الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة 1. الرئيسية 2. آراء صورة المغاربة في المرآة عبد الكريم ساورة الأحد 16 مارس 2025 - 20:20 المغرب من البلدان الكثيرة التي يصعب جدا تصنيفها أو تحديد مستواها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فالبلاد هي عبارة عن نظام يجمع كل التناقضات، فعندما تلتجئ للتقارير الدولية أو المحلية للإستئناس فإنك ستصاب بالدهشة من التفاوت الطبقي على المستوى الإجتماعي، ومن نسبة الفقر المرتفعة جدا، وهذا ما أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط أن أكثر من 4 ملايين من المواطنين مهددون بالفقر في البلا ، والسؤال بالفعل هل هناك تهديد حقيقي للفقر ؟ ومن هو الفقير بالمغرب؟ جولة صغيرة بالأسواق المغربية ورم الغلاء المسعور الذي تعرفه كل المنتوجات الغدائية سوف تجعلك تشعر بالرعب من عدد الزائرين ومن نسبة المقتنيات بشكل مبالغ فيه جدا، يلاحظ بالملموس أن هناك هوس كبير للمواطن مع شراء كل مايتعلق بالاستهلاك، وهذا يعطي صورة حقيقية للتي يرددها البعض أن البلاد في أزمة، هل هي أزمة شراهة للأكل أم ماذا؟ رب قائل أن هذا التجاوز في الاستهلاك، لايحدث سوى أيام رمضان وبعد ذلك تنطفئ الأضواء والعودة إلى أيام التقشف وشراء الضروريات ولاغير الضروريات، لكن هذه ليست الحقيقة، والكل يعلم من طنجة حتى الكويرة أن المغاربة شعب "وكال" من الأكل، وشعب يصرف أكثر مما يعمل وهذه ثقافة عريقة عُرف بها المغاربة تاريخيا. ولا يقف الأمر عند هذا، فالمغاربة من الشعوب القلائل في العالم التي يصعب تصنيف الأفراد فيها، فالمغربي مهما كانت وضعيته مزرية وهشة فعندما تسأله: كيف حالك؟ يجيبك على الفور: الحمد لله، وعندما تتفقد مظهره يجعلك تشعر بالرهبة من مستوى العالي والراقي من حيث نوع اللباس المصنف ونفس الأمر ينطبق على المنال وتأثيثها بكل أنواع الأفرشة، وهذا مايجعل المتتبع أو المهتم بثقافة الشعوب يصاب بنوع من الارتباك والدهشة بحيث يصعب عليه تصنيف الإنسان المغربي للطبقة التي ينتمي إليها، هل هي الطبقة المسحوقة أو الطبقة المتوسطة أو الغنية؟ ولعل التصنيفات السوسيولوجية والانتربولوجية الاستعمارية كانت دائما تضع المجتمع المغربي داخل دائرة المقترب الانقسامي حيث تركز على مقولة " الفوضى القبلية " والتي كان من روادها الانتربولوجي ارنست غيلنر، وقد كانت هذه الفترة لازالت القبيلة لها مركزها وسلتطها الرمزية على الفرد الذي كان تَدَيُنُهُ –من الدين - شعبيا وبسيطا وتجده أكثر تقديسا للسادة والأولياء، بعكس المدن التي كان يسود بها مايطلق عليه بتدين العلماء الذي ينبني على التشديد على المذهب المالكي المعتدل واستحضار سيرة الرسول وأصحابه. لقد ورث المغاربة الفوضى في كل مناحي الحياة، فالمغربي في شهر رمضان تجده منعكفا عابدا وساهرا "الإفراط في التدين" وواعظا وكريما ويوصي بالفقراء رغم فقره ويوصي بالأخلاق واتباع شريعة الله، وعندما يقترب فصل الصيف تجده الأول الذي يعد العدة للذهاب للإصطياف