ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنجلون، بناني،الكتاني: مليارديرات المغرب من هم و كيف جمعوا اموالهم “ملف شامل”
نشر في أريفينو يوم 07 - 03 - 2013

فوربس: عثمان بنجلون يتقدم على الشعبي والصفريوي في سلم الثراء
عبد الله أوسار
كشف التصنيف السنوي لميارديرات العالم عن عودة عثمان بنجلون إلى صدارة أثرياء المغرب مستفيدا من تراجع ثروة ميلود الشعبي وآنس الصفريوي.
فحسب التصنيف الذي نشرته أول أمس الثلاثاء المجلة الأمريكية «فوربس»، فإن ثروة رجل المال والأعمال المتخصص في قطاع الأبناك والتأمينات، عثمان بنجلون، ارتفعت في ظرف سنة من 2.3 مليار دولار إلى 3.1 مليار دولار، مما جعله في صدارة أغنى أغنياء المغرب، محتلا بذلك المرتبة 437 على الصعيد العالمي.
وفي المقابل، تراجعت ثروة مؤسس ومدير عام المجموعة الاقتصادية الضخمة «يينا» التي توجد فروعها في عدة بلدان عربية، ميلود الشعبي، من 2.9 مليار دولار إلى 2.1 مليار دولار، متراجعا إلى المرتبة 704 عالميا، حيث فقد حوالي 300 مقعد في التصنيف.
أما صاحب مجموعة الضحى للعقار، أنس الصفريوي، فرغم استقراره في المركز الثالث، كما كان عليه الحال السنة الماضية، إلا أن ثروته عرفت بعض التراجع، (1.3 مليار دولار في 2013 مقابل 1.6 مليار في 2012)، وهو ما انعكس بالسلب على ترتيبه العام، حيث تراجع من المرتبة 804 إلى المرتبة 1107.
وكانت أعلنت المجلة الأمريكية قد أعلنت عن قائمة بأسماء 1426 شخصا في العالم يملك كل واحد منهم مليار دولار وما فوق. وجاء المكسيكي من أصل لبناني، كارلوس سليم حلو المركز الأول بثروة بلغت 73 مليار دولار، تلاه بيل غيتس في المرتبة الثانية، ثم الإسباني أمانشيو أورتيغا، خاطف الأضواء من جميع أصحاب المليارات.
وعلى الصعيد العربي ، تشير القائمة إلى احتلال السعودية ولبنان المرتبة الأولى بعدد أصحاب المليارات وحجم ثرواتهم، فمن 40 مليارديرا من 10 دول عربية، وردت أسماء 8 سعوديين ثرواتهم مجتمعة 55 مليارا و550 مليون دولار.
ميلود الشعبي..من فقر الصومال إلى التربُّع على عرش أثرياء المغرب
“أشعر أن المراحل التي مرّت منها حياتي شبيهة بفضاء الكولف، كلها حواجز وشعاب، لكن الحمد لله بالصبر والعمل الشاق استطعت التغلب عليها”، هكذا تحدث الملياردير ميلود الشعبي الذي دخل لقائمة مجلة “فوربس” السنوية لأبرز مليارديرات العالم، بعد أن قُدرت ثروته الصافية ب 2.9 مليار دولار ليحتل بذلك المرتبة 401 ضمن أثرياء العالم، وأولهم مغاربيا، وأبرزهم إفريقيا.
مؤسس ومدير عام مجموعة “يينا” التي تعني بالأمازيغية “أمي” انطلق في شق مساره الحياتي من الصفر. من الجوع والفقر ورعي الغنم، إلى الغنى وتأسيس هولدينيغ يضم اليوم أزيد من 70 شركة تعمل في أهم المجالات الاقتصادية بالمغرب. يقول ميلود الشعبي بفخر وكبرياء: “لقد كانت أسرتي تعيش فقر الصومال، حتى إن أخي توفي متأثرا من الجوع.. ماتت البهائم ومرضت.. 8 سنوات متتالية من الجفاف والعطش عشناها.. لقد كنا نموت من الجوع والعطش”.
أمام الظروف القاسية التي عاشها ميلود الشعبي وأسرته في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، قرر الشاب النحيف أن يتوه باحثا عن حياة أفضل له ولأسرته بعد أن كان راعيا للغنم بمنطقة “شعبة” بالشياظمة بضواحي مدينة الصويرة. انتقل الشاب ميلود في بادئ الأمر إلى مدينة مراكش التي لم يمكث فيها طويلا قبل أن يشد الرحال إلى مدينة القنيطرة حيث عمل في البناء كمُياوم بأجر يومي زهيد، لكن دخوله للعمل في هذا المجال كان بمثابة البوابة التي من خلالها سيؤسس أواخر سنة 1948 أول مقاولة في أشغال البناء والإنعاش العقاري، والتي ضمّت عاملين فقط، قبل تتطور المقاولة بشكل سريع رافقه إصرار الشعبي على صناعة مستقبله المهني بنفسه، وعلى طريقته الخاصة التي لا تحتاج لشواهد عليا من جامعات عريقة أو دروس في عالم المال والأعمال، بل إلى “الاكتواء بنار الخسارة وتذوق حلاوة النجاح” يقول الشعبي الذي يصف سر نجاح مجموعته “يينا هوليدانغ” التي توظف اليوم ما يزيد عن 1800 عامل بأنه “نجاح لقوة الإيمان التي يتمتع بها وثقته في الله”.
سنة 1963 كانت منعرجا حاسما بالنسبة لميلود الشعبي. في هذه السنة بالذات تم انتخابه رئيسا لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمدينة القنيطرة، وهو ما سمح له أيضا برئاسة جامعة الغرف التجارية والصناعية بالمغرب، حيث نسج العديد من العلاقات التجارية مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب، وهو ما أهله لفهم السوق وحاجياتها، مما ساعده على تنمية ثروته التي تضاعفت ليؤسس سنة 1986 “يينا هوليدينغ” التي تفرعّت عنها العديد من الشركات خاصة في المجال الصناعي عبر GPC المتخصصة في صناعة الكارتون وشركة “سنيب” المتخصصة في البيتروكيماويات و”ديماتيت” و”إلكترتا” المتخصصة في بطاريات السيارات، كما يملك الشعبي سلسلة فنادق “رياض موكادور” و”سواق السلام” دون إغفال فرع “الشعبي للإسكان” وهو فرع من فروع الهوليدانغ المتخصصة في السكن الاقتصادي.
وفي سنة 1987 قلدّ المرحوم الحسن الثاني ميلود الشعبي وساما من درجة فارس لما يقدمه للاقتصاد الوطني من خدمات. مكافأة الحسن الثاني للشعبي كانت بمثابة القوة الدافعة له بعد المضايقات التي وجدها من الوزير القوي حينها في الداخلية إدريس البصري.
مرّت الأيام، وتقوى الشعبي ماليا بكاريزما اقتصادية رهيبة، جعلت الملك الحالي محمد السادس يوشحه بوسام من درجة ضابط ووسام المكافأة الوطنية من درجة قائد. وفي سنة 2004 اختارته مجلة “ماروك إيبدو” رجل السنة. وفي سنة 2011 حلّ الشعبي في المركز 49 ضمن قائمة أغنى 50 عربيا، لما حققته شركاته من أرباح في جميع الدول التي يستثمر فيها الشعبي من قبيل ليبيا وتونس ومصر والإمارات العربية والعديد من دول الساحل الإفريقي.
ومع كل هذا النجاح “يعترف” ميلود الشعبي أنه ما كان ليتحقق لولا زوجته الحاجة ماما التي عقد قرانه عليها سنة 1955 فهي التي “ضحّت كثيرا في تربيتها للأبناء، في وقت كنت فيه أنا مشغولا بمشاريعي، وهي التي كانت تمنحني القوة والصب لمواجهة الأزمات الاقتصادية.. إنها امرأة متدينة استشير معها في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بمشاريعي” يقول ميلود الشعبي بشيء من الدفء.
