100 فاعل سياحي من إسبانيا والبرتغال يزورون مدينة الداخلة    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    أعضاء بمجلس الشيوخ الفرنسي يعربون عن "إعجابهم" بالتطور الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة    توقيف شخص بأولاد تايمة يشتبه تورطه في قضية تتعلق بإعداد وترويج "الماحيا"    رحلة مباشرة من مدريد إلى الداخلة بسعر لا يتجاوز 200 درهم.. RyanAir تفتتح خطًا جديدًا نحو الصحراء المغربية    الجزائر تعيد إلى فرنسا مؤثرا جزائريا رحّلته باريس إلى بلده    ب3 أهداف دون رد .. الريال يتأهل لمواجهة برشلونة في السوبر الإسباني    جوزيف عون رئيسًا للبنان.. بداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الجموع العامة للجامعة المغربية لكرة القدم والعصب الوطنية في 13 مارس المقبل    إدانة طبيب ومساعده بالمستشفى الجامعي بطنجة بالحبس النافذ بتهم اختلاس أدوية مدعمة والنصب    أحزاب مغربية تؤسس "التكتل الشعبي" لمواجهة "الهيمنة والانحباس السياسي"    جنازة رسمية للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بواشنطن    الحكومة تكشف عن حصيلة عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية    عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية مكنت من التصريح بأزيد من 127 مليار    AMDH تدخل على خط اختفاء غامض لشاب من الحسيمة اثناء عودته الى المهجر    المغرب استعاد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا (بايتاس)    من بينهم صوفيا بلمان.. اعتقال مؤثرين جزائريين بفرنسا بعد تورطهم في نشر مقاطع فيديو محرضة على الكراهية والعنف    الانتاج المرتقب للحوامض بحوض ملوية يفوق 192 ألف طن    إسبانيا تبرئ المغرب من "عرقلة" فتح الجمارك التجارية بسبتة ومليلية وترجع السبب لإجراءات تقنية    الموسيقار محمد بن عبد السلام في ذمة الله    مجلس الحكومة يجدد الثقة في جمال حنفي على رأس الوكالة الحضرية للحسيمة    إسرائيل تتجاوز 46 ألف قتيل بغزة    في كتاب صدر حديثا بعنوان:« القصة السرية لجزائري أصبح عميلا» .. صديق الرئيس تبون يحكي عن ترتيب لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد!(1)    كواليس قرار ال UMT بشأن "الإضراب"    البرلمان يستمع لتقرير "الحسابات"    بحضور الوزيرة المنصوري.. مديرة الوكالة الحضرية لتطوان تلقي الضوء على برنامج تأهيل الأحياء الناقصة التجهيز بعمالة المضيق الفنيدق    طرامواي الرباط-سلا.. توقف مؤقت للخدمة بين محطتي "قنطرة الحسن الثاني" و"ساحة 16 نونبر"    الأهلي يعلن غياب داري 10 أيام    تسجيل 41 حالة إصابة بداء بوحمرون بعدد من المؤسسات السجنية    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    الحكومة تؤجل تدارس مشروع قانون إحداث وتنظيم مؤسسة الأعمال الاجتماعية لموظفي إدارة السجون    أخبار الساحة    وست هام يُعيّن غراهام بوتر مدربا للفريق    إقبال جماهيري غير مسبوق على تذاكر مباراة الجيش الملكي والرجاء الرياضي في دوري أبطال إفريقيا    مارلاسكا: دعم المغرب إثر فيضانات إسبانيا يعكس "عمق العلاقات" بين البلدين    عبد السلام الكلاعي يحكي الحب في "سوناتا ليلية"    الذهب يتراجع بعد أن وصل لأعلى مستوياته في نحو أربعة أسابيع    وزير الداخلية الإسباني: دعم المغرب لنا في فيضانات فالنسيا يعكس "عمق العلاقات" بين البلدين    بسبب حملة مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل.. كارفور تعلن إغلاق فروعها في سلطنة عُمان    أخذنا على حين ′′غزة′′!    