1. الرئيسية 2. افتتاحية كي لا نصبح فريسة للأوروبيين! الصحيفة - افتتاحية الجمعة 20 يناير 2023 - 1:41 صَوّتَ البرلمان الأوروبي، على قرار غير مسبوق، يخص وضعية حقوق الإنسان، وحرية الصحافة في المغرب، بواقع 356 عضوا أيدوا قرار إدانة الرباط، بينما رفضه 32 برلمانيا، في حين غاب عن جلسة التصويت 42 برلمانيا من مجموع 430 عضوا في البرلمان الأوروبي. لا شك أن تصويت البرلمان الأوروبي على "إدانة المغرب" فيه الكثير من السياسة، وفائض وفير من الابتزاز الأوروبي المعروف لدول الجنوب، لكنه في الآن نفسه، هو تصويت يعكس صورة ليست بالوردية لواقع حقوق الإنسان وحرية الإعلام في المغرب. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. وإن كان برلمان الاتحاد الأوروبي قد جعل من وضعية حقوق الإنسان وحرية الصحافية في المغرب ورقة ضغط وابتزاز ومحاولة ترميم صورته التي اهتزت، خلال الأسابيع الماضي، بعد الكشف عن ملايين الدولارات التي نالها أعضاؤه كرشاوى من بعض الدول، فإن كل هذا لا يمكنه أن يخفي واقعنا الغير السليم حقوقيا وإعلاميا، وكان من الأجدر لو عالجناه، داخليا، دون أن يبتزنا به أحد. ما وقع الخميس بمقر الاتحاد الأوروبي، يُحتم على الدولة المغربية أن تسائل نفسها عليه، لأنها من منح ورقة ابتزاز مجانية لنواب أوروبيين يمارسون السياسة وفق مصالح بلدانهم، وينظرون إلى باقي دول الجنوب على أنها "أدغال" وفق تعبير جوزيب بوريل، الممثل السامي للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الذي وصف أوروبا ب "الحديقة" وبقية العالم ب "الأدغال". أوروبا تنظر إلينا على أننا فرائس في أدغال يمكن التهامها وقت الضرورة بقرارات تُمَكن دُولها من العيش في رخاء وسلام، وليحترق بعدها العالم. هكذا فعلت أوروبا في أزمة "جائحة كورونا" حينما أغلقت على نفسها بأنانية رافضة مساعدة دول الجنوب الفقيرة، وهكذا، تدير علاقتها مع باقي دول العالم وفق مصالح الجنس الأوروبي الأبيض الذي يعيش في حديقة أوروبا الفردوسية. وحينما يُدافع البرلمانيون الأوربيين عن مصالح بلدانهم من خلال صناعة " ديبلوماسية تأنيب الضمير" ضد دول أخرى خارج حدودهم، فذاك، حقهم، لأنّ الأمر يتعلق ب "حرب مصالح" يرغبون في كسبها. وفي الحرب، كما في الحب، كُل شيء مُباح! السؤال هنا، هو: ما الذي كان علينا أن نقوم به كدولة، ولم نفعله حتى أصبحنا فريسة صائغة لبرلمانيين مُرتشين لهم من الأدوات السياسية والاقتصادية والإعلامية ما جعلهم قادرين على إزعاج دولة مثل المغرب تاريخ وجودها أقدم من تاريخ وجود نصف دول القارة الأوروبية؟ الجواب سهل وبسيط وغير مُركب. كان على بعض من يُدبرون السلطة أن لا يُعالجوا الحمى بلبن الحمير كما كان يفعل الأوروبيين في العصر الوسيط. بمعنى أصح، كان على من يملكون الحكمة، وعمق تدبير الدولة، وإدراك كيفية المحافظة على تنوع المجتمع وتعقيداته، واستحضار التسامح في صناعة الأمّة، أن يتقدموا للصفوف الأمامية حينما تسوء الأمور لاتخاذ القرارات المصيرية بِحكمة. وهكذا، وفي وقت الشدّة، نصونوا بلدنا، بمجتمعه، وهويته، وتماسكه، وتعقيدات تدبير اختلافه، دون جراح كبيرة جعلها الأوروبيون تتعفن. لنقتنع بإرجاع العقل الأمني، قليلا، إلى الخلف، ولندع السياسي، والإعلامي، ورجل الدولة، يقومون بأدوارهم، في بيئة تكاملية، ورقابية مُؤطر بسيادة القانون الذي يفضي إلى العدالة. بهكذا، سنحصن مجتمعنا ودولتنا من أن تهتز بتقرير أو تصويت أو بلاغ من أي مؤسسة، لأن قوة الدولة الداخلية، تمنحها الحصانة الخارجية، غير ذلك، سنصبح فريسة موسمية للأوروبيين وسنرهن مصيرنا بيد مُنظمات تجيد إصدار التقارير السنوية. وياله من مصير!