صدق من قال أن دوام الحال من المحال، فبعدما كانت أنوف المنتخبين تبلغ عنان السماء، ولم يكونوا يرضون برد التحية والسلام، فما بالك أن يبادروا بإلقائها على الأنام، وبعدما كانوا يتأففون من مطالب الناس والفقراء والعوام... وبعدما كان هاتفهم/ هاتفهن يرن دون إجابة أو خارج التغطية طول الوقت وعلى مدار الشهور والأيام، حتى اعتقد المواطنون أن السادة الرؤساء والرئيسات قد أبرموا عقدا مع جملة صوتية تقول "خط مخاطبكم غير مشغل حاليا المرجو إعادة الإتصال لاحقا "، و هذا "لاحقا" لا يلحقه اللاحقون ولا المواطنون أبدا إلا إن كانوا من ذوي السلطة والصولجان أو من المقربين الناقلين للأنباء والأكاذيب والأوهام، وهم على كل معروفون عند كل قاص ودان وعند الكثير من الأنام، وبعد الكعب العالي والصعود للسماء والأعالي ومحاكاة النجوم والغيوم، في ساعات الفجر، وفي النهار، وفي الليالي، دقت ساعة الحقيقة، والقيام للنضال، وسمع فيهم صوت المنادي ينادي "حي على النضال، حي على البرلمان" لذلك و بعد كل هذا وما إن استشعر هؤلاء دنو أجلهم وموعد الحسم من جديد حتى عاد "المناضلون التقدميون" إلى قلاعهم، وبدأوا يراجعون قواميس ما تبقى من كتب اليسار، رغم أنهم ركبوا عربة اليمين وتركوا اليسار ينهار، أما النساء المقربات من أصحاب الحال فإنهن يقمن بحركات تسخينية للعودة إلى "حمامات الدرب"، في مهمة نضالية سرية، شعارها التأطير والتوعية لأكبر بقية، فيما أصحاب الجمعيات المستفيدة من الدعم بسخاء، من الجهة والبلدية، التي لم يستطع مسؤولوها نشر مبالغه للعموم بنزاهة وشفافية، فقد عادوا إلى ترديد الأسطوانة المشروخة التي تتحدث عن البديل والتغيير، وعن البرغماتية في التحليل، وعن ما قدمه فلان وفلانة من الخير الكثير، وهلما كذبا وبهتانا على شعب تميزه الذاكرة القصيرة، ولو كان أغلب بنيه من النائمين على الحصير، وممن لا يجد قوت يومه من كثرة التقطير بسبب سياسة التفقير التي ينهجها وطنيا حكومة الميزان ومحليا منتخبو جرار بنجرير، وهاهم السادة المنتخبون المحظوظون،ممن حظوا بالتزكية، التي تحتاج بدورها لتزكية شعبية بعيدا عن منطق الزبونية والحزبية،هاهم من يسيرون ميزانيات عمومية والتي ليست إلا أموال الشعب العليل، هاهم يقومون بالخير والإحسان، ويساعدون، جزاهم الله خيرا، المواطنين المساكين على كروب هذا الزمان، ويمنحون رخص البناء بسخاء بعيدا عن بدعة قوانين التعمير والإسكان، بل حتى أن بعض المواطنين، كما قيل لي، إستفاد من الإسمنت والحديد من أحد المنتخبين المرشحين الكرام،
الطامعين، قلبا وقالبا، بدخول قبة البرلمان. آه يا زمان ... آه يا زمان متى يستوعب هذا الشعب الدرس، ويقرر في من يسير شؤونه بكل حرية، بعيدا عن منطق القطعان والخرفان،
وعلى ذكر الخرفان سيكون تزامن عيد الأضحى المبارك مع الإنتخابات فرصة للمقهورين للفوز بأضحية ولما لا أضحيتان،
خاصة وأن المؤشرات تقول أن المرشحين سيدخولون في صراع حميم من أجل الفوز بمقعد مريح بالبرلمان،ولو بأبهض الأثمان.وبالصدفة، ترأى إلى مسمعي وأنا أزور قريتي الصغيرة، أن أحد المرشحين المفترضين وزع على المعوزين أكياسا من الطحين،ولكي لا أكون ممن يسبقون الأمور ويحكمون عليها بسوء نية ، كما أتمنى من الفقراء أن يستحضروا حسن النية،ويتقبلوا الصدقات من ذوي الضمائر السياسية، ويقبلوا الأضحية، ثم يستصدرون "فتوى شرعية"، من فقهاء مساجد القرى المنسية،تحلل أخد العطية وتحرم التصويت عن مانح "الهدية"، لأن الفقهاء، وهم يستحضرون حسن النية، غلب على ظنهم أن مانحي الأضحية يريدون الجزاء في الآخرة، فبالتالي لا يجوز تضيع أجرهم في هذه الدنيا الفانية، ما دام أجرهم سيأخذونه مضاعفا في الدنيا الباقية،وأما إن كانت نيتهم سيئة، وهذا ما لانتمناه، فلا فوز في الدارين، وهنيئا للفقراء بالأضحية في زمن الهوان والنذالة السياسية، وصدق من قال أن العطار لم سئل في الماضي "أش عندك أ العطار" قال كلشي باين، لكنه في يومنا هذا عندما يسأل نفس السؤال يقول "كلشي مخلط"، وما بين الأمس واليوم تتضح الحكاية