مع مفاهيم النسبية الحديثة حول الضوء لم يبق ثبات لشيء مطلقاً، فلا الأحجام تبقى أحجاماً، ولا الأبعاد أو الزمان أو المكان، فكل ما في الكون هو في حالة (يزيد في الخلق ما يشاء) و (كل يوم هو في شأن) و (يخلق مالا تعلمون)، فالزمان الذي يتدفق مفكك الأوصال في هذا العالم الذي نعيشه، وتياره الذي يجري مختلف من مكان إلى آخر. الزمن في مكان من الكون هو غير الزمن في مكان آخر، ويتبع هذا تغير كل شيء من الأبعاد والأحجام والأوزان والحركات. كل هذا يتبع السرعة التي يتمتع بها الكوكب أو المكان الذي يتدفق فيه الزمن، بل هو حتى في الكرة الأرضية اليوم ليس كالغد، فبعد خمسة مليارات سنة سيكون يوم الأرض 36 ساعة، كل هذا بفعل تباطؤ حركة الأرض بفعل الاحتكاك (كتاب التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان - د . عبد المحسن صالح - عالم المعرفة - ص 23).إذاً يبقى فهم العالم ووضعه بشكل نسبي حسب مكان المراقب. هذا التحول العقلي هو الذي ألهم صاحبا كتاب العلم في منظوره الجديد أن يقولا أن هناك ثورة في المفاهيم أطاحت بالنظام القديم، وشقت الطريق إلى فهم جديد للعالم بل رسم معالم حضارة جديدة (العلم في منظوره الجديد ص 16 و 15 و 19) وأما أهم أمرين فتحت الطريق إليهما النظرية النسبية، التي بدأت تتأكد مخبرياً فهما أولاً: (نظرية الانفجار العظيم) في كيفية تشكل الكون الأولي. وثانياً: ومن خلال معادلة علاقة الطاقة بالمادة الانطلاق في المشروع النووي، حيث أمكن إنتاج طاقة لم يحلم بها حتى (الجن) فلأول مرة يضع الإنسان يده على الوقود الكوني! كان هذا من خلال بحث قام به عالمان هما ( كارل فريدريش فون فايتسكر K.F.VON . WEITZECKER) والثاني (هانس بيته Hans Bethe)، حيث ومن خلال معادلات آينشتاين تم الوصول إلى كشف السر عن نوع الوقود الذي يحترق في الشمس وأنه وقود غير تقليدي، فلو كان مخزون الشمس من الفحم مثلاً لاستُهلك في مدى 300 عاماً، ولكنه من نوع القنابل الهيدروجينية، التي تنفجر بدون توقف، قاذفةً أحياناً شواظاً من لهب يتجاوز ال 500 ألف كم خارج الجحيم الشمسي المستعر. كيف لا تنتهي الشمس مع كل ضخامة الوقود الذي تستهلكه. السبب أن الشمس تبلغ في القطر 1,3مليون كم، وكتلتها أكبر من الأرض ب 330 ألف مرة، وتستهلك في كل ثانية 4 مليون طن من غاز الهيدروجين. ومع أن ما استهلكته في مدى خمسة مليارات سنة شيء ضخم، مع هذا عندها من المخزون مايعادل 98% من كتلتها الحالية، فكتلتها تصل إلى 2 بليون بليون بليون طن (التنبؤ العلمي ص 22) وهذا يثير سؤالاً مهماً مفعماً بالمسؤولية، عن إمكانية استمرار الحياة لخمس مليارات سنة أخرى على الأقل على الأرض (حددت الفترة حسب الأرقام الأخيرة ب 500 مليون سنة وهي أكثر من كافية فيما أظن للانتقال إلى نظام شمسي آخر يولد من جديد)، والجريمة المروعة في السلاح النووي أو تلوث البيئة حينما تُوقف الحياة عليها بحماقة يرتكبها السياسيون الكذابون. قادت النسبية إلى إدراك بانوراما جديدة لعلم الكوسمولوجيا كيف بدأ؟ ما هو تركيبه؟ وأين يتجه؟ ومع أن آينشتاين نفسه قد أدرك منذ البداية أن المعادلات تقوده إلى عالم (ديناميكي) متمدد، إلا أنه يقول هو نفسه أنه ارتكب اكبر حماقة في حياته، حينما أراد إمساك المعادلات في قالب (استاتيكي) جامد! مع أن المعادلات تقول بالحركة؛ فادخل ما أطلق عليه (الثابت الكوسمولوجي)، والذي حدث أن آخرين استخدموا معادلاته ليصلوا بها إلى تصور جديد لشكل الكون (المتوسع)، وإذا كان الكون يتوسع فهذا يقود بشكل معكوس إلى أنه من قبل كان أصغر حجما، فإذا مشى التصور مقلوباً وصلنا إلى نقطة بدأ منها الكون، وقد تم الكشف عن ذلك بواسطة ظاهرة (الزحزحة الحمراء) بواسطة العالم الفلكي (أدوين