برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    الملك يعين عددا من السفراء الجدد    الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    مشكل انقطاع الكهرباء: إسبانيا تشكر المغرب    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    رئيس الحكومة الإسباني.. استعدنا التيار الكهربائي بفضل المغرب وفرنسا    وزير العدل يعلن نهاية الجلسات العامة في قضايا الأسرة وتحويلها إلى اجتماعات سرية    تداعيات الكارثة الأوروبية تصل إلى المغرب .. أورنج خارج التغطية    مهنيو الصحة بأكادير يطالبون بحماية دولية للطواقم الطبية في غزة    وزير الأوقاف: "دعاية فاسدة من منتسبين إلى الدين تؤدي إلى التطرف"    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    قضايا الإرهاب .. 364 نزيلا يستفيدون من برنامج "مصالحة"    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    توقف حركة القطارات في جميع أنحاء إسبانيا    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جائحة كورونا والحاجة لاقتصاد عالمي يقوم على مبدأ التضامن الاجتماعي
نشر في الصحيفة يوم 28 - 03 - 2020

يعيش العالم أجمع حالة من الصدمة والهلع بسبب تفشي فيروس كورونا وانتشاره في 200 دولة وإصابته لأزيد من 470 ألف شخص وأودى بحياة أزيد من 21 ألف إلى حدود كتابة هذه الأسطر. وأدى عَدَمُ التوصل لحد الآن للقاح له إلى تراجع في الإنتاج العالمي، وانخفاض حاد في الاستهلاك، وتعطيل لمناحي الحياة وانتكاسة في مختلف القطاعات الاقتصادية (خصوصا الخدمات والسياحة والسفر والصناعة والنفط) وإلى تراجع قياسي للنشاط الاقتصادي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي هذا المقال سنتطرق لأبرز تداعيات هذا الفيروس على المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية، مع اقتراح بعض التوصيات التي ينبغي على المنتظم الدولي وكل دولة اتخاذها من أجل محاصرة كورونا وتدارك خسائره المدمرة.
1- فيروس كورونا واضطراب الاقتصاد العالمي
وصل العالم إلى حالة من عدم اليقين يسميها الاقتصاديون "عدم اليقين الراديكالي"، فلم يشهد العالم يومًا مثل هذه التداعيات الاقتصادية والمالية المتسارعة مع أزمة صحية عالمية تؤدي إلى حصر مناطق ودول بأكملها. الاشكال الأكبر في هذه الازمة العالمية الحالية، هي عدم قدرة صناع القرار بشكل عام والاقتصاديين بشكل خاص على التنبؤ بحركية البورصات وتوقع الخسائر المالية التي يمكن أن يسببها انتشار هذا الفيروس، خصوصا وأنه تسبب - وفي وقت وجيز- في تغيير المبادئ والمنطلقات الاقتصادية والأسس والقواعد النقدية والمالية وأدى إلى فك الترابطات التي كانت تميز النظام المالي الدولي، وأزال حالات الاستقرار النسبي للاقتصاد العالمي، وظهرت بذلك أعراض مرضية جديدة عمَّت غالبية الاقتصادات. وتكمن أبرز هذه الأعراض في عدم استجابة الاسواق المالية للإجراءات التحفيزية التي اتخذتها الحكومات والأبناك المركزية وأصحاب القرار في مواجهة تداعياته الاقتصادية وآثاره المالية، وعدم انعكاس سياسات التيسير الكمي التي اتخذتها غالبية الدول الاقتصادية الكبرى على أداء أسواقها، بل لم تستوعبها البورصات وأستمر النزيف فيها لعدة أسابيع.
د. نوفل الناصري - خبير اقتصادي
2- نزيف البورصات العالمية هو الأسوأ منذ الأزمة المالية عام 2008
أكملت بورصات العالم تعاملاتها بداية هذا الاسبوع 22 مارس 2020 على انخفاض عام وشامل، حيث تراجعت كل من الأسواق الخليجية والآسيوية والأوروبية، في حين سجلت الأسهم الأميركية تراجعا حادا في مستهل تعاملاتها. وفي هذا الصدد، تراجع مؤشر أبو ظبي بنسبة 3.1 % وانخفض المؤشر العام السعودي ب 2.9%، في حين هوى مؤشر بورصة قطر ب 3.9% وبورصة البحرين ب 0.4%. كما أغلق مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بانخفاض يقدر ب4.3% ، متبوعا بتراجع بورصة لندن ب 7٪، وهبوط مؤشر كاك 40 في باريس بشكل حاد هو الاسوأ منذ 2008 وصل ل 8.3٪ ، ونفس التراجع وسم بورصة فرانكفورت التي تراجعت ب 7.9٪ .
