لا هاته و لا تلك ! واهِم هو من كان يظنّ أن هكذا قرار وازن بثقله الدولي من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية هو بمثابة هديّة دون مقابل على طبق الدبلوماسية الذهبي. إن اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية و بمرسوم رئاسي (وقعه الرئيس ترمب) بسيادة المغرب على كافة أقاليمه الجنوبية جاء مقرونا بخبر استعداد المغرب لإقامة علاقات دبلوماسية مع الإحتلال الإسرائيلي، و إن لفي ذلك سُنّة التوافقات و المسالمات بحكم مبدأ العلاقات الدولية و التي هي أساسا مبنية بالدرجة الأولى على تحصين مصالح الأطراف المعنية. بقدر ما كانت أمريكا و الغرب معها في حاجة ماسّة إلى الرمزية الوازنة المتمثلة في قبول المغرب لخلق جسر دبلوماسي مع إسرائيل، بقدر ما كان المغرب في حاجة إلى دعم بثقل إقرار أمريكا بسيادة المملكة المغربية على كافة أقاليمها الجنوبية. و هنا وجب تغليب منطق الخطاب التحليلي الموضوعي على منطق العاطفة و الشعارات بتلاطمها الجيّاش. ما فتئ أن ينشر هذا الخبر حتى بدأت ردود أفعال قنوات المواقع الإعلامية تتوالى من كل حدب و صوب، منها من أيّد و بارك، و منها من شجب و ندّد. أولئك الذين باركوا الخطوة هم يرون في الأمر مؤشرا حقيقيا لإنهاء النزاع المفتعل، كما يرون فيه حثا للإنفصاليين - على حد تعبيرهم - على الرجوع إلى منطق الصواب و قبول مقترح الحكم الداتي تحت السيادة المغربية، علاوة على ذلك منهم من يرى في ذلك ردعا مباشرا للجارة الجزائر كي تكف عن الحيف و الإبتزاز و العدوان الغير مبرر تجاه جاره المغرب - حسب تصورهم -؛ بل منهم من ارتأى في ذلك أحد مفاتيخ مخارج من شأنه أن يدفع بمنطقة المغرب العربي إلى تعجيل مشروع إتحاد بلدانه و فتح الحدود قصد النهوض بالمنطقة اقتصاديا و تحسين مستوى عيش شعوب المنطقة. هذا على المستوى الإقليمي، أما فيما يخص ردود أفعال المؤيدون على المستوى الدولي، فإنهم يرون في الإقرار الأمريكي محاولة جديدة قصد حل عادل للقضية الفلسطينية بوساطة غربية عربية و المغرب أحد أهم روادها، باعتبار العاهل المغربي رئيسا للجنة القدس و باعتبار الجالية المغربية اليهودية هي أكثر الجاليات حضورا داخل إسرائيل. أما الذين استقبلوا الخبر بالشجب و التنديد، فإنهم يعتبرون قرار ربط العلاقات مع الدولة العبرية بمثابة تخلي عن القضية الفلسطينية بل أكثر منه يرون فيها خيانة لقضية الأمة و انصياعا مُهينا تجاه مخططات الغرب قصد تصفية القضية بنيران صديقة. إنها ردود أفعال تستوجب التريث و تغليب حكمة العقل في التعامل معها، منها ما قد يتفهّمه المغرب كما جاء في تصريح للجزيرة من طرف وزير خارجية المغرب السيد ناصر بوريطة؛ حيث ذكر هذا الأخير أن العلاقات المنتظرة مع إسرائيل سوف لن تكون على حساب القضية الفلسطينية. و منها ما يرفضه المغرب حتما باعتبارها ردود أفعال تنهج خطاب التظليل و تحريف المقاصد، و خطاب الإبتزاز و المزايدات على قرارات المغرب و سياساته تجاه خدمة الفلسطينيين و خدمة قضيتهم و ذلك بدعم طرح حلّ الدولتين تباعا للشرعية الدولية. و لعلّ التاريخ خير شاهد على ذلك حسب ما يُقرأ مؤخرا من خرجات العديد من النشطاء المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.