ما حصيلةَ الحُكومةِ "الثّانية" التي يقُودُها حزبُ "تُجّار الدين"؟ أهي أكياسٌ من الأخطاء؟ أم "فشَلٌ على فشَل"؟ هل هي إنجازات؟ أم مُبرّرَات؟ وهل هي نَمُوذجٌ سياسي؟ أم إيديولوجيا؟ أم هي طريقةُ حُكم؟ أم تُرَى هذا التّبريرُ علينا قَضاءٌ وقَدَر؟ ولماذا تَبريراتٌ مُتلاحِقة؟ * أسئلةٌ خلفَ السّطور، وبلادُنا تتغيّر.. التّغييرُ مُؤكد.. ولا مَفَرّ من تغييرٍ جِذري، في النُّخَب السّياسيةِ والاقتصادية... وفي مَجالاتٍ أخرى مُتَلاحِقَةٍ مُتشابِكة.. ويُواكبُها مُجتمعٌ جديدٌ في طُورِ البناء.. ولا خيارَ لنا إلا بناءَ التّغييرِ المنشُودِ على أساسِ "مُكافحةِ الفساد".. وعلى الأولويةِ المُعلَنَةِ للاّفسَاد، يَرفُض بلَدُنا كلّ تبريرٍ للفسادِ السابق، والفسادِ الحالي، والفسادِ الذي يبدُو لاحِقًا.. وفيالقُ من المُبرِّراتِ والمُبرِّرِين الذين تَزخَرُ بهم الساحةُ الاجتماعية، وفيها ألوانٌ بَشريةٌ محسوبةٌ على الثقافة والإعلام، وكُلُّها مَنطقٌ واحدٌ هو: تبريرُ ما نحنُ فيه، من خلال اعتبارِ حالِنا الرّاهنِ أفضلَ من غيرِنا، وأنّ الغدَ يؤشّرُ للأحسَن.. طريقةٌ تبرِيرِيةٌ للقفزِ على الحواجز، وتغليطِ مجتمعٍ يعيشُ واقعا مُتراجِعًا في كل القطاعات الحيّة، ويَسِيرُ إلى الخَلف، من ردئٍ إلى أردأ.. وبالمُقابل، كتَبَةٌ يَذرِفُونَ دُمُوعَ التّماسِيح.. ومَسؤولُون ما زالوا كما كانوا، على نفسِ المِنوال، لا يكُفّون عن تَبريرِ ما وقَعُوا فيه من سُوءِ "تَدبيرٍ وتَسيِيرٍ" للشّأنِ العُمومي.. ويُسَوّقُون الفَشَلَ السياسي والاقتصادي الذي هُم إليه مُنزَلِقُون.. ويُعِدّونَ لها مُبرّراتٍ جديدة.. ومن مُبرّراتٍ يَنتَقلُون إلى أخرى.. ويُخَطّطُون لمزيدٍ من التّبرِيرات.. وهُم عاجزُون عن تحقيقِ إنجازاتٍ في مُستَوَى طُموحاتِ هذا البَلَد.. * ولا نهاية لسياسةِ التّبريرِ الحُكومي! والفشلُ لا يَتوقّف.. يُعالِجُ الفشلَ بما هو أفشَل.. ويُبرّرُ فَشلَه الاقتصادي، برَبطِهِ بفشلِ السوق، وفَشلِ سياسةِ الاستِثمار.. وفي نفسِ السّياق، يغُضّ الطرفَ عن تغييبِ الكفاءة، والحَكامَة، وعن شفافيةِ طلباتِ العُروضِ والصّفَقاتِ العُمومية، وعن ما يَنجُمُ عن هذا الخلَلِ المُتعَمّد، نتيجةَ المحسُوبية، من خسائرَ مُتلاحِقة في مَداخيلِ صُندوقِ البلَد.. ولا تتَطرّقُ التّبريراتُ إلى العُمقِ الذي يطالُ فسادَ "الصّفَقاتِ العُمومية"، وإذا تناولت هذا الخَلل، فمن زاويةٍ تخفِيفيّةٍ تُلقِي بالمسؤوليةِ على الغير، لا على مَسؤوليةِ الحكومة، وهي مُصِرّة على نهجِ نفس السياسةِ العلاقاتِية في مجالاتٍ كثيرة، منها "الصّفقاتُ العمومية"، والاستِثمارات، بسببِ تغليبِ مَنطق الزّبُونيّة.. وهذه التّبريراتُ وغيرُها تُسقِط البلادَ في تراجُعاتٍ أخرى لسياستِها الاقتصادية والاجتماعية.. وسياسةُ التّبريراتِ فاشِلةٌ من الأساس.. وليس أمامَها أيُّ أُفُق.. ووَاضِحٌ للعِيان أن إخفاءَ الدّافعِ الحقيقي للفشل، هو كونُ الحكومةِ تتَعمّدُ تفقيرَ البلد، ومن ثمّةَ تَفقيرَ المواطنين، لفائدة قلّةٍ تزدادُ ثراءًا.. تبريراتٌ كالعادة تعتَمدُ أعذارًا ذاتَ شكلٍ منطِقي، وفي العُمق هي أعذارٌ بلا عُذر، لأن مسؤوليةَ الحكومةِ قائمة، مُتكرّرة، ولا تَستطيعُ بها الرّغبةَ - وعن سبقِ إصرار - في استمرارِ سياستِها التّفقِيريّة، من خلال تَصفيةِ التعليمِ والصحةِ والتشغيلِ والعدالةِ الاجتماعية.. ورغم إخفاءِ النوايا، فإنّها لم تعُد قادِرةً على تضليلِ مُجتمعٍ قد أصبح في كاملِ وَعيِهِ بخَلفياتِ ما تُمارسهُ الحكومة.. ولا مُبرّرَ للظلمِ الاجتماعي، ولتبذيرِ ثرواتِ البلد، ولابتكارِ عُيوبٍ هنا وهُناك، لتَبريرِ نفَقاتٍ في غيرِ مَحلّها.. ولا تبريرَ للإساءةِ للمَسِيراتِ الاجتماعيةِ المُسالِمة، ما دامَ السلوكُ الميداني الرسمي تُوَرِّطُه الحكومةُ في جريمةٍ يُعاقِبُ عليها القانون.. * والأكاذيبُ الحكوميةُ بلا نهاية! هي تكذبُ حتى على نَفسِها، فيكونُ الكذِبُ على الذّاتِ نوعًا من التّبرير، وبتعبير آخر: الحكومةُ تَكذبُ بصِدق.. وهي صادقةٌ بأن كذبَت حتى على نفسِها.. وتتوالَى وعودُها، بنفسِ الأسلُوب: أكاذيبُ قديمةٌ مُتَجدّدة، لكي تُنشئ بها فئةً اجتماعيةً تَحسبُ أن الحكومة رُبما هي صادقةٌ في قولِها هذه المرة.. وما كانت الحكومةُ صادقةَ القولِ والفعل.. هي دائما كذابة.. تكذبُ على غيرِها، وحتى على نفسها.. وهي تَكذبُ من جديد، لكي تُبرّر أكاذيبَ سابقة.. وتُبرِّرُ وتُبرِّر.. لكي تُواصِلَ الكذِب.. وسياسةُ الكذب على نفسِها وعلى الناس، لا يُخلّصُها من عُقدةِ "التّستّر" على مزيدٍ من الفَشل.. والغريبُ في شأن التّبرِيراتِ الكاذِبة، هو اعتبارُ الفشلِ نفسِه أمرًا عاديّا، طبيعيّا، بدليلِ أن من يَعمَلُون، هم عُرضةٌ للفَشل، نتيجةَ سُوء التّقدير، لأن التّقديرَ الحكومي تم بناؤه على معلوماتٍ من غيرِها، لم تكُن معلوماتٍ صحيحة.. وبهذا تقودُنا الحكومةُ إلى تبريرِ الفشل.. والمبرّرُ هو لصقُ الفشلِ لغيرِها: أي اعتبارُ طرفٍ آخرَ هو المسؤول، لأنه هو قدّمَ للحكومة معلوماتٍ خاطئة، فكانت استقراءاتُها خاطئة.. وبهذا المنطق التّبريري، تُقدّم لمُستهلِكي أكاذيبِها تشبيهًا غريبًا هو اعتبارُ المريضِ -- مثلاً - مسؤولاً عن مرَضه.. * وفي هذه الحالة، ليس المستشفى هو المسؤول، بل هو المَريض! ونفسُ التبريراتِ تتوالى، في قنواتِها، وعلى ألسِنةِ "خُبرائِها" الذين يُبعِدُون "الجريمةَ الطبّية" عن المُستشفى، بذريعةٍ غبِيّة، من غباءاتِها، فتقولَ مثلا: "إنّ كل الناس يمُوتون، في المستشفى وغيرِ المستشفى، ولا معنى لإلقاء اللّومِ على الحكومة"! والتّبريرُ قائمٌ على "اللاّمعنَى".. و"اللاّمعقُول"! والتّبريرُ بهذه الصّيغة، هو سلاحُ العاجِز.. سلاحُ مَن لا يملكُ دليلَ إثبَات.. ولا تبريرَ للفجوةِ القائمةِ بينَ الأغنياء والفقراء، في بلدٍ ليس به الفَقرُ طبيعيّا، بل هو تفقيرٌ مُتعَمّد، ناتجٌ عن "سياسةِ التّفقير".. ومع ذلك، تُصِرّ الحكومةُ على التّمادِي، وتقديمِ مُبرّرات، لإيهامِنا بأنّها لم تَفشَل، ولم وتُخطئ، وبأنها هي أحسنُ حكومة، وأنزَهُ حكومة.. وقد سبقَ أن قال رئيسُ حكومة "تُجّار الدين": إن حَربَه ستكونُ "ضد الفساد والمُفسدين".. وكانت هذه كذبةً سابقةً لأوانِها.. والنتيجةُ هي: الفسادُ لم يَتراجَع.. والفسادُ اليومَ قد أصبَح كاسِحا.. شاملاً.. وبلا حدود.. ثم قال بشأن "مافيَا" الفساد: "عفَا اللهُ عمّا سَلَف".. وهكذا برّرَ الفسادَ تبريرًا، بتوظيفِ الدّين، قائلا: "عفَا اللهُ عمّا سَلَف".. والدينُ كثيرا ما يُستخدمُ لتبريرِ استراتيجياتٍ ظالِمة.. ثم يُوظّفُ شِعارات: الصّدق، والنّزاهة، وغيرِهما، لإيهامِ الناسِ بأن هذه الحكومة - حَسبَ طبّالِيها - هي "أحسنُ حكومة"، وأن المغاربةَ مَحظُوظُون بهذه الحكومة! وهكذا تحُلّ مُبرّراتٌ وشِعاراتٌ مَحَلَّ الأسبابِ الحقيقيةِ للفشلِ الحُكومي.. ويُرادُ للمُبرّر أن يُغطّي الواقعَ ويَحُولَ دونَ حُصول ردودِ فعل، وسُوءِ عاقبةِ التّبرير.. وبهذه العقليةِ المتشبّثةِ بأنّ هذه الحكومةَ لم تُخطئ، أو هي لا تُخطئ، يَستحيلُ أن تعملَ نفسُ الحُكومةِ الخطّاءةِ لإصلاحَ نفسِها، وإحداثِ التّصالحِ مع الذات.. وهي - كما كانت - في حالةِ نزاعٍ نفسي داخلي، بين الذاتِ والذات، وبتعبيرٍ آخر: بين الجلاّدِ والضّحيّة.. وفي غياب تَصالُحٍ مع الذات، واستحالةِ اللجوءِ للعملِ الإيجابي، ومُراقَبةٍ ذاتيةٍ سليمة، تُخادعُ نفسَها لمزيدٍ من التغطيةِ على مُبرّراتٍ واهيةٍ مكشُوفة.. ويُردّدُ طبّالُو الحُكومة: إنها قامَت بواجبِها كاملا، ولكنّ مُؤامراتٍ قد عرقَلت تحقيقَ النتائجِ المَرجُوّة.. وفي ثقافتِنا الحِزبية، عبرَ عُقودِ "ما بعد الاستقلال"، تُركزُ التبريراتُ على أن الخارجَ هو السّبب... وهو يُعَرقلُ مشاريعَنا التنموية.. وما دام الخارجُ من تبريراتِ الفشلِ الداخلي، فما هي طبيعةُ العلاقات الخفيّة بين الداخلِ والخارج؟ والتفكيرُ بأسلوبِ "وجودِ مؤامرة"، قد يكون بلسَمًا نفسيّا لبعض العقول، لكنه في الواقع لا يُلغي مسؤوليةَ أسبابِ الفشل، ومسؤوليةَ العملِ الضروري الجادّ، للقيام بواجب المسؤولية الكاملة.. زأمام الاستمرارِ في التّذرّعِ بمؤامرةٍ خارجية - أو حتى داخلية - يبقَى هذا التذرّعُ بلا معنى.. وفاشِلةٌ هي أيةٌ حكومةٍ تَحكمُ البلدَ بنهج وَهْمٍ اسمُه "المؤامَرة".. فهل الفقرُ عندنا هو فقرٌ أم تفقير؟ الفقرُ الطبيعي هو نتاجُ جفاف، على سبيل المثال.. لكن التفقير هو ناتجٌ عن سوءِ تدبير، وسوء تسيير، وفسادٍ إداري، ورشوة.. وهذا واضحٌ في الاحتجاجاتِ المُجتَمعية.. وقد فاتَ أوانُ المزيدِ من التّبريرات.. * فأين ثرواتُ البلد؟ أين الفوسفاط؟ أين الذهب؟ وبقيةُ المَعادن؟ والسَّمك؟ وأين يختفي كِبارُ اللصوص؟ أين أباطرةُ العَقار؟ أين مافيا المخدّرات؟ وأين المُحاسَبة؟ ومتى تكونُ لبلدنا إنجازاتٌ حقيقية، شفافة، بعيدةٌ عن "سياسةِ التّبرير"؟ متى تنتهي "تبريراتُ الفشل"؟ وتَحُلُّ مَحلَّها منهجيةُ عمل، ومُراقبة، وسقفٌ زمني للإنجاز؟ متى ينتهي الفسادُ من بلادِنا؟ متى نشتغلُ بأخلاق، وضميرٍ مهني، وتحت ضياءِ قانونٍ مدني يَحمِي الحُريات، ويَضمنُ الحقوق؟ * متى نكونُ دولةَ مؤسّسات؟ [email protected]