هبات رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة يومي الاثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    التساقطات المطرية ترفع نسبة ملء السدود ببلادنا إلى 34.81 بالمائة    البحيري: سعداء بالتتويج بلقب البطولة    المغربي إيغامان يقود رينجرز لفوز مثير    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    إحياءا لروح الوحدة والاستقلال.. وفد من الشرفاء العلميين يزور ضريح محمد الخامس ترحما على روحه الطاهرة    الغلوسي: الفساد يتمدد بفعل غياب الديمقراطية وقوى الفساد تنشر التخويف وتُشرّع لنفسها    اندلاع حريق مهول بحي المهاجرين العشوائي بتزنيت يسائل سياسات الإيواء والاندماج    حفل موسيقي مميز يُلهب أجواء المركز الثقافي ليكسوس بحضور جمهور غفير    الأعمال الفنية الرمضانية: تخمة في الإنتاج ورداءة في الجودة    إغلاق السوق المركزي لبيع الأسماك بشفشاون: قرار رسمي لحماية الصحة العامة وتنظيم النشاط التجاري    أوديسيه: المغرب "إلدورادو حقيقي" للمستثمرين و"وجهة حلم" للمسافرين    إسبانيا تُمدد فترة التحقيق "السري" لنفق سبتة بعد تسجيل تطورات    شبهة التهريب الدولي للمخدرات تتسبب في توقيف سائق شاحنة بطنجة    ترامب يجمّد عمل إذاعات أمريكية موجهة إلى الخارج    عواصف وأعاصير تخلف 33 قتيلا على الأقل في الولايات المتحدة    رياح وتساقطات ثلجية الاثنين والثلاثاء    الأرصاد الجوية تحذر من أمواج عاتية    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    السلطات تمنع محامين إسبان موالين للبوليساريو من دخول العيون    "الثقافة جزء من التنمية المحلية" عنوان أجندة مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي    انخفاض جديد في أسعار المحروقات بالمغرب..    اتحاد طنجة يكرس سلسلة تعادلات الوداد و يرغمه على تعادله الرابع تواليا    الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.    عشرات الآلاف يتظاهرون في صربيا ضد الفساد    في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا    ستشهاد 6 فلسطينيين من بينهم أسيرة محررة لأول مرة منذ وقف النار.. يرفع حصيلة العدوان على غزة إلى 48 ألفا و572 شهيدا    المُقاطعة أو المجاعة !    العدالة والتنمية يحمل الحكومة مسؤولية التأخير في إعادة إيواء متضرري زلزال الحوز    وزير الداخلية الفرنسي يهدد بالاستقالة إذا ليّنت باريس موقفها مع الجزائر    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    ضبط أزيد من 18 ألف قنينة من المشروبات الكحولية في مخزن سري بالناظور    حالة الطقس ليوم غد الاثنين: أمطار، ثلوج، ورياح قوية بعدة مناطق    المغرب وموريتانيا يعززان التعاون الإعلامي في عصر التحولات الرقمية    تطبيق "تيليغرام" يسمح بتداول العملات المشفرة    مصرع 51 شخصا في حريق بملهى ليلي في مقدونيا الشمالية    من الناظور إلى الداخلة.. عضو في كونفيدرالية البحارة يكشف عن التلاعب بأسعار السمك    الجزائر واكتشاف البطاقة البنكية: بين السخرية والواقع المرير    المغرب يتصدر إنتاج السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. الفتح الرباطي يتغلب على الشباب السالمي (4-2)    السكتيوي يستدعي 32 لاعبا لإجراء تجمع إعدادي تأهبا ل"شان" 2024    الإيقاع بشبكة نصب في الناظور.. انتحلوا صفة قاض للاحتيال على سيدة    فوزي لقجع.. مهندس نجاح نهضة بركان وصانع مجدها الكروي    استمرار ضطرابات الجوية بالمغرب طيلة الأسبوع المقبل    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    فيضانات وانهيارات أرضية تجتاح شمال إيطاليا (فيديو)    نهضة بركان يتوج بالدوري الاحترافي    نهضة بركان يدخل تاريخ الكرة المغربية بأول لقب للبطولة الوطنية    تأثير مرض السكري على العين و عوارض اعتلال الشبكية من جراء الداء    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    الغذاء المتوازن و صحة القلب في رمضان !!    