وادي "السلسيون": كوميديا الفشل في زمن النيوليبرالية    "بوحمرون" يغزو أسوار السجون ويفتك بالنزلاء    وفاة الموسيقار محمد بنعبد السلام    مندوبية: رصد ما مجموعه 41 حالة إصابة بداء الحصبة بعدد من المؤسسات السجنية    أسعار النفط تواصل خسائرها وسط ارتفاع مخزونات الوقود الأمريكية    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    حول الآخر في زمن المغرب ..    تايلور سويفت تتصدر مبيعات بريطانية قياسية للموسيقى    المغرب إلى نصف النهائي في"دوري الملوك"    حصيلة حرائق لوس أنجليس ترتفع إلى خمسة قتلى    هجوم على قصر نجامينا يخلّف قتلى    السجن المحلي لطنجة يتصدر وطنيا.. رصد 23 حالة إصابة بداء "بوحمرون"    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفكير على خريطة مناهج التعليم العربي
نشر في الصحيفة يوم 08 - 03 - 2021

نعيش الآن في عصر تتسارع فيه المعلومات، بل وتتصارع في ظل ما وصلنا إليه من تقدم تكنولوجي وثورة معرفية، آخذة في الازدياد بحكم المستجدات التي طرأت على ما عندنا من علم ومعرفة والتغيرات المستمرة في حياتنا ، وما يتبعها من تجديد وتطوير في أسلوب حياتنا ، وغاياتنا منها في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها من ميادين الحياة الأخرى.
ونحن لم نصل في عصرنا الحاضر إلى ما وصلنا إليه من تقدم علمي وتكنولوجي إلا بواسطة القيام بعمليات التطوير والتجديد والإبداع والابتكار، وسيكون المجال أكثر انفتاحا على مصراعيه للتجديد والإبداع طالما أطلقنا لعقولنا مجال التفكير.
وقد جاء الاهتمام بتنمية التفكير بصفة عامة سواء من جانب واضعي المناهج ،أو من خلال توصيات المؤتمرات التي اهتمت بتنمية التفكير في المناهج الدراسية؛ حيث مساعدة الأفراد الذين لا يمتلكون أية مهارات أو بعض مهارات التفكير المرغوب على اكتساب هذه المهارات، ومساعدة الذين يمتلكون عدداً من مهارات التفكير ولكن بقدر بسيط على إثراء تعلمهم وتعميق هذه المهارات كماً وكيفاً ، كاستجابة طبيعية لما يفرضه الواقع الذي يعيشه الإنسان متمثلاً في تحديات جديدة تواجهه،وتفرض عليه التعامل معها؛لكي يبقى ويستمر في أفضل الأوضاع الممكنة، كما أن تقويم الإمكانات المتاحة والأفكار الجديدة من حيث مناسبتها لقيم المجتمع وتقاليده يتطلب من الإنسان المعاصر استخدام التفكير الذي يساعده في تكوين نظرة فاحصة متعمقة للأشياء.
وتعد اللغة أداة التفكير، كما أنها ثمرة من ثمراته، فعن طريق اللغة يقوم الإنسان بالعمليات التفكيرية من تفسير وتحليل وموازنة وإدراك للعلاقات واستخراج للنتائج وتجريد وتعميم . ولكي يعبر الإنسان بوضوح لابد أن تكون الفكرة واضحة في ذهنه ، وذلك لأن وضوح الفكرة في ذهنه يؤدي إلى وضوح التعبير عنها، وكلا الأمرين وضوح الفكرة في الذهن ووضوح التعبير عنها عملية تستند إلى اللغة، ولذلك يمكن القول بأن اللغة هي التفكير.
وهذا ما أشار إليه " فانيير" بأن ما يؤثر في أعماقنا بشكل غامض ومبهم لا يستحق أن نطلق عليه اسم فكرة أو إحساس أو رغبة أو غاية قبل أن يتشكل في لغتنا. وهكذا نجد أن اللغة والفكر شئ واحد ، فاللغة هي الفكر في حالة العمل إذ ليس هناك فكر مجرد بغير رموز لغوية ، وبقدر ما تكون اللغة دقيقة وحية ومبرأة من الفوضى يكون الفكر دقيقا وحيا ومبرأ من الفوضى.