والالتقاء مع الأجساد العارية والاختلاط والبحث عن مالذ وطاب من المشروبات والكحول وهناك فئة على النقيض من ذلك من تجدها تدعي الورع وتتسابق غلى الصفوف الأولى في المساجد و تجدها في كثير من الأحيان تنتقد الفئة الأولى وتعتبرها آثمة وتحاول أن تعطيها دروسا في أخلاق التدين وكيفية احترام شعائر الإسلام. وما هي إلا شهور قليلة حتى تبتدأ فئة عريضة من المغاربة للإستعداد للإحتفال برأس السنة الميلادية مع المسيحين بدعوى "تسامح الديانات" لكن هناك فئة من الفقهاء من يردون عليهم بأن هناك فقط دين واحد وهو الإسلام، بدليل قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 85 " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين". ما يلاحظ على المغاربة أن الخسران الحقيقي بالنسبة لهم، هو تفويت الفرصة، سواء تعلق الأمر بملذات الحياة، أو مانطلق عليه نحن المغاربة " بالنشاط " من غناء ورقص وترفيه وسخرية وخصامات تافهة وتقشاب، أو مايتعلق بشؤون الآخرة، فكل شيء قد يقرب الإنسان المغربي من الله تجده يسعى لفعله وبكل الطرق، فعندما يتعلق التبرع بالدم فهو الأول على اللائحة وعندما يتوفى أي شخص في حي من الأحياء وخصوصا الشعبية، فقد تكتشف أن جل نساء الحي يشمرن لإعداد الوجبات المتنوعة من المأكولات طيلة أكثر من أسبوع والسهر على استقبال المُعزين، وهذه من أعظم الشيم عند المغاربة. فالمغربي كما يقول المثل الشعبي المشهور " تجده دائما على القًرْصْ " في كل مايتعلق بالمساعدة، فعندما يضرب الزلزال في منطقة ما من البلاد وقد حدث هذا مؤخرا فيما يتعلق بزلزال الحوز، فالمغاربة هبوا من المغرب وخارج المغرب كالعاصفة يتقاطرون وهم يحملون كل اللوازم للدعم والمساعدة والمآزرة والمواساة ماديا ومعنويا وبشكل تلقائي وانساني كبيرين، وقد تفاجأ العالم بأسره لهذا الدعم الكبير بشكل تلقائي. وحضور الاحتفال عندما المغاربة هو مبدأ وجودي، فالمغاربة تاريحيا يقومون بالأعراس في فصل الصيف بعد انتهاء موسم الحصاد، فتبدأ الإحتفالات والدبائح والأعراس وختان الأطفال، وهي كلها طقوس متوارثة أب عن جد وهي في مجملها طقوس جماعية، ونفس الشيء يحدث مع موسم الانتخابات فهي عادة ماتجرى في فصل الصيف، وهي بالنسبة للمغاربة لاتختلف عن العرس حيث كل من يتقدم للإنتخابات يجب أن يقوم بالولائم لكل المتعاطفين معه وتقديم بعض الإتاوات لمساعدتهم سواء تعلق الأمر بشراء الأدوية أو الأكل أو أداء بعض فاتورات الماء أو الكهرباء أو الكراء. إنها ثقافة السياسة التي طلقها المغاربة وعزفوا عنها بعدما تخلى السياسي عن دوره في تحقيق الوعود التي وعد بها ناخبيه، المغاربة شعب متسامح ولكنهم شعب لاينسى ولهذا لم يعودو يعولوا على السياسة والسياسيين وقد فقدوا الثقة في أغلب الحكومات وأي مطلب لدا الشعب المغربي أو تظلم أو استعطاف أو أي شيء يتوقون إليه تجدهم يتوددون للملك ويتوجهون إليه مباشرة باعتباره المالك الحقيقي للقرار بالمغرب ومادون ذلك فهم مجرد مساعدين لاأكثر. في الحقيقة المغاربة شعب غريب وعجيب، يصعب