هابل Edwin Hubbel) الذي عرف أن كل المجرات تبتعد عن بعضها في سرعة مخيفة، وتم تحديد عمر الكون من خلال ذلك بين 15 وعشرين مليار سنة (الرقم الأخير 13,7)، كما تم تحديد عمر النظام الشمسي الذي ننتسب إليه بحوالي ثماني مليارات من السنين. ولكن نقطة البدء الكوني هي التي تشكل التحدي العقلي الذي لم يحل حتى الآن، حيث تتوقف القوانين الكونية عن العمل ، فلا يبقى زمان أو مكان أو طاقة أو مادة أو أي وجود لأي قوانين كونية، إنها الحقبة (المتفردة Singularity) التي لا يناسبها إلا كلمة الخلق من العدم! ومن علاقة الطاقة بالمادة استطاع آينشتاين أن يضع قانوناً بسيطاً للغاية، ولكن نتائجه كانت مروعة، فالطاقة والمادة هما وجهان لحقيقة واحدة، حتى الضوء هو كتلة مادية ولكنه متناهي في الدقة، والطاقة تساوي المادة المتحولة ولكن مضروبة في مربع سرعة الضوء، فإذا عرفنا أن سرعة الضوء 300 ألف كم في الثانية الواحدة (299792458) كان معنى هذا أن الطاقة تساوي مايعادل 90 مليار من المادة المتحولة، وهذا يحمل خبرين (نذيرا وبشيرا) فهي عالم الوصول إلى الطاقة الرخيصة، وإذا توفرت الطاقة لم يبق نزاعات إنسانية ، فالبشر لا يتخاصمون على (الهواء) ولكنهم يتقاتلون على مصادر المياه والبترول، فإذا حلت مشكلة الطاقة الرخيصة إلى درجة المجان، ربما حل القسم الأكبر من المشاكل الإنسانية، وأما النذير فهي أخبار هيروشيما وناغازاكي!. وهنا فذلكة في عالم المادة والروح، فالضوء يبقى محدود السرعة، أما الروح الإنسانية فعندما غادرت عالم المادة لم تعد ثمة سرعة تقيدها، وهذا ما سيكشف العلم القادم عن أسراره. شيء هام آخر من ذيول الفكرة النسبية لم يتم التأكيد عليه، وإن تمت الإشارة إليه أحياناً، وهو معنى روحي كبير وفلسفي ضخم، ولا يقل عن الفتوحات المادية، وهو علاقة الزمن بمتحولات أخرى دشنتها (النسبية الخاصة) بعلاقة الزمن بالسرعة، ودشنتها (النسبية العامة) بعلاقتها بالكتلة، فاعتبرت الأولى أن الزمن يتباطأ كلما ازدادت السرعة، إلى درجة أن الزمن قد يتوقف إذا وصلت السرعة إلى حد سرعة الضوء، ومعنى توقف الزمن بكلمة أخرى دخول (الخلود) أو على حد تعبير العالم الفرنسي (لونجفين) توقف الشيخوخة، فإذا عاش الإنسان على كوكب غير الأرض بسرعة كبيرة كسب من العمر المزيد فالمزيد، ولكن دخوله سرعة الضوء يجعله يستعصي على الفناء، لأن الزمن لن يأكله بعد اليوم بعد أن توقف عن العمل. وعندما نسمع عن تحول بيولوجي لأهل الجنة (التحول إلى طبيعة نورانية الذي يعني اكتساب سرعة الضوء أي توقف الزمن) كما جاء في الحديث (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يتفلون (وفي رواية لايسقمون) أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة (عود البخور) وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم) فإن هذا يقرب إلى وعينا أكثر طبيعة الخلود والصمود أمام الموت والزمن. (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم - الشنقيطي - المجلد الأول ص 71 رقم الحديث 201) وأما في النسبية العامة فإن حياة الإنسان على كوكب ذو كتلة كبيرة تدخله نفس العملية من التأثير على الزمن، وهكذا فالحياة على المشتري الذي يكبر الأرض أكثر بألف مرة يمنح الإنسان حياة أطول، فإذا عاش على ظهر كوكب من النوع الذي قال عنه القرآن (عرضها السموات والأرض) أي كتلة لانهائية كان معناه مرة أخرى توقف الزمن أن يفعل فعله المميت المدمر، والدخول بالتالي عالم الخلود (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين) وبذلك أدخلتنا النسبية إلى إمكانية الخلود مرتين، وقربت إلى وعينا مفاهيم روحية مستعصية على العقل، كي نصل إلى ذلك المزيج الرائع من العلم والإيمان .