من بين المبررات التي تقدمها الحكومة الحالية، لتبرير الإجراءات اللاشعبية التي تتخذها، في مجال تحرير الأسعار وضرب المكتسبات الاجتماعية، هي أنها تبني المستقبل، للأجيال المقبلة، ولذلك تضحي بمصير الأجيال الحالية. وهو نفس المبرر الذي ردّدهُ وزير المالية الأسبق، محمد برادة، الذي قال إن «دور الحكومة هو أن تتخذ قرارات لاشعبية لإسعاد الأجيال القادمة»، وهو التصريح الذي أدلى به في إطار الاحتفال الذي احتضنه «التجاري وفا بنك»، يوم الخميس 10 دجنبر الأخير، بمناسبة صدور كتابه حول «المقاولون بالمغرب في سنوات الستينات، نخبة الانتقال». وأضاف برادة أن الإجراءات المتخذة مؤخرا بشأن صندوق المقاصة وتحرير سعر المحروقات والتقاعد، قد تكون مؤلمة وموجعة اليوم، لكن مزاياها ستظهر بعد سنوات. كما أشاد بسياسة التقويم الهيكلي التي أشرف عليها خلال مرحلة الثمانينات من القرن الماضي. وإذا كان هناك أسوأ مثال يمكن أن يقدم على فشل هذه المقاربة، فهو التجربة التي عرفها المغرب خلال ما سمي بالتقويم الهيكلي، وكل الإجراءات اللاشعبية التي رافقت عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، والتي أدت بالبلاد إلى خطر السكتة القلبية، كما اعترف هو نفسه بذلك. كل الحكومات التي تفرض على شعوبها إجراءات خانقة، كما هو الأمر حاليا، سواء بالزيادات المتوالية في أسعار المواد الأساسية والمحروقات والبوتان والماء، وتحرير الأسعار، و الزيادة في الضرائب، و التراجع عن المكتسبات الاجتماعية، تبرر ذلك بأنها تسعى إلى الإصلاح مستقبلا. وحقيقة الأمر أن هذه الوصفات اللاشعبية، لاتتطلب عبقرية خاصة، في الاقتصاد والمالية، فهي جاهزة لدى المؤسسات التمويلية الدولية، سبق للمغرب أن جربها، فنتجت عنها مديونية فاحشة، كما هو الشأن حاليا، وأدت إلى تفقير الفئات الشعبية وإغناء الأثرياء، وتوسيع الفوارق الطبقية، واستشراء الفساد. كما أدت إلى إضرابات عامة بطولية، تزعمتها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، ونضالات نقابية تاريخية وانتفاضات شعبية، وحركة معارضة سياسية قوية، خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. غير أن سياسة التقويم الهيكلي لم ينتج عنها أي منافع للأجيال التي أتت من بعد، والتي لم تجد سوى التفقير والبطالة والفساد وانسداد الآفاق، إلى أن جاءت حكومة التناوب، في نهاية التسعينات لتبدأ في إصلاح ما تم إفساده، رغم ضيق هامش التحرك. لذلك، فإن إدعاء خصلة «الشجاعة» في اتخاذ إجراءات لاشعبية، أمر سبق أن جربته حكومات سابقة، لكن الحركة النضالية السياسية والنقابية كانت أشجع منها، في عملها إلى جانب الجماهير وفي تصوراتها للمستقبل.