‏ الذوق‏ العام‏ المتعارف‏ عليه‏ لتصبح‏ أقرب‏ إلي‏' المنشور‏' الرديء‏ الذي‏ يمتلئ‏ بالانحيازات‏ المسبقة‏ ويقدم‏ العامل‏ الشخصي‏ علي‏ السياسي‏ أو‏ الموضوعي‏ وكأنها‏ تعيد‏ إلي‏ الذاكرة‏ تلك‏ اللغة‏ القديمة‏ للشعر‏' الهجائي‏' المهجور‏. وربما‏ '‏تفاخر‏' البعض‏ و‏'‏تحجج‏' بأن‏ هذا‏ الأسلوب‏ ' الهجائي‏' أصبح‏ إلي‏ حد‏ كبير‏ معمما‏ يطول‏ الجميع‏ كبارا‏ وصغارا‏ رسميين‏ أو‏ غير‏ رسميين‏ سياسيين‏ أو‏ كتابا‏ ومثقفين‏ ! ولكن‏ من‏ قال‏ إن‏ هذه‏ دلالة‏ علي‏ الحرية‏ أو‏ أنها‏ من‏ الممارسات‏ الديمقراطية‏ ! الأرجح‏ أنها‏ تعويض‏ عن‏ غياب‏ القضية‏ أو‏ هشاشة‏ الفكرة‏ و‏ افتقاد‏ الحجة‏. والدليل‏ علي‏ ذلك‏ أن‏ تلك‏ النوعية‏ من‏ الصحافة‏ المكتوبة‏ عادة‏ ما‏ تسجن‏ نفسها‏ وتسجن‏ معها‏ النقاش‏ العام‏ في‏ المربع‏ رقم‏ واحد‏ , فلا‏ هي‏ تدفع‏ إلي‏ الأمام‏ ولا‏ هي‏ تمتلك‏ القدرة‏ علي‏ مراجعة‏ كثير‏ من‏ الأوضاع‏ السلبية‏ القائمة‏ خاصة‏ في‏ هذا‏ الوقت‏ الذي‏ يشهد‏ فيه‏ المجتمع‏ كله‏ حركة‏ سياسية‏ وثقافية‏ تنبض‏ بالتغيير‏ تطلعا‏ للأفضل‏ . وربما‏ تكفي‏ المقارنة‏ هنا‏ بين‏ تلك‏ المظاهر‏ السلبية‏ التي‏ تشهدها‏ الصحافة‏ السياسية‏ و‏ ما‏ تشهده‏ الساحة‏ الثقافية‏ والفنية‏( , وهي‏ وسيلة‏ إبداعية‏ أخري‏ غير‏ مباشرة‏ للتنشئة‏ السياسية‏) من‏ أعمال‏ فنية‏ جديدة‏ وجريئة‏ تحمل‏ مضمونا‏ سياسيا‏ ورسالة‏ مثل‏ العمل‏ السينمائي‏ القيم‏ ' دم‏ الغزال‏' لمبدعه‏ الكاتب‏ المعروف‏ وحيد‏ حامد‏ ومسرحيتي‏ ' رجل‏ القلعة‏ ' وأهلا‏ يا بكوات‏' التي‏ يعاد‏ عرضها‏ الآن‏ . ولأنها‏ أعمال‏ ذات‏ قضية‏ , ورغم‏ أنها‏ تتعرض‏ لسلبيات‏ كثيرة‏ موجودة‏ إلا‏ أنها‏ لم‏ تعد‏ في‏ حاجة‏ إلي‏ ' تلك‏ اللغة‏ المفتقدة‏ إلي‏ المنطق‏' ولكن‏ اتسمت‏ لغتها‏ , رغم‏ جسارة‏ موضوعاتها‏ وجرأتها‏ , بالثبات‏ والهدوء‏ والجمال‏ معا‏, فصاحب‏ القضية‏ أو‏ وجهة‏ النظر‏ لا‏ يعرف‏ سوي‏ قوة‏ الإقناع‏ وجرأة‏ الدفاع‏ عن‏ الحق‏ والحرية‏ .‏ ظاهرة‏ سياسية‏ في‏ المقام‏ الأول‏ , أي‏ أن‏ حلها‏ ليس‏ في‏ تشديد‏ العقوبات‏ القانونية‏ أو‏ تقييد‏ حرية‏ الصحافة‏ أو‏ التضييق‏ علي‏ الصحفيين‏ , بل‏ علي‏ العكس‏ فتوسيع‏ قاعدة‏ الحرية‏ هو‏ ما‏ نصبو‏ إليه‏ جميعا الآن‏ وفي‏ المستقبل‏. ولكن‏ التعرض‏ لها‏ هنا‏ هو‏ للإشارة‏ إلي‏ مواطن‏ الخلل‏ التي‏ تستحق‏ من‏ الجميع‏ قراءتها‏ بإمعان‏ للوقوف‏ عند‏ أسبابها‏ ظاهرة‏ كانت‏ أو‏ كامنة‏, حتى‏ تصبح‏ ' الكلمة‏' التي‏ قدستها‏ الأديان‏ جميعا‏ , فكانت‏ فاتحة‏ القرآن‏ الكريم‏ ' اقرأ‏' وفي‏ الإنجيل‏ ' كانت‏ في‏ البدء‏ الكلمة‏' , هي‏ بحق‏ رسالة‏ وهي‏ حرية‏ ومسئولية‏ معا‏. فالكلمة‏ هي‏ القادرة‏ إما‏ علي‏ الهدم‏ أو‏ البناء‏ . فألا‏ يرد‏ إليها‏ اعتبارها‏ ؟‏!.‏المصدر : حركة القوميين العرب

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.