مع الدكتور الناقد أسامة البحيري من مصر الشقيقة. السلام عليكم دكتور أولا، أرحب بكم، وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي. وعليكم السلام أرحب بك، وأشكر اهتمامك بمشروعي النقدي. سؤال: من هو أسامة البحيري؟ جواب: أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب، جامعة طنطا، في مصر. ورئيس اتحاد كتاب مصر فرع الغربية. سؤال: 2 – دكتور من بين مؤلفاتكم كتاب دراسات في الأدب السعودي المعاصر. وكتاب تشكيل الزمن في السيرة الذاتية السعودية . وشعرية التشكيل في الرواية النسائية السعودية… ما هو تقييمكم للأدب السعودي؟ وما مدى مشاركة المرأة السعودية في إغناء الحقل الثقافي السعودي والعربي بصفة عامة؟ جواب: عملت أستاذا للنقد الأدبي والبلاغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة جازان السعودية لمدة عشرة أعوام ، اطلعت فيها على الساحة الثقافية والإبداعية السعودية، والتقيت كثيرا من المبدعين والمبدعات في السعودية في مؤتمرات علمية وندوات أدبية في عدد كبير من المدن السعودية، لذا فأنا على دراية جيدة بخارطة الإبداع السعودي، ومعرفة بتحولاته المختلفة، ومراحله المتتابعة، وأعلامه في العصر الحديث والمعاصر، وكان ثمرة ذلك تأليف كتابي " دراسات في الأدب السعودي المعاصر " الي ضم عدة دراسات في عدة أنواع أدبية كالشعر ( العمودي، والتفعيلي، وقصيدة النثر ) ، والرواية ، والسيرة الذاتية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا ، لعدد من المبدعين والمبدعات في مناطق سعودية كثيرة . وقد تابعت التحولات الاجتماعية والسياسية الكبيرة التي مر بها المجتمع السعودي منذ مطلع الألفية الثالثة، وكان من أبرز مظاهره إتاحة المجال للمرأة للمشاركة في الحياة العامة، ومجلس الشورى، والمناصب الوزارية، وتبع ذلك انتشار الأدب النسائي، وزيادة الاحتفاء به، وبخاصة في مجال الرواية التي شهدت طفرة كبيرة في تأليفها، وانتشارها، وإقبال القراء عليها من داخل السعودية وخارجها . سؤال: 3 – سؤال يرتبط بما سبق ما هو تقييمكم للساحة الأدبية العربية عامة؟ جواب: تمر الساحة الأدبية العربية بكثير من الاتجاهات والتيارات المختلفة، وشهدت تطورا ملحوظا في كثير من الأنواع الأدبية، وزيادة انتشار ألوان أدبية جديدة كقصيدة النثر، والقصة القصيرة جدا، والأدب الرقمي شعرا وسردا، وذلك بعد زوال ما يسمى ب " ثنائية المركز والهامش" بفعل العولمة والثورة الرقمية، وثورة المعلومات والاتصالات . فالعالم العربي في بداية النهضة الحديثة وبدايات الأدب الحديث كانت فيه مراكز ثقافية وأدبية زاهرة ومستقرة في مصر والشام بفعل عوامل كثيرة من الإرث الحضاري العريق، وبكورة الاتصال بالحضارة الغربية الحديثة . هذه المراكز الثقافية والأدبية كان معترفا بها من كافة الأقطار العربية ، ويدينون لها بالتبعية والاستفادة، فكانت الأجناس والأنواع الأدبية تظهر وتزدهر في هذه المراكز الثقافية أولا ثم تظهر وتنتشر بعد ذلك في الأقطار العربية، كما حدث في الرواية، والمسرح، والقصة القصيرة . ولكن ثورة الاتصالات والمعلومات قضت على ثنائية المراكز والهوامش، وصارت الألوان الأدبية الجديدة تظهر متزامنة في البلاد العربية في وقت متقارب، كما حدث في الأدب الرقمي، والقصة القصيرة جدا . سؤال: 4 – دكتور لكم كتاب، العولمة والأدب العربي المعاصر و … كيف يرى الدكتور تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر؟ وفي رأيكم هل ستفرز لنا جيلا كبيرا من النقاد والمبدعين يفتقدون إلى أسس الإبداع والنقد ام انها سوف تخدم الأدب العربي المعاصر؟ جواب: كان للعولمة تأثيرات كثيرة على الأدب العربي المعاصر، فمع أنها نادت بتذويب الحدود والحواجز المكانية، وعملت على فرض النموذج الأمريكي في العالم كله ، إلا أن لها آثارا إيجابية على الأدب العربي المعاصر، فقد عملت على زيادة الإحساس بالهوية الوطنية في كل بلد عربي، وعملت كل دولة على الحفاظ على جذورها وتاريخها الرسمي والشعبي، وكان ذلك رد فعل عكسي على دعوات العولمة . وعملت ثورة المعلومات والاتصالات على نشر الأدب العربي وترجمته، واتساع نشر اللغة العربية وتعليمها للناطقين بغيرها، وزادت مراكز وجوائز الترجمة في البلاد العربية . وأتاحت العولمة المجال لأصوات المهمشين والأقليات للتعبير عن أنفسهم ومشاكلهم ومعاناتهم بكثير من الجرأة والحرية غير المسبوقة، وزاد الاحتفاء بالأدب النسائي، وتكريم المبدعات العربيات ، ورصد التجارب الإبداعية النسائية ونقدها، وزادت مساحة التعبير عن المسكوت عنه في العالم العربي دينيا وسياسيا وجنسيا . سؤال: 5 – من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟ جواب: النقد مهم جدا لاستمرار الإبداع وتجويده، وتعديل مساراته، وفتح آفاق جديدة لمغامراته. وقد شهد الإبداع العربي طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة في تعدد مجالاته، وتنوع فنونه، وكثرة المبدعين والمبدعات، وانفتاحهم على التجارب الإبداعية العربية والعالمية. وأرجو أن ينشغل النقاد في كل قطر عربي برصد التجارب الإبداعية المتحققة في بلدانهم ، وتحليلها، وتقديمها لكافة الأقطار العربية في المؤتمرات العلمية والأدبية المتنوعة، ومحاولة رصد المرتكزات المشتركة في التجارب الإبداعية في عدد من البلدان ، لتأكيد الثوابت الثقافية التي تجمعنا، وتقديم قدوة صالحة لشباب المبدعين والمبدعات . ولعل في سهولة التواصل بين المبدعين والمبدعات في مواقع التواصل الاجتماعي ما يحقق فائدة كبيرة للعملية النقدية والإبداعية على مستوى العالم العربي كله ، وهذا هدف أصيل في المبادرة الثقافية لنشر الإبداع العربي ونقده التي تبناها اتحاد كتاب مصر فرع الغربية الذي أشرف برئاسته . سؤال: 6 – دكتور، كتبتم عن تفاعل السرد والتاريخ في الرواية اليمنية الجديدة . بالإضافة إلى عدة دراسات ومقالات تخص الرواية والقصة كيف يرى الناقد التطور الحاصل في السرد مقارنة مع الشعر ؟ وهل يمكن القول إن الرواية أصبحت تحتل الريادة وسحبت البساط من تحت الشعر؟ جواب: حظيت الرواية والفنون السردية عموما بانتشار واسع ، وشهرة كبيرة، وقاعدة قرائية عريضة بفعل السينما، والجوائز المختلفة ، بما أغرى كثير من المبدعين والمبدعات بكتابتها، وحدثت طفرة إبداعية روائية في كافة الأقطار العربية وبخاصة في مجال الرواية النسائية العربية التي فازت بعدد من الجوائز العربية والدولية مؤخرا، ووجدنا عددا من الشعراء الكبار يتجهون لكتابة الرواية، وأنا أشرف حاليا على رسالة جامعية بعنوان " الشاعر روائيا " تتناول عددا من الروايات لكبار الشعراء المصريين والعرب . ولكن الشعر يبقى فن العربية العريق، وما زال وجوده مؤثرا، ولعل الجوائز التي أنشئت لتشجيع الشعر والشعراء العرب تكون عاملا مهما في تطوره وازدهاره وانتشاره بين الجماهير العربية، وهذا ما تهدف إليه بيوت الشعر ومؤسساته التي انتشرت مؤخرا في كثير من البلاد العربية . سؤال: 8 – أستاذي الفاضل أصدرتم كتبا في القصة القصيرة جدا، ولكم عدة دراسات تخص هذا الجنس الأدبي ، وكان لكم حضور قوي في المهرجان الدولي للقصة القصيرة جدا بالمغرب (الناظور ) 2016 كيف ترون مستقبل هذا اللون الأدبي ؟ جواب: ظهرت القصة القصيرة جدا في عقد السبعينيات من القرن العشرين في مصر، وسوريا، والسعودية، والمغرب، وحققت انتشارا كبيرا جدا بفعل ثورة الاتصالات والمعلومات وسهولة التواصل الرقمي، وشهدت عدد من البلاد العربية مؤتمرات علمية وندوات أدبية حول القصة القصيرة جدا في سوريا، والمغرب، ومصر، والسعودية، وتألفت مجموعات أدبية كبيرة جدا حول فن القصة القصيرة جدا في مواقع التواصل الاجتماعي بلغت عشرات الآلاف من الأعضاء ، بما أعطى دفعة كبيرة جدا لنمو هذا اللون السردي المكثف، وشهدت دور النشر العربية في كثير من الدان طباعة عدد كبير من من المجموعات والموسوعات القصصية القصيرة جدا ، وكان لمهرجان ومؤتمر " الناظور" الثقافي حول القصة القصيرة جدا " دور كبير في ازدهارها ، واتساع القاعدة القرائية والجماهيرية الحاضنة لها ، وأرجو أن يعود هذا المهرجان لأداء دور الثقافي المهم . سؤال: 9 – ما هو مستقبل الثقافة في الوطن العربي في ظل تقلص دور المثقف العربي؟ جواب: لنكن صرحاء في أن الثقافة لا تحظى بدعم كبير على المستوى الحكومي العربي عامة، وتأتي دائما في مراحل متأخرة من اهتمام الحكومات العربية التي تتجه لتوفير المأكل والمشرب والمسكن والدواء لأفراد شعوبها . ولكننا نلفت الأنظار إلى أن الثقافة لها دور مهم جدا في الحفاظ على الأمن القومي العربي في ظل التحديات العالمية المعاصرة، وفي ظل التهديدات التي تتعرض لها البلاد العربية، فالثقافة هي التي ترسخ مفاهيم الولاء والانتماء في قلوب المواطنين، وهي الدرع الواقي من كل مخاطر العولمة والإرهاب وكل مظاهر التخلف ، إذا أحسن استخدامها ، ودعمها، ونشرها على نطاق جماهيري واسع . وأقول دائما : إذا أقيمت منارة ثقافية في أي مكان ( متحف، مكتبة، قاعة مسرح أو سينما دار نشر، أوبرا ) ، فهذا معناه القضاء على بؤرة ظلامية إرهابية يمكن أن تنشأ إذا خلت الساحة من الثقافة والتنوير . سؤال: 10 – دكتور لقد كان للكتابة النسائية حظ من إنتاجاتكم النقدية، هل يمكن أن تلخص لنا في سطور تقييمكم لإبداع المرأة؟ وفي رأيكم هل هناك إبداع نسائي وإبداع يخص الرجل؟ جواب: النسوية، والنقد النسائي من المصطلحات التي انتشرت وشاعت مع مطلع الألفية الثالثة بفعل العولمة وثورة الاتصالات، ووجدنا إقبالا كبيرا على الإبداع النسائي وبخاصة في الرواية في الدول العربية كلها، وشهدت الساحة الثقافية والإبداعية العربية ظهور عدد من المبدعات المتميزات في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، والنقد الأدبي، ومنحت لهن الجوائز العربية والدولية تقديرا لتجاربهن ومكانتهن الكبيرة . وشهدت بعض الدول العربية التي عانت فيها المرأة سنوات طويلة من التجاهل وعدم الاهتمام بحقوقها، شهدت هذه الدول طفرة كبيرة في مجال الأدب النسائي، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية . سؤال: 11 – ما هو المشروع النقدي الذي يشغل بال الدكتور أسامة البحيري بعد هذا التراكم؟ جواب: الحقيقة أن مشروعي النقدي والثقافي عموما يرتكز على ثلاثة محاور أساسية : التبحر في معرفة التراث العربي، والاهتمام بإحياء كنوزه العلمية، والأدبية . الانفتاح – بوعي- أمام المذاهب والتيارات الأدبية والنقدية الأجنبية، والاستفادة من ثمارها النافعة في دراسة الأدب العربي وفنونه قديما وحديثا. الاهتمام برصد المرتكزات الثقافية والفكرية المشتركة في التجارب الإبداعية العربية. وقد وضح ذلك في كتبي وأبحاثي العلمية التي بلغت الثلاثين، فقد درست وحققت كتب ( الكناية والتعريض وسجع المنثور و برد الأكباد في الأعداد للثعالبي، وكتاب زهر الربيع في المثل البديع للنواجي ) ، وأفدت من المناهج النقدية الغربية في كتابي " الحداثة وما بعد الحداثة في الرواية العربية المعاصرة" و " تحولات البنية في البلاغة العربية "، ورصدت المرتكزات الثقافية العربية في السرد في كتابي " مقارنات في السرد العربي" ، وفي الشعر في كتابي " دراسات أسلوبية في الشعر العربي " . وأرجو أن أكمل مسيرتي في خدمة النقد والإبداع العربي. شكرا لكم أستاذي الفاضل، وفقكم الله في مسيرتكم. حاورته الروائية أمنة برواضي ( المغرب )