بعد كل “الكوارب” الحياتية التي عاشها ميلود الشعبي، والفقر الذي لازمه في بداية حياته، تغيرت أحوال الرجل البدوي الذي كان راعيا للغنم ليصبح اليوم من عشاق سيارات الفيراري والجاغوار التي يقودها بعد لعبه لرياضة الغولف، قبل أن يعود لبيته الرباطي المجاور لسفارة باكستان، ليفكر في مشاريعه من بيته الفسيح، وفي عطله التي غالبا ما يقضيها غالبا بإيطاليا.
ومع كل هذا المسار الناجح لرجل عصامي لم يدخل المدرسة قط، وليس في ذاكرته صورة لقسم، صنفت مجلة “فوربس” الأمريكية ميلود الشعبي، 83 عاما، في المرتبة الأولى كأول ثري مغربي ينام على ثروة قدرت ب 2.9 مليا دولار ومركز عالمي بين أغنياء العالم هو 401.
أثرياء المغرب يتنافسون على أعراس ألف ليلة وليلة
ينظمون حفلات زفاف باذخة تدهش الحاضرين بهدف التفاخر الاجتماعي
حسن الأشرف – العربية
تتنافس العديد من العائلات الثرية بالمغرب على تنظيم حفلات الأعراس في أبهى الحلل وأبهر الأشكال، من خلال حرصها على أن تكون حفلات الزفاف هذه فاخرة إلى أقصى حد ممكن، من خلال استعراض آخر تفاصيل الموضة وأرقى الأزياء، مع استيراد أشهى المأكولات من المطاعم الأوروبية.
وتعمد عائلات موسرة بالمغرب إلى تنظيم حفلات زفاف باذخة تسعى إلى البهرجة والإدهاش، وذلك وفق مواضيع خاصة مثل تيمة فصل الشتاء، أو تيمة المزرعة، أو تيمة ورود الحديقة، أو ألف ليلة وليلة، أو تيمة الرومانسية والألوان، أو الأعراس في طقوس هندية.
أعراس ألف ليلة وليلة
وأثارت حفلات زفاف أقامها عدد من أشهر أثرياء البلاد لأبنائهم وبناتهم دهشة كل من حضرها من المدعوين والضيوف والمجتمع المحلي، بسبب مشاهد الفخامة التي تأسر العيون وتخطف القلوب، حيث كل أسرة من الطبقة المخملية تحاول أن تنظم عرسا أكثر إبهارا من العائلات الأخرى.
ويتحدث الكثيرون عن حفل زفاف أقامه رجل أعمال شهير دام 3 أيام كاملة ومتواصلة بنهارها وليلها، حيث لم تكف الفرق الموسيقية عن الغناء طيلة هذه المدة بشكل مسترسل، فيما حرص الثري المغربي على أن تكون وجبات زفاف ابنته مُستقدَمة من فرنسا خصوصا.
وبدت ابنة أحد الأثرياء في عرسها بفستان مرصع بالذهب الخالص من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها، فيما ظهرت عروس غني آخر بأزياء جُلبت خصيصا من أفخم محلات الموضة في إيطاليا وفرنسا، بينما حرص رجل أعمال على نقل ضيوف عرس ابنه على متن طائرات صغيرة خاصة.
وقال منير بناني، مسؤول شركة تنظيم الحفلات الراقية، ل”العربية.نت” إن موضة التيمات انتشرت منذ فترة في حفلات الزفاف الباذخة بالمغرب، حيث تقوم شركة تموين الحفلات على تأثيث حفل الزفاف وفق التيمة المطلوبة من أول العرس إلى آخره، فإذا كانت التيمة هي مثلا الورد تمتلئ الموائد والأرضية والسقف بأجمل الزهور بشكل دقيق ومُغر للنظر، كما أن الحلويات تتخذ شكل الورود، علاوة على أزياء العروسين.
وتيمة الألوان مثلا، يُكمل بناني، تعني اختيار اللونين الأبيض والأسود أو اختيار اللون الأحمر في جميع تفاصيل الحفل حتى يكون هو المُهيمن، مردفا بأن هناك من يريد أن يُنظَّم الحفل في مكان يشبه مزرعة أو بُحيرة، ما يستدعي تأثيث مكان الحفل بكافة الاكسسوارات التي توحي بذلك فعلا للحضور.
إثارة الدهشة والغيرة
وتعلق ابتسام العوفير، الباحثة في علم الاجتماع، في تصريحات ل”العربية.نت” على المنحى الباذخ الذي تتخذه بعض حفلات الزفاف لدى العائلات الموسرة بالمغرب، بأنه يُعزى أساسا إلى كون ذلك يساير قاعدة “المال ينادي على المال”، على حد قولها.
وتشرح العوفير بأن هذه الحفلات الباذخة تعد نوعا من الاستثمار عندما يجلب الثري صاحب العرس إلى حفلة الزفاف الفاخرة رجال أعمال آخرين يجعلون من المناسبة السعيدة فرصة لتبادل التجارب، وربما عقد صفقات تدر على الغني منظم العرس أرباحا في المستقبل.
وأردفت الباحثة إلى أن عددا من أصحاب الثروات الكبيرة لا يعبئون أين أو كيف تصرف أموالهم، خاصة عند أدائها في ما يهم أبناءهم وبناتهم، وبالتالي تكون تلك الحفلات العائلية مجالا لصرف أقصى الأموال وبطرق تهدف إلى البهجة وإثارة الدهشة عند الناس.
وتفسر العوفير سعي بعض الموسرين إلى إدهاش الناس في حفلات الزفاف الفخمة بأنه نوع من التفاخر الاجتماعي، والرغبة في إبراز القدرات المالية والتفوق على الغير، مشيرة إلى أن هذا التفاخر ليس موجها بالضرورة ضد فقراء المجتمع، وإنما أحيانا كثيرة يكون المقصود منه إثارة “غيرة” الأثرياء من نفس الطبقة.
ملوك الطائرات الخاصة: حكاية ثريات وأثرياء المملكة الذين يقودون مصائرهم في السماء بأيديهم
من المغرب إلى باريس، والعطلة السنوية تجمع فريد برادة وزينب بنحميدة وأطفالهم الثلاثة، و”إيطو” التي احتفلت في الشهر الماضي بعيد ميلادها الثالث عشر، ثم إدريس الذي يبلغ من العمر 9 سنوات، ثم أمين الذي يبلغ تسع سنوات، والجميع سافر من المغرب قبل نهاية السنة الماضية إلى فرنسا للاحتفال بالسنة الجديدة، حوالي أسبوعين من الفرح الأسري الذي لم يفارق عائلة برادة وبنحميدة، بالمغرب أو خارجه، قبل أن يتحول الفرح إلى فاجعة وكارثة إنسانية بامتنياز، بعد أن تحطمت الطائرة الخاصة التي كان يقودها برادة.
ليست هذه المرة الأولى التي يسافر فيها برادة وحيدا، أو مع أفراد أسرته، عبر طائرة خاصة، وصهره بوشعيب بنحميدة قال إن فريد برادة مالك “كولورادو” سافر عبر الطائرة الخاصة التي تملكها عائلته منذ عشرين سنة.
ابن المحامي الشهير، برادة أول مدير ليومية “لوبينيون”، وأحد أثرياء المغرب، الذي يفضل الاشتغال في الظل، ولذلك ظلت عدسات الصحافيين ومقالاتهم تخطؤه لسنوات، في نفس الوقت الذي كانت الكثير من الأضواء تتجه إلى نخبة من رجال الأعمال باعتبارهم أصحاب وملوك الطائرات الخاصة، علما أن فريد برادة قد يكون من الأوائل الذين اقتحموا هذا المجال، ليس مالكا فقط، بل سائقا مولعا لها وخبيرا بأسرارها.
من المقر العام لاتصالات المغرب بالعاصمة الرباط إلى فرنسا أو بلجيكا أو إسبانيا ... أو فقط أكادير ثم مراكش، والمسافة لا تهم ما دامت الطائرة الخاصة للرئيس المدير العام لاتصالات المغرب جاهزة، إشارة واحدة من عبد السلام أحيزون والطائرة تصبح جاهزة للإقلاع إلى أي مكان، حيث الاجتماعات المتواصلة مع شركاء المؤسسة القوية في عالم الاتصالات.