بدورها لم تسلم بورصة وول ستريت من هذا النزيف حيث تراجع مؤشر ناسداك بشكل غير مسبوق بنسبة 6٪ ، الأمر الذي أدى تعليق التجارة لمدة ربع ساعة عند الافتتاح بهدف التخفيف من الذعر الذي أصاب البورصة؛ بالإضافة إلى ذلك شهد مؤشر FTSE وداو جونز الصناعي ونيكي انخفاضات هائلة منذ بدء تفشي المرض في 31 ديسمبر، وتعتبر الأدنى منذ عام 1987. وبهذا محا مؤشر داو جونز الصناعي وحده مكاسب ثلاث سنوات في شهر واحد. وفي نفس السياق، عرفت بورصة هونغ كونغ تراجع مؤشر هانغ سينغ بنسبة 4.4%، وسجلت بورصة سنغافورة أيضا تراجعا بلغت نسبته 7.5%. وخسرت سيول 5.5%، وانخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 3.11% ، وتراجعت سوق الأسهم المحلية الهندية بأكثر من 11%.
3 - خسائر صناديق التقاعد العامة وتدخلات الأبناك المركزية
تسببت هذه التحولات الكبيرة والمتسارعة في أسواق الأسهم إلى فقدان قيمة الأسهم العالمية ما يقارب 1.5 تريليون دولار نتيجة المخاوف المتزايدة من فيروس كورونا، مما أثر سلبا وبشكل مباشر على العديد من الاستثمارات في المعاشات التقاعدية وحسابات التوفير الفردية، فحسب تقارير وكالة التصنيفات الائتمانية "موديز" فإن الصناديق تواجه خسائر استثمارية بنحو 21% في المتوسط، وكمثال خسرت صناديق التقاعد العامة الأميركية نحو تريليون دولار، وإذا لم يتم تعويض هذه الخسائر الاستثمارية فإن الحكومات قد تواجه زيادة بنحو 60% في مساهمات التقاعد للسنة المالية 2021
ولتدارك هذا التراجع في البورصات ووقف نزيفها، اتخذت الأبناك المركزية لأزيد من 50 دولة قرارا سريعا بتخفيض سعر الفائدة الرئيسي (31 بنك مركزي في أسبوع واحد) لمستويات منخفضة والتي كان من المفترض أن تضخ سيولة مالية إضافية، وتجعل الاقتراض أرخص وتشجع الانفاق، غير أن عدم صدور أخبار مؤكدة عن قرب التوصل للقاح يقضي على فيروس كورونا وتعميم حالات الحجر الصحي لغالبية الدول المصابة والموبوءة وتراجع الانتاج فيها وخوف المواطنين جعل هذا الإجراء غير كاف وغير مجدي، ويبدو أن جل البورصات العالمية ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها تلك الأكثر سوءا.
4- انتعاشه مالية مؤقتة بتكاليف تحفيزية باهظة
ورغم انتعاشه أسواق الأسهم الأوروبية وسوق وول ستريت بقوة وتحقيق مكاسب تجاوزت 11٪ عند إغلاق يوم الثلاثاء 24 مارس -مباشرة بعد يوم واحد من خسائر غير مسبوقة- وذلك على خلفية لقاء الرئيس الامريكي ونائبه مع كبار مستثمري سوق الأسهم الأميركية لطمأنتهم والتعهد بمساعدتهم وعدم السماح بانهيار الشركات الامريكية الكبرى، وكذلك بفضل نجاح مجلس الشيوخ الأميركي في تمرير خطة البيت الأبيض لإنقاذ الاقتصاد بأكثر من تريليوني دولار، وذلك بإنشاء صندوق بقيمة خمس مئة مليار دولار لمساعدة الصناعات والولايات المتضررة بشدة من تداعيات فيروس كورونا. بالإضافة إلى إحداث صندوق بقيمة خمسين مليار دولار من الدعم لشركات الطيران، وتم تخصيص 367 مليار دولار لتأمين القروض للشركات الصغيرة، و150 مليار دولار للمستشفيات والقطاع الصحي، و250 مليار دولار لتوسيع نطاق التأمين ضد البطالة، مع الاستعداد لتوجيه دعم مالي مباشرة للأسر الأميركية يُقدر ب 1200 دولار لكل راشد، و500 دولار لكل طفل وتأجيل الضرائب. وحسب المحللين الاقتصاديين وخبراء الاسواق المالية فإن هذا الرجوع السريع لن يكون إلا مرحليا ولن تدوم مكاسبه إلا أياما معدودة فقط، خصوصا بعد دخول منطقة الأورو في حالة طوارئ مالية ومرحلة الانكماش الاقتصادي.
