بعد نحو 10 أيام من تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن بلاده كانت ستتدخل لمنع سقوط العاصمة الليبية طرابلس، أعلنت مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إغلاق الحدود مع الجزائر وجعلها منطقة عسكرية. ومنذ تعديل الدستور في 1 نوفمبر 2020، أصبح بإمكان الجيش الجزائري التدخل عسكريا خارج حدود البلاد، بعدما كان ذلك محظورا عليه بنص دستوري. واتفقت الجزائروطرابلس خلال الزيارة الأولى لرئيس حكومة الوحدة الوطني الليبية عبد الحميد الدبيبة، للجزائر في 29 مايو الماضي، على عدة ملفات أهمها فتح الحدود بين البلدين. ويرتبط البلدان بحدود تمتد على طول نحو 1000 كلم، و3 معابر برية، تتمثل في معبر الدبداب/غدامس في أقصى الشمال، ومعبر تين الكوم/ إيسين، في أقصى الجنوب، والذي سيطرت عليه مليشيات حفتر، السبت، ومنه فرت عائلة القطافي إلى الجزائر في 2011، بالإضافة إلى معبر طارات الأقل أهمية. ويستعد البلدان لفتح معبر الدبداب/غدامس، الأقرب إلى طرابلس، والقريبة من حقوق عين أناس الغازية في الجزائر وحقل الوفاء الغازي بليبيا، والذي تم الاتفاق على عودة العملاق النفطي الجزائري سوناطراك للاستثمار بهذه المنطقة بعد مغادرتها في 2011، لأسباب أمنية. من يسيطر فعليا على الحدود الليبية الجزائرية؟ تزعم مليشيات حفتر أنها أطلقت عملية عسكرية، الجمعة، في الجنوب الليبي، لملاحقة من وصفتهم "الإرهابيين التكفيريين" وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة. وأرسلت مليشيات حفتر، بحسب بيان لها، وحدات من كتائب المشاة لدعم "غرفة عمليات تحرير الجنوب الغربي في الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي". وكان من المفروض أن تتوجه مليشيات حفتر نحو الحدود التشادية، بعد ما اتخذ المتمردون التشاديون الجنوب الليبي نقطة انطلاق لشن هجومهم على حكومة نجامينا. غير أن مليشيات حفتر فضلت التوجه غربا نحو الحدود الجزائرية، وأعلنوا سيطرتهم على معبر "إيسين/ تين الكوم"، الذي يفصل مدينتي جانت الجزائرية وغات الليبية، واللتين يقطنهما قبائل الطوارق، التي كانت تسيطر على المعبر. ورغم إعلانها منطقة الحدود الجزائرية منطقة عسكرية مغلقة، إلا أن مليشيات حفتر لا تسيطر فعليا على كامل هذه المنطقة الشاسعة، وبالأخص معبر الدبداب/ غدامس، الخاضع لنفوذ حكومة الوحدة الوطنية. وفي 2014، سيطرت وحدة صغيرة مسلحة من مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) على غدامس، لكن القوة الثالثة التابعة لكتائب مدينة مصراتة (200 كلم شرق) الداعمة لحكومة طرابلس استعادت السيطرة على المدينة في نفس العام، واحتجزت طائرة مدنية إماراتية، اتهمتها بتزويد أتباع حفتر في الزنتان بالأسلحة تحت غطاء المساعدات الإنسانية. وحاليا تصنف غدامس ضمن المدن المحايدة، وتضم موالين للجيش الليبي وأيضا أتباع لحفتر. ونشرت وسائل إعلام ليبية مؤخرا تهيئة السلطات المحلية لمعبر غدامس/الدبداب، لتوفير الشروط الأمنية واللوجستية التي طلبتها الجزائر. رسائل حفتر من الجنوب الليبي لمن؟ اتخذت مليشيات حفتر، مقتل ضابطين وإصابة ثالث، في هجوم تبناه تنظيم داعش الإرهابي على حاجز أمني بمدينة سبها، (750 كلم جنوبطرابلس) في 6 يونيو الجاري، مبررا لإطلاق عمليتها العسكرية. كما نشرت مليشيات حفتر، فيديو في 17 يونيو، يُظهر سيارة محترقة ودخانا أسود يتصاعد غير بعيد عنها، قالت إن محمد عثمان التيباوي، قائد سرية حماية قاعدة الواو العسكرية (جنوب) قتل في انفجار سيارة مفخخة بمنطقة الهروج (وسط) في 14 من ذات الشهر، خلال تتبع دوريته لخلية منفذي هجوم سبها الانتحاري. وانطلقت هذه العملية العسكرية، رغم إصدار المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للجيش، أوامر بحظر إعادة تمركز الوحدات العسكرية مهما كانت طبيعة عملها، مما يعتبر في العرف العسكري تمردا على القيادة العليا للجيش. وحسب وسائل إعلام وناشطين إعلاميين، فإن 300 سيارة وآلية مسلحة تنقلت من معاقل حفتر في الشرق باتجاه قاعدة تمنهنت العسكرية (شمال شرق سبها)، وتتمثل في اللواء 128 معزز (أغلب عناصره من الشرق)، واللواء التاسع (الكانيات)، المتهم بارتكاب جرائم حرب ومقابر جماعية في مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) قبل طرده منها في 2020. ويسعى حفتر من هذه العملية تحدي الجزائر بعد أن أصبح موقفها داعما بشكل صريح لحكومة الوحدة الوطنية، إذ سبق له أن هدد في 2018 بنقل الحرب إلى الجزائر، وإن تجاهلت الأخيرة تهديداته دبلوماسيا، إلا أن جيشها ردّ بطريقته عبر تنفيذ مناورة عسكرية بالقرب من الحدود الليبية. ويحاول حفتر إفساد الاتفاقات الموقعة بين الجزائر وحكومة الوحدة الليبية، خاصة ما تعلق بمحاربة الإرهاب، وتأمين الحدود المشتركة، ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة وتجارة السلاح والبشر. وهذا ما ذهب إليه المحلل الاستراتيجي الليبي عادل عبد الكافي، حيث قال في تدوينة له "تحركاته (حفتر) وتحشيده لقطع الطريق على التعاون والدعم الجزائري وما أفضت إليه التفاهمات مع الجانب الجزائري لبداية انخراط في عمليات حفظ الحدود ومنع تدفق المرتزقة وتضيق الخناق على العناصر الارهابية". فاللواء المتقاعد يسعى للإيحاء بأنه من يسيطر على المعابر الحدودية مع الجزائر، وأنه من يتواجد على الأرض، وبإمكانه تأمين الحدود المشتركة، وعلى الجزائر أن تُنسق معه أمنيا وليس مع حكومة الوحدة. وهذا الموقف فيه تصعيد ضد المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش وأيضا ضد الدبيبة الذي يتولى أيضا وزارة الدفاع. كما أن الجزائر معنية بغلق الحدود المشتركة، خاصة مع اقتراب موعد فتح معبر الدبداب/غدامس، بينما يمثل معبر تين الكوم/ إيسين، نقطة عبور نحو مناطق تواجد القبائل الليبية التي تعود أصول بعضها للجزائر.