صورة ثلاثية الأبعاد لم تتجاوز مدة عرضها 6 ثوان، لكنها تعني الكثير على المستوى الجيوسياسي بمنطقة الصحراء ومحيطها الإقليمي، ويتعلق الأمر هنا بخريطة أظهرتها القناة الأولى في نشرتها الرئيسية مساء أول أمس الأربعاء، خلال بثها تقريرا حول ميناء الداخلة الأطلسي المستقبلي، تبرز المواقع المينائية الحالية والمستقبلية على طول السواحل المغربية، والمثير أنها كشفت عن التخطيط لإنشاء ميناء جديد بمدينة الكويرة أيضا. وعرضت القناة العمومية تقريرا بمناسبة انتهاء الدراسات الخاصة بمشروع ميناء الداخلة وإعلان وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء عن نتائج المرحلة الأولية لعروض إنجاز هذا المشروع تمهيدا لفتح طلب العروض النهائي، إلا أنها أبرزت أيضا أن المغرب يعمل على إنشاء ميناءين آخرين جنوبالداخلة، الأول هو ميناء امهيريز والثاني هو ميناء الكويرة، هذا الأخير يعني بشكل مباشر فرض السيطرة ميدانيا على منطقة كانت إلى وقت قريب ضمن المنطقة العازلة وأيضا فرض منافسة قوية على ميناء نواذيبو الموريتاني. وتمثل هذه الخطوة إحدى أبرز أوجه فرض السيادة المغربية على منطقة الكويرة بعد إخراجها من المنطقة العازلة، عقب التدخل الميداني للقوات المسلحة الملكية في "الكركارات" لطرد عناصر البوليساريو التي كانت تقطع الطريق البري الرابط بين المغرب وموريتانيا، بتاريخ 13 نونبر 2020، إذ عقب ذلك أحدثت الرباط تغيرا جذريا في الجدار الرملي الذي تحول جنوبا صوب موريتانيا بعدما كان يمتد إلى أقصى الشرق لينتهي في السواحل الأطلسية، ما يعني عمليًا منع أي إمكانية لوصول العناصر الانفصالية إلى الشواطئ. وفي 17 نونبر 2020 أكد رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أن المغرب انتهى بالفعل من إنشاء الجدار الرملي الجديد في المنطقة العازلة بين معبر الكركارات المغربي ونقطة العبور 55 في موريتانيا، مبرزا، في حديث لوكالة "رويترز"، أن هذا الجدار أضحى يصل إلى الحدود الموريتانية من أجل تأمين الحركة المدنية والتجارية على طريق الكركارات بشكل نهائي. وبالإضافة إلى انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة على تنمية منطقة الكويرة، التي يخطط المغرب للشروع في تعميرها على نطاق واسع مستقبلا عبر عدة مشاريع اقتصادية وسياحية، فإن هذا الإعلان الرسمي عن المشروع في الظرفية الراهنة، المتسمة بالصراع الدبلوماسي الضاري مع جبهة "البوليساريو" والجزائر، تعني أيضا جني نقاط ثمينة على مستوى تأكيد السيطرة الميدانية المغربية على المنطقة وتأمينها، تزامنا مع زعم الجبهة وجود "حالة" حرب في الصحراء. لكن هذا المشروع يعني أيضا الدخول في منافسة محتدمة مع ميناء "نواذيبو" الموريتاني الجديد المجاور لشبه جزيرة الكويرة الذي جرى الإعلان عنه في 2018 والذي تتكفل بإنشائه شركة صينية، ما يعني أن الرباط أضحت في حل من أي اتفاق مع نواكشوط بخصوص الامتناع عن منافسة مينائها الجديد الذي تعول عليه كثيرا من الناحية الاقتصادية، وهو الاتفاق الذي كانت قد تواترت العديد من الأنباء حوله خلال الأشهر الماضية في ظل التقارب المغربي الموريتاني. وتأتي هذه الخطوة بعدما تعكرَ صفوُ العلاقات الثنائية بين البلدين إثر استقبال الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، للبشير مصطفى السيد، الذي يحمل صفة مستشار زعيم "البوليساريو" للشؤون السياسية، وهي الخطوة التي أغضبت الرباط لتقرر تأجيل استقبال وزير خارجية نواكشوط ولد الشيخ أحمد، التي كانت مقررة يوم 31 مارس الماضي، لتسليم رسالة من الرئيس الغزواني للملك محمد السادس، وحينها علقت مصادر دبلوماسية مغربية عن هذا التأجيل ل"الصحيفة" بعبارة "لم يكن هنالك ما يقال".