إنها واحدة من آخر صيحات الطائرات الخاصة، وعبد السلام أحيزون في المقدمة إلى جانب مستشاريه، ولا يهم عددهم والطائرة تتسع ل12 راكبا بمن فيهم السائق، ومكتب صغير لاستكمال الأعمال التي بدأها أحيزون وطاقمه في مقر اتصالات المغرب.
إنها واحدة من صيحات الطائرات الصغيرة، مساحة طبعا، وإن كان ثمنها يتجاوز 20 مليون سنتيم، ويمكن أن يقطع عبرها المئات من الكيلومترات.
وللذين لا يعرفون عبد السلام أحيزون الذي يدير أيضا شؤون الجامعة الملكية لألعاب القوى، فإنه كان من أواخر رجال االأعمال المغاربة الذين التحقوا بعالم الطائرات الخاصة في المغرب.
لقد سبقه إلى نادي ملوك الطائرات الخاصة الملياردير عثمان بنجلون وعزيز أخنوش وميلود الشعبي وأنس الصفريوي ومريم بنصالح ...
لكل سببه في شراء طائرة خاصة أو كرائها، فالأمر هنا لا يتعلق بالثراء، ولذلك لا يتوفر كل أثرياء المغرب على طائرة خاصة، وأجندة المهام الرسمية للرئيس المدير العام لهذا الهولدينغ أو ذاك هي التي تحسم، مقارنة مع كلفة شراء الطائرة وكلفة صيانتها، ولذلك الميزان اختل بين كثافة الأجندة مع سعر الطائرة وكلفة صيانتها، فقد باع البرلماني الاتحادي حسن الدرهم الطائرة التي كان يتوفر عليها وهي من نوع “كينغ إير200″.
ليس عبد السلام أحيزون إلا أحد مدراء أكبر المؤسسات في المغرب الذين يحلقون في سماء المملكة، وحتى خارجها، عبر طائرة خاصة صحيح أنها في ملكية المؤسسة القوية اتصالات المغرب، لكن مريم بنصالح، أحد أعمدة شركة “هولماركوم” ورئيسة الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، لا تفارق في بعض المناسبات طائرتها الخاصة لتسافرمن البيضاء إلى مراكش، ومنها إلى طنجة، قبل أن تعود في نفس اليوم إلى العاصمة الاقتصادية، بعد أن تكون حضرت أزيد من اجتماع، منها ما يهم شؤون الهولدينغ “هولماركوم”، ومنها أيضا ما يتعلق باتحاد الباطرونا المغربية.
عموما، يعتمد رجال الأعمال في تنقلاتهم على الطائرات الخاصة التي يملكونها أو يعمدون إلى كرائها ليس من سبيل إظهار مظاهر الثراء، كما أكد لنا بعضهم، ولكن رغبة منهم في القيام برحلات لربح الوقت، والإنتقال إلى الخارج، لحضور الندوات الدولية، أو توقيع إحدى العقود، أو قضاء عطل استجمام رفقة الأصدقاء أو أفراد العائلة، ومن ثم من أجل الالتزام بكل مواعيدهم وتسهيل تنقلهم في أكثر من مكان وفي زمن ضيق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الطائرات الخاصة تؤمن الذهاب والإياب، من بلد إلى آخر، والعودة إلى المغرب مساء اليوم نفسه، كما أن عدم وجود رحلة مباشرة من المغرب نحو البلد المقصود، هو واحد من أهم الأسباب المباشرة لإقتناء الطائرات الخاصة أو كرائها، واجتناب إجراءات السفر من فحص للجوازات وتذاكر الرحلة.
ويتراوح ثمن الرحلة في الطائرات الخاصة من 18 ألف درهم، إلى 40 الف درهم لساعة واحدة من الطيران، ولهذا بالضبط يفضل بعض أثرياء المملكة شراء طائرة خاصة بدل كرائها، ولذلك أيضا لجأ هولدينغ “هولماركوم” لشراء طائرة من “كينك إير 350″، وهو نفس النوع الذي يسافر عبره عثمان بنجلون صاحب هولدينغ “فينانس.كو” إلى أكثر من مدينة داخل البلاد وخارجها، أما الحاج ميلود الشعبي فقد كان يسافر على متن طائرة خاصة من نوع “سينيا 421″ الصغيرة الحجم والتي تصل عدد مقاعدها إلى ستة مقاعد، قبل أن يقرر بيعها قبل ست سنوات، لكن ملك العقار الاقتصادي والاجتماعي أنس الصفريوي، فإنه يملك طائرة خاصة من نوع “سيتاسيون 1″ ذات الثمانية مقاعد والتي يتجاوز سعرها تسعة ملايير، وهي نفسها التي ردد راديو الشارع أنها استعملت في نقل الفنانة اللبنانية الشهيرة نانسي عجرم إلى مدينة مراكش في سنة 2008 من أجل إحياء حفل زفاف نجل أنس الصفريوي الرئيس العام لمجموعة الضحى، أما عزيز أخنوش وزيرالفلاحة وصاحب الهولدينغ “أكوا” فإنه لا يملك طائرة خاصة حسب ما تردد كثيرا في أوساط رجال الأعمال، بقدر ما أنه يسافر عبد طائرته المفضلة “اييرجيت 45″ التي يكتريها من نفس شركة :ميدي بزن سجيت” التي يعد أحد المساهمين فيها.
وهذه أهم شركات الطائرات الخاصة بالمغرب
شركة”هليكونا هولدينغ” بمراكش
“ألفا إير” ومن أهم مساهميها الأخوين شكيب وأنس الحرشي.
شركة”ميدي بزن سجيت” بالدار البيضاء، ومن أهم مساهميها، عزيز أخنوش وزير الفلاحة.
شركة”داليا إير” برأس مال كويتي.
شركة “إير رباط” في العاصمة الرباط.
ما أصل الثروات الكبرى في المغرب؟
بنجلون، بناني، التازي، الكتاني،بنشقرون، برادة...
إنها الأسماء الرنانةللعائلات الفاسية الثرية في المغرب.
على الطرف الآخر، تنتصب أسماء أخنوش، أمهال، أباعقيل،
ممثلوالنخبة السوسية في نادي أثرياء المغرب.
معظم هذه العائلات ليست “حديثة بالنعمة“، فبعضها بدأ مراكمة الثروة منذ أكثر من قرن. ويبدو أن الظروف كانت في صالحها، في مختلف المحطات في تاريخ المغرب، بدءا من القرن التاسع عشر، كما هو شأنالعائلات الفاسية، وثلاثينيات القرن الماضي بالنسبة إلى العائلات السوسية، مرورا بلحظة الاستقلال التيغادر فيها الأوربيون المملكة الشريفة تاركين المجال مفتوحا أمام هذه العائلات.
فمن هي هذه العائلات؟ وكيف تشكلت، تاريخيا، ثروتها؟ وكيف لعبت الظروف لصالحها دائما؟ وما علاقتهابالسلطة؟. ومن هم الذين شكلوا الاستثناء وامتلكوا ثروات هائلة، دون أن ينتموا إلى العائلات الفاسية أوالسوسية؟.
“الآن" تعود إلى القرن التاسع عشر، لتحكي قصة هذه العائلات منذ لحظة صعودها، وتقدم بورتريهات بأهممن لازال يملك منها الثروة في المغرب.

سنة 2012، دخل المغرب لأول مرة إلى قائمة أثرياء العالم، حسب التصنيف الذي تضعه سنويا مجلة “فوربس" الأمريكية المتخصصة في إحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية حول العالم. مثّل المغرب في تلك القائمة كل من ميلود الشعبي، يليه عثمان بنجلون، ثم أنس الصفريوي.
لكن، إذا كان الشعبي بدأ حياته راعيا فقيرا للغنم، قبل أن يراكم ثروة قدرت ب 2.9 مليار دولار، جعلته يتقدم قائمة أغنى أغنياء المغرب، فإنه ليس إلا الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. والقاعدة هي أن أغلب أغنيائنا ينحدرون من عائلات راكمت الثروة منذ فترة ليست بالقصيرة. فالعائلات الفاسية العريقة، أمثال بنجلون، التازي، بنيس، بناني، بنشقرون وغيرها، بدأ صيتها يذيع منذ القرن التاسع عشر. أما العائلات السوسية، كأخنوش، وأباعقيل، أمهال، فبدأت شق طريقها نحو الثروة، منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
فاسة.. غنيمة التحديث
مع حلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان جهاز الحكم المركزي في المغرب (المخزن) في وضع لا يحسد عليه: نفوذ أوربي يتعاظم يوما بعد آخر، يقابله جهاز إداري مغربي تقليدي عاجز تماما عن التصدي له. في الحقيقة، لم يكن هناك فارق كبير بين النظام السياسي المغربي، في هذا التاريخ، والنظام الذي بناه المولى إسماعيل، قبل قرنين.
