نشر د.أحمد الريسوني مقالة تحت عنوان "لا نريد مساواة ميكانيكية ونخرب الأسرة وحقوقا أخرى" بتاريخ 25 مارس 2022 . ولا تحمل المقالة أي تطور أو مراجعة لأفكار الريسوني أو مواقفه المناهضة لحقوق النساء ، رغم التطور الذي يعرفه المجتمع عموما وواقع النساء والأسَر على وجه الخصوص . ذلك أن الريسوني لم يساند ولو مطلبا واحدا من مطالب النساء على مدى ثلاثة عقود ، أي منذ إطلاق عريضة مليون توقيع لتغيير مدونة الأحوال الشخصية ، مرورا بمشروع خطة إدماج المرأة في التمنية وانتهاء بالمطالب الحالية المتعلقة بالمساواة والمناصفة وإلحاق الابن بأبيه البيولوجي ومراجعة منظومة الإرث . فالفقيه "المقاصدي" كرّس كل حياته وجهده ليجعل من مقاصد الشريعة حرمان المرأة من حقوقها وكرامتها ؛ ومن ثم تأبيد الظلم الاجتماعي في حقها . إذ لم يحدث أن جاء باجتهاد فقهي واحد ينتصر فيه لحق من حقوق المرأة ويدخل به للتاريخ المشرّف كما دخله فقهاء مغاربة أجلاء باجتهاداتهم المستنيرة أمثال ابن عُرضون ومولاي العربي العلوي ، وعلال الفاسي . فلكل هؤلاء إرث فقهي غني ألهم من جاء بعدهم بتوسيع مساحة الاجتهاد ورفع طبقات من الظلم عن النساء .إنهم نبْتة مغربية صرفة تتغذى على ثقافة المجتمع وتشعر بمعاناة نسائه . لهذا انفردوا باجتهاداتهم عن بقية فقهاء المشرق العربي. ولأن الريسوني نبْتة دخيلة على المجتمع المغربي وثقافته بسبب ما يحمله من عقائد إيديولوجية "إخوانية" لا تعترف بالقوانين المدنية ، وتصر على تطبيق أحاكم الشريعة في نُسخِها المتحجرة (، القطبية ، الوهابية ، السلفية التكفيرية ، الطالبانية ..) ، فإنه تصدى لأبسط حقوق النساء وناهض المطالبة بها . سيظل التاريخ يَذْكر ويُذكّر بالفتاوى التي حرّم فيها الريسوني ولاية المرأة على نفسها في الزواج ، وجعل زواجها من دون ولي باطلا استنادا إلى حديث (لا نكاح إلا بولي) الذي لا يمكن للرسول الكريم أن يقوله وهو الذي جاء بالوحي الإلهي الذي يساوي بين المؤمنين والمؤمنات في كل أشكال وأنواع الولاية (خاصة أو عامة) ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) . لهذا اعتبر ، في مقالته ، المساواة "تخريبا للأسرة" . فهولا يريد أن يكون للمرأة استقلال مادي ووضع اعتباري يصون كرامتها ويضمن حقوقها . فحين طالبت النساء بحقهن فيما تراكم من الممتلكات الزوجية بعد الطلاق ، تصدى لهن الريسوني بفتوى تحرّمه وتعتبره "أكل أموال الناس بالباطل". إنه يريد أن تبقى المرأة عالة على غيرها مهدَّدَة بالتشرد في حالة طلبت الطلاق . عقلية تحكمها إيديولوجية تحقيرية للنساء لا يمكنها أن ترى الواقع الاجتماعي في حركيته وتطوره. ذلك أن المرأة باتت تتحمل الأعباء المادية للأسرة بنسب مهمة . إذ وفق المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس 2021)،فإن16,7 % من الأسر، البالغة 8.438.000، تسيّرها وتُعيلها النساء. وقد كانت هذه النسبة ، حسب نفس المندوبية حوالي 7ر17 في المائة سنة 2012 ،أي 1،2 مليون أسرة من أصل 6،8 مليون أسرة مغربية. لن يستوعب الريسوني ، ومعه تنظيمات الإسلام السياسي، التحولات التي يعرفها النموذج الأسري في المغرب منذ الاستقلال بفضل جهود التحديث والتعليم وإدماج النساء في التنمية ، بحيث تمكّنت المرأة من الانتقال من وضعية "ربة بيت" إلى مرحلة "معيلة الأسرة"،أي تتحمل التدبير المادي للأسرة في ما يخص الدخل والاستهلاك وتدريس الأبناء ورعايتهم. هذه التحولات الاجتماعية سمحت للنساء بالمساهمة بمعدل 21 بالمائة في إنتاج الثروة الوطنية. إلا أن رئاسة حزب العدالة والتنمية ، المعروف بمناهضته لحقوق النساء ، للحكومة على مدى عشر سنوات ، أثرت سلبيا على النشاط الاقتصادي للنساء ، بحيث انخفض المعدل من 30.4%سنة 1999 إلى 19.9 % سنة 2021 . رغم هذه التحولات الاجتماعية لوضعية المرأة ، يصر الريسوني على