5- تباطؤ التصنيع الصيني وتراجع الإنتاج العالمي
في الصين، ومباشرة بعد ظهور فيروس كرورنا لأول مرة، انخفض الإنتاج الصناعي وتراجعت المبيعات وتدنى الاستثمار في أول شهرين من هذه السنة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وقد انخفض النشاط الفعلي في الصين بمعدل قياسي في فبراير، وتراجع المؤشر الرسمي للنشاط الصناعي إلى 35.7٪ في فبراير مقابل 50 ٪ في يناير. وظهر التباطؤ الصناعي في الصين واضحًا من الفضاء، حيث قالت وكالة ناسا إن الأقمار الصناعية لرصد التلوث رصدت انخفاضا كبيرا في ثاني أكسيد النيتروجين فوق البلاد. ووفقا لموقع بلومبرغ كانت المصانع الصينية تعمل بنسبة 60 إلى 70 في المائة من طاقتها في نهاية فبراير، بينما تبلغ تقديرات بنك مورغان ستانلي، أن المصانع الصينية تعمل بما يتراوح بين 30 إلى 50 في المائة من طاقتها. ويدلُّ هذا المعدل إلى أن نمو الاقتصاد الصيني خلال النصف الأول من سنة 2020 سيعرف تراجعا لا محالة، حيث تراجعت الإيرادات المالية للحكومة الصينية بنسبة 9.9 ٪ في أول شهرين من 2020، وحسب وزارة المالية الصينية، فإن إجمالي الإيرادات حتى نهاية فبراير بلغ 496 مليار دولار، فيما تراجعت النفقات الحكومية بنسبة 2.9 ٪ ، إلى 456.3 مليار دولار حتى نهاية فبراير. وباعتبار أن الصين تشكل بمفردها ثلث الصناعة التحويلية على المستوى العالمي، وهي أكبر مصدر في العالم، فلقد أثر هذا التراجع على سلاسل التوريد للشركات الكبرى العالمية المصنعة للمعدات الصناعية وصانعوا السيارات. وكشفت شركات دولية تعمل بنظام الدفع عن طريق بطاقات الائتمان، مثل أمريكان إكسبريس وفيزا وماستركارد، أن الأضرار التي سببها فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي، بلغ ما بين 28-29 تريليون دولار.
6- صناعة السياحة تهوي إلى أدنى مستوياتها
يعتبر قطاع السياحة من القطاعات التي تأثرت بشكل مباشر بفيروس كورونا، وبسبب سرعة انتشاره وخروج الأمور عن السيطرة وتوقف الرحلات وإقفال حدود الدول فيما بينها وارتفاع حالات الحجر الصحي لكل دولة على حدة، توقف فعليا 70 ٪ من قطاع الضيافة حول العالم وانخفضت صناعة السياحة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وحسب معهد منتدى السياحة العالمي فإن الخسائر الاقتصادية التي مني بها قطاع السياحة العالمي لغاية الآن بلغ أزيد من 600 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل الخسائر إلى تريليون دولار هذا العام، وستطال التشغيل في هذا القطاع، ومن المحتمل فقدان 50 مليون وظيفة. وفي سياق متصل تم إغلاق العديد من المراكز التجارية الكبرى والمطاعم وغيرها من مراكز الأنشطة الاجتماعية وجزء لا يُستهان به من الفنادق.