أصبح، إذن، تحديث الجهاز المخزني ضرورة قصوى لمسايرة التطور. هكذا، عرفت الحكومية المغربية، ابتداء من النصف الثاني من القرن ال19، تغييرات مهمة؛ فقد ابتكرت دواليب حكومية وإدارية لم تكن معروفة: أحدثت، لأول مرة في تاريخ المغرب، وزارات الخارجية والمالية والدفاع، وصار لدى المخزن “المعدل" وزراء وكتّاب وقواد وأمناء وقضاة... إلخ. لكن ظل السؤال الأهم هو: من سيتولى كل هذه المهام؟
قبل ذلك التاريخ بسنوات قليلة، كان مجموعة من التجار سبقوا المغرب إلى الانفتاح على الدول الأوربية، وكوّنوا ثروات مالية مهمة، خاصة بفضل تجارة النسيج مع إنجلترا. بدا أن هؤلاء هم الأنسب لشغل المناصب الجديدة في الجهاز المخزني. في الحقيقة، كان هؤلاء يحملون ألقابا من قبيل: بنجلون، بناني، بنيس، بوعياد... إلخ.
يعود أصل كثير من هذه العائلات إلى بيوتات أندلسية، لذا كانت تتمتع بثقافة حضرية مترسخة في مغرب يغلب عليه الطابع القروي. وهو ما جعلها الأكثر استعدادا لشغل المناصب الجديدة في الدولة. ينضاف إلى هذا مكانتها الاقتصادية، وخبرتها في مجالات السياسة الخارجية والدبلوماسية، نتيجة احتكاكها مع الأجانب وإتقانها اللغات الأجنبية.
شكل المنحدرون، بوصف الباحث الاقتصادي إدريس بنعلي في مقال بمجلة “زمان" التاريخية المتخصصة، “سلالات حقيقية. فمنذ انفتاح أبواب الحكم أمامهم، لم يغادروه، في أي محطة من تاريخ المخزن. آل بنسليمان، بنشقرون، وبناني عيّنوا وزراء أو تحملوا مسؤوليات في استغلال القطاعات العقارية، وتدبير خزينة الدولة. آخرون، أمثال الشرايبي، بنكيران، جسوس، وبرادة احتلوا مناصب هامة، خاصة في ميادين التجارة، المالية، الدبلوماسية، وإدارة الضرائب".
دخول هذه العائلات التاجرة إلى المجال السياسي لم يكن محل ترحيب من قبل النخبة المتأدبة (نخبة العلماء وخريجي القرويين أساسا) التي كانت تهيمن على أركان الحكم إلى جانب السلطان، فاعتبرتها مصدر الضعف الذي أصاب البلاد في القرن التاسع عشر. الفقيه محمد بوجندار، مؤرخ مدينة الرباط وأديبها، وصاحب الكتاب المعروف “الاغتباط بتراجم أعلام الرباط"، لم يكتم غضبه من النخبة التاجرة، ورآها سبب كل الشرور. يقول الفقيه: “ومع ذلك؛ ففي عهده (يقصد مولاي الحسن) تأكدت المواصلة بأوربا وعظمت التجارة وكثرت الأموال بين الناس، فتأنقوا في المصانع والأبنية، وبلغ أهل المغرب في الرفاهية ما لم يبلغه أسلافهم. وكانت تلك الأيام، على ما فيها من كثرة الغزوات والحركات، كلها خيرات ومبرات وبركات، لم يكدر صفوها إلا تسرب أقوام من التجار للمناصب السامية والمراتب العالية. فارتفعت منزلتهم ونفذت كلمتهم. وصار بيدهم الحل والعقد والأخذ والرد. ولكنهم، لسوء تصرفهم، أوقعوا بالدولة الوقعة الأخيرة وأصابوها بالأزمة الخطيرة".
حدث هذا في منتصف القرن التاسع عشر. أما في مطلع القرن العشرين، فعندما وضع الباحث الفرنسي روني لوكليرك، سنة 1905، قائمة تضم أكبر تجار فاس، نجد أن الأسماء ذاتها حافظت على مكانتها، حيث اشتملت القائمة على العائلات الفاسية الرئيسية، أمثال: بنجلون، التازي، الأزرق، لحلو، بنيس، بناني، برادة، جسوس، بنشقرون، الصقلي، الشرايبي، وبلمليح... إلخ، قبل أن تنضاف إليها أسماء أخرى، في عهد الحماية، كالسبتي، والغزاوي، ومكوار والعراقي.
ومع دخول المغرب تحت الحماية الفرنسية، سنة 1912،توجدت هذه العائلات أن مصالحها أصبحت مهددة، فتموقعت في صف الحركة الوطنية. يعلق جون واتربوري، في كتابه “أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية": “تميزت هاته السنوات بتكاثر الجالية الفرنسية والمصالح الاقتصادية الأجنبية، وأدرك الرأسماليون المغاربة أنهم سيبعدون لا محالة عن السوق المالية، لأن إمكانياتهم النقدية أقل بكثير من إمكانيات منافسيهم الفرنسيين. وكانت إدارة الحماية تلعب دورا أهم من ذلك، إذ عملت على منح التجار الفرنسيين جميع الامتيازات، وتعاقدت معهم على حساب المغاربة. لقد فهمت البورجوزاية، آنذاك، أن خلاصها يكمن في تحطيم جهاز الحماية، وطرد المصالح الأجنبية". وهذا لا ينفي، بالطبع، النزعة الوطنية الذي كانت تتميز بها أغلب هذه العائلات.
لم يكن وجه الحماية كله أسود، فقد استفادت عائلات البورجوازية الوطنية من النظام التعليمي الجديد الذي أرسته فرنسا في المغرب، فأرسلت أبناءها إلى المدارس العصرية. وتشكل ثانويتا مولاي إدريس بفاس ومولاي يوسف بالرباط المشتل الذي تربى فيه أبناء هذه العائلات.
في الحقيقة، ورغم استفادتها من تحديث الجهاز المخزني في القرن ال19، يبقى القرن العشرون المحطة الأساسية في مسار البورجوازية الفاسية. مرد ذلك، حسب إدريس بنعلي، هو استفادتها من تكاثف عدد من المعطيات الجديدة: أولا، ظهور دولة مركزية قوية ونظام سياسي مستقر يتيح إمكانية تراكم رؤوس الأموال وانتقالها. انطلق هذا مع الحماية، وتعزز بشكل أكبر مع الاستقلال. ثانيا، ظهور نظام اقتصاد سوق قوي. وأخيرا، الانفتاح على الخارج، وهو أيضا ما لم يكن متاحا بالكيفية نفسها في الحقبة قبل الاستعمارية، لضعف البنية التحتية ووسائل المواصلات.
بعد الاستقلال، عادت النخبة الحضرية، المكونة أساسا من العائلات الفاسية، للهيمنة على جهاز الإدارة في المغرب؛ فقد “كانت، بتعبير واتربوري، وحدها القادرة على تزويد الإدارة بما يلزمها من الأطر لتوسيع مجال نشاطها. وحينما بدأت الشرائح الاجتماعية الأخرى، التي لم تستفد من نظام التعليم في عهد الحماية، تسترجع ما ضاع منها من الوقت، كانت النخبة الحضرية لا تزال تحتل الصف الأول في الهرم الحكومي".
لقد دفع الحضور الطاغي للنخبة الفاسية، في مرحلة الستينات، في جهاز الإدارة المغربية العديد من المغاربة إلى التذمر من “الاستعمار الفاسي"، الذي عوض الاستعمار الفرنسي. وفي السبعينيات، سيلعب الحظ مرة أخرى لصالح العائلات الفاسية، حيث ستستفيد من قانون المغربة لسنة 1973.