ضبطه ومعرفة حقيقته فهو شعب متقلب ومزاجي وعاطفي وثوري ومسالم ولا يقبل الإهانة كيف ماكانت ، إنه شعب يجمع كل المتناقضات، ولايمكنك ضبطه أو وضعه في قالب معين وهذا بشهادة الباحثين في كل التخصصات، فكيف يمكن تفسير مجموعة من الأطفال من أسر فقيرة جدا، تجدهم يفعلون أي شيء من أجل أن يحصلوا على المال ليرافقوا فريقهم الأخضر أو الأحمر من مدينة الدارالبيضاء إلى مدينة طنجة أو أكادير، هذا جنون حقيقي وهذا يحدث كل مرة يكون الفريق يلعب خارج ميدانه وكثيرا ما تجدهم يرفعون شعارات المشهورات "بالتِفو" كل مرة مكتوب عليها شعار ينتقدون فيها الحكومة أو المسؤولين بشكل فني ومعبر ومبهر وهذه من بين العبقريات التي يتقنها المغاربة بشكل بارع. وهذا ليس غريبا ، فقد حصل نفس الأمر عندما لعب المنتخب المغربي في قطر وكلنا تابعنا كيف تقاطر المغاربة من كل أقطار العالم لمتابعة المنتحب رغم التكلفة الكبيرة للإنتقال إلى قطر وقد كانوا يشكلون الأغلبية في مدرجات الملاعب وهم يرفعون العلم الوطني وصور الملك محمد السادس ولاعبي المنتخب الوطني ولم ينسوا أن يرفعوا علم الدولة الفلسطنية المحتلة كشكل من اشكال التضامن مع القضية الفلسطينية. وهذا التضامن للشعب المغربي مع كل الأقطار العربية ليس غريبا، فقد سبق للمغرب عند حصوله على الاستقلال السياسي عن فرنسا سنة 1956، أن قدم كل الدعم للجارة الجزائر سواء تعلق الأمر بالأسلحة والمال والأدوية في إسم جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كانت تخوض حرب الاستقلال ضد الحكم الفرنسي، كما خدم المغرب كقاعدة خلفية للمتمردين الجزائريين لإقامة معسكرات تدريب للمجندين الجدد وغيرها من المساعدات المتنوعة. ونفس الأمر فقد هب الشعب المغربي لمساعدة الدول العربية عامة ومصر خاصة في حرب 6 أكتوبر 1973 حينما نشب القتال بين الاسرائليين والجيوش العربية حيت كانت القوات المغربية مرابطة في "الجولان" بقيادة الجنرال عبد السلام الصفريوي، إذ اشتبك المغاربة مع قوات الاحتلال، ودخلوا في معارك مدفعية عنيفة، وقد تمكنوا من تحقيق تقدم سريع وإحراز انتصارات أثارت دهشة الجميع. هناك كثير من يعتبر أن قوة المغرب هو موقعه الجغرافي، ولكن كثيرا ماتكون الجغرافيا بَئْساً ووبالا على البلاد عندما تصيبها الزلازل والعواصف والأوبئة وتجد من يحكمها عبارة عن عصابة أو مرتزقة كما تعيش بعض الأقطار التي ليست بالبعيدة عنا، لكن الحقيقة أن قوة الأمم عموما والمغرب هما شعوبها، فعندما يكون الشعب مؤهلا، وذكيا، فهذا نصف التنمية ولهذا فهذا لا يحتاج من المسؤولين سوى المصاحبة والانصات لهم، ولمطالبهم، وتطبيق القانون وتحقيق العدالة على الأرض، لهذا فالشعب المغربي محتاج إلى تنزيل دولة القانون وهذا لن يتأتى سوى بحكومة حقيقية، حكومة مناضلين ووطنيين وليس إلى حكومة رجال المال لايعرفون سوى مفهوم الربح في كل شيء، أما الخسارة فعلى الشعب أن يتحملها دائما ويسكت عنها، وهذه هي أكبر خطيئة يرتكبها الشعب خلال هذه السنوات الأخيرة. كاتب صحافي مغربي