وأعرب خبراء صناعة السياحة في المملكة المتحدة عن مخاوفهم بشأن بقاء السياح الصينيين في منازلهم، حيث كانت هناك أزيد من 415000 زيارة من الصين إلى المملكة المتحدة في الأشهر ال 12 من2019. ووفقًا لموقعVisitBritain، فإن المسافرين الصينيين ينفقون ثلاث مرات أكثر من متوسط انفاق السياح الذين يزورون بريطانيا تقريبا 1680 جنيهًا إسترلينيًا لكل سائح صيني.
7 - قطاع الطيران الدولي، المتضرر الأكبر
بدورها باتت شركات الطيران حول العالم قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس بسبب وقف أكثر من 90 في المائة من حركة الطيران العالمية، ومن جانبها قدرت شركة التحليلات "ForwardKeys" أن ما يصل إلى 48200 رحلة مع 10.2 مليون مسافر ستلغي بسبب الحظر. وتوقعت الرابطة الدولية للنقل الجوي "إياتا" أن تصل خسائر شركات الطيران حول العالم إلى 113 مليار دولار، كإحدى التبعات الاولى لتفشي فيروس كورونا. حيث تراجعت القدرة على العمل بالنسبة لجميع شركات الطيران بنسبة تصل إلى 80 في المائة، وفي مؤشر على الخسائر التي تتكبدها هذه الشركات، تراجعت أسهم مجموعة الخطوط الجوية الدولية بنسبة 24 في المائة في بورصة لندن، وكذلك بالنسبة لشركة "إيزيجيت" بنسبة 23 في المائة، "وراين إير" بنسبة 19 في المائة. وبالموازاة مع ذلك، فإن هناك ضغوط مالية وتشغيلية كبيرة تتعرض لها شركات الطيران، ولا سيما أن هناك نحو 2.7 مليون شخص يعمل فيها؛
وكتأثير مباشر لهذه التداعيات، انخفضت أسهم شركة بوينج بنسبة 44٪ الأسبوع الماضي، وقد يكون عملاق الطيران على وشك الانهيار، ولائحة الافلاس والانهيارات طويلة، ومن المتوقع حدوث كوارث في هذين القطاعين إذا لم تتدخل الحكومات بشكل سريع لإنقاذها ولتقديم الدعم اللازم لها.
8 - الخطر القادم: تهديد الأمن الغذائي العالمي
تسود حالة من القلق بسبب تهافت المواطنين -في حالة من الفزع الشديد- على شراء حاجياتهم الغذائية ومستلزماتهم المنزلية ومستحضرات التنظيف وورق صحي وما رافق ذلك من فيديوهات وصور لتدافع وتشاجر العديد من الناس على اقتناء السلع، وشيوع مشاهد لرفوف المتاجر العالمية وهي خالية من البضائع، ويزداد الهلع مع انتشار أخبار لتوجه بعض الحكومات لتقييد تدفق المواد الغذائية الأساسية الخاصة بها لتضمن لشعوبها كفايتهم في وقت يخضع نحو خمس سكان العالم لحالة عزل صحي مع إقفال الحدود بين الدول وقيود على الحركة والتنقل. فيتنام كثالث أكبر مصدر للأرز أوقفت التصدير، والهند دخلت لتوها في حالة إغلاق ستستمر ثلاثة أسابيع وتايلاند قد تعلن إجراءات مماثلة. وفي روسيا دعا اتحاد منتجي الزيوت النباتية إلى تقييد بيع بذور دوار الشمس. وتباطأ إنتاج زيت النخيل في ماليزيا، ثاني أكبر منتج له.
هذا الارتباك في سلاسل الامداد العالمي وهذه التحركات الدولية وإن كانت معزولة وبحسن نية فإنها تمثل تهديدا حقيقيا خطيرا على الامن الغذائي العالمي وعلى الاستقرار والسلم في الدول وعلى نفسية مواطنيها، وتفقد الثقة أكثر في التعاون الدولي وفي مقدرة الاقتصاد العالمي على التضامن والتآزر وعلى تحقيق التوزيع العادل للثروة العالمية، خصوصا وأن الانتاج العالمي المجمع من الأرز والقمح، سيسجل هذه السنة مستوى قياسياً عند 1.26 مليار طن، وذلك وفقا لبيانات وزارة الزراعة الأميركية، وتأكد العطيات أن هذا الإنتاج يمكنه بسهولة من تلبية احتياجات الاستهلاك العالمي من المحصولين مع تحقيق مخزون في نهاية سنة 2020 يُقدر ب 470 مليون طن.