سواسة.. إلى الشمال من أجل التجارة
لا ينتمي السوسيون إلى الفئات المحظوظة، ولا يتميزون بثرواتهم أو بسمعتهم الثقافية أو بمكانتهم داخل الإدارة؛ غير أنهم تمكنوا، على الرغم من ذلك، من اقتحام الطبقة القيادية على المستوى الاقتصادي، وحتى السياسي. وشكلوا قصة نجاح نادرة. فكيف حدث ذلك؟
عندما بلغ الفرنسيون منطقة سوس، سنة 1934، تفاجؤوا بمنظر القرى، حيث المنازل أنيقة وباهرة. وحينما بحثوا عن الموارد الاقتصادية لهذه المنطقة وجدوها جد متواضعة. لكن زال الاندهاش، بمجرد ما علموا أن هناك فردا واحدا على الأقل من كل بيت يتاجر في الشمال.
ففي ثلاثينيات القرن الماضي، شهدت منطقة سوس هجرة مكثفة لأفرادها إلى مدن الشمال، كطنجة، وبقية المدن الكبرى: الرباط، مراكش، وخاصة الدار البيضاء. هناك تركوا مهنة “العطار" خلف ظهورهم واستبدلوها بدكاكين صغيرة للبيع بالتقسيط.
أقام السوسيون دكاكينهم الأولى إما بقرب أحياء الأوربيين أو داخلها. لكن الاستعمار أدى إلى تحولات اجتماعية عميقة، كانت في صالحهم. فلقد أدت الهجرة القروية نحو المدن الصناعية، كالدار البيضاء، إلى ظهور أحياء الصفيح، التي عرفت بدورها انتشار حوانيت السوسيين. وسواء في أحياء الأوربيين أو أحياء الصفيح، فإن تجارة المواد الغذائية كانت مجال تفوق التاجر السوسي.لم تكن البداية دائما جيدة، إلا أن ظروف الحرب العالمية الثانية ستلعب لصالح التجار السوسيين. فقد أدى الإنزال الأمريكي في المغرب، سنة 1942، إلى إغراق الدار البيضاء ومدن أخرى، كالقنيطرة، بالجنود الأمريكيين. هؤلاء ضخوا في السوق سيولة مالية كبيرة مكنت السوسيين من تصريف بضائعهم، محققين بذلك أرباحا خيالية، جعلتهم يصنفون من الأثرياء.
بفضل الوضعية الجديدة، تمكن التجار السوسيون من جمع رؤوس أموال مهمة جعلت بعضهم يرتقي في سلم النشاط التجاري إلى مرتبة تجار الجملة، التي كانت في ما قبل حكرا على التجار اليهود.
ومنذ ذلك التاريخ، توالت نجاحات التجار السوسيين. ففي “أقل من ثلاثة من أرباع قرن، يقول محمد جامع أستاذ التاريخ بجامعة القاضي عياض بمراكش، صار أبناء الدواوير (السوسية) البعيدة مدراء ومسيرين لثروات وشركات عائلية من الطراز الأول. لقد انتقلوا من دور التاجر الوسيط إلى دور المنتج والمستورد والموزع. وبفضل قدراتهم على التكيف، أصبح أبناء تجار التقسيط القدامى، اليوم، عمداء لمدن كبرى، ووزراء في قطاعات حيوية وسفراء".
لكن، تبقى لحظة الاستقلال المحطة الحاسمة في تاريخ نخبة سوس. حينها لم يعد الوضع مناسبا للأوربيين للاستثمار في المغرب، فقرروا الرحيل وحملوا معهم رؤوس أموالهم إلى الخارج. وهي الفرصة التي انتهزها التجار السوسيون، وسارعوا إلى شراء الشركات والمحلات التجارية والفنادق والمقاهي، وكونوا بذلك ثروات لا يستهان بها، مكنتهم، أحيانا، من الوقوف في صف واحد مع العائلات الفاسية العريقة.
وكانت سنوات الستينيات مرحلة التحولات في النخبة السوسية؛ فقد ساير العائلات السوسية التطورات في عالم الاقتصاد. وعلى غرار نظيرتها الفاسية، سجلت أبناءها في المدارس الحديثة، خاصة الفرنسية، والجامعات المرموقة.
والسبب يعود، حسب محمد جامع، إلى أن “الثروات، التي جمعها الآباء بفضل الفطنة والبراغماتية، أضحت تتطلب معارف جديدة مبنية على المنطق والعقلانية والتواصل (الأبناك، المحاسبة، العلاقات الخارجية، تدبير الموارد البشرية...)". بهذا التحول الأخير، أصبح التجار السوسيون لا يختلفون كثيرا عن المقاولين الآخرين، إذ لم يعد هناك فارق كبير بينهم وغيرهم من التجار، بمن فيهم الفاسيين.
تراجع اليهود
مرّ زمان كان لليهود المغاربة دور في الطبقة القيادية في الإمبراطورية الشريفة. لكن هذا الأمر أصبح فيعداد الماضي، بعد أن غيّب الموت كبار الشخصيات اليهودية، فيما فضّل آخرون الهجرة.
فإلى حدود نهاية القرن التاسع عشر، كان لليهود نصيب وافر في المبادلات التجارية، في إطار ما كان يعرفب“تجار السلطان“. انفرد هؤلاء، خاصة في مرحلة حكم سيدي محمد بن عبد الله (1754-1790)، بالأولويةفي المتاجرة بأموال السلطان، وحصلوا على امتيازات عدة: السماح لهم بالمتاجرة مع أوربا، واحتكار تجارةبعض المواد، والاستفادة من القروض، وتخفيضات هامة على الرسوم الجمركية، والتأجيل في سدادالديون. وعلى عكس باقي أفراد الطائفة اليهودية، الذين يقطنون في الملاح، استقرت عائلات “تجارالسلطان" داخل القصبة مثل جميع خدام الدولة الكبار، بل أعفيت من الجزية وتمتعت بحماية السلطانوعماله في مختلف المدن، كما أسبغت عليها ظهائر التوقير والاحترام.
واشتهرت من بينهم عائلات بعينها، أمثال آل قرقوز وآل أفرياط وآل مقنين، حيث نحتت أسماءها في تاريخالمغرب الاقتصادي والدبلوماسي، على حد سواء. ولم يقتصر دورها على النشاط التجاري، بل تعداه إلىتكليفها بمهام دبلوماسية، إذ ارتقى بعض أفرادها إلى درجة سفراء وقناصل للسلاطين المغاربة لدى الدولالأوربية.
لتدعيم نفوذها، سعى عدد منها إلى تزويج بناتها، بمهور عالية، من عائلات مسلمة، لتخدم مصالحها، حتىلو اقتضى الأمر تخلي البنت عن ديانتها. بل إن عددا من العائلات التجارية الفاسية، كلحلو وبرادة وجسوسوبنيس وبنشقرون وبنكيران والكوهن، كلها يهودية الأصل واعتنقت الإسلام.
ومع تزايد التغلغل الأوربي في المغرب، سعت العائلات اليهودية إلى التقرب من القوى الأجنبية، ونجح كثيرمنها في الحصول على الحمايات القنصلية الأجنبية، وأصبحت وسيطها المفضل. وفي المنحى ذاته، تقوىنفوذ اليهود في عهد الحماية الفرنسية، وتعزز موقعهم داخل الإدارة وفي الأوساط الاقتصادية.
لكن هذا النفوذ ما لبث أن تراجع بعد حصول المغرب على استقلاله، نتيجة هجرة اليهود المغاربة إلى الخارجبشكل خاص. ففي سنة 1966، أي عشر سنوات فقط بعد الاستقلال، انخفض عدد اليهود بالمغرب إلى 55ألفا، بعدما هاجر أكبرهم سنا وأقلهم ثروة إلى إسرائيل، فيما هاجر الأغنياء إلى أوربا.
تافراوت...أٍرض المليارديرات
كلهم هاجروا من تافراوت بحثا عن متسع من الرزقفي أرض الله الواسعة، لا يملكون سوى حلما في أنيعيلوا أسرا لهم هناك ضاقت ذرعا بالفقر.. حلّوا بأكاديرأو توغلوا بعيدا نحو الدار البيضاء، كي يجرّبوا حظهمفي عوالم غريبة عنهم.. لا يملكون سوى استقامةمشهود لهم بها وأمانة انطبعت عميقا في أرواحهم.
