مُجرّدُ رأي.. بدَل انتِخابات، حٌكومَةٌ انتِقاليّة! الانتِخاباتُ ليست هدَفًا في ذاتِها.. الهدفُ هو: ماذا نفعلُ بهذه الانتِخابات؟ وكيف نتَعامَل معَها؟ وفي أيّ اتجَاه؟ وما النّتِيجَة؟ هذه أسئلةٌ رئيسيّة.. والإجابةُ هي تُحدّدُ إنْ كُنّا إيجابيّين أو سَلبيّين.. ونحنُ - أساسًا - مَسؤولون عن توظيفِ الانتخاباتِ في هذا الاتّجاه أو ذاك.. ومَسؤولون عن إنجاح أو إفشال الانتِخابات.. والمسؤوليةُ حتى في الانتخابات، ترتبطُ بالمُحاسَبة.. أما مَن يتَسَمسَرون أو يبِيعُون أو يَشتَرِون الأصوَات، فهؤلاء يُسِيؤُون للانتِخابات، ويُحرّفُون النّتائجَ المَرجُوّة.. والنتائجُ ليسَت هي الأُخرَى هدَفا في ذاتِها.. النتائجُ تتَحدّدُ في كيفية التقديمِ والمُناقشةِ والإقناعِ والاستِنتاج، بشأنِ مَشاكلِ البلد، أمامَ الجَماعاتِ المحليةِ والبرلمانِ بغُرفتيْه.. فهل أعدَدنا مُرشّحِين في المُستَوى المَطلُوب؟ إذا كان الجوابُ (لا)، فلا دَاعِيّ للمُغامَرة بانتِخاباتٍ قد تَأتي بنتائجَ مُعاكِسة، سَلبيّة، وتُسِئُ للبَلَد، والدّولة، وكُلّ المُواطِنين، في الدّاخلِ والخارج.. ماذا نحنُ فاعِلون بالانتِخابات؟ هل عندنا أُمَناءُ في التّرشيح، والتّصويت؟ هل نُوظّف أدمغةً نزيهةً قادرةً على ابتِكارِ الحُلول؟ وأسئلةٌ أُخرَى كثِيرة.. والأجوبةُ هي تُقرّرُ إن كان علينا أن نتَراجَع أو نَتقَدّم.. ما الهدفُ من الانتِخابات التي نتَسارعُ إليها؟ ومَن المُستفِيدُون؟ والخاسِرُون؟ وما مَدلُولُ الانتِصارِ والهزيمة؟ ها نحنُ نتعاملُ مع الانتخابات، وكأنّنا في ملعبٍ لكُرة القدم، بينما هي ليست مَلعَبًا.. إنها البحثُ الفردي والجماعي عن حلول ناجعةٍ لمَشاكلِ البلَد.. فهل أعدَدنا ضمائرَ وكفاءاتٍ في مُستوَى طُموحاتِنا الدّيمقراطية؟ وهل نحنُ ديمقراطيون؟ هل نمارسُ الديمقراطية في أحيائنا ومَجالسِنا وحياتِنا اليومية؟ هذه أيضا أسئِلةٌ تَكشِفُ عن طبيعةِ الانتِخاباتِ التي نَضعُ لها صُورًا في أذهانِنا.. ومهما كانت الصّورُ الذهنية، فالانتخاباتُ هي عمَلٌ دؤوبٌ من أجلِ تنميةِ بلدِنا المُشترَك.. وأحسَنُ أن نُقرّر - اليوم - إن كُنّا عازِمين أو ميّالين إلى اللاّقرار، أو ببَساطة: نُؤجّلُ الكلامَ في الانتِخابات، ونتَفرّغُ لتشكيلِ حُكومةٍ انتِقالية.. ولا ننسَى مَنطقَ "الرّبحِ والخَسارة"، إذا قرّرنا أن نُغامِرَ بانتخاباتٍ لا وُجودَ فيها لناخِبين ومُرشحِينَ وأحزاب.. الانتخاباتُ ليست مُغامَرة.. المُغامرةُ مُخاطرَة بمَسارِ البلد.. وأكبرُ خاسِرةٍ هي الدّولة، والدولةُ هي أنتَ وأنا ونحنُ جميعا.. المِيزانيةُ تطِير.. وبلا فائِدة.. * فما العمَل؟ أليسَت أمامنا طريقٌ سالِكة؟ هي تَشكِيلُ "حكومةٍ انتِقالية".. لعلّ هذه أقلُّ تَكلُفَة.. وتَختَصِرُ المسافةَ إلى الهَدفِ المَنشُود.. تعالوا إلى هذا الخِيار! إنهُ أفكارٌ مُوازيّةٌ تُوَاكِبُ مَشرُوعَ "حُكومَةٍ انتٍقالية".. وفي حالِ تشكيلِها، تُسنَدُ لها مُهمّةُ واحِدةٌ هي تَهْيِيءُ الانتِخاباتٍ القادِمة.. وسيكُونُ لبِلادِنا مُتّسَعٌ من الوَقت لإعادةِ بناءِ الأحزاب والناخبِين والمُرشّحين، ويُمكِنُ في بِضعِ سِنينَ أن نُنظّمَ انتخاباتٍ محلية وبرلمانية ناجِحة، وتؤدّي إلى الدّيمُقراطية الوطنية المَطلُوبة.. وفي هذه الحالة يكُونُ النجاحُ لا شكّ فيه.. أمّا التّسرّع، فنحنُ الآنَ في وقتِ تَوتُّر، مِثلَ كل دُولِ العالم، بسبَبِ جائحةِ كُورُونا.. رُبّما الوقتُ غيرُ مُناسِبٍ من الزاويةِ الكُورونية، ناهَيكَ عن كونِ العَناصِرِ المَعنية غيرُ مُهيّأة: "كُورونا" غاضِبة، الأحزابُ مُتسَرّعة، المُرشّحُون يَحلُمون، النّاخِبُون في "حِجرٍ صِحّي".. وأكثر من هذا، الناسُ قد تثِقُ إلى حدّ ما في "كورونا"، ولا ثقةَ لأغلَبِهم في الأحزابِ ومُرشّحيها والناخِبِين.. كلّهم على خطّ واحد: المَصلحة الخاصة.. وأكثرُ الناس يَعزِفُون على وتَرِ العُزوف.. وتعالوا نَطبَخ أفكاراً لِمَا نُريدُ لبلدَنا بمُوازاةٍ مع مَشرُوعِ "حكُومةٍ انتِقالية".. إنها أفكارٌ لِما قد يكونُ عليه مَغربُ ما بعدَ كُورونا.. وهذه رؤوسُ أقلام.. مُجردُ أفكارٍ لِما قد تكُون عليهٍ بلادُنا.. * اقتراحاتٌ إلى جِهاتِنا المَعنِيّة: 1- إعدادُ استرَاتِيجيّةٍ وَطنية، بشأنِ "المَسؤوليةِ المُواطَناتيّة"، حقُوقًا وَواجِبات، ومِن مُختلِفِ الزّوايا، في إطار حُقوقِ الإنسان، وِفقَ ما هو مَعمُولٌ به في الدّيمقراطياتِ الكُبرَى.. وعلى رأسِ هذه الأفكار: "الفَصلُ بين الدّينِ والسّياسة.. وأيُّ دَورٍ للمُواطِن؟".. 2- يُمنَعُ على كلّ الجِهاتِ المسؤولة تقديمُ وُعودٍ لا تُطبَّق، ومُشاريعَ لا تُنفَّذ.. ويجبُ ألاّ تكُون حُكُومتُنا المُقبِلةٌ المُنبَثِقَةُ عن انتِخاباتٍ عمُوميّة، قوّالةً بل فَعّالة.. وأَن تكُونَ لها مِصداقية، وَطنيّا ودَوليّا.. 3- القانُونُ فوقَ الجميع.. ولا فَرقَ بين الناس.. والعَملُ حَقّ مشروعٌ تَضْمَنُهُ الدولةُ المَغربية.. 