قالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إن الملك محمد السادس سيحضر بنفسه القمة العربية المقررة في الجزائر يومي 1 و2 نونبر 2022، الأمر الذي أكدته أيضا، في اليوم نفسه صحيفة "القدس العربي" اللندنية، وهو الخبر الذي يأتي بعد أن كان من المتوقع أن يكون ولي العهد الأمير الحسن هو من سيَرأس وفد المملكة إلى هذه القمة، غير أن الأمر التوقعات الآن تشي بحدث جلل قد يكون الأهم على الأطلاق خلال قادم الأيام، بحكم أن البلدين يعيشان أسوأ أزمة بينهما منذ عقود. ولا زال خبر مشاركة الملك محمد السادس في قمة الجزائر غير مؤكد، ويبدو أمر الجزم به سابقا لأوانه لكون القصر الملكي لم يتوصل بعدُ بالدعوة الرسمية التي سيُوجهها الرئيس عبد المجيد تبون للعاهل المغربي، وسيتكفل بنقلها مبعوثه الشخصي وزير العدل عبد الرشيد طبي، غير أن استحضار هذا الاحتمال يجعل الأنظار مسلطة على الملك الذي سيحضر أول قمة عربية منذ 17 عاما، والذي ستطأ قدماه أرض الجزائر، في غمرة تلويح رئيسها وقائد أركانها بالحرب بسبب ملف الصحراء. ومنذ سنة 2005 لم يحضر الملك محمد السادس أي قمة عربية، حتى عندما كانت تستضيفها دول تربطها بالمملكة علاقات قوية، بل وتربط العاهل المغربي بملوكها علاقات صداقة شخصية، على غرار قطر والكويت والأردن والمملكة العربية السعودية، وللمفارقة، فإن آخر قمة حضرها الملك كانت أيضا بالجزائر، وهو أمر يحمل دلالات رمزية في هذا الوقت بالضبط، الذي تسود فيه أجواء التوتر علاقات البلدين، لدرجة أن الجزائر قررت في غشت من العام الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط. وينتظر الجميع ما إذا كانت الجزائر ستُلغي قرار إغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، الذي اتخذته في شتنبر من سنة 2021، للسماح للطائرة الملكية بالنزول بمطار هواري بومدين، بعدما لم تتجاوب في السابق مع دعوات العاهل المغربي للمصالحة ولفتح الحدود ولبناء الاتحاد المغاربي، وفي جميع الأحوال سيكون وصول الملك إلى الجزائر العاصمة حدثا جللا خاصة إذا ما قرر الرئيس الجزائري استقباله، وهو الذي كان يمتنع حتى عن نطق اسم المغرب. وستُمثل هذه الخطوة، إن تمت بالفعل، تأكيدا من الملك على رغبته في إنهاء الأزمة مع الجزائر، الأمر الذي كان يعبر عنه علنا في خطاباته، ففي خطاب العرش سنة 2021 قال "أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن يأتيکم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا، لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره". وحينها دعا الجالس على عرش المملكة الجزائر إلى العمل المشترك بشكل صريح حين قال "ما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر، لأنهما كالجسد الواحد، ذلك أن المغرب والجزائر يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والمخدرات والاتجار في البشر، فالعصابات التي تقوم بذلك هي عدونا الحقيقي والمشترك، وإذا عملنا سويا على محاربتها سنتمكن من الحد من نشاطها وتجفيف منابعها"، مضيفا "المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان، لذا أدعو فخامة الرئيس الجزائري للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك". وبعد عام من هذا الخطاب، كرر الملك دعوته بشكل واضح في خطاب العرش لهذه السنة، حين قال "أشدد مرة أخرى بأن الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما، بل نريدها أن تكون جسورا تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى"، وتابع "أهيب بالمغاربة لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال". ومضى الملك أبعد من ذلك حين أدان محاولات إبعاد المسافات بين البلدين، حيث قال "أما فيما يخص الادعاءات التي تتهم المغاربة بسب الجزائر والجزائريين، فإن من يقومون بها بطريقة غير مسؤولة يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين، وإن ما يقال عن العلاقات المغربية الجزائرية غير معقول ويحز في النفس. ونحن لم ولن نسمح لأي أحد، بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا، وبالنسبة للشعب المغربي، فنحن حريصون على الخروج من هذا الوضع وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين. وحين قال الملك في هذا الخطاب "إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك"، لم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر إلى انتقال الملك شخصيا إلى الجزائر ليبسط يده لمصافحة الرئيس الجزائري، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية لقاء قائدي البلدين وجها لوجه، ووضع كل الأوراق على الطاولة لمناقشتها دون مواربة ودون وساطات. وما يُلمس في خطابات الملك الأخيرة، أن ملف الوحدة الترابية للمغرب ليس قابلا للتفاوض، وأن ملف الصحراء منتهٍ بالفعل، بالرغم من أن الجزائر لا زالت تعتبره بوصلة سياستها الخارجية، غير أن الخطاب المتشدد للملك كان موجها دائما للانفصاليين، بينما ظل يعتبر الجزائر جارا وشريكا ضروريا لبناء الاتحاد المغاربي الذي سيعود بالنفع على شعوب المنطقة وسيُنهي نحو 5 عقود من الصراع الذي لم يستفد منه أحد، الأمر الذي تؤكده هذه الزيارة المحتملة التي سيكون على صناع القرار في الجزائر التفكير مليا في كيفية التعامل معها حتى لا يُحسب عليهم مرة أخرى رفض مصافحة اليد المغربية الممدودة تجاههم.