لا أحد كان يتوقع أن تعطي تلك الأرض المتوارية بعيدافي جبال الأطلس أولئك المليارديرات الذين هجروهافي بداية الأربعينات من القرن الماضي هربا منشظف العيش، وإن كانوا تعلموا فيها قيم الصبروالمثابرة والاكتفاء بالقليل.. فقد أتوا من أرض تشكلمقدمة للصحراء، قاحلة، لا ترحم شمسها القاسية..في الأربعينيات من القرن الماضي، كانت تافراوت قرية صغيرة يقيم أهلها أودهم بخبز الشعير وزيت الزيتونواللوز .. اللحم ترف لا يسعون إليه، فلا فائدة من ذلك.
سعي الشباب إلى الحصول على عمل يعيلون به أسرهم الفقيرة يخيب بسرعة .. في هاته الظروف، تلحالهجرة على الشباب الطموح.. وبطبيعة الحال، تتفرق بهم السبل؛ فمنهم من يحل بفرنسا، ومنهم منيكتفي بأكادير، ومنهم من يمضي نحو الدار البيضاء .. أغلبهم التحقوا بمحلات للبقالة.. تلك حرفة سوفيعرفون بها وسبروا أسرارها ولا يبزهم فيها أحد.. لم يأتوا إليها مدججين بخبرة في التجارة من تافراوت، ولمتسعفهم في ذلك معارف علمية بقوانين السوق؛ فبالكاد كان بعضهم يحفظ بعض آيات القرآن الكريم.. أقبلواعلى تلك الحرفة مسلحين بالكثير من حسن النية والاستقامة والإخلاص في العمل والرغبة في تحقيقأمر ما. ذلك الأمر الذي لم يكن الرعيل الأول يعرف ما شكله وطبيعته، وإن كان من ساروا على دربهم،استفادوا من تجربتهم وثابروا في بلوغ ما بلغه الأوائل.
بعض الأسماء أصبحت تثير الكثير من الإعجاب ونسجت حولها الكثير من الأساطير؛ فأسماء مثل الحاجمولاي الحسن مسعود أكوزال والحاج عمر والحاج محمد أمهال والحاج أيت منة والحاج أيت أمزال والحاجأحمد أولحاج أخنوش والحاج حسن الراجي والحاج أولحوس.. عرفت تقريبا المسار نفسه.. هاجرت مندواويرها نحو أرض الله الواسعة.. وبدأت مشوار الألف مايل بمحل للبقالة... قبل أن تصبح على ما يعرفهاعليه الناس من غنى وثراء .. انتقل إلى الأبناء الذين تمكن بعضهم من تنمية تلك الثروات كي يصبحوامليونيرات ومليارديرات، بفضل نهجهم أساليب حديثة في التدبير والتسيير.
مهما بلغوا من ثراء كانوا يؤوبون إلى مسقط الرأس والقلب.. تافراوت ظلت ذكراها حية ترضع الأمهات حبهاللأبناء بعد أول صرخة.. ويتبارون في رد الجميل لتلك المدينة.. ومنذ موجة الهجرة الأولى، حرص الرعيلالأول على توطيد الصلات معها.. الأمر لم يكن يحتاج سوى إلى إرسال المال إلى الأسر التي ظلت هناك،ومحاولة تأبيد تقليد زيارتها باستمرار؛ ففي سنة 1935، أي سنة واحدة بعد إخضاع سوس من قبلالمستعمر الفرنسي، انطلقت أولى الحافلات الرابطة بين البيضاء وتافراوت، وفتح أول مكتب للبريد تتجمعفيه كل الأموال المحولة من أبناء المدينة إلى ذويهم.
سواسة والسياسة
كما يمارس السوسيون الاقتصاد في إطار الجماعة، فإنهم يمارسون السياسة أيضا بالطريقة نفسها؛ فقدتنقل السوسيون، طيلة ثلاث عشرة سنة، بين ثلاثة أحزاب. كلما خاب أملهم في حزب ساندوا آخر انتقامامن الأول. لذلك، فإن هذه الأحزاب، وهي على التوالي حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثمجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، كانت تفقد ولاء السوسيين بالسرعة نفسها التي تكسبه بها.
في مرحلة الحماية، انضم السوسيون إلى حزب الاستقلال، لكنهم عانوا من القيادة البورجوازية الفاسية.وبمجرد انقسام الحزب سنة 1959، اصطفوا إلى جانب جناح المهدي بنبركة التي يتكون في معظمه منالعناصر غير الفاسية، ويضم قيادات بارزة من الجنوب، أمثال عبد الله إبراهيم والفقيه محمد البصري، وكانوابذلك من المؤسسين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية؛ إلا أن حبل الود لم يدم طويلا بين السوسيينوالاتحاد الوطني، حيث برهنوا على ليونة سياسية كبيرة، فبمجرد تأسيس جبهة الدفاع عن المؤسساتالدستورية انتقلوا إليها، وشاركوا تحت يافطتها في انتخابات الغرف التجارية والصناعية سنة 1963. أماالعلاقة بالمخزن، وبسبب التجربة السيئة مع القواد والممثلين المحليين للمخزن، فلم يكن السوسيونيضعون ثقة كبيرة في الحكم المركزي. وهكذا، فإن عائلات سوسية كبيرة، أمثال أمهال، أخنوش، آيتالراجي، أكوزال، أباعقيل، وغيرها، حاولت أن تضع دائما بينها وبين المخزن والسياسة عموما أقصىمسافة ممكنة. ونادرا ما كان ينجح بالزج بها في الشأن السياسي.
بنجلون .. تقليد عائلي
في مكتبه بالطابق الثامن بالمقر الرئيس للبنك المغربي للتجارة الخارجية، الواقع بشارع الحسن الثاني بالعاصمة الاقتصادية، يعلق الرئيس عثمان بنجلون صورة لوالده الحاج عباس بنجلون رفقة محمد الخامس. كأنه يريد أن يكون والده شاهدا ومباركا لمساره الذي قاده إلى أن يصبح ثاني ثلاثة ترفعهم مجلة “فوربس" على رأس الأثرياء المغاربة.. فقد تمكن هذا الثمانيني من أن ينضم إلى نادي أثرياء العالم الضيق بثروة قدرتها المجلة ب2.3 مليار دولار..
لم يكن عثمان بنجلون يحلم بارتياد عالم المال والأعمال; فعثمان، الذي درس بمدرسة البوليتكنيك بلوزان بسويسرا، كان يحلم بأن يصبح مهندسا معماريا بعيدا عن أنشطة العائلة؛ لكنه ما لبث أن انخرط في عالم المال والأعمال، جريا على ما يفرضه التقليد العائلي الراسخ. فقد عمل جده، الحاج محمد لمفضل بنجلون، في استيراد الشاي من الصين.. فيما استثمر والده، الحاج عباس بنجلون، رفقه شقيقه حسن بنجلون، في النسيج. وفي سنة 1959، انضم عثمان بنجلون إلى أخيه عمر بنجلون، الذي كان قد نمى ثروة العائلة في العديد من القطاعات الصناعية، حيث تمكنا معا من ربط العديد من الصلات مع مجموعات دولية مثل “فولفو" و"جينرال موتورز" و"غوديير"، قبل أن يشرع عثمان بنجلون في الاستثمار في قطاع التأمينات، عبر شراء “الملكية المغربية للتأمينات"، وتتيح له الخوصصة شراء البنك المغربي للتجارة الخارجية، والذي أصبحت في قلب مجموعة مالية ممتدة في إفريقيا وأوربا.
