في سياق نضالات حركة 20 فبراير، تشهد عدة مدن وقرى شمال المغرب/الريف الكبير تطورات متسارعة، تنذر بانفجار الوضع في أي لحظة. فبعد انتفاضة مدينة تازة التي أدت إلى وقوع صدامات عنيفة بين المواطنين المنتفضين والقوى القمعية، والتي أسفرت عن جروح خطيرة واعتقالات واسعة النطاق في صفوف المناضلين والمواطنين والتي ما زالت متواصلة إلى حدود اليوم. ها هي مدينة آيث بوعياش تعيش بدورها على صفيح ساخن وتشهد تطورات متسارعة قد تؤدي إلى صدامات في أية لحظة، تؤججها استفزازات المخزن المتواصلة باعتقاله ومتابعته لمناضلي حركة 20 فبراير واغتيال الشهيد كمال الحساني… الخ. محاولا تصفية حساباته ليس مع أهل آيث بوعياش وحسب بل مع كل أبناء شمال المغرب. فبدل تلبية المطالب المشروعة لسكان بني بوعياش المتمثلة في الحق في الشغل وحرية التعبير ورفع التهميش على المنطقة وضمان العيش الكريم لجميع المواطنين وإطلاق سراح معتقلي الرأي.. إلخ، فان المخزن يحاول أن يلعب على الوقت لربح المعركة لصالحه محاولا عزل حركة 20 فبراير بآيث بوعياش عن محيطها الإقليمي وتشويه صورتها أمام سكان المنطقة عبر نشر إشاعات مسمومة. ودفع الشباب عنوة إلى ارتكاب أخطاء تسهل له مأمورية تدمير التراكمات النضالية لهذه المدينة المناضلة، التي أضحت اليوم نموذجا في الصمود والتحدي يقتدى به، ليس في أقاليم الريف الكبير فحسب بل في كل جهات المغرب. أمام هذا التصعيد الذي أبدعت فيه حركة 20 فبراير مختلف أساليب النضال وهي تربط سكان المنطقة بماضي الريف المقاوم ورغبة سكانه في التحرر من ديكتاتورية المركز وامتلاءاته الاقتصادية والسياسية والأمنية. فإذا كان يسجل لسكان آيث بوعياش كأنهم هم الأولون الذين رفعوا علم عبد الكريم الخطابي بعد مرور 85 سنة من تدمير الثورة الخطابية، حتى أصبح علم الريف اليوم يرفرف في عدة مظاهرات وأنشطة ثقافية في داخل المغرب وخارجه، حتى أضحى رفعه لم يعد طابوها عند العامة مسجلين تسامح السلطات مع هذا المعطى الجديد، بسب عدم قدرتها التحكم في ردود الشباب في حالة وقوع تدخل قمعي ضدهم. السؤال الذي يقلق العديد من المناضلين والغيورين على منطقة الريف ليس هو التصعيد النضالي للشباب، ما دامت احتجاجاتهم مشروعة ومعقولة، بينما السؤال الحقيقي هو أين هي نخب الريف من كل هذه التطورات؟ أهل ننتظر أن تدمر آيث بوعياش وأهلها وتجربتها النضالية واعتقال شبابها؟ أهل سنظل نتفرج هذا الوضع ونتابع تطوراتها من بعيد كأننا غير معنيين؟ أليس نحن مطالبون اليوم، كل من موقعه، حماية الحركات الاحتجاجية بالريف الكبير لتفويت الفرصة أمام النظام الذي يستعد ليل صباح لإحراق الأخضر واليابس؟ لماذا نحن هكذا مرضى بالانتظارية، وننتظر بعد أن يلعب المخزن لعبته، سنشهر سلاح النقد ضد بعضنا البعض وسنحمل المسؤولية لهذا وذاك بعد تفويت الأوان طبعا. وآنذاك سنوزع التهم بالمجان ضد الشباب والغيورين على الريف ومستقبله. أليس هذا هو الوقت المناسب الذي يمكن أن يدلو كل واحد بدلوه؟ ألم يأت الوقت لنخاطب بعضنا البعض بصراحة وبأصوات عالية لنصرة شباب المنطقة نصحا وتوجيها وانتقادا إن دعت الضرورة لذلك؟ لماذا ننتظر تدمير بني بوعياش وبعد كل الريف الكبير وتراكماته النضالية؟ ألم يحن الوقت بعد لنتواضع جميعنا للجلوس جميعا حول الطاولة للتحدث في مستقبلنا ورسم استراتيجية لريف القرن 21؟ للجواب على هذه الأسئلة وربما أخرى، اعتقد جازما بأنه آن الأوان لعقد مؤتمر لنخب شمال الريف للبحث في مستقبل الريف وقضاياه. كما أنه لا بد من تفويت الفرصة أمام النظام الذي يستعد على قدم وساق – إن لم يكن قد بدأ- لتدمير الحركات الاحتجاجية بالريف الكبير وعلى رأسها حركة 20 فبراير ببني بوعياش، وتازة، وبوكيدارن وطنجة… إلخ. إن الخروج من المأزق الحالي، لا يكمن أن يتم إلا عبر انجاج مصالحة تاريخية مع أهل الريف عبر تمكينهم من تدبير شؤونهم بأيديهم، مع حق الريفيين التعبير على أرائهم بكل حرية حول مستقبل الريف. فمن يريد الإبقاء على الوضع كما هو عليه فهذا شأنه. ومن ينادي بالجمهورية فذلك شأنه. لكننا نعتقد باعتبارنا كريفيين مغاربة أو مغاربة ريفيين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ندير ظهورنا لما يقع في المغرب ككل. فما نطلبه لأنفسنا هو حق لكل المغاربة أن يناضلوا من أجله وفق إمكانياتهم وأولياتهم من أجل أن نساهم جميعا في بناء صرح المغرب الديمقراطي بجهاته التاريخية التي يتعايش فيها الجميع في إطار مغرب المؤسسات ذات دستور ديمقراطي من الشعب إلى الشعب، يضمن وحدة المغرب وتضامن جميع مكوناته وتعدد جهاته ولغاته وثقافاته. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. لكن من حق الريفيين وأنا واحد منهم أن نعلن جهرا أننا مع الحق في التدبير الذاتي لشمال المغرب. وندعو إلى التوقف عن السطو عن ثروات الريف وتدمير تاريخه النضالي والجهادي المشرق. وكفى من تدمير تراثه ومآثره ولغاته وبيئته.. الخ. و لتحقيق هذا الحلم، لا بد لتحرك عاجل لذوي النيات الحسنة من أجل طمأنة سكان آيث بوعياش خصوصا وأهل الريف الكبير عموما، وإشعارهم أنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة، وذلك عبر الضغط على المخزن لتحقيق المطالب الآنية والمستعجلة لسكان المنطقة الكفيلة بنزع فتيل التوتر الذي يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. فنحن جميعنا مطالبون اليوم للوقوف إلى جانب ساكنة بني بوعياش وحركتهم الاحتجاجية والضغط بمختلف الطرق المشروعة على النظام لتحقيق المطالب الآنية والتي لا تقبل أي انتظار. ونلخص أهم هذه المطالب المستعجلة فيما يلي: - التراجع الفوري على مشروع التقسيم الجهوي لعمر عزيمان. - رفع العسكرة والحصار فورا على بني بوعياش والمناطق المجاورة. - إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي ببني بوعياش وتازة… - توقيف المتابعات في حق المناضلين (الشاون وتازة وبني بوعياش وطنجة…) - تشغيل المعطلين وحل مشاكلهم الاجتماعية في مدة لا تتعدى السنة. - استكمال أشغال الطريق الساحلية الشطر الرابط بين الحسية وطنجة في أجل أقصاه شهر يوليوز المقبل. - استكمال أشغال الطريق المزدوجة تازة/الحسيمة في الآجال المحددة لها. - الحفاظ على الخط البحري ألميريا/الحسيمة والترخيص لخطوط بحرية أخرى. - فتح مطاري تطوانوالحسيمة أمام الملاحة الجوية الدولية طيلة السنة لاستقبال الطائرات القادمة من وإلى أوروبا لتمكين السياح وأبناء الجالية زيارة أهاليهم طيلة السنة لمن استطاع إلى ذلك سبيلا. - الإبقاء على تحويلات المهاجرين بأبناك شمال المغرب والكف عن تحويلها إلى الدارالبيضاء. انجاز مشاريع اقتصادية وتنموية قادرة على توفير الشغل لأبناء المنطقة. - حل المجلس الجماعي ببني بوعياش فورا وإعادة انتخابه بعيدا عن تدخلات وتوجيهات وفتاوي وزارة الداخلية. - حل جميع المجالس الجماعية والجهوية بشمال المغرب وإحداث مجالس جديدة منتخبة في ظرف أقصاه سنتين. - إعادة الثقة لأهل المنطقة والاعتراف بقدراتهم والكف من إهانة الإنسان الريفي، إطلاق الحريات. إن هذه المطالب وأخرى بإمكانها التخفيف من حدة التوتر في الريف وتوفر شروطا لانجاز مصالحة حقيقة تضمن إعادة النظر في سياسات الحيف والإقصاء والتهميش الذي نهجه المركز تجاه الريف منذ الاستقلال الشكلي إلى يومنا هذا. كما بإمكانها أن تدشن لعهد يضمن حق التدبير الذاتي للريفيين/شمال المغرب (الاطونوميا)، بعيدا عن فتاوي وتحكم المركز. ويمكن لهذه الخطوات الجريئة أن تضمن الاستقرار بمنطقة الريف وتعزيز الوحدة الوطنية المبنية على الشراكة والتعاون والتضامن بين مختلف الجهات المغرب وشعبه، بعيدا عن سياسات الإقصاء والاحتقار والتدمير.