غريب ما يجري في بلدي الحبيب المغرب، فالأغنياء والوجهاء والأعيان ينعمون بعطف مولوي منقطع النضير، حيث يكرمون بالامتيازات واللاكريمات والتسهيلات. أما الفقراء والناس البسطاء الضعفاء فلهم نصيبهم من العطف. فالدولة لا تبخل في تكريمهم إما بالحريرة في أشهر رمضان وإما بهراوات السيمي والمخازنية كلما ارتفعت أصواتهم ضد الظلم والفساد الإداري والسياسي وكل إشكال الإقصاء والتمييز. ما الفرق إذن بين اللاكريمات والقفيفات الحريرة؟ اللاكريمات، تهدى من الديوان الملكي لأصحاب الامتيازات، ويقرر فيها على ما نعتقد الديوان الملكي وبإفتاء من المحيطين أو المقربين منه، من مخبرين ومستشارين. وبعبارة أدق اللاكريمات تقرر فيها حكومة الظل في المملكة المغربية. وينعت المستفيدين منها ب”الوطنيين” و”خدام الوطن والعرش”… اما لقفيفات الحريرة، فيقرر فيه القايد وبتعاون “محكم” مع الشيوخ والمقدمين. وينعت هؤلاء أحيانا ب” الاوباش” او “المهمشين” وفي أحسن الحالات وعطفا من المجتمع يسمون بالمساكين أو “ضعاف الأنفس”. وكثيرا ما يستفيد هؤلاء ب”القفيفات” يصعب أن نعرف بالأدق محتوياتها من خلال أخبار القناة التلفزية “الأولى”، لكن بالتأكيد أنها تحتوي على “قالب سكر” قد يصلح لكل شيئ… هكذا إذن يتم التوزيع العادل للثروة في بلدنا الحبيب المغرب، وبذلك فان النظام ينهج سياسة “رشيدة وحكيمة” من اجل اغناء الغني وإفقار الفقير تطبيقا لأوامر غير موجودة أصلا لا في القوانين الوضعية ولا السماوية. ربما النقطة الوحيدة التي تجمع المستفيدين من اللاكريمات والمستفيدين بالقفيفات هي الطاعة نفاقا أو قناعة. أما من يرفض الطاعة فلا وجود له في المغرب. إن تفحصنا قليلا لائحة الرباح، يتبين كيف تتقن الدولة شراء الذمم عبر منح “رشاوي” مفضوحة تهدف إلى تقوية دار المخزن. و كأمثلة على ذلك فقط، فيمكن أن نتساءل عن أي معايير تعتمد عليها الدولة لمنح “لاكرماتها” السخية. فاللائحة تضم مخبرين وفنانين ورياضيين ومقاومين وأبنائهم…. و لكي نحاول أن نفهم لماذا؟ نتوقف عند ثلاثة امثلة: المثل الأول: بالله عليكم كيف يمكن ان يستفيد الزاكي، الذي كان لاعبا محترفا، ومدربا ومعلقا رياضيا؟ هل أن السي الزاكي لا يملك ما يأكل؟ أم أن الدولة تكرمه على انجازاته؟ . فإذا كانت الدولة تريد تكريمه فلماذا إذن لا يمكن أن يعرف الشعب في حينه متى وكم ولماذا؟ المثل الثاني: كيف تمنح “اللاكريما” ل”عالم دين” ومفتي اسمه الزمزمي، وهو برلمانيا متقاعدا منذ مدة لا تتجاوز 3 أشهر. ولازال يتقاضى أجرة البرلماني المتقاعد. والله اعلم ما لديه من مال وأملاك اكتسبها باسم “العالم الديني” وموقعه الديني، تكريما له على معارضته الشديدة لنهج إخوانه الإسلاميين الآخرين الذين لا يتفقون مع نهج الدولة. المثل الثالث: كيف تمنح اللاكريمات لبنات وحفيدات عبد الكريم الذي رفض أباهم حيا وميتا القبول باتفاقية اكس ليبان ونتائجها؟ وأبى إلا أن يموت معززا مكرما وهو تحترمه كل شعوب الدنيا لشجاعته وبسالته وأخلاقه. هل إذن هذا تكريم أم تجريم لتاريخ عبد الكريم عبر ارتشاء الحفيدات اللواتين ربما لا يعرفون من تاريخ جدهم إلا الاسم؟ أما المخبرين والفنانين وخدام المخزن القدامى والجدد، فتكريمهم قد يكون تكريما ل”خدماتهم الجليلة” أو لطاعتهم أو لصمتهم على جرائم المخزن… و الله اعلم. هذا في انتظار أن نكتشف يوما أسماء “كروش الحرام: الكبرى المستفيدين من لاكرمات ورخص الصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال… فالسؤال الذي يبقى ثابتا هو: إلى متى سيطبق المغرب قانون/مبدأ من أين لك هذا؟ متمنيين تطبيق هذا القانون على المغاربة جميعا من الفهم إلى يائهم. وعنده فقط قد نكون “اقطعنا الواد “. ورسخنا العدالة الاجتماعية ودولة الحق والقانون حيث تتساوى فيها “الحريرة ” ب”اللاكريمة”. ما موقع الهراوة في سياسة الحريرة في مغرب اليوم؟ لقد ناضل الكثيرون من داخل حركة 20 فبراير والقوى المساندة لها من اجل إنهاء الظلم والاستبداد والتوزيع الغير العادل للثروة. فبدل الاستجابة لمطالب الحركة المشروعة، اخرج المخزن الجديد/القديم وصفة عجيبة تبدأ بمنح منح دستور منوح جديد يكرس الحكم الفردي ويوصل جزئيا الإسلاميين للحكم وخاصة المخزنين منهم لإشراكهم في تدبير الشأن العام مع الملك وبالملك. هذه الوصفة السحرية مكنت المخزن من ربح الوقت، محاولا إضعاف الحركة وإخراج البعض “لمساندة سوريا” وسوريا فقط. كأننا أنجزنا الثورة الوطنية الديمقراطية في المغرب، ولا ينقصنا إلا التضامن مع الشعب السوري الذي هو حق يراد به باطل. فبدل الاستمرار في النضال الوحدوي في ومع شباب حركة 20 فبراير ودعما لجعلها حركة تغيير حقيقية، انسحبت إذن العدل والإحسان للتوجه وتتفرغ الى سوريا هذه المرة، ناسية بان اكبر خدمة للثورة السورية هو انجاز التغير الديمقراطي بالمغرب (رحم الله جورج حبش/الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي قال يوما بان اكبر خدمة قدمها الشعب المغربي إلى الثورة الفلسطينة هي انتفاضة 1984)، داعيا بان انجاز الثورات كل في موقعه هو اكبر دعم للشعوب الأخرى. بعد مرور سنة من اندلاع احتجاجات ومظاهرات حركة 20 فبراير، اطمأن المخزن على وضعه وسلامته بل اكتسب شرطيا جديدا للدفاع عنه اسمه “العدالة والتنمية”. فهكذا أعطى أوامره ل”حليمة لتعود إلى عادتها لقديمة”. بدا السلخ في تازة الصامدة التي لم تكتفي بطون فقرائها بحريرة المخزن، بدل التعامل مع الاحتجاجات بالحوار والشروع في إيجاد الحلول للمشاكل المزمنة كالبطالة والتهميش وغياب الشروط الدنيا للعيش الكريم. السليخ امتد إلى بعض المدن الصغرى والهامشية التي قالت كفى لحريرة المخزن ونفاقه، فعرفت مدينة بني ملال التفاتة مخزنية هامة لتكريم شبابها عبر تكسير عظامهم بهراوات السيمي المتوحش. فحتى بعض المدن الكبرى لم ينجو مهمشيها من معطلين وكادحين من زرواطة المخزن الطويلة والقادرة على إصابة كل من “تغرغرت” أمعائه بالجوع أو بكثرة حساء الحريرة فقط، او “الخبز او اتاي”، لإسكات