فرنسا تعلن استيراد الحصبة من المغرب    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    









دور المغرب في تعزيز الدبلوماسية الحضارية والتعايش المشترك
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة
1. الرئيسية
2. آراء
دور المغرب في تعزيز الدبلوماسية الحضارية والتعايش المشترك
د. محسن الندوي
الخميس 13 فبراير 2025 - 16:34
في عالمٍ يشهد تزايداً في التحديات والنزاعات، تبرز أهمية مفاهيم الدبلوماسية الحضارية والتعايش أكثر من أي وقت مضى. هذه المفاهيم هي قيم جوهرية تسعى إلى بناء عالم أكثر عدلاً وتسامحاً. فالتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان هو الضامن لاستقرار المجتمعات وتقدمها، و الدبلوماسية الحضارية هي السبيل الأمثل للتفاهم المتبادل والتعاون بين الشعوب من أجل بناء جسور التواصل والحوار بين مختلف الحضارات والأديان، واستدامة التنمية وحل النزاعات بالطرق السلمية.
إن اختيار المغرب للتعدد الثقافي والديني والعيش المشترك بين جميع مكونات مجتمعه، متجذر في المجتمع المغربي منذ القدم ويرتوي من النموذج الإسلامي المغربي الذي يقوم على الوسطية والاحترام المتبادل، وتؤطره إمارة المؤمنين التي تحفظ الحرية الدينية لجميع الديانات.
والتاريخ المغربي حافل بأمثلة حية على التسامح والتعايش، وقد تمكن المغاربة على مر العصور من بناء مجتمع متعدد ومتنوع، يعيش فيه المسلمون واليهود والمسيحيون جنباً إلى جنب في سلام ووئام. إن هذا التراث العريق في التعايش والتسامح قد ترسخ في الهوية المغربية، وجعل من المغرب نموذجاً فريداً في العالم العربي والإسلامي.
أولا – الأهمية التاريخية للدبلوماسية الحضارية للمغرب و التعايش المشترك
يعتبر المغرب نموذجا للتعايش الديني، حيث ارتبط تاريخه وثقافته بقيم التسامح والانفتاح التي جمعت بين مختلف الديانات والثقافات على مر العصور. منذ تأسيس المملكة، عرف المغرب انسجاما بين المسلمين واليهود والمسيحيين، حيث عاشت هذه المكونات في جو من الاحترام المتبادل، مما جعل البلاد مركزا للتفاعل الحضاري.
وقد عُرف المغاربة منذ الدولة الإدريسية، باستقرارهم السياسي، وتوجههم السني المعتدل، ودفاعهم عن الانفتاح عن الانفتاح وإشاعته، باعتباره ثقافة للسلام، حيث قام المغفور له الملك محمد الخامس، بحماية اليهود ضد الهمجية النازية والممارسات الوحشية والتمييزية لنظام فيشي، وعمل المغفور له الملك الحسن الثاني، طيلة عهده، على ترسيخ روح الإخاء بين يهود المغرب ومسلميه، في جميع أنحاء العالم. وبعزم ثابت، عمل الملك محمد السادس على الثبات على هذا الاختيار، بالحفاظ على صورة المغرب كأرض للتسامح والتعايش والانفتاح.
فانطلاقا من الرصيد التاريخي العريق للمملكة وهويتها الأصيلة، وبروزها كمثال متفرد لتعايش الحضارات والثقافات والأديان، كرس الدستور المغربي الانسجام بين روافد الهوية الوطنية، والتشبث بالقيم الكونية للانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين ثقافات وحضارات الإنسانية جمعاء.