4- بين المَرأةِ والرّجُل، لا فرقَ في الحُقُوقِ والواجِبات، من حيثُ: المُواطَنة، الحُريةُ الشّخصية، وحقُّ التّعبير، والمُعتَقَد، والتّمَلُّك.. وأيضًا مُراعاةُ خصُوصيةِ المرأة، ومنها: مسؤوليةُ الإنجاب، والتّربيّة، وِفقَ ما ينُصّ عليه القانونُ الدّولي... 5- التّعليمُ العمُومي تعليمٌ مَدَنِيّ، مَجّاني، من المَهدِ إلى اللّحد.. كلّ مَن يُريدُ أن يَتَعلّم، صغيرًا أو كبيرًا، يُسجَّلُ في مَدرسةٍ وَطنيةٍ إلكترُونيّة، ويُتابِعُ دُروسَها.. ويَستَطِيعُ أن يَحصُلَ على أعلَى الشّهادات.. ولا أحدَ يُقصَى منَ التّعليم.. 6- مَجانيةُ الصّحة.. العِلاجُ مَجّانًا لكلّ إنسانٍ داخِلَ البلَد.. والأمرُ يَتعلقُ بأمراض جسَدية ونفسية وعقلية وعصبيّة.. إنها وَرشةٌ شاسِعة تَستَوجبُ بِناءَ مُستَشفياتٍ ومَراكزَ جامِعية بمُختلفِ المناطِق، مع التوفّر على سَياراتِ إسعافٍ كافيةٍ وكاملةِ التّجهيز.. 7- الحكومةُ الانتِقاليةُ مُناسبةٌ لإعداد خارطةِ طريقٍ إلى استراتيجيةٍ وطنيةٍ قِوامُها: بناءُ دولةِ المُؤسّسات.. الدولة الدّيمُقراطية.. الحُقوقية.. التّنمَوية.. المُنفتِحة على العالَم.. 8- مُراجعةُ الدّستُور، من أجل إصلاحاتٍ لا تَتَعارضُ مع القانُونِ الدولي.. 9- صَناديقُ التّقاعُد تتَجمّعُ كُلّها في صُندُوقٍ وَطنيّ واحِد.. وبهذا تتوزّعُ الثّروةُ التّقاعُدية، وتُساهِمُ في التّنميةِ الوَطنية.. وتكُونُ التّقاعُداتُ عادِلة، وتُساهِمُ جميعُها في مُكافحةِ الفَقر، وتُشكّلُ حاجِزا أمامَ المَشاكِل الناجمةِ عن سُوءِ توزيعِ الثّروات.. 10- عَدالة اجتِماعية من المَهدِ إلى اللّحد، على أساسِ الحقّ الجمَاعي في حياةٍ كريمة.. إنهاءُ الفَوارقِ الاقتِصادية الطّبَقية، وتخصيصُ حِصّةٍ تَشارُكية مِن مَداخيلِ مُؤسّساتِنا الاقتِصادية.. 11- العملُ حقٌّ للجَمِيع.. إنشاءُ مُؤسّساتٍ في البَوادِي والحَواضِر، لمُساعدةِ المُحتَاجِين، وتنظيمِ العلاقة بين المؤسّساتِ التّشغيلية والأفرادِ الباحِثين عن عمَل.. وكلُّ مؤسّسةٍ منها مسؤولةٌ في منطقتِها عن مُراقبةِ عدالةِ الأجُور.. 12- تطويرُ ثقافة التّطوّع: إنها مُسانَدَةُ أشخاصٍ، دُونَ انتِظارِ أيّ مردُود.. هذه تربيةٌ اجتِماعيّة على نَشرِ مُساعَدةِ المُحتَاجِينَ مادّيا أو عِلميّا، وفي كلّ مجالاتِ الاحتياج... هذا تكافُلٌ اجتِماعِي يُخفّفُ العِبءَ عن مَسؤولياتِ الدّولة.. 13- صندُوقٌ وطَنِي خاصّ بمَغاربةِ الغَد.. هذا صُندُوقٌ خاصّ بالأجيَال القادِمة.. تَحمِيه وتَحرِصُ الدّولةُ المغربية.. ومَوارِدُه تأتي من ثرواتِنا الطبيعية: فوسفاط، معادِن، غازات، وغيرها... وهذا الصندوق يجب أن يكُون تحت حماية الدّستُور.. 14- حُكومةٌ إلكترونية لخدَماتِ التعليم والصحة وإداراتٍ ومَجالاتٍ أخرى.. ومع السّنين، يُمكنُ الاستِغناءُ عن بعضِ البِنايات، وتحويلُها إلى مُؤسّسات إنسانيةٍ واجتماعية (تغذية، نوم، علاج، تدريس...).. البناياتُ ثروةٌ وطنية يُمكنُ استِخدامُ بعضِها لإيواءِ من لا مأوَى لهُم.. 15- مُكافحةُ الفساد لا تَتَوقّف في كلّ بلادِنا.. تستَمرُّ بمُختلفِ المجالات والمُستويات.. ولا مكانَ للحَصانة.. ويُقَدَّمُ للمُحاكمةِ كُلُّ مُسؤُولٍ ثبَتَ فيه الفساد، أو يُدلِي بِمَعلوماتٍ عَلَنيّةٍ كاذِبَة.. 16- أوراشٌ تَنموِيةٌ لا تَتَوَقّف: ابتِكارات، اختِراعات، تكنولوجيا تصنيعية، في البرّ والبَحرِ والفَضاء.. وَفرَةُ الإنتاج، وتحقيقُ الاكتِفاء الذاتي في المَوادّ الأساسية.. والفائضُ يُسلَّمُ للدّولِ الفقيرة.. والهدفُ: ارتفاعُ مُستوَى الحياةِ الكرِيمَة.. 17- مُؤسّساتٌ مَيدانيةٌ لتأهيلِ البَحثَ العِلمِي.. ربطُ المَعرفةِ بالبَحثِ في الزّراعةِ وجَودةِ المَنتُوج، مع استِعمالِ التّقنيّاتِ المُتطوّرة.. والرّهانُ أيضًا على الجودَة والوفرَةِ والتّنوّع.. والدّخولُ بهذا التّنوُّع الكثيفِ في الأسواقِ العالميّة.. 18- الأخلاقُ والضميرُ المِهَنِي.. لا تنازُلَ عنهما في تَأطيرِ الأجيالِ الصاعِدة، منَ الابتدائي إلى ما بعدَ الجامعة، وعلى امتِداد الشُّغل.. والمُراقَبة الدائمة مُستمِرّة.. ومَن مارسَ أو يًمارِسُ الغِشّ، يُحالُ على القضاء.. وهذه الأخلاقياتُ يُحرَصُ عليها في كلّ القطاعات، العامّة والخاصّة.. * هذه جُملةُ أفكارٍ مُوازيّة لتَشكِيلِ "حُكومةٍ انتِقالية".. وإنّ بلادَنا ما زالت في حالةٍ تَستَوجبُ التّدخّل، لعِدّة أسبابٍ منها المُحافظةُ على مُكتَسباتِنا الوطنية، داخليّا وخارِجيّا، وإعادةُ النظَر في كلّ القوانِين التي أعَدّتها حكوماتُ حزبِ "تُجارِ الدّين"، ومُراجعةُ قائمةِ مَناصِبِها العُليا، وإقرارُ دَولةِ المُؤسّسات، والقانُونِ المَدَني الذي يَنبنِي على القانُونِ الدّولي.. مُراجَعةٌ ضَرُوريةٌ تجعَلُنا نَكسِبُ وقتًا ثمِينًا.. ونَستَطيعُ السّيرَ ببَلَدِنا، خلفَ مَلِكِنا، إلى مُستَقبلٍ مُشتَرَكٍ آمِنٍ بنّاء.. [email protected]