يتواجد محمد الصغير مشبال على التراب البلجيكي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، حاضرا في هذه الأرض الأوروبية منذ نعومة أظافره، ليصنع له اسما لامعا في الميدان التجاري، بينما شجاعته الاستثمارية تخطت به الحدود القارية نحو عمق إفريقيا. يعتبر مشبال، الذي لم ينل الزمن من مهاراته في استعمال اللغة الأمازيغية الريفية بطلاقة، أن ما وصل إليه جاء بالاجتهاد ومفعول الصدفة معا، وأن هذه الخلطة خدمته حتى صار لا يهاب التجريب ما دام الفعل مشروعا؛ أما إذا ارتبط التحدي بالمغرب فإن الحماسة تتضاعف. لمسات العسكر ولد محمد الصغير مشبال في زايواقليمالناظور قبل 6 عقود ونيف من الحين، معانقا الحياة في هذه المدينة التابعة لإقليم الناظور وسط أسرة أصولها من "قرية أركمان"، غير البعيدة عن مستقرها وقتها. ويقول مشبال إن أسرته اعتادت التجوال بحكم انتماء والده إلى العسكر، إذ كان ينتمي إلى القوات المسلحة الملكية حديثة الإنشاء ذاك الحين، بينما تربية محمد جاءت وسط 27 أختا وأخا من 4 نساء. "لا أبالغ إن صرحت بأننا كنا كمنتمين إلى ثكنة عسكرية صغيرة بدورنا، وذلك لكثرة الأفراد والتنظيم الشديد الذي أطر تعاملنا بكل مكان نستقر فيه؛ لكنّني خضت تجربة الهجرة في سن ال12′′، يزيد محمد الصغير. طريق الحج قرر والدا محمد مشبال اصطحابه معهما لأداء مناسك الحج سنة 1970، فكان التحرك بالسيارة تجاه الأراضي المقدّسة عبر أوروبا. ويورد محمد: "كان المبتغى وصول ألمانيا كي يتم اصطحاب أخ استقر هناك، كما كان لدي أخ آخر في بلجيكا بقيت معه ولم أكمل الرحلة". "كان الجو حارا وجافا في المغرب أواخر شهر غشت من ذاك العام، بينما اندهشت لرؤية اخضرار الطبيعة والطقس العاصف حين دخول أوروبا.. بقيت عند أخي في بلجيكا لإشباع فضولي؛ لكنّني عدت بعد سنة من ذلك كي أبقى هناك مدة تجاوزت نصف قرن"، يردف مشبال. استثمر محمد الصغير مهاراته العلمية المكتسبة من التعليم المغربي كي يلج السنة الابتدائية النهائية في "مولنبيك"، وبعدها قصد مؤسسة ثانوية مكنته من الإقامة الداخلية بها، لإعجاب أطرها بمهاراته في كرة القدم، ليلازم هذا المرفق من 1971 إلى 1986 بعدما أضحى مؤطرا لمن يقصدونها. نصيحة الصدفة عمل مشبال مساعدا اجتماعيا في عدد من البرامج التي تعنى بالجالية المغاربية عموما، والمغاربة المستقرين في بلجيكا بشكل خاص، مقبلا على تنفيذ مشاريع توعية في إطار مساعي ضمان اندماج المهاجرين ومحاربة الهدر المدرسي لأبناء هذه الفئة الاجتماعية. يتذكر محمد أنه تلقى نصيحة بالصدفة كي يقبل على الاشتغال في التجارة، ويفصّل: "تعرضت لوعكة صحية أدخلتني المستشفى، وبعد تبادل الحديث مع مريض يكبرني سنا بكثير أبدى إعجابه بمهاراتي التواصلية وقدرتي على الإقناع، معتبرا أن اشتغالي سيكون جيدا في البيع والشراء". استهل محمد الصغير مشبال المتاجرة من خلال الخضر والفواكه بمعية شريك من العائلة، ثم انفرد بالاستثمار مقبلا على مواد كالشاي والتمر وغيرهما، ثم سار نحو صفقات التصدير والاستيراد ذات الارتباط بالمواد الغذائية المجففة طيلة العقود الأربعة الماضية. منتجات مغربية يدير مشبال استثمارات تجارته تحت اسم "ميا تريدينغ"، ويركز في اشتغالاته على المواد التي يحرص على استقدامها نحو السوق الأوروبية انطلاقا من الأراضي المغربية، متشبثا بهذا الخيار الذي أبدى نجاعته منذ سنوات طويلة. يقول "ابن زايو" إن تطور المعاملات بوتيرة مستمرة في الارتفاع جعل المؤسسة التي يتحمل مسؤوليتها تصنف الأولى في مملكة بلجيكا من بين المتعاملين بالمنتجات المغربية، وعلى مستوى القارة الأوروبية بأكملها توضع ضمن المركز الثالث في تخصصها. ويضيف المتحدث نفسه: "الالتزام بالعمل دوما شكل أسس النجاح لخطواتي في هذا الميدان، زيادة على جذب الزبائن بتجويد الخدمات. ولا أنكر أنني استفدت كثيرا من خبراتي التواصلية التي حزتها عند اشتغالي سابقا كمؤطر ثم في المساعدة الاجتماعية". عين على إفريقيا يعلن محمد الصغير عن نفسه، أيضا، ك"مقاول صغير في المغرب وببلدان إفريقية كالسنغال والكونغو، ودول أخرى في القارة السمراء"، حيث يبصم على مشاريع، بينها تجربة برهانات إيكولوجية ضواحي اولاد تايمة. "أحاول مواكبة بلدي بما أقدر على فعله، وأحرص على الالتزام بتوجهات الدولة في المراهنة على التنمية الداخلية وقصد الأسواق الواعدة في إفريقيا، إضافة إلى المخططات الإستراتيجية المغربية الكبرى التي ترحب بالاستثمارات البيئية"، يزيد مشبال. من جهة أخرى، يؤكد مستجمع 50 سنة من العيش في بلجيكا أنه فخور بكل ما قام به في الماضي، ناسبا هذا الإحساس إلى ارتقائه الاجتماعي ومشاركته في تطور أناس آخرين يعملون معه في عدد من بلدان العالم، كما يرى أنه لم يلاقِ أي صعوبة فشل في تخطيها. خيارات بديلة يشجع محمد مشبال الإقدام على الهجرة النظامية، رافضا تأييد أي دينامية أخرى تكسر القوانين كيفما كانت دوافعها أو مبرراتها، ويزيد تشجيعه حين يرتبط المهاجرون الجدد بأهداف دراسية عليا في تخصصات مفقودة أو ذات ولوج محدود ببلدانهم الأصلية. ويزيد المنتمي إلى صف مغاربة العالم: "أرى الخيارات البديلة مرتبطة بإفريقيا مستقبلا، إذ ستغدو قبلة للباحثين عن الازدهار قريبا، عكس الاقتصاد الأوروبي الذي أضحى مبنيا على إفراط في التضريب .. حتى الاقتصاد المغربي فيه أوراش تقود إلى النجاح حاليا". "الشباب هم ورود الحياة التي ينبغي أن تتم زراعتها في أراض مفضية إلى التفتح المنشود.. الوجود البشري مرادف لبذل أقصى الجهود حتى يحضر الاعتراف بالذات وتقدير الغير، بينما التركيز على مراكمة المال لا قيمة له إن غابت القيم وانعدم التضامن بين الناس"، يختم محمد الصغير مشبال.