كما حافظ دستور المغرب لسنة 2011، على صيغة تربط في الوقت نفسه بين الطابع الإسلامي للمغرب والحرية الدينية، إذ تعتبر هذه الصيغة أن «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية». فهي صيغة دستورية دقيقة تسمح بقبول الآخر وبناء البيت المجتمعي المشترك بعيداً عن التعصب و الإقصاء، ويمكن اعتبار هذه الصيغة الدستورية نموذجا يحتدى في دساتير عربية وإسلامية أخرى. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
ثانيا – دور الملك محمد السادس في تعزيز الدبلوماسية الحضارية و التعايش المشترك
لقد عمل المغرب في عهد الملك محمد السادس على تعزيز روح الأخوة والتعايش والتعاون والتلاحم بين المغاربة، مسلمين و مسيحيين و يهود، باعتبار ذلك من الركائز الأساسية للحضارة المغربية. ويزخر النسيج العمراني للمدن المغربية بصور ذات دلالات عظيمة، حيث تنتصب المساجد والكنائس والبيع قريبة من بعضها البعض.
وكل يمارس شعائره الدينية في احترام للشعائر الدينية الأخرى و فق الآية الكريمة من سورة البقرة :" كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ". وبالارتكاز على التميز المغربي في التعايش الديني والاعتدال، فإنه من الطبيعي أن تكون المملكة المغربية من بين البلدان المبادرة إلى تأسيس آليات دولية للحوار الحضاري.ولطالما شكلت المملكة أرضا للتعايش، التسامح والتفاعل بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى.
ويمكنني القول بتميز النموذج الديني المغربي، القائم على إمارة المؤمنين، الذي يشكل عاملا للوحدة وضامنا لاحترام مبادئ وقيم الإسلام في المغرب بما فيها عمارة المساجد وتشجيع حفظ القرآن الكريم و تقوية الروابط الاسرية باعتبار الاسرة نواة المجتمع الأولى، و كل ذلك بجهود أمير المؤمنين الملك محمد السادس خطابيا ومؤسساتيا حيث ورد في الخطاب الملكي الموجه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة في 13 أكتوبر 2023. في سياق تناوله للقيم المؤسسة للهوية الوطنية الموحدة:
أولا: القيم الدينية والروحية، وفي مقدمتها قيم الإسلام السني المالكي، القائم على إمارة المؤمنين، الذي يدعو إلى الوسطية والاعتدال، والانفتاح على الآخر، والتسامح والتعايش مع مختلف الديانات والحضارات. وهو ما يجعل المغرب نموذجا في العيش المشترك، بين المغاربة، المسلمين واليهود، وفي احترام الديانات والثقافات الأخرى.
ثانيا: القيم الوطنية التي أسست للأمة المغربية، والقائمة على الملكية، التي تحظى بإجماع المغاربة، والتي وحدت بين مكونات الشعب المغربي، وعمادها التلاحم القوي والبيعة المتبادلة، بين العرش والشعب. كما يعد حب الوطن، والإجماع حول الوحدة الوطنية والترابية، من ثوابت المغرب العريقة، التي توحد المغاربة، والتي تشكل الإطار الذي يجمع كل روافد الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتنوعها.
ثالثا: قيم التضامن والتماسك الاجتماعي، بين الفئات والأجيال والجهات، التي جعلت المجتمع المغربي كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.
إن تأكيد الملك محمد السادس على القيم المؤسسة للهوية الوطنية الموحدة في إطار التعايش المشترك للمجتمع المغربي ، كما تأكيده على الحوار بين الحضارات و إعلاء كلمته،حيث ورد في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي احتضنه مدينة فاس يومي 22 و23 نونبر.2022:
– أن يكون حواراً بين الحضارات، يشمل الجميع ويراعي مصلحة البشرية بكل مكوناتها، بما يسمح باستيعاب العالم في تعدديته، والعمل وفق نهج متنوع الأطراف، وتجسيد مفهوم العالمية بمعناه الحقيقي.
– وأن يكون حوارا بين الأجيال، يشرك الشباب ويستشرف المستقبل. فالشباب لا يمثل فقط الأجيال التي علينا تحصينها ضد ويلات الحرب وضد خطاب الكراهية بمختلف أشكاله، بل هم الأجيال نفسها المنخرطة فعلياً في صنع السلام.
