1. الرئيسية 2. تقارير في انتظار الموقف الرسمي للمغرب.. نتنياهو والخريطة المبتورة: خطأ دبلوماسي فادح أم خبثٌ سياسي متعمد؟ الصحيفة – حمزة المتيوي الجمعة 31 ماي 2024 - 15:53 لم يكن إظهار بنيامين نتنياهو، خريطة المغرب مبتورة من الصحراء، خلال مروره عبر قناتي TF1 وLCI الفرنسيتين مساء أمس الخميس، مفاجِئا بقدر ما كان "وقحا" في نظر الكثير من المغاربة، فالسياسي العِبري الذي أصبح مطلوبا للعدالة الدولية بسبب المجازر المرتكبة في غزة ضد المدنيين الفلسطينين، بدا وكأنه تعمد استفزاز الرباط. هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها نتنياهو مع خريطة مغربية مقسومة إلى شطرين، فقد فعل ذلك عدة مرات حتى بعد اعتراف حكومته رسميا بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، في يوليوز 2023، إذ في أكتوبر من العام نفسه ظهر رفقة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في مكتبه، وخلفهما خريطة للممكلة يتوسطها خط يقسمُها إلى قسمين. لكن هذه المرة كان الأمر أكثر من "مجرد خطأ" قد يبدو أنه سقط سهوا، بل إن نتنياهو أمسك بين يديه خريطة تجمع جُغرافيَا الدول العربية مُلونة باللون الأخضر، وباقي الدول باللون الأبيض، ومن بين المساحات غير الملونة بالأخضر ظهرت منطقة الصحراء، التي اجتهد رئيس الوزراء الإسرائيلي في ألا يضع أصابعه عليها وهو يوجه الخريطة لعدسة الكاميرا كي تظهر بجلاء. وبدا الأمر كأنه لعبة سياسية مُمعنة في الخُبث، في سياق الموقف المغربي الرسمي الذي يدين الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث تلا ترحيب الرباط بخطوة جارتها إسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين وتبني حل الدولتين، وأيضا بعد تعبير المغرب، عبر وزارة خارجيته، عن إدانته واستنكاره الشديدين لإقدام الجيش الإسرائيلي على قصف مخيم فلسطيني قرب مدينة رفح. المغرب في هذا الموقف الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، الرسمية، قال إن إقدام الجيش الإسرائيلي على قصف مخيم يكتظ بأكثر من 100 ألف نازح فلسطيني قرب مدينة رفح، مخلفا سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، يعد انتهاكا واضحا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهو أمر لم يُعجب على ما يبدو تل أبيب. وعلى الرغم من أن إبراز الخريطة المُستفزة للمغرب لم يحدث لأول مرة، إلا أن الدبلوماسية الإسرائيلية اختارت المنفذ السهل للتبرير حين أورد حسن كعيبة، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، عبر حسابه على موقع "إكس" أن الأمر يتعلق ب"خطأ تقني غير مقصود"، مقدما "الاعتذار" عما حصل، ومؤكدا أن إسرائيل "لن تتراجع عن اعترافها التاريخي بمغربية الصحراء". ولأن "الخطأ المُفترض" صادر عن نتنياهو، فإن مكتب رئاسة الوزراء دخل على الخط اليوم الجمعة، موردا "الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء نتنياهو اعترفت بسيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها وتم تصحيح جميع الخرائط الرسمية الموجودة في مكتب سيادته، بما فيها الخريطة التي عُرضت عن طريق الخطأ في المقابلة، وفقا لذلك"، وأوردت أيضا "للأسف وقع خطأ في الخريطة التي عُرضت في مقابلة رئيس الوزراء مع قناة TF1". ومع ذلك فإن الحديث عن "خطأ" يبدو غير مقنع للعديد من المتتبعين لمسار العلاقة بين المغرب وإسرائيل، خصوصا إبان الحرب على قطاع غزة، فوسائل الإعلام الإسرائيلية ما انفكت تُبدي استياءها من المسيرات الكبيرة التي تشهدها شوارع المدن المغربية، والتي تصف ما يحدث بالمجازر وبأنه جريمة إبادة جماعية، داعية لإنهاء "التطبيع مع إسرائيل". وزادت العلاقات بين المملكة والدولة العبرية تشنُجا في سياق الحرب على غزة، بعدما آزر سفير المملكة في لاهاي، محمد البصري، الوفد الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية، وقدم باسم المغرب مرافعة، بتاريخ 19 فبراير 2024، حمَّلَ فيها إسرائيل مسؤولية وضع العوائق أمام إحلال السلام، واعتبر أنها بسبب مستوطناتها تجعل حل الدولتين مستحيلا. وإلى حدود اللحظة فإن المغرب، الذي أوقف عمليا أي تعامل دبلوماسي، علني على الأقل، مع إسرائيل، خلال فترة ما بعد 7 أكتوبر 2023، لم يُصدر أي موقف رسمي بخصوص تكرار نشر نتنياهو لخريطة المملكة المبتورة من الصحراء، علما أنه يُركز جهوده الدبلوماسية حاليا على الولاياتالمتحدةالأمريكية ومجلس الأمن الدولي. هذا الأمر يقودنا إلى الاتفاق الثلاثي الموقع في دجنبر من سنة 2020 بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، الذي كانت ركيزته بالنسبة للمغرب، هي اعتراف وشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء، ما ضَمَنَهُ مرسوم رئاسي وقَّعَه الرئيس السابق دونالد ترامب، واستمر الرئيس الحالي جو بايدن في العمل بمضامينه دون أي تراجع، وفق ما سبق أن أكدته الإدارة الأمريكية رسميا. الاتفاق المذكور يمكن استحضاره أيضا بالنظر إلى إبقاء المغرب على تمثيليته في تل أبيب عند حدود مكتب الاتصال، واستقبال نظيرٍ له في الرباط، دون المضي إلى تبادل السفراء، الخطة التي ترتبط، عمليا، بوفاء واشنطن بتعهد الرئيس ترامب تدشين قنصلية لبلاده في مدينة الداخلة، والتي تتفادى إدارة بايدن تقديم أي معلومة عنها. وخلال مرحلة ما قبل الحرب على غزة، اختارت الرباط دبلوماسية "صامتة" تجاه تل أبيب بخصوص ملف الصحراء، إذ أمام تأخر الاعتراف الإسرائيلي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، واستمرار اعتماد الخريطة المبتورة، خفضت بشكل واضح دينامية تبادل الزيارات بين المسؤولين الحكوميين، إلى أن بعث نتنياهو إلى الملك رسالة يعلن فيها اعتراف حكمته بمغربية الصحراء. وبناء على كل ما مضى، فإنه من المرجح ألا يكون الموقف المغربي من نتنياهو، بعد واقعة الأمس، مباشرا ولا مُنفصلا عن الرابط الثلاثي الذي يجمع الرباطبواشنطن وتل أبيب، غير أن الثابت أيضا هو أن هذا الأمر يعطي قوة أكبر للتيار الذي لا يرى أن "لا جدوى من التطبيع"، و"لا فائدة منه على قضية الصحراء"، على المستوى الشعبي على الأقل.