حين يتحول بنشماس إلى شخص محاط بهالة التقديس في نظر إلياس العمري مرة أخرى لم يجد إلياس العمري من طريقة لتدبير سقوطه المفاجئ من على هرم السياسة الكارتوني غير الدفاع عن زميله و رفيق دربه في اغتنام الفرص حكيم بنشماس و العزف على وتر الريف و التهميش أو كما وصفه بتعرض والد بنشماس للتعذيب من طرف المنتمين لحزب الاستقلال إبان مرحلة تاريخية يكتنفها غموض كبير و تحيط بها العديد من الأسئلة التي لا أعتقد أن إلياس يمتلك مفاتيح الإجابة عنها بكل هذه السهولة، و أرى أنه بهذا السلوك قد تبين له أن الطريق الأسهل لتصفية حساباته و عقده النفسية التي تولدت عن مجريات الحياة السياسية في الآونة الأخيرة بما تسببت فيه من نكسة لحزبه و رفاقه هي طريق إيقاظ الفتنة التي قال عنها أن أبناء الجيل الجديد من الريف قبلوا المصالحة وأرادو طي صفحة الماضي وذهب ليتوعد بالتصعيد وهي اللغة التي لازمته في كل مناوراته حتى قبل أن يستقر به المقام في مشروع الديمقراطيين الذي تحول هو الآخر بقدرة قادر إلى حزب يعدم الديمقراطية من داخل هذا النادي الفسيفسائي . تصريحات إلياس لا يمكن أن توصف سوى بالغير المسؤولة و البعيدة عن منطق تسلسل الحدث التاريخي بل تستند إلى رؤية أحادية يستشعر من خلالها المرء حجم الضغينة التي يكنها لحزب لم يكن حزب للفاسيين كما يحاول دوما ترسيخه في أذهان الجيل الجديد، وهو العارف بأن كل تنظيمات حزب الاستقلال بربوع الريف لم تستورد مناضلين من خارج المنطقة، فلقد حمل آباءنا و أجدادنا من مختلف القبائل مسؤوليات هذا الحزب من منطلق الدور التاريخي و الوطني في الدفاع عن الوحدة الوطنية و اضطلعوا بأدوارا تأطيرية همت كل الشرائح و لا تزال أعداد كبيرة منهم أطال الله عمرها تعتز بانتماءها إلى هذا الحزب رغم ما يزرع أمامها من ألغام و يروج من أقاويل و أكاذيب من قبيل ما يسعى إليه إلياس تلخص بصمات حزب الاستقلال في ممارسات و أحداث معينة يعلم دارسوا السياسة و التاريخ حيثياتها و لا يمكن لعاقل أن يقتنع بفكرة تورط من سماهم إلياس بالعصابة أنهم قاموا بما قاموا به في حق ساكنة الريف بكل هذه السهولة ضدا على كل الأخلاق التي ميزت أبناء حزب الاستقلال و نضالاتهم و تحملهم للصعاب في جلد و نكران للذات في مرحلة حالكة كان فيها صوت من يجهر بالحق أو الوطنية مصيره الموت و النفي و أشكال التعذيب التي تفنن فيها المستعمر و خدامه. عادة ما يتخذ إلياس العمري أو من يدور في فلكه من الأصوات و الأقلام المأجورة من هذه المرحلة التي لم تمتد إلا لشهور و تم تضخيمها لتقترن بسنتين كاملتين في مبالغة يراد بها الركوب على أحداث تحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل و دراسة بل تحتاج إلى مناظرة في التاريخ الحديث لما بعد الاستقلال و الظروف التي عاشتها المنطقة و معرفة الأسباب و المعطيات التي تهم تدبير مرحلة سياسية تداخلت فيها عوامل كثيرة من المؤكد أن إلياس إما يجهلها أو يتغافلها و يفضل تهويلها بعنوان عريض يعني ما يعني بالنسبة إليه تحميل المسؤولية لحزب الاستقلال، فلا أدري كيف انجر إلياس العمري إلى إثارة ما يسميه تجاوزات سنتي 1958 و 1959 بلغة افتراء و ادعاء من دون الإلمام بالتفاصيل و المتغيرات التي عرفها المشهد السياسي إبانها وهنا وجب تصحيح معلومات هذا الرجل حول كون مسؤولية الحزب في تدبير أمور البلاد لم تتجاوز سبعة أشهر ابتدأت في 12 ماي 1959 إلى 3 دجنبر من نفس السنة عندما قبل المغفور له محمد الخامس طلب استقالة رئيس الحكومة آنذاك السيد أحمد بلافريج و تكليف السيد عبد الله إبراهيم بمهمة تشكيل حكومة أفراد و تقنوقراط لا حكومة ألوان سياسية كما يتوهم البعض. بعدما تأكد للأمين العام لحزب الاستقلال مدى استفحال أزمة وزارية رأى فيها عقبة أمام تحقيق التنمية المنشودة مع بداية سنوات الاستقلال فكانت الاستقالة تسجيلا للتاريخ و إعلانا شجاعا للحقيقة في ظل غياب وسائل العمل بحكومة منسجمة لا يمكن أن تنتج في جو من الهدم و التحطيم وما رافق ذلك من حملات التشكيك في التدابير الحكومية شملت إضرابات في المعامل و المصانع و المؤسسات الاقتصادية التي لم تخلو من توجيه مسيس للنيل من الاستقرار العام وكما يقال أن التاريخ رجل فهو يشهد لحزب الاستقلال ببصماته في وضع اسس