طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمة‏ والحرية‏ والمسئولية
نشر في أسيف يوم 14 - 11 - 2006

نعترف‏ جميعا‏ أن‏ عملية‏ التحول‏ الديمقراطي‏ هي‏ عملية‏ صعبة‏ ومعقدة‏, وأن‏ طرق‏ الوصول‏ إليها‏ تثير‏ من‏ الجدل‏ والاختلاف‏ بأكثر‏ مما‏ تفترضه‏ من‏ اتفاق‏ أو‏ إجماع‏ . ولا‏ بد‏ من‏ الاعتراف‏ أيضا‏ بأنها‏ عادة‏ لا‏ تسير‏ في‏ اتجاه‏ واحد‏ إلي‏ الأمام‏ , بل‏ إنها‏ في‏ مراحلها‏ الانتقالية‏ - وبحكم‏ التعريف‏ والتجربة‏ - قد‏ تتعرض‏ للعثرات‏, بل‏ والانتكاسات‏ فتمضي‏ خطوة‏ للأمام‏ حينا‏ وخطوات‏ أخري‏ إلي‏ الخلف‏ حينا‏ آخر‏ ثم‏ تتكرر‏ تلك‏ الدورة‏ حتى‏ تستقر‏ في‏ النهاية‏ علي‏ قواعد‏ ترتضيها‏ الغالبية‏.‏
فأي‏, تغيير‏ بل‏ وكل‏ تغيير‏ مهما‏ تكن‏ الرغبة‏ فيه‏ والشوق‏ إليه‏ , يثير‏ من‏ المخاوف‏ والشكوك‏ ما‏ يجعل‏ الإقدام‏ عليه‏ يكتنفه‏ الكثير‏ من‏ التردد‏, فالانتقال‏ مما‏ هو‏ معتاد‏ إلي‏ ما‏ هو‏ جديد‏ ليس‏ أمرا‏ سهلا‏. لذلك‏ فإن‏ الارتكان‏ أو‏ الرهان‏ علي‏ وجود‏ بعض‏ المؤشرات‏ الأولية‏ للتغيير‏ لا‏ يكفي‏ في‏ ذاته‏ للحكم‏ علي‏ سلامة‏ تلك‏ العملية‏ ورسوخها‏, مثلما‏ لا‏ يضمن‏ تلقائيا‏ تحققها‏, بل‏ قد‏ يعد‏ من‏ قبيل‏ التبسيط‏ المخل‏ لتلك‏ العملية‏ المعقدة‏ والتي‏ بلا‏ شك‏ لا‏ تقف‏ عند‏ حدود‏ أو‏ مستويات‏ الحديث‏ عما‏ يدخل‏ ضمن‏ ' القضايا‏ الكبرى‏', أي‏ التغييرات‏ الدستورية‏ والقانونية‏ والتشريعية‏ , فضلا‏ عن‏ عملية‏ الانتخابات‏ ذاتها‏ .‏فهذه‏ المستويات‏ تعد‏ من‏ الكليات‏ الظاهرة‏ ولكنها‏ قد‏ تغفل‏ المستويات‏ التحتية‏ الأكثر‏ تأثيرا‏ في‏ عملية‏ التغيير‏ والتي‏ تمتلئ‏ بالجزئيات‏ والتفاصيل‏ المهمة‏ , وعلي‏ الرغم‏ من‏ أهميتها‏ ومحوريتها‏ مازالت‏ لا‏ تحتل‏ المكانة‏ التي‏ تستحقها‏ في‏ النقاش‏ العام‏ مقارنة‏ بالعناوين‏ '‏البراقة‏ ' لتلك‏ القضايا‏ الكلية‏ المشار‏ إليها‏ , والمقصود‏ هنا‏ هو‏ الثقافة‏ السياسية‏ التي‏ يتمتع‏ بها‏ أي‏ مجتمع‏ والتي‏ تعد‏ هي‏ البيئة‏ الأشمل‏ التي‏ تحتوي‏ بداخلها‏ جميع‏ القضايا‏ الكبرى‏ المتعلقة‏ بعملية‏ التحول‏ الديمقراطي‏. فهذه‏ البيئة‏ إما‏ أن‏ تكون‏ بيئة‏ حاضنة‏ لقيم‏ الحرية‏ والتعددية‏ والإصلاح‏ والتغيير‏ التي‏ تستوجبها‏ تلك‏ العملية‏, وإما‏ علي‏ العكس‏ تكون‏ طاردة‏ أو‏ نافرة‏ من‏ تلك‏ القيم‏ . ولا‏ شك‏ أن‏ وسائل‏ التنشئة‏ لتلك‏ الثقافة‏ - التي‏ تعد‏ فرعا‏ من‏ الثقافة‏ العامة‏ السائدة‏ - تتعدد‏ وتتنوع‏ ولكن‏ تبقي‏ أهم‏ وسائلها‏ متركزة‏ في‏ الصحافة‏ والإعلام‏ , وبالتحديد‏ في‏ لغتها‏ السياسية‏ التي‏ تعبر‏ من‏ خلالها‏ عن‏ قيم‏ معينة‏ تنشرها‏ في‏ المجتمع‏ وتقود‏ أو‏ توجه‏ بها‏ الرأي‏ العام‏, وهذا‏ بالضبط‏ ما‏ يتوقف‏ عنده‏ هذا‏ المقال‏ , لما‏ لتلك‏ الوسائل‏ من‏ دلالات‏ عميقة‏ وأثر‏ بالغ‏ علي‏ باقي‏ مجريات‏ أو‏ جوانب‏ التطور‏ الديمقراطي‏ . فعلي‏ مدي‏ السنوات‏ القليلة‏ الماضية‏ شهدت‏ الصحافة‏ - وربما‏ الإعلام‏ أيضا‏ - تطورات‏ ملحوظة‏,‏خاصة‏ من‏ الناحية‏ الكمية‏ المتمثلة‏ في‏ زيادة‏ عدد‏ إصدارات‏ الصحف‏ الخاصة‏ أو‏ ما‏ تسمي‏ مجازا‏ بالمستقلة‏ .‏كما‏ شهدت‏ تغييرا‏ شاملا‏ في‏ جميع‏ مؤسسات‏ الصحف‏ الحكومية‏ بعد‏ فترة‏ طويلة‏ من‏ الجمود‏ الذي‏ حال‏ دون‏ تجديد‏ قياداتها‏ ودمائها‏ , وهو‏ أمر‏ سبق‏ أن‏ تناولته‏ باستفاضة‏ وسائل‏ صحفية‏ وإعلامية‏ عديدة‏ ولا‏ داعي‏ للتوقف‏ عنده‏ وقد‏ حدث‏ بالفعل‏ . ولكن‏ يبقي‏ السؤال‏ الجوهري‏: هل‏ هذه‏ المتغيرات‏ الكمية‏ والتغييرات‏ الصحفية‏ (‏دون‏ الوقوع‏ هنا‏ في‏ خطأ‏ التعميم‏ أو‏ الحصرية‏) قد‏ أدت‏ بالفعل‏ إلي‏ تغيير‏ عميق‏ في‏ المضمون‏ وفي‏ اللغة‏السياسية‏ المستخدمة‏ أو‏ في‏ الإسهام‏ في‏ نشر‏ ثقافة‏ جديدة‏ أو‏ فكر‏ جديد‏ يواكب‏ العصر‏ ويدفع‏ بتلك‏ القضايا‏ السياسية‏ الكبرى‏ إلي‏ الأمامإن‏ تاريخ‏ الصحافة‏ المصرية‏ هو‏ تاريخ‏ طويل‏ عريق‏ حافل‏ بفترات‏ الإشراق‏ والازدهار‏ والانحياز‏ لقيم‏ الحرية‏ والتنوير‏, وهو‏ ما‏ كفل‏ لمصر‏ لحقب‏ متتالية‏ موقع‏ الريادة‏ العربية‏ دون‏ افتعال‏ أو‏ شعارات‏. فحين‏ اجتذبت‏ مصر‏ مبكرا‏ رؤوس‏ الأموال‏ والكتاب‏ من‏ بلاد‏ الشام‏ في‏ السبعينيات‏ من‏ القرن‏ التاسع‏ عشر‏ واختاروها‏ مكانا‏ لإقامة‏ أعرق‏ صروح‏ الصحافة‏ العربية‏ ممثلة‏ آنذاك‏ في‏ جريدة‏ الأهرام‏ التي‏ أسسها‏ بشارة‏ ونقولا‏ تقلا‏ في‏ عام‏ 1875 لم‏ يكن‏ ذلك‏ محض‏ صدفة‏ وإنما‏ كان‏ لدورها‏ التنويري‏ , الذي‏ بدأ‏ يسطع‏ مع‏ أول‏ وأهم‏ تجربة‏ للدولة‏ الحديثة‏ في‏ عهد‏ محمد‏ علي‏ , وأيضا‏ لانفتاح‏ ثقافتها‏ ورحابتها‏ لتسع‏ الجميع‏ . ومنذ‏ ذلك‏ الحين‏ تأسست‏ مدارس‏ صحفية‏ مصرية‏ راسخة‏ وعميقة‏ كان‏ الأهرام‏ في‏ مقدماتها‏ الذي‏ تعاقب‏ علي‏ رئاسة‏ تحريره‏ والكتابة‏ فيه‏ كوكبة‏ من‏ ألمع‏ وأبرز‏ نجوم‏ الفكر‏ والأدب‏ والصحافة‏ والشعر‏ (‏أمثال‏: طه‏ حسين‏ , العقاد‏, مطران‏ خليل‏ مطران‏ , انطون‏ الجميل‏, توفيق‏ الحكيم‏ , نجيب‏ محفوظ‏ , د‏. حسين‏ فوزي‏ , يوسف‏ السباعي‏ , يوسف‏ إدريس‏ , لويس‏ عوض‏ وزكي‏ نجيب‏ محمود‏ ..) فكان‏ الأهرام‏ بحق‏ منارة‏ فكرية‏ إلي‏ جانب‏ كونه‏ صرحا‏ صحفيا‏ ضخما‏ , وكانت‏ القضايا‏ الكبري‏ التي‏ تثار‏ فيه‏ والسجالات‏ الفكرية‏ والسياسية‏ شاهدة‏ علي‏ مسئولية‏ الكلمة‏ والرغبة‏ الجارفة‏ في‏ الارتقاء‏ بالوطن‏. كذلك‏ روز اليوسف‏ التي‏ أسستها‏ فاطمة‏ اليوسف‏ عام‏ 1925 كأول‏ سيدة‏ تقتحم‏ بقوة‏ وثبات‏ مجالا‏ كان‏ قصرا‏ علي‏ الرجال‏ واعتبر‏ عملا‏ أكثر‏ من‏ رائد‏ بمعيار‏ زمانها‏ . كما‏ تولي‏ رئاسة‏ تحريرها‏ في‏ فترة‏ أخري‏ في‏ منتصف‏ الأربعينيات‏ الكاتب‏ الكبير‏ إحسان‏ عبد‏ القدوس‏. وأسست‏ مجلة‏ '‏روز اليوسف‏'‏وقادت‏ لفترة‏ طويلة‏ مدرسة‏ صحفية‏ سياسية‏ وأدبية‏ امتازت‏ بالجرأة‏ والاختلاف‏ وحققت‏ من‏ خلالها‏ ليس‏ فقط‏ شهرة‏ واسعة‏ (‏خاصة‏ في‏ أوساط‏ الشباب‏) وإنما‏ استطاعت‏ أيضا‏ أن‏ تحافظ‏ من‏ خلالها‏ علي‏ قاعدة‏ ثابتة‏ من‏ القراء‏ الذين‏ ارتبطوا‏ بها‏ زمنا‏ ليس‏ بالقصير‏.‏ولاشك‏ أن‏ المدرسة‏ الصحفية‏ التي‏ أسسها‏ مصطفي‏ وعلي‏ أمين‏ في‏ الأخبار‏ كانت‏ هي‏ الأخرى‏ إضافة‏ مميزة‏ تدلل‏ علي‏ مدي‏ تنوع‏ الإبداع‏ الصحفي‏ وتعدد‏ مدارسه‏ ومناهجه‏ وليس‏ فقط‏ زيادته‏ العددية‏ أو‏ الكمية‏ . وهناك‏ بالطبع‏ أمثلة‏ أخري‏ عديدة‏ ليس‏ المجال‏ هنا‏ يتسع‏ لحصرها‏ جميعا‏ وإنما‏ ما‏ تهدف‏ إليه‏ تلك‏ اللمحة‏ السريعة‏ للتاريخ‏ العريق‏ للصحافة‏ المصرية‏ هو‏ المقارنة‏ بين‏ ما‏ كانت‏ عليه‏ وما‏ أصبح‏ عليه‏ حالها‏ الآن‏ . فعلي‏ الرغم‏ من‏ الزيادة‏ الملحوظة‏ وربما‏ غير‏ المسبوقة‏ في‏ أعداد‏ الصحف‏ إلا‏ أن‏ ذلك‏ لم‏ ينعكس‏ - في‏ أغلب‏ حالاتها‏- علي‏ مضمونها‏ السياسي‏ , أو‏ لغة‏ خطابها‏ والارتقاء‏ المرجو‏ منه‏ , أو‏ قدرتها‏ علي‏ اقتحام‏ قضايا‏ جديدة‏ وجريئة‏ تشكل‏ تحديات‏ حقيقية‏ أمام‏ عملية‏ الإصلاح‏ , وفي‏ كلمة‏ واحدة‏ في‏ قدرتها‏ علي‏ ترسيخ‏ قواعد‏ جوهرية‏ للحرية‏ والتعددية‏ الحقيقية‏ تؤمن‏ , بحق‏ , بالتنوع‏ في‏ الآراء‏ ووجهات‏ النظر‏ والمنطلقات‏ الفكرية‏ وتستمد‏ قوتها‏ لا‏ من‏' الصوت‏ العالي‏' أو‏ ' الترهيب‏ ' ولكن‏ من‏ قوة‏ الإقناع‏ والتأثير على‏ الأفكار‏ ذاتها‏ والقضايا‏ التي‏ تطرحها‏ وفق‏ رؤية‏ شاملة‏ متجانسة‏ .الواقع‏ إننا‏ إزاء‏ ظاهرة‏ جديدة‏ تستحق‏ كثيرا‏ من‏ التأمل‏ فأغلب‏ (‏ولا‏ نقول‏ كل‏) الصحف‏ سواء‏ سميت‏ بالقومية‏ أو الخاصة‏ تكتسب‏ تقريبا‏ شكلا‏ وخطا‏ واحدا‏ ما‏ يجعلها‏ تبدو‏ أقرب‏ إلي‏ '‏المعزوفة‏' الواحدة‏ التي‏ يحركها‏ '‏مايسترو‏' واحد‏ مع‏ اختلاف‏ المستويات‏ بالطبع‏ . والأهم‏ من‏ الحديث‏ عن‏ هذا‏ الشكل‏ هو‏ طبيعة‏ اللغة‏ السياسية‏ التي‏ تخصصت‏ فيها‏ بعض‏ تلك‏ الصحف‏ والتي‏ بات‏ من‏ المعتاد‏ أن‏ تخرج‏ عن‏ حدود‏ النقد‏ الموضوعي‏ واللياقة‏ الأدبية‏ أو‏ الذوق‏ العام‏ المتعارف‏ عليه‏ لتصبح‏ أقرب‏ إلي‏' المنشور‏' الرديء‏ الذي‏ يمتلئ‏ بالانحيازات‏ المسبقة‏ ويقدم‏ العامل‏ الشخصي‏ علي‏ السياسي‏ أو‏ الموضوعي‏ وكأنها‏ تعيد‏ إلي‏ الذاكرة‏ تلك‏ اللغة‏ القديمة‏ للشعر‏' الهجائي‏' المهجور‏. وربما‏ '‏تفاخر‏' البعض‏ و‏'‏تحجج‏' بأن‏ هذا‏ الأسلوب‏ ' الهجائي‏' أصبح‏ إلي‏ حد‏ كبير‏ معمما‏ يطول‏ الجميع‏ كبارا‏ وصغارا‏ رسميين‏ أو‏ غير‏ رسميين‏ سياسيين‏ أو‏ كتابا‏ ومثقفين‏ ! ولكن‏ من‏ قال‏ إن‏ هذه‏ دلالة‏ علي‏ الحرية‏ أو‏ أنها‏ من‏ الممارسات‏ الديمقراطية‏ ! الأرجح‏ أنها‏ تعويض‏ عن‏ غياب‏ القضية‏ أو‏ هشاشة‏ الفكرة‏ و‏ افتقاد‏ الحجة‏. والدليل‏ علي‏ ذلك‏ أن‏ تلك‏ النوعية‏ من‏ الصحافة‏ المكتوبة‏ عادة‏ ما‏ تسجن‏ نفسها‏ وتسجن‏ معها‏ النقاش‏ العام‏ في‏ المربع‏ رقم‏ واحد‏ , فلا‏ هي‏ تدفع‏ إلي‏ الأمام‏ ولا‏ هي‏ تمتلك‏ القدرة‏ علي‏ مراجعة‏ كثير‏ من‏ الأوضاع‏ السلبية‏ القائمة‏ خاصة‏ في‏ هذا‏ الوقت‏ الذي‏ يشهد‏ فيه‏ المجتمع‏ كله‏ حركة‏ سياسية‏ وثقافية‏ تنبض‏ بالتغيير‏ تطلعا‏ للأفضل‏ . وربما‏ تكفي‏ المقارنة‏ هنا‏ بين‏ تلك‏ المظاهر‏ السلبية‏ التي‏ تشهدها‏ الصحافة‏ السياسية‏ و‏ ما‏ تشهده‏ الساحة‏ الثقافية‏ والفنية‏( , وهي‏ وسيلة‏ إبداعية‏ أخري‏ غير‏ مباشرة‏ للتنشئة‏ السياسية‏) من‏ أعمال‏ فنية‏ جديدة‏ وجريئة‏ تحمل‏ مضمونا‏ سياسيا‏ ورسالة‏ مثل‏ العمل‏ السينمائي‏ القيم‏ ' دم‏ الغزال‏' لمبدعه‏ الكاتب‏ المعروف‏ وحيد‏ حامد‏ ومسرحيتي‏ ' رجل‏ القلعة‏ ' وأهلا‏ يا بكوات‏' التي‏ يعاد‏ عرضها‏ الآن‏ . ولأنها‏ أعمال‏ ذات‏ قضية‏ , ورغم‏ أنها‏ تتعرض‏ لسلبيات‏ كثيرة‏ موجودة‏ إلا‏ أنها‏ لم‏ تعد‏ في‏ حاجة‏ إلي‏ ' تلك‏ اللغة‏ المفتقدة‏ إلي‏ المنطق‏' ولكن‏ اتسمت‏ لغتها‏ , رغم‏ جسارة‏ موضوعاتها‏ وجرأتها‏ , بالثبات‏ والهدوء‏ والجمال‏ معا‏, فصاحب‏ القضية‏ أو‏ وجهة‏ النظر‏ لا‏ يعرف‏ سوي‏ قوة‏ الإقناع‏ وجرأة‏ الدفاع‏ عن‏ الحق‏ والحرية‏ .‏ ظاهرة‏ سياسية‏ في‏ المقام‏ الأول‏ , أي‏ أن‏ حلها‏ ليس‏ في‏ تشديد‏ العقوبات‏ القانونية‏ أو‏ تقييد‏ حرية‏ الصحافة‏ أو‏ التضييق‏ علي‏ الصحفيين‏ , بل‏ علي‏ العكس‏ فتوسيع‏ قاعدة‏ الحرية‏ هو‏ ما‏ نصبو‏ إليه‏ جميعا الآن‏ وفي‏ المستقبل‏. ولكن‏ التعرض‏ لها‏ هنا‏ هو‏ للإشارة‏ إلي‏ مواطن‏ الخلل‏ التي‏ تستحق‏ من‏ الجميع‏ قراءتها‏ بإمعان‏ للوقوف‏ عند‏ أسبابها‏ ظاهرة‏ كانت‏ أو‏ كامنة‏, حتى‏ تصبح‏ ' الكلمة‏' التي‏ قدستها‏ الأديان‏ جميعا‏ , فكانت‏ فاتحة‏ القرآن‏ الكريم‏ ' اقرأ‏' وفي‏ الإنجيل‏ ' كانت‏ في‏ البدء‏ الكلمة‏' , هي‏ بحق‏ رسالة‏ وهي‏ حرية‏ ومسئولية‏ معا‏. فالكلمة‏ هي‏ القادرة‏ إما‏ علي‏ الهدم‏ أو‏ البناء‏ . فألا‏ يرد‏ إليها‏ اعتبارها‏ ؟‏!.‏المصدر : حركة القوميين العرب

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.