ولقد أصبحنا نعي وبشكل مطرد ما بين اللغة وعمليات الفكر من تفاعل ، وهذا ما أكدته نتائج العديد من الدراسات والبحوث التي اهتمت بتعرف العلاقة بين مهارات اللغة من حيث اكتسابها واستخدامها وبين عمليات التفكير المختلفة، والتي أبرزت نتائجها مدى التأثير على قدرة الطلاب الكتابية، وتوليد الأفكار الجديدة ، وإنتاج نص مترابط فكريا، ويمكن إيجاز الموقف الحالي من هذه القضية قضية التفاعل بين اللغة والتفكير بالقول بأن الفكر واللغة هما أهم عنصرين من عناصر الحضارة الإنسانية، وان كلا منهما مرتبط بالآخر ارتباطاًَ وثيقاً بحيث يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به تأثيرا كبيرا.ً
حيث إن صياغة الأفكار ليست عملية مستقلة، بل جزء من قواعد لغوية معينة، كما أن أنظمة اللغة وقواعدها ليست مجرد أداة للتعبير عن الأفكار فقط، بل تكون وتشكل تلك الأفكار ، وهي البرنامج والدليل لنشاط الفرد الفكري ، ولتحليله للانطباعات التي يحصل عليها ولتجميع أفكاره. كما أن الجانب الفكري من اللغة يأخذ تقريباً ثلثي الحدث اللغوي سواء عند المرسل أو عند المستقبل. هذا بالإضافة إلى أن اللغة تؤثر في الفكر، ويكمن هذا التأثير في عملية ترتيب الصور الذهنية في ألفاظ تتآلف من كلمات مرتبة ترتيباً معيناً تعبر عن هذه الصور.
وتتشابه اللغة والتفكير في أنهما يتطلبان نفس العمليات الأساسية التي يعتمدان عليهما ، فالقدرة على التجريد ، والتصور، وتكوين الأنواع مطلوبة في استخدام اللغة والتفكير في مستوييهما العاليين.
وتطبيق تلك العلاقة بين اللغة والتفكير في تعليم اللغة العربية يتطلب العناية بالمعرفة في المادة اللغوية من حيث صدقها، وحداثتها، ويتطلب ذلك أيضا الاهتمام بتنمية مهارات لغوية وعمليات عقلية مثل الفهم، والتفسير، وعمليات التفكير ، والإبداع، وبصفة خاصة في عمليتي القراءة والكتابة. بالإضافة إلى العمل على تنمية قدرات الطلاب على فهم النصوص الأدبية والقرائية والإلمام بالأفكار التي تتناولها هذه النصوص مما يساعدهم ذلك على التحليل والتقويم ، وكذلك تدريبهم على تنظيم الأفكار وتسلسلها، وذلك بعد فهم النص الأدبي أو العلمي والتعبير عن هذا التنظيم لفظاً وكتابة بحيث يساعدهم ذلك على تنمية خبراتهم وتقوية قدراتهم اللغوية.
كما يمكن الاستفادة من هذه العلاقة بين اللغة والتفكير في تدريب الطلاب على التعبير عن أنفسهم كتابة، وذلك بتدريب الطالب على القراءة المقننة الموجهة ثم التخطيط لموضوعه،وتقييم أفكاره، ومناقشة غيره فيه ليستطلع الآراء المختلفة فتتكون لديه الأفكار حتى تتاح لها الفرصة لتتحول إلى عبارات مكتوبة لها أسلوبها الفني الإبداعي الفريد.