9 - انخفاض أسعار النفط: أدنى مستوى منذ حرب الخليج 1991
واصلت أسعار خام برنت التراجع بالموازاة مع اتخاذ الدول المزيد من الإجراءات لاحتواء تفشي فيروس كورونا عالميا، وبتراجع كافة قطاعات النشاط الاقتصادي العالمي، فإن الطلب على النفط تراجع بكل مهول وقد أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط انكمش بنحو 90 ألف برميل يوميًا هذه السنة ولأول مرة منذ عام 2009. وقد انخفضت أسعار النفط منذ 4 أسابيع على التوالي، وتراجعت نحو 60% منذ بداية سنة 2020 لسببن اثنين: تراجع الطلب بسبب فيروس كورونا وتداعيات الحرب على أسعار النفط التي اندلعت منذ ما يزيد عن الشهر بين روسيا والسعودية المنتجتين الرئيستين للخام. وهذا التراجع التاريخي للنفط مُنذر بانكماش الاقتصادي العالمي. ربما سيكون انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية خبرا مفرحا للغاية بالنسبة للمستهلكين، ولكنه ليس بالضرورة جيدا بالنسبة للدول المصدرة له وللنشاط الصناعي والانتاجي العالمي، وتشير تقديرات البنك الدولي أن كل هبوط بعشرة بالمائة في أسعار النفط، سيقلص، في المتوسط، النمو لدى مصدري النفط بنسبة 0.6 بالمائة ويرفع العجز المالي الكلي بنسبة 0.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
10 - آثار انتشار فيروس كورونا على النمو الاقتصادي العالمي
حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) من خطورة تفشي فيروس كورونا والعجز الراهن عن مواجهته وتأثير ذلك على الاقتصاد الدولي، وتوقعت أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة أقل من 2.4٪، وهو أدنى لمعدل النمو العالمي منذ سنة 2009، وأكدت على أن مواصلة تفشي هذا الوباء لفترة أطول وبكثافة أكبر يمكن أن يخفض النمو إلى 1.5٪ في سنة 2020. في المقابل وضع قسم العولمة والاستراتيجيات التنموية بالأونكتاد سيناريوهات لتباطؤ النمو العالمي بسبب جائحة كورونا، ووجد أن العجز سيكون بمقدار 2 تريليون دولار في الدخل العالمي، و220 مليار دولار في الدول النامية -باستثناء الصين- وتوقع أنه في أسوأ السيناريوهات سينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.5%، بمعنى خسائر مالية تُقدر بنحو 2 تريليون دولار. وفي دول مثل كندا والمكسيك وأميركا الوسطى، ودول مثل شرق وجنوب آسيا والاتحاد الأوروبي، فإنها سوف تشهد تباطؤا في النمو بين 0.7% و0.9%.
11 - كرورنا والرجوع إلى النموذج الكينزي للاقتصاد
الجميع تابع وبالمباشر كيف رجعت غالبية الدول للقيام بدورها ووظيفتها في إدارة الاقتصاد والتعليم والصحة بل وإدارة جل شؤون مؤسسات الدولة التي كانت في وقت جد قريب يتم بالتوافق مع توجيهات ومقترحات منظمات عالمية وشركات عملاقة ومؤسسات دولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. ففي رمشة عين اتجهت دول عديدة بما فيها الولايات المتحدة الامريكية إلى التدخل المباشر لإدارة شؤون البلاد على كافة المستويات، سواء فيما يخص اتخاذ سياسات حمائية أو استعادة بعض الأدوار التي منحت سابقا للقطاع الخاص، مثل قطاع الصحة الذي واجه أزمة كبيرة مع انتشار وباء كرونا، والذي أثبت هذه الجائحة أنه لا يمكن مواجهته وفق منطق وأسلوب القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال، ولكن وفق رؤية وطنية مندمجة تضع حياة المواطن في رأس أولوياتها وفوق كل الاعتبارات الاقتصادية والحسابات المالية.