بنصالح.. سيدة الماء
هل كان يتخيل أن تصبح ابنته يوما رئيسة للباطرونا في مجتمع ذكوري؟ ربما. الأكيد أنه يرقد الآن قرير العين بما بلغته ابنته. خلف عبد القادر بنصالح لأبنائه صرحا اقتصاديا متراميا الأطراف يمتد من تعبئة الماء وصناعة الورق، والفلاحة والتأمينات والطيران إلى العقار والصناعة الغذائية وتجميع الحبوب.. ذلك هو هولدينغ “هولماركوم" الذي أسسه عبد القادر بنصالح المنحدر من مدينة بركان، مستفيدا في تأسيسه من الانفتاح الاقتصادي الذي دشنه المغرب بعد الحماية وانتهاج سياسة المغربة.. تلك السياسة التي تمكن عبرها من اقتحام عالم الأعمال بقوة. عالم دخله بعد أن جرب التجارة الصغيرة، كما الكثير من الرعيل الأول من رجال الأعمال المغاربة، كي يتكون له رصيد من الخبرة التي أهلته كي يدخل في رأسمال شركة “أولماس" ويقتني شركة “أوربور" العاملة في النسيج والحبوب، ويمتد نشاطه إلى توزيع منتوجات التجهيز المنزلي ويقتحم عالم التأمين. مسار مكنه من أن يخلف لأبنائه أكثر من ثلاثين فرعا من الشركات التي تسلمها أبناؤه محمد حسن ومريم وكنزة وفاطمة الزهراء كي يواصلوا مسلسل التنويع الذي انخرط فيه منذ ستينيات القرن الماضي.. طيفه ما زال حاضرا في كل المناسبات التي يخلد فيه ذلك “الهولدينغ" العائلي نجاحاته التي استند على رؤية تستهدف قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
الصفريوي.. فضائل الغاسول
قبل أن يكوّن إمبراطوريته العقارية، التي جعلت منه أحد أغنى الأغنياء في المغرب بحسب ترتيب مجلة “فوربس" التي تعنى بالثروات وأصحابها، خاض أنس الصفريوي في الغاسول، فقد توقف عن الدراسة كي يشتغل في الشركة الوحيدة التي تستغل الغاسول في المغرب، والتي أسسها والده عبد السلام الصفريوي بمعية أخيه عبد الصمد الصفريوي.
أسس الوالد، بمعية أخيه، تلك الشركة في سنة 1954، قبل ثلاث سنوات من ولادة الابن أنس. وتتولى الشركة، إلى اليوم، استغلال مناجم الغاسول بموجب عقد حصري موقع من قبل وزارة الداخلية يتم تجديده كل عشر سنوات، حيث كان آخر عقد وقع مع الشركة سنة 2003. وبنت عائلة الصفريوي جزءا من ثرائها على استغلال مناجم الغاسول الوحيدة الموجودة في العالم، والتي تقع بمنطقة ميسور على بعد 200 كلم من مدينة فاس. وتوجه حوالي 60تفي المائة مما تنتجه شركتها إلى الخارج. فالغاسول من المنتوجات التي تستعمل منذ أكثر من اثني عشر قرنا من قبل شعوب إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط.
ما زالت عائلة الصفريوي مرتبطة بالغاسول الذي صنع مجدها في فاس. ويرنو الأبناء، اليوم، إلى تطوير المنتوجات المشتقة عن ذلك المعدن، بعد أن انفتحوا على الأسواق الخارجية التي جرى تنويعها في السنوات الأخيرة، تطبيقا لاستراتيجية تسويقية وتواصلية تسعى إلى مواجهة المنافسة الشديدة التي تأتي من منتوجات لا تتوفر فيها الخصائص والمزايا التجميلية التي يتضمنها الغاسول.
أبا عقيل.. الحصان الأبيض
مر اثنان وأربعون عاما على وفاته، لكن طيفه يحضر بقوة كلما جرى الحديث عن الصناعة والسياحة في المغرب. عبد الله أباعقيل، المنحدر من قرية إداو بعقيل بتافراوت، هو من رواد الصناعة والمشاريع السياحية في المغرب، بل إن تجربته في الحركة الوطنية وحسه الوطني الرفيع دفعاه إلى اقتراح برنامج إنقاذ للوضع الاقتصادي في طنجة الذي عرف تراجعا خطيرا بعد وضع حد لوضعها الدولي. لكن الرجل لم يكن يكتف بالاقتراح، بل أراد أن يعطي المثال فكان أول من انخرط في الصناعة الكهروكيماوية بالمغرب عبر شركة Electrochimie africaine التي خرجت منها البطاريات الجافة “سوبير لوكس" التي دخلت جميع البيوت المغربية على صهوة الحصان الأبيض. أطلق “مطاحن البوغاز" وشركة “Eurafric" للصناعة الفندقية وأسس الشركة المغاربية للأشغال الكبرى.. ذاك مسار رجل أعمال فريد بدأ تاجرا في مدينة طنجة، حيث وصل عدد محلات البقالة التي كان يملكها غداة الاستقلال 160 محلا.. لكن الرجل لم يكن منشغلا فقط بالمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني، بل كان منخرطا في القضايا التي شغلت الحركة الوطنية إبان الحماية، فكان في الصفوف الأمامية يزود المقاومة وجيش التحرير بالمال وانضم إلى الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال ثم إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.. رأسمال رمزي لا يفني ينضاف إلى ما تجمع له من سمعة انتقلت إلى أبنائه، مثل طه وعز الدين، الذين تسلموا المشعل من بعده.
أخنوش.. أمغار البترول
“الأمغار" أو “أحمد أولحاج" من رجال الأعمال المغاربة الذين يشلكون الدليل على حس تجاري لا يملكه سوى أهل تافراوت في المغرب.. ويمكن أن تختلف القراءات في النزوع التجاري الصميم لدى ساكنة تلك المنطقة، لكن لا يمكن لمن يطلع على سيرة “أحمد أولحاج"، والد رجل الأعمال عزيز أخنوش، إلا أن يتوقف عند روح المغامرة التي تستند على نوع من الحس العملي الذي لا تعلمه المعاهد العليا.. فمسافة الألف الميل تبدأ بمحل للبقالة في عرف القادمين إلى الدار البيضاء من تافراوت، وكذلك فعل أحمد أولحاج؛ فما أن حل بتلك المدينة في سنة 1932 حتى فتح محلا للبقالة.. محل كان فاتحة سبعة محلات في عشر سنوات.. لكن الأمور لم تكن بهاته السلاسة، فالرجل الذي امتد نشاطه إلى أنشطة أخرى، مثل الصيد البحري، لم يغفل ما كان يعانيه المغرب من الحماية، فأدى ثمن دعمه للمقاومة سجنا خمس سنوات، غير أن ذلك لم يفقده حسه العملي، فأنشأ شركة مغربية لتوزيع البترول، وساعده تحالفه مع عائلة “واكريم" بعد الاستقلال على المرور من التوزيع إلى الصناعات البتروكيماوية، تحت علامة “إفريقيا" التي كانت أول دعامة في صرح مجموعة “أكوا" التي تضم اليوم أكثر من أربعين شركة تختزل في قطب المحروقات وقطب الغاز وقطب السائل وقطب التنمية وقطب العقار.
الشعبي.. من رجم الجوع
مسار رجل الأعمال ميلود الشعبي من المسارات التي تثير الكثير من الإعجاب.. فهذا الملياردير، الذي بدأ راعيا للغنم، تقدم الأثرياء المغاربة والمغاربيين في ترتيب مجلة “فوربس".. وثروته التي قدرت ب2.9 مليار دولار بوأته المرتبة ال401 في ترتيب الأثرياء في العالم.. يتساءل الكثيرون عن سر النجاح الذي حققه هذا العصامي في بلد الثروة فيه تأتي من العائلة.. ولا يمضي الكثيرون في السؤال عن تفاصيل العائلة التي ينحدر منها ميلود الشعبي، الذي يشكل الاستثناء في دائرة الأثرياء المغاربة المغلقة.. ربما أبناء ميلود سيكون بمقدورهم أن يتحدثوا بالكثير من الراحة عن والدهم، ما داموا أبناء ملياردير.. لكن هذا الملياردير لا يتذكر من طفولته سوى الفقر والجوع والموت.. في هذه الأجواء، يكبر الأطفال بسرعة مدفوعين بالرغبة في البقاء.. بقريته االشعبةب بمنطقة الشياظمة، رأى كيف كان الناس يموتون جوعا وعطشا بسبب ثماني سنوات من الجفاف.. الموت لم تسلم منه أسرته، فقد قضى أخوه جوعا، واضطرت الأسرة إلى تزويج ابنتها الصغيرة إلى قريب بشع، طمعا في صداق مكون من أغنام.. أصبح ميلود الشعبي راعيا لها.. لكن الذئب سيلتهم إحداها ويضطر إلى الهرب من غضب والده.. ليبدأ مسارا شبه الشعبي مراحله بفضاء الكولف، الذي كله حواجز وشعاب.. مسار حافل توج بتأسيس هولدينغ “يينا"، وتعني بالأمازيغية “أمي" التي يعوّض حنانها الفقراء ملعقة الذهب التي يتعلق بها الأغنياء منذ الصرخة الأولى.