إذن لا ينفصل تعليم المهارات اللغوية عن تنمية التفكير وإثراء خبرات الطلاب، وهذا ما يؤكده كثير من التربويين ،حيث إن التلميذ لا يستطيع أن يتحدث أو يكتب بشكل فعال ومبتكر إذا كان يفتقر إلى الخبرة الثرية أو مهارات التفكير،بل إن قدرته فهم ما يسمع أو يقرأ وإدراك معاني ما يقرأ والتمييز بين المفاهيم التي يتصل بها، أمور تتوقف على ما يتوفر لدى هذا الطالب من رصيد كبير من هذه المفاهيم.
وأضحى من أهم أهداف التربية الحديثة تعليم الطلاب كيف يفكرون ،وكيف يستدلون، وكيف يجابهون مشكلات حيواتهم، فتعليم مهارات التفكير أمر بالغ الأهمية، وهو مجال خصب من مجالات البحوث النفسية والتربوية في عالم اليوم.و هنا يجئ دور المنهج المدرسي الذي يجدر به من خلاله أن يتعلم الطلاب كيف ينمون قدراتهم على التفكير، ويعلمهم المبادئ اللازمة للتفكير،وأساليب استخدام العقل وسيلة للتعلم.
ومما لا شك فيه أن تعليم التفكير ومهاراته وعملياته أمر إلزامي وضروري، يجب القيام به وذلك من خلال محتوى المناهج الدراسية التي يدرسها الطالب في المدرسة، فهي تزوده بالعديد من المصطلحات والمفاهيم ،فضلاً عن إكسابهم حصيلة من مفردات اللغة وهو يتعلم التفكير فيها من خلال تحليله لمحتوى المادة الدراسية وما فيها من أهداف معرفية وسلوكية، وما تحتويه من مهارات ،ومن خلال ما يستخرجه منها من قيم ومثل وعادات.
كما أن طرائق تدريس التفكير تتضمن خططاً واستراتيجيات تعليمية تساعد على تنمية العمليات العقلية عند المتعلمين ،وأن هذه الطرائق تقدم للمتعلمين على شكل خطوات عامة بهدف إنجاز عمليات معرفية محددة . كما أن تنظيم المنهج بحيث يراعى فيه أن عملية التفكير تشكل عاملاً مشتركاً بين المواد الدراسية على اختلافها، حتى تتمكن المناهج من الوفاء بهذه المسئولية يتطلب التركيز على إعداد المناهج على أساس مشاركة التلاميذ مشاركة فعالة في اكتساب المعارف والمهارات وتأصيل عادة التفكير السليم لديهم،و استخدام استراتيجيات تدريسية تعتمد على مشاركة التلاميذ في التوصل إلى حلول للمشكلات التي تعترض طريقهم .
فعملية التحليل في درس القراءة مثلاً تتطلب القيام بتحليل الموضوع القرائي واستخراج ما فيه من أفكار عامة ورئيسة وجزئية والمقارنة بينها وبين غيرها من الأفكار، واستخراج أوجه الاتفاق والاختلاف فيما بينها ، والقيام بعمليات الاستنتاج والاستدلال لمعاني الكلمات والمصطلحات من السياق، إن تعليم التفكير وعملياته ومهاراته في نموذج القراءة يعني أن مهارات المعرفة يتم تعليمها بشكل مباشر كجزء من برنامج تدريس القراءة.
ويؤكد هذا الاتجاه كل من"وارشام و ستاكتين" (1986)Warsham&Stackten و"بيير"(1987)Beyer حيث تدريس وتنمية مهارات التفكير من خلال المحتوى الدراسي ،حيث إن ذلك يحقق هدفين؛الأول أنها تسهل عملية تعريف وتقديم مهارة التفكير في المنهج الذي سيدرس ،والثاني أن هذه الطريقة تنمي التفكير وتدرس المحتوى في نفس الوقت.
وقد أقر مؤتمر "مدرسة المستقبل" الذي عقدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في دمشق عام2000ضرورة إعداد الإنسان العربي القادر على صنع المستقبل والابتكار،وتنمية التفكير المنهجي العقلاني والتعبير عنه بلغة عربية سليمة ، وضرورة امتلاك الطالب مفاتيح المعرفة ليصبح قادراً على التعلم الذاتي ومتابعة التعلم ،والقدرة على التخطيط للمستقبل والنجاح فيه.. ويرى"سترينبرج" Sternberg أن الذكاء عبارة عن مجموعة من مهارات التفكير التي تستخدم في حل مشكلات الحياة اليومية، كما تستخدم في المجال الأكاديمي ،وأن هذه المهارات يمكن تشخيصها وتعلمها.
