بعض أطفال قريتي لا يستريحون في عطلتهم الصيفية لأنهم فقراء، يريدون مساعدة آبائهم في المصاريف اليومية، ففي الصباح يحملون الصبار على أكتافهم، في سلال وعلى ظهور حمرهم، في صناديق متجهين إلى السوق والطرق الرئيسية التي تمر بها السيارات قصد بيعه، وفي لباسهم رتوق وعلى وجوههم براءة وسذاجة ،وأحيانا يطوفون بالمنازل يصيحون مرددين “أثاهنداشت”، ولا غرو أن جني الصبار يتطلب جهدا وصبرا ،من قطف وإزالة الأشواك ،وان يكون الجو مناسبا هادئا، ثم يعودون إلى منازلهم وقد قضوا بعض الحاجيات، قاطعين طرقا لزبة محفرة تثير نقعها دوابهم بالحوافر، والوديقة تسكب العرق من جسومهم التي تفوح منها رائحة الصنان والسهكة. إن أطفال قريتي الفقراء، أيامهم الصيفية مليئة بالعمل صباحا ومساء، ففي السحر يتجهون إلى الميناء حاملين دلاءهم يتخذونها كالدفوف، حيث ينقرونها مرددين أناشيد وأهازيج شعبية، ووقع خطاهم وصقاع الديكة يكسران ذلك السكون السحري والقرية تغط في وسن عميق. سفن الصيد تقترب شيئا فشيئا إلى رصيف الميناء، والأطفال يتزاحمون ويحتشدون، ويدنون إليها بشغف لأجل الحصول على كمشة من الأسماك من هذا القارب، وذاك، وذلك، وإذا ظفروا بها رجعوا إلى بيعها في السوق والشوارع، وبعد الزوال يقصدون الشاطئ، لبيع الحلوى وعباد الشمس والشطائر والمشروبات، وهم يطوفون بالمصطافين، وإذا أكلهم القيظ غطسوا في البحر، للتخفيف من شدة الحرارة والكلل. وفي الغروب يعود كل واحد إلى منزله، لمراجعة ما باعه، وما تبقى من السلعة وما ربحه، وأفراد عائلته متحلقون حول خوان، فوقه فتيلة، أو شمعة، أو قنديل، وبعد الاستماع إلى الحسابات، تعلو الفرحة وجوه أفراد الأسرة ثم تحضر أنواع من المأكولات… أطفال قريتي الفقراء يظلون هكذا طوال الصيف، إلى أن يحين الدخول المدرسي _ ولكن لا إعدادية ولا ثانوية بقريتهم _ وقد ادخروا ما ادخروا، وأعانوا آباءهم ما أعانوا، فنعم الأطفال…! عمال في الصيف، تلاميذ في الخريف والشتاء والربيع، ولولا أبناء الفقراء لضاع العلم، وفيهم أقول: في قريتي أطفال همهم أمل ***-//-*** فليرعهم ربي شعارهم عمل. جريدة العلم: 10/4/1989