القوانين الضامنة لحقوق الإنسان تكفل أمنه و طمأنينته وأهمها قانون الحريات العامة الذي بفضله يطيب لإلياس إطلاق عظمة لسانه بطلاقته القائمة على الاستفزاز طبعا. ليتضح و بالملموس أن قصده من وراء النبش في قضية بلغ منها إلى أجيال الريف المتلاحقة سوى الجانب المعتم و المقصود لخدمة أجندة معينة لا يمكن أن تفصل عن ما عاشته الحياة السياسية من تجاذبات و صراعات تقف وراءها أطراف وجدت حينها أن استماتة حزب الاستقلال و شعبيته لن يحدها سوى نار فتنة توقع بينه وبين ساكنة المنطقة فوجدت في تحمله لمسؤولية الحكومة إبان تلك الفترة الفرصة المناسبة لتوريطه في ما سمي بأحداث 1958 و 1959 مع أن التدقيق في تفاصيل الوقائع سيتيح للرأي العام الاضطلاع على جوانب أعتقد جازما أنها لن تفرح إلياس أو من يشترك معه أحلامه بعدما سيجد أن من المناضلين الاستقلاليين المئات تعرضوا لأشكال التعذيب و التنكيل و المساومة في أحيان أخرى على يد مجموعات سخرت وسائلها للنيل من استقرار المنطقة و محاولة الإيقاع بين أفراد الوطن الواحد و تغليط الساكنة و استغلال مطالبها المشروعة الاقتصادية و الاجتماعية بهدف تلطيخ سمعة الحزب وتشتيت هياكله و تنظيماته ليفسح المجال لخريطة حزبية أخرى بالمنطقة كانت قيد النشأة. غريب ما ذهب إليه إلياس حينما اعتقد في قرارة نفسه أن المس برفيقه بنشماس هو تطاول على أريافة جميعا و في موقفه هذا يقحم منطقة بأكملها في حساباته الضيقة لعله يستقوي بها و يحظى بتعاطف فقده في ظرف قياسي لما اكتشف أبناء الريف أنه يستحيل أن يتقمص دور الزعيم و الرمز و بالتالي فقد أحاط رفيقه بنشماس بهالة من التقديس الذي يمنع أي اختلاف معهما في الرأي أو توجيه النقد لهما متسترا وراء الحديث القائل أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. و لاحاجة لنا في التذكير بمسار الشخصين و صعود نجميهما المفاجئ و المشكوك فيه والغير مقنع والذي فاجأ أقرب مقربيهم، أما وأن يربط أي استهداف لبنشماس ببني جلدته فهو سلوك يحاول به استمالة عطف أبناء الريف و العزف على وتر القبلية التي يصر إلياس على التسلح بها للمناورة في كل حين إن لم نقل وسيلة للاسترزاق بها بين صالونات السياسة في الرباط بدل الريف الذي يمثل لديه رأسمال بشري قابل للتوظيف حينما يتطلب الأمر ذلك وتحولت المنطقة التي أنجبت رجالات قدمت الغالي و النفيس إلى أصل تجاري يحرك خيوطه كلما تحركت بداخله أنانيته المعهودة و الأكثر من ذلك أنه سعى دوما للحديث عن معاناة فترة زمنية وضع لها حدودا لا تتجاوز ربوع الريف بينما أن السمة التي ميزت المرحلة التاريخية تتحدث عن أحداث و حركات اجتماعية ناجمة عن عوامل داخلية و خارجية همت الشمال كما الجنوب ما يؤكد فقر إلياس لمراجع التاريخ و نظرته الضيقة للأمور و تركيزه فقط على ما يخدم أهدافه و يشفي غليله. من المؤكد أن إلياس لم يهضم بعد مستوى التحولات التي تعيشها بلادنا خاصة بعد أن تبين له بأن مطاف حياته السياسي قد انتهى به إلى زاوية المنسيين وحتى يحفظ لنفسه إطالة عمره الإيكلينيكي تمسك بحبال التاريخ لعلها تعوضه عن خسارة و فشل مخططاته التي ألبسها حلة حزبية يراد بها الاستقواء لتصفية حساباته. فبدل الاعتراف بانتكاساته و عرضها على طاولة التفكير و الامتحاص وهي خصال وجب على ممارس السياسة التحلي بها عند كل محطة، اكتفى بالبحث بين ثنايا هامشية لا تشكل عند مغاربة اليوم أي أولوية في ظل الرهانات المجتمعية التي تعيشها بلادنا وذهب باحثا عن الإثارة المعهودة في خرجاته باختلاق المشكلة في موضوع أضحى مستهلكا لكن في سيناريو جديد لم نسمع به من قبل بطله حكيم بنشماس الذي رافع عنه إلياس بطريقة لا تخلو من مكر سياسي يتطلع لمحو تلك الصورة السلبية و الحقيقية التي وقف عليها الرأي العام في مسيرات 20 فبراير تطالب بالقطع مع كل أشكال الانتهازيين في مقدمتهم إلياس التي اعتبرها مجرد سلوك صبياني صدر عن أطفال وكأن ما حفلت به مسيرات الحراك الاجتماعي تميز يالقصور حسب زعمه ثم ما لبث أن وجد مرة أخرى في استقباله من يشهر عبارة “إرحل” من داخل اشغال مؤتمر حزبه كما لو أنها قدره المحتوم أن يرحل باحثا عن فضاءات أخرى أرحب يمكن أن يبدع فيها بدل بحر السياسة التي تقاذفته فيها أمواج الحسابات و المواقع.