و تتنافس مختلف دول العالم فيما بينها على رفع مستويات شعوبها في مختلف مناحي الحياة ، وتحقيق المواقع الريادية في ركب الحضارة الإنسانية المعاصرة، والسعي إلى تطويرها، وقد أولى المفكرون على الدور الرئيس والحاسم الذي تتطلع به التربية في التقدم الحضاري، و إنتاج العلم والعلماء ، وتوجيه اهتمام الأجيال إلى ضرورة تبني أسلوب التفكير العلمي،منهجاً مستديماً يقترن بمختلف الأنشطة وأنواع السلوك عند الفرد والجماعة ، وصولاً إلى بناء الإنسان المفكر، ويتطلب هذا الأمر الاهتمام بالمناهج التربوية ، والتركيز على استخدام استراتيجيات التدريس الحديثة وتطويرها.
ولم يعد تعليم التفكير للطلاب اليوم هو ما يشغل علماء التربية، وإنما أصبحت جودة التفكير هي أهم التوجهات التربوية المعاصرة، التي تتطلب من المتعلم التفاعل مع مشكلات حياته، ومتغيرات عصره، والمستجدات المتلاحقة والمتنوعة، وليصبح ذا قدرة على تحليل المواقف واتخاذ القرارات ، وأصبح جوهر عمليات التربية الآن تعليم الطلاب كيف يفكرون بطريقة فاعلة تجنبهم مزالق التفكير ،وتدربهم على استراتيجياته.
ومن هذه الاستراتيجيات ما وراء المعرفة التي تدور حول وعي الفرد بما يقوم به من مهارات وعمليات في أثناء التفكير بغية تحسين الذاكرة ومراقبة عمليات التعلم وضبطها.
و يشير مفهوم ما وراء المعرفة Metacognition الذي يعد واحداً من التكوينات النظرية المعرفية في علم النفس المعرفي المعاصر إلى عمليات التحكم التي يستخدمها الفرد في حل المشكلات، وهي عمليات تخطيطية و تنفيذية مهمتها توجيه وإدارة مهارات التفكير المختلفة اللازمة لحل المشكلة( فتحي عبد الرحمن جروان:1999،ص 43) ويرجع هذا المفهوم بأصوله إلى العالم فلافل (1971) Flavell ، وذلك من خلال بحثه حول عمليات الذاكرة والتخزين والاسترجاع،ومراقبة تلك العمليات، والتحكم الذاتي فيها.
كما تعد استراتيجيات ما وراء المعرفة إحدى برامج التفكير العليا،. وقد ظهر مفهوم ما وراء المعرفة Metacognition في بداية السبعينيات ليضيف بعداً جديداً في مجال علم النفس المعرفي، ويفتح مجالاً واسعاً للدراسات التجريبية والمناقشات النظرية في موضوعات الذكاء والتفكير والاستيعاب والوعي ومهارات التعلم والدراسة. وقد تطور الاهتمام بهذا المفهوم في عقد الثمانينيات والتسعينيات ،ولا يزال يلقى الكثير من الاهتمام نظراً لارتباطه بنظريات الذكاء والتعلم واستراتيجيات حل المشكلة واتخاذ القرار. (DouglasHacker:2002). .
وفي مجال تعليم اللغات حظيت استراتيجيات ما وراء المعرفة بأهمية كبيرة نظراً للدور الذي تقوم به في تنمية مهارات اللغة وضبطها والتحكم فيها، وهذه الاستراتيجيات تشير إلى وعي المتعلم بما يقوم بأدائه من مهام، والمهام اللغوية التي يقوم بها المتعلم من أجل تنمية كفاءته اللغوية تتضمن ثلاث مراحل هي : ما قبل المهمة، ومرحلة إنجاز المهمة اللغوية، ومرحلة ما بعد إنجاز المهمة اللغوية، وفي كل مرحلة من هذه المراحل يتحقق التخطيط والتنظيم والمراقبة والتقييم وإدارة المعلومات وتطويرها.