صوتها. فنحن شعب المغرب من مهجرين ومهمشين وعاطلين عن العمل محكومون بالاكتفاء بالحريرة. وإن طلبنا –أحيانا- قليلا من الزيت “كايعصروها” منا، (رحم الله عبد النبي نالسوق/حكيم الريف، عندما قال يوما “اطلبوا السكر وفقط أما الزيت غاخرجوها منكم”). فبعد تازةوبني ملال ها هو كرم المخزن يصل إلى الريف الشامخ عبر بوابة بني بوعياش. فالمخزن مدعوما بأجهزته وبحزبي الاستقلال والعدالة والتنمية وتآمر البام بصمته يريدون أن يكرموا أهل لريف على طريقة 58/59 أو 1984. إن الطريقة التي هوجم بها اعتصام شباب بني بوعياش هي طريقة العصابات وليس هجوم دولة تحترم نفسها. إذ ليس هناك لا أمر قضائي ولا حتى طلب -وفق القانون الرسمي المغربي- ينذر المعتصمين أو يطالبهم بفك اعتصامهم. كما أن الهجوم على المنازل والمتاجر تم ليلا، ناهيك عن إحراق المحلات التجارية والسيارات كأننا في عهد الماغول وليس في القرن 21. وللأسف هي نفس الخطة التي سلكها الملك الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد عندما حرق الريف بالطائرات إبان انتفاضة 58/59 المجيدة. والتي اعترف بها رسميا في خطابه الشهير لسنة 1984، عندما نعت جميع أبناء الشمال بالأوباش. وإلا نتساءل كيف سمح ويسمح المسئولون للسيمي الآن تخريب البيوت والمتاجر والمقاهي وتكسير الأبواب والنوافذ في تازة وبعدها في بني بوعياش بدون حسيب ولا رقيب؟ هل هذا هو تنزيل الدستور الذي “صوتوا” عليه بغرابة ب 98 في المائة، ليستعملوه أداة للتنكيل ب 98 في المائة من المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة؟ إن الانزالات البرية والبحرية والجوية لقوات القمع المخزنية للقضاء على احتجاجات شباب 20 فبراير ببني بوعياش، تؤكد بان المخزن عازم عل تدمير الريف مرة أخرى بعدما دمر بنياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية منذ الاستقلال الشكلي إلى اليوم. رغم علمه علم اليقين أن حفدة عبد الكريم الخطابي لا ترهبهم لا الطائرات ولا القنابل المسيلة للدموع. كنا نتمنى بان يستفيد المخزن الجديد من دروس التاريخ. لكن بدل إجراء حوار مع شباب المنطقة وأهلها لتحقيق مطالبهم لإبعاد التوتر. ها هو يهاجم بني بوعياش لإرجاع عقارب الساعة 53 سنة إلى الوراء إلى الوراء. ضانا أن بتواطئه على الثورة الخطابية وسحقه لجيش التحرير ونفيه لمحمد الحاج سلام امزيان، وتدميره للريف ونهج سياسة القتل، كتصفية الحساني وحرق الشهداء الخمسة لحركة 20 فبرير بالحسيمة في ظروف مشبوهة قد يوقف التاريخ بمجرد ان يعوض سكان الريف بالحريرة تارة او بلاكريمات الطاكسيات تارة أخرى مقابل تقبيل اليدين والصمت على الجريمة. إن أهل الريف يريدون العيش في عز وكرامة بعد كل ما عنوه من تهميش ممنهج وتدمير مدبر لبنيات الريف الحديث حيث هجر شبابه ووصفوا بأبشع الأوصاف. لذلك نضم صوتنا لصوت كل من ينادي اليوم بتوقيف المجزرة في بني بوعياش والتصدي للمؤامرة، ووضع حد لسياسة اقتصاد الريع والامتيازات واللاكريمات وحتى الحريرة.