- وجبت حماية "التنمية البشرية"! يبدو أنها - هي الأخرى - تتعرض لشبهات تستوجب المراقبة والوقاية والحماية.. وبوضوح: الفساد يحوم حول مختلف مدارات التنمية.. ولم يعد هذا مجرد فساد عابر.. لقد تطور إلى إفساد بلا حدود.. وفي هذا تكمن مؤشرات الخلل.. وتعشش مخاطر على الوطن والمواطن.. إن الفساد يقطع الطريق على "التنمية البشرية" في بلادنا.. وها قد أصبحنا في مؤخرة العالم، في خضم مؤشرات التنمية البشرية.. وانتقلنا من تنمية البشر إلى تنمية الفساد.. وتحول مفهوم "التنمية البشرية" عندنا إلى "تراقصات" لرشاوى، وهدايا، وغيرها... لقد تراجعت التنمية البشرية، ومعها كبر الفقر وتضخم، وأصبح غولا يهددنا جميعا.. والسبب الرئيسي هو تغول الفساد.. - وما أكثر مظاهر الفساد الإداري! وهذا يحدث في "أوساط" تستغل المسؤولية، وتوظف الكراسي، لممارسة "الشطط في استعمال السلطة".. و"الشطط" ما زال كما عهدناه.. في قمة "النشوة"! وهؤلاء المنتشون هم مسؤولون عن اقتناص أموال مرصودة لمكافحة الفقر والهشاشة، وعن الزج بهذه الأموال العمومية في جيوب فاسدة: - لتنمية الفساد، بدل "التنمية البشرية"! ألم يحن الوقت لفتح تحقيق جاد وصارم في ميزانيات "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"؟! وهذه "المبادرة" المهمة، انطلقت في بلدنا خلال تسعينات القرن الماضي، تماشيا مع قرار من "منظمة الأممالمتحدة".. ولسنا وحدنا بدأنا الاشتغال في مشروع "التنمية البشرية".. دول كثيرة ما زالت تشتغل لإنجاز مشاريع تنموية في أوساط فقيرة.. وقد تميز هذا المشروع، الهادف لمحاربة الفقر والهشاشة في بلادنا، بدعاية إعلامية واسعة النطاق.. وصارت بلادنا ترصد أموالا لتمكين مقاولات صغيرة، من إمكانيات العمل، ومن ثمة توسيع نطاق أوراش تنموية صغيرة، بمختلف أرجاء البلد.. وكان من المفروض أن تكبر مشاريع التنمية.. وأن تظهر النتيجة بشكل إيجابي في أوساط فقراء البلد.. ولكن الفقر لم ينته.. الفقر لم يتوقف.. لقد ازداد انتشارا.. واتساعا.. لماذا؟ لماذا لم تنجح "المبادرة" في تقليص الفقر؟ الجواب يتطلب فتح تحقيق واسع النطاق لمعرفة السبب، وربما الأسباب التي جعلت أموال "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" لا تنعكس على الحياة الاجتماعية الوطنية.. ولا تفسير لها إلا داخل "أوراش الفساد الإداري"! الفساد الإداري عندنا يمنع إنجاح مبادرة التنمية.. والفشل بالفعل قد حصل، في الميدان الوطني.. ولبلدنا من الشجاعة ما يخوله الاعتراف بالخلل أو الفشل في "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، في إطار طموحنا الوطني الهادف لمحاربة الفقر.. ونستطيع الاعتراف بالفشل، كما اعترفنا بفشل قد طال كل نموذجنا التنموي.. وعلينا بالتحقيق، ثم المحاسبة.. - المسؤولية ترتبط بالمحاسبة! هكذا يقول دستور 2011.. فلماذا الصمت على شبهات داخل أروقة "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"؟ هل كل ما تم صرفه، هو على ما يرام؟ أين "المجلس الأعلى للحسابات"؟ لماذا لا يقوم بهذا الواجب؟ هل يكفي أن يقوم هذا المجلس بمسح وتشريح مواقع الخلل التنموي؟ هل التشريح يكفي؟ أم يتوجب عرض الملفات - المشبوه فيها - على أنظار العدالة؟ إن الفقر لم يتوقف، رغم أن التلفزيون "الرسمي" قدم مرارا وتكرارا تغطياته لعمليات توزيع وسائل النقل وغيرها لفئات من فقراء البلد.. التمويل موجود.. وهذا مؤكد.. ولكن الفقر لم يتوقف.. الفقر ازداد سوءا.. و"المبادرة" قد فشلت في "تنمية المجتمع"، وأصبحنا اليوم، في الحالة التي نحن فيها، عاجزين عن بناء مجتمع أكثر مواجهة للفقر والهشاشة.. ولم نتمكن من إحداث التغيير المطلوب، لتحسين أحوال مجتمع هو أحوج ما يكون إلى أفراد لا يشاركون في الفساد، وإلى جماعات ترابية غير فاسدة، وإدارات ما زال الفساد متحركا ومنتعشا بأبوابها.. الفساد الإداري لم يتوقف.. وهذا بالذات يبدو هو المتهم الرئيسي في عملية إفشال الأهداف المتوخاة من "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".. وهذا المآل يستوجب التعامل مع الواقع بكيفية لا تقتصر على توزيع آليات "التنمية البشرية"، وتوزيع التمويل على بعض الجمعيات التي تخضع لإدارات ترابية ليست كلها نزيهة.. تنمية المجتمع لا تكون فقط بوسائل مادية، بل أيضا بالمراقبة، وتكوين المهارات، والتتبع لمسار هذا التمويل، والتقييم، والاستنتاج، حتى لا ينحرف المال العام عن الهدف المتوخى، ولا يصل إلى جيوب مسؤولين فاسدين.. والفساد بالذات، هو يعرقل تنمية المجتمع، ويؤثر على أحوال مؤسسات اجتماعية، وينعكس سلبا على خريطة الفقر في بلدنا، ويجعل شريحة واسعة تخرج إلى الشوارع وتصرخ... وصراخات الفقراء لن تتوقف.. هذا واضح ومؤكد ما دام الفساد هو يعمق الفقر والتفقير.. ولا يكفي أن يقال إن الدولة تقوم بواجب تمويل "تنمية المجتمع".. الأقوال غير كافية.. لا بد من المراقبة والتتبع والتقييم والاستنتاج والمحاسبة.. وبإيجاز: أين ذهبت أموال "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"؟ وهل تمويل "المشاريع الصغرى" قد ذهب فعلا إلى كل المحتاجين؟ وحتى إلى من لا يرضخون لابتزازات الفساد الإداري؟ أين التساوي في توزيع ميزانيات "المبادرة"؟ أين التأكد من أن هذا التساوي قد قاد فعلا إلى تغيير في أحوال المجتمع؟ أين التأكد من أن هذا التمويل قد انعكس إيجابيا على الحياة اليومية للفقراء؟ أين التأكد من أن الفقر قد تقلص في مجتمعنا؟ وأنه لم تعد لبلدنا شريحة واسعة تحت خط الفقر؟ أين نتائج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"؟ وما تقييم مآلات ميزانياتها منذ بداية عملها، قبل قرابة 30 لسن؟ ماذا فعلت "المبادرة" خلال هذه العقود؟ هل ساهمت في تقليص نسبة الفقر؟ أم زادت في كثافة الفقر؟ من واجبنا القيام بعملية تقييم شامل لمردودية "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"! فهل هذه "المبادرة" تستحق أن تستمر؟ نعم أم لا؟ إن دولتنا ليست وحدها ضحية لسوء التوزيع، وضحية للفساد في طريقة التوزيع، وضحية لما فعله "الفساد الإداري" في ربوع وطننا.. وليس بلدنا وحده في قائمة التمويل.. أطراف أخرى، وطنية ودولية، ساهمت وتساهم في مالية "المبادرة"، وربما - هي أيضا - لم تقم بواجب التأكد من أن هذه المالية لم تذهب، ولا تذهب، لغير مستحقيها.. يبدو أن في الملف سوء توزيع، وسوء تتبع، وسوء مراقبة.. وربما أيضا: غض الطرف عن مسالك الفساد الإداري، من بداية التمويل إلى نهاية "تبديد التمويل".. وربما حان الوقت للحسم والحزم، على كل مستويات المسؤولية، لقطع الطريق عن الفساد الذي يبدو سببا رئيسيا في العبث والتلاعب بأموال عمومية قد انحرفت عن تنمية المجتمع، وآلت إلى جهات أخرى هي تستفيد من حقوق الفقراء.. وهذه الجهات، بدل أن تساهم في محاربة الفقر، هي اليوم تحارب الفقراء! والنتيجة: أصبحنا في حالة اجتماعية لا نحسد عليها.. والتفقير في بلدنا قد ينتج مضاعفات ربما لا تخطر على البال.. وجبت محاسبة كل المسؤولين عن تضييع الأموال العمومية، من جراء غض الطرف عن شبكات الفساد الإداري.. الحاجة ماسة إلى حرب على إفساد التنمية الوطنية.. الحاجة إلى ثورة: - "ثورة إدارية"! [email protected]