وتأسيساً على ما سبق فإن السبيل لزيادة وعي الطلاب بالمهارات اللغوية هو إكسابهم القدرة على استخدام استراتيجيات تحديد الغرض مما يتعلمونه ،وكيفية تنشيط وتوظيف المعرفة السابقة في مواقف التعلم الحالي، وتركيز الانتباه على النقاط والعناصر البارزة في المادة اللغوية المتعلمة، وممارسة أساليب التقييم للأفكار والمعاني، ومراقبة النشاطات الذهنية واللغوية المستخدمة للتحقق من مدى بلوغ الهدف.
ولعل تلك الأهداف السابقة التي تسعى المؤسسة الجامعية إلى تحقيقها لدى المتعلمين تتناسب مع منطلقات ما وراء المعرفة التي تتطلب من المتعلمين أن يمارسوا استراتيجيات التخطيط والمراقبة والتقييم لتفكيرهم بصورة مستمرة ،ورسم الخطط اللازمة للمواقف التي يتعرض لها، ويحللها إلى عناصرها ، وتقييم النتائج في ضوء الخطط الموضوعة.
كما أنه في سبيل السعي إلى وضع معايير لتحقيق الجودة في التعليم الجامعي اقترح البعض وضع معيار اكتساب الخريج معلومات يستطيع توظيفها وتطبيقها في مواقف الحياة اليومية ،مع التركيز على تعرف كيفية الوصول إلى المعرفة بالإضافة إلى قدرته على ممارسة التعلم الذاتي الذي يؤهله للتوصل إلى الحقائق والمفاهيم بدقة .
وتعليم التفكير واستراتيجياته يعد من أحد أهم أهداف التربية اللغوية في العصر الحالي، وتزويد الدارسين في مجال اللغة العربية ومهاراتها باستراتيجيات التفكير يجعل الطلاب المعلمين قادرين على فهم طبيعة اللغة والقواعد التي تضبطها وتحكم ظواهرها والخصائص التي تتميز بها مكوناتها، أصوات ومفردات وتراكيب .
ولا شك في أن مهارات التفكير بأنواعها ومستوياتها المختلفة تمثل وضعاً مركزياً في علم النفس المعرفي المعاصر، والتربية الحديثة لأنها تشكل إحدى الظواهر الأكثر أهمية وضرورة لدى المتعلمين، حيث تنطوي نشاطات الإنسان اليومية على الكثير من المواقف التعليمية التعلمية المهمة،ونظراً للاهتمام المتزايد والمتنامي من قبل المهتمين من الباحثين والقائمين على شئون التعليم بالتركيز على التربية السيكولوجية للمتعلمين من خلال تأصيل القدرة على مهارات التفكير بمستوياتها المختلفة.
لذلك يرى علماء التربية والتعليم أن التعليم الفعال لمهارات التفكير يبدو حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى،لأن العالم أصبح أكثر تعقيداً نتيجة التحديات التي تفرضها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في شتى مناحي الحياة، وربما كان النجاح في مواجهة هذه التحديات لا يعتمد على الكم المعرفي بقدر ما يعتمد على كيفية استخدام المعرفة وتطبيقها.
كما أن هناك أسباباً عديدة تحتم على مدارسنا وجامعاتنا الاهتمام المستمر بتوفير الفرص الملائمة لتطوير وتحسين مهارات التفكير لدى المتعلمين بصورة منظمة وهادفة. الأمر الذي يتطلب معه ضرورة امتلاك المتعلمين درجة كافية من الوعي بالاستراتيجيات والمهارات ما وراء المعرفية.
*أُسْتَاذُ المَنَاهِجِ وطَرَائِق تَدْرِيْسِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ - كلية التربية جامعة المنيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.