لم يستوعب الكثير من المهتمين بالشؤون الجزائرية المغربية، تجاهل النظام الجزائري المقصود للأيادي المغربية الممدودة التي تهدف إلى طي صفحة الماضي المملوءة بالخلافات والنزاعات وبدء صفحة جديدة أساسها الاحترام المتبادل والتعاون. فالجزائر تجاهلت مؤخرا دعوة الملك محمد السادس لتجاوز الخلافات وفتح الحدود بين البلدين وإعادة المياه إلى مجاريها بين الشعبين، وتجاهلت في اليومين الماضين عرض المغرب لتقديم المساعدة في إطفاء الحرائق التي تجتاح عدد من الولاياتالجزائرية، وتجاهلت بالأمس برقية التعزية التي بعثها الملك محمد السادس إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على إثر تلك الحرائق. الجزائر، أو بالأحرى النظام الجزائري، لم يتجاهل فحسب ما قام به المغرب مؤخرا من مبادرات ودية مع بلد جار تربطه به الكثير من الروابط، بل خرج كل من تبون ورئيس أركان الجيش، السعيد شنقريحة، بتصريحات معادية ضد المغرب، حيث اتهماه بمحاولة زعزة استقرار الجزائر، وبأن له أطماع توسعية في المنطقة والبلد "المحتل" للصحراء. كثيرون كانوا يتوقعون أن تكون هكذا ردود فعل النظام الجزائري، لكن ما لم يكن متوقعا هي أن تكون هذه الردود بهذه الحدة وفي هذا الوقت الذي لازال المغرب يبذل فيها مجهودات حميدة لإنهاء الخلافات مع الجزائر ومساعدتها في "الكارثة" التي تضرب البلاد حسب وصف الرئيس عبد المجيد تبون. لكن ما لا يفهمه كثيرون، هو أن النظام الجزائري ليس أمامه أي حل آخر غير هذا، فهذا النظام لا يريد أن يُعطي أي فرصة للمغرب ليظهر بمظهر البلد المساعد والمسالم، لأن ذلك سيقف في وجه النظام العسكري الجزائري مستقبلا وقد يجعله في موقف مُحرج في حالة إذا أراد تكرار أسطوانته العدائية ضد المملكة المغربية. النظام الجزائري لا يجب أن يقبل أي مساعدة من المغرب، حتى لا تُحسب عليه في المستقبل القريب قبل البعيد، حتى لو كان ذلك على حساب أرواح العديد من المواطنين الجزائريين، فالمغرب "العدو" يجب أن يبقى، فبقائه يضمن بقاء النظام الجزائري ككل. إذا قبل النظام الجزائري على سبيل المثال مساعدة المغرب في إطفاء الحرائق، فإن ذلك سيكون بمثابة إشعال حرائق أخرى لا يملك سبل إطفائها، فمثلا كيف سيجيب النظام الجزائري إذا سأل الشعب عن أين تُصرف الملايير من الدولارات التي يجنيها النظام من مبيعات البترول والغاز، وهو لا يملك حتى طائرة إطفاء واحدة؟ وكيف سيجعل الشعب الجزائري يهضم أن بلدا مثل المغرب، لا يملك لا غاز ولا بترول، يمتلك أسطولا كاملا من طائرات "كندير" الأكثر فعالية في إطفاء الحرائق، في حين أن الجزائرلا تملك ولا طائرة، وتوجهت إلى دول أوروبية تبحث عنها، فكان الرد وضعها في لائحة الانتظار إلى حين الانتهاء من حرائق اليونان. النظام الجزائري يعرف جيدا أنه نظام فاسد، ويُدرك أن الشعب يعرف ذلك أيضا، لكنه لا يريد أن يضيع الورقة التي يستعملها في إبقاء هذا الفساد قائما، وهي ورقة "العدو الخارجي"، والمغرب أحد أبرز هؤلاء "الأعداء"، وبالتالي لن يقبل هذا النظام أي يد تُمد له من طرف المغرب مهما فعل الأخير، إلا أذا أراد الله أمرا آخر.