هذا السلوك هو نفسه الذي ينادي به أصحاب النموذج الكينزي للاقتصاد، والذي يقوم على تقوية دور الدولة في توجيه الاقتصاد الوطني، وتوظيف أدوات السياسة المالية لتحفيز النمو الاقتصادي، ويؤكد على عدم تخلى الدولة عن كل أدوارها لصالح السوق. وأعتقد أن توالي الأزمات المالية، وحالات الركود الاقتصادي الذي تقترب منه دول العالم حاليا يتطلب تدخل متوازن من أجل الحد تداعيات الأزمات والآثار المدمرة للسوق الحر التنافسي خصوصا ونحن نعيش في ظل عولمة يتم فيها تشارك الإيجابي والسلبي.
12 - الاقتصاد ما بعد كورونا سيكون مغايرا لما قبله وبوادر ولادة نظام مالي جديد
يزداد الخوف من تزايد مخاطر تفشي وباء فيروس، وما سببه من تعطيل لغالبية الاقتصادات العالمية وتوقيف الحياة اليومية، وإذا ما استمر هذا الوباء بالفصل الثاني من هذا العام فسيكون الإقتصاد العالمي تحت تهديد حقيقي ولن تكون هناك مساحة أخرى لإنقاذه، خصوصا وأن جُل الحكومات والأبناك المركزية اتخذت كل السياسات التيسيرية الممكنة واستخدمت جميع الأدوات المالية المتاحة ولم تعد هناك حلول تحفيزية جديدة، الأمر الذي يطرح أكثر من علامات استفهام حول نجاعة الأسس الاقتصادية الحالية ويستلزم ضرورة البحث عن بدائل ونظم اقتصادية جديدة قادرة على تجاوز إخفاقات وإكراهات الاقتصاد التقليدي. وقد صرَّحت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" بأن الاعتقاد في سلامة الأسس الاقتصادية والاقتصاد العالمي الذي يصحح نفسه، أمران يعرقلان التفكير السياسي في الاقتصادات المتقدمة، وأكدت أن هذا الاعتقاد سيؤدي إلى إعاقة التدخلات السياسية الأكثر جرأة، واللازمة لمنع تهديد أزمة أكثر خطورة، ويزيد من فرص أن تتسبب الصدمات المتكررة في أضرار اقتصادية خطيرة في المستقبل.
هناك مؤشرات إضافية مقلة ظهرت بسبب هذا "الفيروس الاقتصادي" ولا يسعنا المقال لتفصيلها، وأبرزها يتمثل في تراجع أدوار الملاذات الآمنة للمستثمرين وعدم نجاعتها خصوصا بعد بوادر انخفاض الذهب والسندات الحكومية والتي تُعتبر عادة أصول شبه خالية من المخاطر. وعليه، فإني أعتقد أن جائحة كورونا أزاحت فقط الستار عن نقاط الضعف التي كانت موجودة في المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية منذ أزمة عام 2008 وكشفت حدود النظام الرأسمالي الحالي والتي للأسف لم يتم علاجها لحد الآن. فلا تزال الأبناك لا تملك ما يكفي من رؤوس الأموال لتحمل صدمة شديدة، ولا يزال النظام المالي هشًا أكثر مما كان من أي وقت مضى، لا سيما بسبب المديونية العالمية المفرطة. والازمة المالية ستكون أسوء في ظل هذه الظروف إذا أدى انتشار الفيروس إلى تعطل النشاط الاقتصادي لوقت أطول وأدى الأمر إلى حالات تخلف متتالية في أداء الديون الداخلية والخارجية، فسوف تنفجر القنبلة لا محالة في وجه الأبناك ووجه المؤسسات الدولية.
في نظري فإن هذا الانهيار التدريجي الحاصل للمنظومة الاقتصادية والمالية هي علامات لبداية تفكك القواعد المؤطرة والضابطة للنظام المالي الكلاسيكي وبوادر بروز قواعد جديدة لنظام مالي جديد، وبهذا سيكون الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا مغايرا لما قبله. وحسب قول الاقتصادي جامس بوكانان الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد: «اذا أخفقت كل من الأسواق والحكومات في تحقيق العدالة والكفاءة معاً، فما هو البديل التنظيمي؟» وهذا هو السؤال الذي ينبغي على مفكري العالم -باختلاف تخصصاتهم- الاعتكاف والجواب عليه وإبداع تنظيم اقتصادي يقوم على مبدأ التضامن والتوازن الاجتماعي، اقتصاد عالمي يلتزم بالصالح العام الدولي وبالمسؤولية الاجتماعية، اقتصاد إنساني يحافظ على كرامة الإنسان وعلى حقوقه.
