وفاء لتقاليد وعادات مغربية أصيلة ارتبطت بحلول شهر رمضان، تحرص النساء المغربيات المهاجرات بالديار الأمريكية، كل سنة، على إقامة حفل "شعبانة" الذي يجسد في الموروث الثقافي المغربي مفهوم اللمة العائلية والاستعداد النفسي للشهر الفضيل في أجواء احتفالية وروحانية تليق بمكانة هذه الشعيرة الدينية. ويتيح حفل "شعبانة"، النسائي بامتياز، للمغتربات خاصة في بعض الولاياتالامريكية التي تشهد تواجدا مهما للجالية المغربية (نيويوركوفلوريدا وفرجينيا..) فرصة التلاقي واستحضار الطقوس المميزة للاستعداد لرمضان في البلد الأم واختلاف عادات الملبس والمأكل حسب المناطق والجهات. كما يعد هذا الحفل بلسما لهؤلاء النسوة، اللواتي يحملن الوطن بين جوانحهن، يخفف عنهن لوعة الحنين الى الوطن ووطأة الاغتراب، لاسيما أن العديد من الأسر المهاجرة يتعذر عليها إحياء المناسبات الدينية سنويا في البلد الأم بالنظر لكلفة السفر العالية. وتميز حفل "شعبانة" الذي نظم مؤخرا للسنة الرابعة على التوالي بمنطقة فرجينيا في ضواحي العاصمة واشنطن وكذا في ولاية فلوريدا، بحضور متألق لنساء الجالية المغربية اللائي حرصن على ارتداء الأزياء التقليدية المغربية الأصيلة (القفطان، التكشيطة، القميص ) بألوانها المزركشة وتصاميمها البديعة الصنع التي لطالما شكلت عنوان احتفال المرأة المغربية بالمناسبات والأفراح السعيدة، اجتماعية كانت أم دينية. وأثثت هذين الحفلين أيضا، الأهازيج المغربية ذات النفحة الصوفية ( الذكر والسماع والمديح، الطرب الأندلسي) وأغاني تراثية وعصرية من الريبيرتوار المغربي الغني. وإلى جانب الأزياء التقليدية والألوان الغنائية المتنوعة، حضرت الأطباق والحلويات والفطائر التي تشتهر بها المائدة المغربية في رمضان والتي أبرزت عراقة المطبخ المغربي ومكانته على المستوى الدولي. وكما هو الحال في العديد من تجمعات الجالية المغربية، لم يخل حفل "شعبانة" من أغاني وطنية تفاعل معها الحضور بحماس ملوحين بالأعلام الوطنية. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت إيمان الزهر، منسقة حفل "شعبانة" بفرجينيا، "إنه تعبير عن تشبث النساء المغربيات بالتقاليد العريقة وعدم التفريط في مقومات هويتهن وتمريرها للأجيال اللاحقة لاسيما تلك المرتبطة بالمناسبات الدينية". وأكدت الزهر، الفاعلة في المجال الجمعوي، أن هذه اللقاءات "فضلا عن كونها فرصة للنساء المغتربات لتقاسم لحظات فرح يكسرن بها روتين الحياة اليومية في بلاد الغربة، فإنها تثبت قدرتهن على التكيف مع واقع ومتطلبات الحياة العصرية التي يحيينها في واحد من أكثر بلدان المعمور تقدما، والحفاظ في نفس الوقت على روابط وعرى الانتماء للوطن الأم وصون عاداته وتقاليده الأصيلة". وسجلت أن حفل هذه السنة عرف حضور أزيد من 180 سيدة ساهمن ماديا وتنظيميا في إنجاحه "وبالتالي تقديم صورة جيدة عن الجالية المغربية"، منوهة بالانخراط القوي للنساء المغربيات في كل المبادرات ذات الطابع الاجتماعي والتكافلي والإحساني التي تهم أفراد الجالية المغربية. وبدورها ، أبرزت سعاد أمجاهدي، رئيسة جمعية "مني لكم" بفلوريدا، أن أجواء حفل "شعبانة" الذي أقيم في هذه الولاية التي تشهد حضورا مهما للجالية المغربية "لا تختلف في شيئ عن تلك يعيشها المغاربة في البلد الأم، حيث حجت الأسر المغربية بكثافة لتقاسم لحظات فرح وألفة وتقاسم الأطباق والأكلات المغربية الأصيلة والاستمتاع بفواصل موسيقية في فن المديح والسماع". وأشارت أيضا إلى أن الجالية المغربية في ولاية فلوريدا تغتنم مثل هذه اللقاءات لتأكيد انخراطها في مختلف المبادرات الإحسانية التضامنية التي تميز الشهر الفضيل، ومنها عمليات الإفطار الجماعي بالمساجد والتكفل ببعض الحالات الاجتماعية الصعبة سواء بالولاياتالمتحدة أو في أرض الوطن. بإصرارهن على إقامة حفل "شعبانة" سنويا، ترسم نساء الجالية المغربية في الولاياتالمتحدة ملمحا مشرقا عن موروث حضاري وثقافي صنع على مر السنين فرادة النموذج المغربي وشكل جوهر هويته المتعددة الروافد. وتمثل المناسبات الدينية ومنها شهر رمضان، بالنسبة لهن، جسرا لتجديد الوصل مع هذا الإرث التليد، وتوطيد أواصر انتمائهن الراسخ للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.