– وأن يكون حواراً بين القارات ينأى عن كل تفكير أو تعصب عرقي. وأنا هنا أتحدث عن إفريقيا ومن أجل إفريقيا، وعن موقعها المستحق والمشروع لا عن وضعها في الهامش؛ وعن المعاملة التي تستحقها، فلا ينبغي أن تظل تتلقى المساعدات ولا أن تترك لحالها في مواجهة مصيرها؛ وأتحدث عن حقها في التعامل مع شركاء هي جديرة بهم وهم جديرون بها؛ وعن حقها في أن تقدر حقَّ قدرها باعتبارها المتنفس الديموغرافي للعالم وخزانَه الاقتصادي، بما لها من تطلعات ومؤهلات واعدة.
إن المغرب في عهد الملك محمد السادس ظل متشبثا بممارسة الدين كآلية لإشاعة السلام، والملك بصفته أميراً للمؤمنين كافة، من كل الديانات، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية في كل تراب المملكة المغربية، مدافعا في كل المحافل عن اعتبار الدين حصناً ضد التطرف، من خلال الديبلوماسية الدينية للمملكة.
ودور مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، يتمثل في التصدي للتطرف المنتشر على مشارف إفريقيا، والتعريف بالإسلام باعتباره دين وسطية واعتدال. مؤكدا عند استقباله البابا فرانسيس خلال زيارته التاريخية لبلادنا، على أهمية انفتاح الديانات السماوية الثلاث على بعضها، في ظل قبول الاختلاف، وفهم الآخر. موقعا نداء القدس، الذي يدعو إلى المحافظة على المدينة المقدسة باعتبارها أرضاً للقاء بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ورمزاً للتعايش السلمي والحوار والاحترام المتبادل.
وفي هذا السياق، كان المغفور له الملك الحسن الثاني أيضا قد بادر باستقبال البابا يوحنا بولس الثاني عام 1985، في أول زيارة يقوم بها قداسته لبلد إسلامي.
ثالثا: مساهمة المغرب في تعزيز الدبلوماسية الحضارية و التعايش المشترك
يحتاج الوضع الدولي المعقد اليوم إلى الاستماع إلى لغة الحكمة والتأكيد على أن قيم الحوار والاخلاق هي القيم الأساسية وبأنه رغم الاختلافات في المصالح والاختلاف في الدين والعرق يبقى الناس مجموعة كبيرة في العالم يتقاسمون الكثير من العناصر المشتركة و الخصوصيات ينبغي احترامها في إطار المشترك الإنساني.
و في هذا السياق ورد في رسالة ملكية سامية إلى المشاركين في الندوة الدولية التي افتتحت أشغالها بفاس حول الحوار بين والحضارات واحترام التنوع الثقافي، في 30 سبتمبر 2013 :
"وإن خير دليل على انخراط المملكة المغربية الفعلي في هذا المسار، هو التزامها بالمعايير الدولية المتقدمة، التي تبنتها الإيسيسكو واليونيسكو، ولاسيما تلك المتضمنة في اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، التي أقرتها الدول الأعضاء في منظمة اليونيسكو سنة 2005، وكذا الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي، الذي صادق عليه المؤتمر الإسلامي الخامس لوزراء الثقافة سنة 2004."
"وإننا لواثقون بأن الحوار البناء والمستمر بين الدول، وتكثيف المنتديات الدولية والجهوية حول تفاعل الثقافات وتعايش الأديان، والعمل على إشراك الشباب والمجتمع المدني في أشغالها، كلها وسائل ستساهم في مواجهة نزوعات التعصب والانغلاق، بطرق سلمية وحضارية."
"لذا، فإن الواجب الأخلاقي يقتضي العمل على تعزيز سبل التعارف والتفاهم والتواصل بين الشعوب، واستثمار التنوع الثقافي كرافعة لإغناء الحضارة الإنسانية، بدل جعله سببا للتنافر والكراهية. فنجاح أي مبادرة للحوار الحضاري يظل رهينا بهذا الشرط الأساسي.".