إنكارها انسجاما مع موقفه الرافض لمطالب الحركة النسائية بضرورة مراجعة نظام الإرث ضمانا للمساواة بين الذكور والإناث ، خصوصا وأن فئات واسعة من الفتيات يعملن خارج البيت ويساهمن في مراكمة ممتلكات الأسرة فيما غالبية الذكور يتابعون دراستهم أو عاطلون عن العمل. وإمعانا في هذا الإنكار ، كتب الريسوني: "المرأة لا تدفع شيئا ولا تنفق شيئا ويعطيها أبوها ويعطيها زوجها وينفق عليها هذا وهذا لأجل شيء فلسفته أن تظل آمنة مطمئنة مكرمة متفرغة بالدرجة الأولى لبيتها وزوجها وأولادها، يمكن أن تشتغل لكن همها الأول وقلعتها وحصنها الحصين هو هذه الوظائف التي تنهار الآن وتتلاشى وتدمر مقابل دريهمات نعطيها من هنا إلى هنا إلخ..". طرح جد متخلف عن المجتمع لم تعد الأسر تصدقه أو تعمل به ، وهي التي ترى بناتها وأبناءها ، بعد الزواج، يشتركان معا في التأثيث والإنفاق ومصاريف تدريس الأبناء وغيرها من النفقات . بل إن الريسوني يتجاهل المادة 199 من مدونة الأسرة التي تُلزم الزوجةَ ذات دخل بالإنفاق على أولادها وزوجها في حالة عُسره:"إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده، وكانت الأم موسرة، وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب". إن الحركة النسائية ، كلما طالبت بالمساواة وبتمكين المرأة من حقوقها أسوة بالذكور، إلا واستمسك الريسوني ب"الأحكام القطعية" و"النصوص الثابتة" لمناهضة هذه المطالب (عندنا عدة إمكانات تشريعية لمواكبة التطورات ولمكافأة المرأة أو تعويضها أو عدة قيود لكن أن تمس الأمور القطعية الثابتة نصا ودلالة فهذا لا يقول به أحد ومن أراد أن يقول به فهو يقول به من خارج الإسلام والأصول الإسلامية والقواعد الإسلامية). نفس السيمفونية المتخلفة التي لوّكها حين صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، يعيد اجترارها اليوم لمواجهة مطالب النساء. إن قول الريسوني هذا مردود عليه بدليل أن الشيخ التونسي خريج الزيتونة الطاهر الحداد ، نشر في 1930 كتابا بعنوان "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" طالب فيه بالمساواة بين الذكور والإناث في الإرث . وفي نونبر 2018، صادق مجلس الوزراء التونسي، بإشراف رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي، على مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي تضمن أحكاما بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. لحسن الحظ أن إمارة المؤمنين منفتحة على القراءة التاريخية للقرآن الكريم ، مثلما فعل الصحابة حين أوقفوا العمل بعدد من النصوص الدينية التي لم تعد متكيفة من متغيرات الواقع ( الآية 60 من سورة التوبة المتعلقة بالمؤلفة قلوبهم التي أوقف العمل بها أبو بكر ، وكذا الآية 41 من سورة التوبة المتعلقة بالفيء التي برر عمر بن الخطاب تعطيلها بتقديم حجة عقلية" إذا أخذتم هذه الأرض ماذا سيبقي لمن يأتون بعدكم ؟"). وجاءت مدونة الأسرة تجسد هذه القراءة التاريخية بتمكين المرأة من الولاية على نفسها في الزواج مثلا ، أو توريث أبناء البنت نصيب أمهم المتوفاة قبل أبيها ، أو التطليق للشقاق ، أو إلحاق الطفل المولود في فترة الخطوبة بأبيه البيولوجي رغم الحديث النبوي (الولد للفراش) . من هنا تبقى إمارة المؤمنين هي الجهة الوحيدة التي تشرف على المجال الديني وتحميه من المتاجرين بالدين ، أمثال الريسوني وكل منظّري الإسلام السياسي الذين مزقوا نسيج معظم المجتمعات العربية وأدخلوها في حروب طائفية ومذهبية لن تنتهي طالما ظل شيوخ التطرف والتكفير ينعقون بكل حرية. وليعلم الريسوني وأمثاله من الفقهاء المتحجرين ،أن المجتمع المغربي مؤهل أكثر من باقي المجتمعات العربية لتطبيق المساواة في الإرث بحكم أعرافه الاجتماعية التي جعلته يقبل بالمساواة في الإرث بين أفراد الجماعات السلالية ذكورا وإناثا .