التازي.. الصناعي المخترع
“ناضل من أجل استقلال المغرب، أوقف وسجنه المحتل الفرنسي عدة مرات. اقترب من الحزب الذي كان يبدو له الأكثر جذرية في مناهضة الإمبريالية، والذي لم يكن غير الحزب الشيوعي المغربي.. لا أعتقد أنه كان يشاطر الحزب الشيوعي في ما يتعلق بتسيير الاقتصاد... كان ذلك بالأحرى خيار احرب شاملةب في مناهضة الاستعمار والإمبريالية.. ورغم تركه السياسة ليتفرغ لإدارة أعماله، فإنه حافظ على الجانب النضالي في تسييره لأعماله". هكذا يتحدث رجل الأعمال كريم التازي عن والده عبد العزيز التازي، الذي أبدى فضولا فطريا في اقتحام المجالات التي قد تبدو لمجايليه من قبيل المستحيلات؛ فقد جرب إصلاح الراديوهات وبيعها في محل صغير بمدينة فاس، قبل أن يلج عالم التجارة رفقة صديق له في فاس. لكن في الدار البيضاء سوف يدخل منعطفا جديدا في مساره الحافل، فقد أقام مصنعا في منطقة عين البرجة، التي كانت من المناطق الصناعية الشهيرة في المغرب، وشرع في تصنيع بعض اللعب من البلاستيك، قبل أن يخترع المشط البلاستيكي، الصغير والخفيف، قابل للدس في الجيب.. لكن تبقى “ريشبوند" واسطة عقد الصرح الصناعي الذي شيده التازي، ذاك منتوج أراده شعبيا منطلقا من إيمان بفكرة أن “الربح فالكثرة".. ليسود في سوق الأفرشة ويشتري “سيمونس" التي تعمل في المغرب منذ 1945.. ويركز إحدى المجموعات التي ما زالت صامدة رغم اشتداد المنافسة في قطاعات الأفرشة والبلاستيك والعقار.
السقاط.. سر الأب
محمد السقاط من الأثرياء المغاربة الذين كرسوا حياتهم للعمل الخيري.. عمل توج بتأسيس مؤسسة سنة بعد وفاته لتخليد ذكراه.. فقد أحدثت المؤسسة المكتبة الجامعية محمد السقاط التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.. ورعت دور الأيتام وأشرفت على مستشفى تبلغ طاقته الاستيعابية 125 سريرا، وتولت تجديد جناح إصلاحية الأحداث بعكاشة.. منذ حلوله بالدار البيضاء قادما إليها من فاس في سنة 1951، كرس الكثير من وقته لمشاريعه الاستثمارية ما دام اشتغل في قطاع البلاستيك.. لكنه في الوقت ذاته شرع في التخفيف من أوجاع الحاجة والفقر في الكثير من المناطق.. وكأنه كان ينتظر فقط أن يشتد عود الأبناء كي يتخلص من متاع الدنيا ويسلمهم مقاليد ثروته.. ليؤسسوا مجموعة تشكل فيها “مغرب ستيل" القطب الرئيسي.. تلك شركة أنشأها الابن فاضل السقاط الذي ورث سر أبيه في العمل الخيري.. فأحدث مؤسسة محمد السقاط التي توسعت تدخلاتها، مثلما امتد نشاط “مغرب ستيل"، التي تعتبر أهم شركة في القطاع الذي تنشط فيه، حيث اقتضى التوسع الذي عرفته على يد فاضل السقاط، الذي لزم أباه ولما يتجاوز العشرين من العمر متخليا عن دراسته، الاستثمار في موقع جديد كلف 5,7 ملايير درهم.. استثمار يستجيب لطموحات رجل الأعمال العصامي الذي لا يلهيه البحث عن اقتناص الفرص في قطاع شديد المنافسة في العالم، عن تخليد ذكرى الأب عبر العمل الخيري.
القباج.. المقاوم المكافح
“إنني فلاح منذ سنة 1984، إذ توليت أمور العائلة في مجال الفلاحة، وقد نجحت في تطوير هذه الأمور والممتلكات، وهي صورة أبعد ما تكون عن الريع. إن الاستثمار هو مغامرة في حد ذاتها (أزيد من 300 مليون درهم من الاستثمار في عضون السنوات الخمس عشرة الأخيرة)، وهو أيضا تطوير للثروة الوطنية وخلق لمناصب شغل جديدة (600 متعاون دائم منها 284 من الأطر العليا وأزيد من 3000 عامل موسمي مصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونظام التغطية الصحية الإجبارية)". لم يكن ذلك امتثالا من طارق القباح لقانون التصريح بالثروات، بل جاء في سياق دفع صفة “الريعي" عنه. هو الذي غيّر مساره من أستاذ جامعي كي يتولى تدبير ثروة عائلة الأب عباس القباج، الذي كان أحد المقاومين والرموز الوطنية التي حظيت باحترام كبير في المغرب إلى أن وافته المنية ماي 1984؛ لكنه لم يترك سوى ذلك الرصيد من التقدير والحب اللذين سكنا في قلوب رفاقه في الحركة الوطنية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بل كان له مسار آخر يذكره به أهل سوس ماسة، فقد كرس الكثير من جهده لمعاملاته الاقتصادية، خاصة قطاع الفلاحة الذي كان من السباقين الأوائل الذين جدوا فيه، إذ لم تلهه مقاومته للمستعمر وانضمامه إلى المعارضة بعد ذلك عن المساهمة مع بعض ممن آمنوا بضرورة المساهمة في بناء اقتصاد وطني يؤمن للمغرب استقلالا حقيقيا، فانخرط في الفلاحة التي طورها أبناؤه من بعده.
العلمي.. ذكرى حية
جرّب اليتم ولما يتجاوز العاشرة من العمر. فقد والده صغيرا، لكن ذكراه ما زالت حية في عقله. يقول: “لم يكن يكلمني كطفل صغير، بل دائما كشخص كبير".. وفاة الوالد، الذي كان يشتغل مديرا في وكالة بنكية بمراكش، اختصرت طفولة ومراهقة مولاي حفيظ العلمي، الذي اضطر في غياب إخوته الكبار، الذين يتابعون دراستهم في الخارج، أن يتولى تدبير شؤون العائلة.. فقد كان يشرف على الإرث الذي خلفه الوالد، المتكون خصوصا من ضيعة صغيرة في ضواحي مدينة مراكش.
ينتمي العلمي إلى عائلة بورجوازية ما دام الجد كان تاجرا في السيارات.. لم تكن العائلة بعيدة عن الأجواء المراكشية الأصيلة، ما دامت سكنت أحد الرياضات غير البعيد عن الدور التي يسكنها الفقراء، قبل أن تنتقل الأسرة إلى السكن في فيلا بالمدينة الجديدة بمراكش. الثروة التي راكمها مولاي حفيظ العلمي، رئيس مجموعة “ساهام" الممتدة الأطراف في المغرب وإفريقيا، وجعلت منه أحد رجال الأعمال الشباب الأكثر إثارة للاهتمام في السنوات الأخيرة، لم تأت من أسرته، غير أنه يقول إنه ورث من والده قيما يسترشد بها في مساره، منذ أن أصبح يتيما يتحمل مسؤولية والدته. البعض يتساءل عن السرعة التي تمكن بها رجل الأعمال، الذي أصبح يوما رئيسا للباطرونا المغربية، أن يكون ثروته؛ لكنه هو يجيب بأن ثمة فرصا في الحياة تتاح للشخص، يجب أن يحسن استغلالها لا أقل ولا أكثر.
المصطفى أزوكاح و خالد الغالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.