13 - توصيات مرحلية على السريع
دون التطرق للإجراءات الصحية والوقائية، فهناك العديد من التدابير التي يجب على المنتظم الدولي وكل دولة اتخاذها، كل حسب تخصصه
−إعطاء الأولوية للشق الاجتماعي وللدعم المالي المباشر للفقراء والأسر المهمشة في المناطق الجبلية والاماكن النائية؛
−منح دعم مباشر ومواكبة لصيقة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا باعتبارها الركيزة الاساسية للنشاط التجاري العالمي وتشغل أزيد من 80 في المائة من اليد العاملة في غالبية الدول الأكثر تضرراً؛
−الحفاظ على مستوى أساسي -الحد الادنى- من النشاط الاقتصادي وتجنب الاشكالات التجارية الكبرى والمحافظة على سلاسل القيمة العالمية من أجل تحريك الاقتصاد العالمي واستعادة الثقة في الأسواق المالية؛
−المحافظة على التدفقات الطبيعية للمحاصيل الزراعية من أماكن إنتاجها إلى أماكن استهلاكها مع الحرص على توفير مخزون معقول لكل دولة على حدة؛
−اعتماد تدابير مستعجلة لدعم العاملين الأكثر عرضة للخطر، كالمهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا أو في وظائف مؤقتة، والذين لا يمكنهم الاستفادة من إعانات فقدان الشغل أو التأمين الصحي؛
−على صندوق النقد الدولي تجميد تسديد الديون بالنسبة للدول المتضررة كثيرا من آثار فيروس كورونا خصوصا دول القارة الافريقية، والعمل على إعادة هيكلتها مستقبلا وذلك من أجل مساعدة هذه الدول على استعمال ما لديها من أموال لمكافحة هذه الجائحة؛
−جعل التكنولوجيا في لب السياسات العمومية المحلية لكل دولة وربطها لزاما بمنظومة التربية والتكوين وبالبحث العلمي والتوازن في استخدامها في القطاعات الانتاجية تفاديا لتفشي البطالة؛
−تعزيز أدوار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتنمية المحلية والانطلاق من المقومات المحلية لكل دولة وفي كل مدينة، وتمكين السكان المحليين من القسط الاكبر من عوائد سلاسل الانتاج المحلية؛
−الحرص على التعاون العالمي وتنسيق الجهود والسياسات الدولية من أجل نجاعة أكبر في احتواء الخسائر البشرية والاقتصادية المحتملة لفيروس كورون.
خاتمة : عبرة كرورنا
الأكيد أن فيروس كورونا ليس هو نهاية العالم، وهذه الازمة عابرة بالتأكيد، وسيستعيد العالم والاقتصاد سلوكه العادي بعد حل الأزمة، إلا أن حلها ليس في يد رؤساء الدول والحكومات وليس في يد الاقتصاديين والمحللين المالين، ولكن في يد المختبرات الطبية وهو رهين بوعي الشعوب ومرتبط بمدى التضامن والتآزر بينها. وواجب الوقت هو إعطاء الأولوية للإنسان (صحته وتعليمه) على حساب المال والاقتصاد، لأن الاقتصاد يمكن أن يرجع للنمو ولكن لا يمكن للموتى الرجوع للحياة. كورونا لم تختبر فقط كفاءة ونجاعة الاقتصاد العالمي، ولكنها امتحنت كذلك معدن المواطنين في كل بلد، واختبرت مصداقية منظومة القيم المجتمعية العالمية، وأبانت عن ضرورة خلق مجتمعات ترتبط فيها التنمية الاقتصادية مع متطلبات العدالة الاجتماعية وتوازن المصالح ويُقدر فيها معنى ودور منظومة القيم الاجتماعية والاقتصادية للشعوب. فهل سينجو العالم بشكل عادل من الأثار المدمرة لهذا الفيروس؟ وهل سينجح العالم في تجديد منظومة اقتصادية ومالية مغايرة لما قبل كورونا ؟

- خبير اقتصادي وباحث في السياسات العمومية - نائب برلماني وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.