كما أكد الملك محمد السادس في رسالة سامية موجهة، إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي حول"حوار الأديان: لنتعاون من أجل مستقبل مشترك" الذي انعقد بمراكش بين 13 و15 يونيو 2023"حرص المملكة على أن تظل نموذجا للدولة التي يتعايش على أرضها، في أخوة وأمان، معتنقو الديانات السماوية، وذلك وفاء منها لتاريخها العريق في التنوع والتعددية الدينية والثقافية.
موضحا انه "على هذه الأرض تعايش ويتعايش المسلمون واليهود والمسيحيون منذ قرون"، ومشيرا أن أرض المغرب هي التي استقبلت آلاف الأشخاص من المسلمين واليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني من شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ووفرت لهم الحماية الكريمة.
ونظرا للارتكاز على التميز المغربي في التعايش الديني والاعتدال، فإنه من الطبيعي أن يكون المغرب من بين البلدان المبادرة إلى تأسيس آليات دولية للحوار الحضاري، وأخرى للتصدي للإرهاب والتشدد والتطرف.
وفي هذا الصدد، يمكننا التذكير بالمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي عقد دورته التاسعة في نونبر 2022 بمدينة فاس. حيث قال الممثل السامي لتحالف الحضارات، ميغيل أنخيل موراتينوس عن النموذج المغربي عند اختتام هذا المنتدى، "ما نجح في المغرب يمكن أن ينجح في العالم. ما استطاعت العبقرية المغربية أن تقوم به على المستوى الوطني من تجانس وتعايش عبر القرون، يمكن أن يكون مصدر إلهام لمناطق أخرى".
إن المغرب لم يكتفِ بالعمل داخليا بقيم التسامح و الحوار ، بل سعى إلى تصدير هذا النموذج على المستوى الدولي، حيث استضافت المملكة العديد من المؤتمرات والمنتديات التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الأديان، مثل مؤتمر حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، ومنتدى فاس لتحالف الحضارات.
كما أن المغرب ما فتئ يشارك بفعالية في المبادرات الدولية لمحاربة التطرف الديني والإرهاب، ومن بين هذه المبادرات، دور المغرب في التحالف الدولي ضد داعش، وتكوين الأئمة الأفارقة والأوروبيين على قيم الوسطية في معهد محمد السادس. هذه الجهود تعكس رؤية شمولية تستهدف معالجة جذور التطرف وبناء مجتمعات مسالمة.
فللمغرب المساهمة الفعالة في تأسيس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي تولت المملكة المغربية رئاسته المشتركة لثلاث فترات، من 2015 إلى 2022.
وقد ترأس المغرب، بصفته الرئيس المشارك للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، بشكل مشترك مع الاتحاد الأوروبي، الدورة الخامسة للحوار بين المنتدى ومؤسساته المتخصصة، والاجتماع الاستشاري التاسع حول الشراكة مع ميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب.
كما تم انتخاب المغرب لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، خلفا كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا اللذين ترأسا هذه الهيأة الدولية المهمة منذ إحداثها عام 2010.
كل هذه المساهمات الإقليمية و الدولية و غيرها للمغرب جاءت بناء على الثقة التي يحظى بها المغرب لدى المجتمع الدولي، إضافة إلى مساهمته في مختلف أنشطته وتحقيق أهدافه المرتكزة على مقاربة تشاركية وإدماجية وموجهة نحو تفعيل أفضل الممارسات في مجال محاربة الإرهاب.
ولا يفوتني الذكر مساهمة مغربية دولية وازنة أخرى في منتدى العالم لتحالف الحضارات المنعقد بالبرتغال حيث أكد مستشار الملك محمد السادس، السيد أندري أزولاي إنه "بفضل قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يحظى المغرب، أكثر من أي وقت مضى، بالشرعية والاحترام وصوته مسموع من قبل المجتمع الدولي".
