مرة أخرى، تلجأ الجزائر للعب ورقة المال في صراعها الجيو-سياسي مع المغرب كآخر الأوراق "الدبلوماسية" التي تسعى من خلالها لبناء تحالفات جديدة، إذ بعد إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منح السلطة الوطنية الفلسطينية 100 مليون دولار، أعلنت تونس رسميا أن الجزائر ستُقرضها 300 مليون دولار، تزامنا مع زيارة رئيسها إلى تونس للقاء نظيره قيس سعيد، اليوم الأربعاء. وفي الوقت الذي سجل فيه مشروع قانون المالية الجزائري لسنة 2022 عجزا تاريخيا للمرة الثانية على التوالي بَلغَ 30 مليار دولار، بعد أن وصل في ميزانية 2021 إلى 22 مليار دولار، أضحت الأموال وسيلة بديلة لتبون لحصد المواقف السياسية الداعمة لبلاده بعد التراجع الملحوظ في قوة تأثير قنواتها الدبلوماسية، إذ يأتي "توزيع" 400 مليون دولار على حكومتي فلسطينوتونس في سياق مطبوع بالصدام مع المغرب على عدة مستويات، أبرزها ملف الصحراء والعلاقة مع إسرائيل. وأعلن تبنون عن تقديم 100 مليون دولار للفلسطينيين عقب لقائه في قصر المرادية مع رئيس السلطة الوطنية محمود عباس أبو مازن يوم 6 دجنبر الجاري، أياما بعد إعلان المغرب وإسرائيل توقيعهما اتفاقا غير مسبوق للتعاون الأمني والعسكري خلال زيارة وزير الدفاع بيني غانتس إلى الرباط، والذي هاجمته الجزائر واعتبرته موجها ضدها، أما القرض الممنوح لتونس فيأتي بعد أن صوت ممثلها في الأممالمتحدة بالامتناع على قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء أواخر أكتوبر الماضي، وفي غمرة التنسيق بين البلدين لمنافسة المملكة على مقعد في مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي. وأضحت الجزائر تعتمد على الأموال لخلق توازن مع جارتها الغربية في ظل التفوق الدبلوماسي لهذه الأخيرة، مستعينة باحتياطياتها الكبيرة من النفط والغاز، إذ في سنة 2020 مثلا شكلت صادرات النفط والغاز 90,6 في المائة من مداخيل هذا البلد، وهي سياسة لا تخلو من خطورة في ظل الاحتجاجات المتزايدة داخليا بسبب الخصاص الحاصل في توفير مجموعة من الحاجيات الأساسية مثل الماء والمواد الغذائية، وهو ما دفع الكثير من الجزائريين إلى إعلان رفضهم، مثلا، لتمويلات بلدهم لجبهة "البوليساريو" الانفصالية من المال العام. ومع ذلك يبقى تأثير "التمويلات" الجزائرية محدودا من الناحية الاقتصادية، ففي تونس مثلا أصدر رئيس الجمهورية مرسوما رئاسيا في نونبر الماضي بمثابة قانون تكميلي لمالية سنة 2021، والذي كشف عن ارتفاع العجز من 2,47 مليار دولار إلى 3,42 مليار دولار، مع تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 4,21 مليار دولار وآخر داخلي ب2,82 مليار دولار. أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن التأثير الدبلوماسي ل"الشيك" الذي أعلن تبون عن تقديمه لعباس، سيظل بعيدا عن تأثير المساعدات الواصلة بأرقام أكبر وبشكل مسترسل من دول الخليج، الداعمة بشكل صريح للمغرب في قضية الصحراء، ففي 2019 مثلا كانت بيانات الميزانية السنوية صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية تتحدث عن تمويل الرياض للموازنة العامة بما يقارب 165 مليون دولار، وفي 2018 قال سفير السعودية بالقاهرة، أسامة بن أحمد النقلي، إن صندوق التنمية السعودي يدعم المالية العامة الفلسطينية شهريا ب20 مليون دولار. ويبقى الرقم الجزائري أبعد أيضا عن ما تقدمه دولة قطر، ففي يناير من العام الجاري أصدر أمير الدولة، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بتخصيص منحة مالية لقطاع غزة بقيمة 360 دولار مخصصة لقطاع غزة تُصرف خلال سنة 2021، علما أن الدوحة كانت قد أعلنت في مارس من سنة 2020 عن دعم آخر بقيمة 150 مليون دولار موزعة على 6 أشهر لمساعدة سكان القطاع على تجاوز أزمة فيروس كورونا.