وأضاف أي بلد آخر اليوم يمكنه، مثلما يفعل المغرب، أن يجمع الآلاف من المسلمين واليهود والمسيحيين الذين يلتقون في أرض الإسلام من أجل العيش المشترك والتعبير عن التزامهم بكونية السلام وأولوية الحياة؟". وأن "هذا واقع يجسده المغرب، الذي يظل وفيا لكل النماذج والمعايير المعبرة عن ثقافة السلام التي تتغذى من نفس العدالة والكرامة للجميع".
إن التزام المغرب بتحقيق التعايش والاعتدال الديني على الصعيد الدولي، وتطرق على الخصوص إلى التكوين الديني للأئمة والمرشدات في إفريقيا، وإحداث مجموعة التفكير حول إفريقيا التابعة للتحالف الدولي ضد داعش، من أجل مواجهة تهديدات التطرف في القارة. وتأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي تتولى توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين الأفارقة للتعريف بهذه بقيم التعايش و السلام و الحوار، وذلك التزام من المغرب في إطار الدبلوماسية التضامنية بواجب التضامن والتعاون الروحي مع الأشقاء في باقي البلدان الافريقية.
وإن استقبال معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، لطلبته القادمين من عدة دول، لاسيما من إفريقيا وأوروبا، تكوينا يقوم على قيم الوسطية والاعتدال، باعتبار أن تكوين الأئمة يجب أن يستند إلى قيم الانفتاح والسلم والعدل.
ومن مظاهر تميز النموذج المغربي ودفاع المملكة عن قيم الإسلام المعتدل، الدروس الحسنية التي يترأسها الملك محمد السادس خلال شهر رمضان الكريم.
ولأن التضامن من صفات الشخصية المغربية، فقد بادر المغرب بالعمل على القرب من الفئات الأكثر فقراً وهشاشة.. وهذه القيم هي روح وجوهر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقت في المغرب منذ 2005 ، وتلكم القيم هي أيضاً في صلب الفلسفة التي ترتكز عليها سياسة الهجرة واللجوء، وهي تنسجم مع الميثاق الدولي للهجرة، الذي تمت المصادقة عليه في يوم 10 ديسمبر 2018 في مدينة مراكش .
خاتمة
إن الصورة القاتمة التي يعيشها العالم اليوم بخصوص صراع المعتقدات، لا يمكن أن تحجب عنا الجوانب الإيجابية ، والمبادرات المبدعة التي تسعى إلى تعزيز جسور التواصل، وترسيخ قيم التسامح والتفاهم والعيش المشترك بين مكونات المجتمع الدولي وبين أتباع ومعتنقي الديانات المختلفة. فمما يبعث على الارتياح، أن هناك في الغرب كما في الشرق، من أصحاب الضمائر الحية ومن صناع القرار السياسي الحكماء، ومن أصحاب الرأي الحر والفكر الرصين، من يتحمل مسؤولية التصدي للكراهية، ويمد جسور الحوار والتفاهم بين مختلف الديانات والحضارات والثقافات.
وبقدر ما نحن مقتنعون بأهمية التعايش والحوار، ومتشبثون بقيم الاعتدال والتسامح ونبذ كل أشكال التعصب والكراهية والتطرف، فإننا مقتنعون أيضا بضرورة إعمال سياسات تيسر بلوغ هذه الأهداف. وعلينا أن ندرك أننا بنجاحنا في ترسيخ حوار منتج بين الأديان والحضارات في إطار تفعيل الدبلوماسية الحضارية و التعايش المشترك، سنقدم أجوبة على العديد من المعضلات والتحديات التي تهدد مستقبل كوكبنا ومصير العيش المشترك ألا وهي العدل وعولمة العدل.
إن الدعوة إلى السلام والتعايش وحوار الحضارات هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع. فالتحديات التي تواجه العالم اليوم تفرض علينا أن نعمل معاً من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة في إطار التنمية المستدامة . و المملكة المغربية بفضل تجربتها التاريخية وقيادتها الحكيمة، تعتبر نموذجاً مميزا يحتذى به في هذا المجال.
رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.