تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنواع الجملة ومقاييسها في القصة القصيرة جدا (جمال الدين الخضيري نموذجا)
نشر في أريفينو يوم 24 - 12 - 2011


توطئة:
من المعلوم أن القصة القصيرة جدا من الأجناس الأدبية الحديثة والمعاصرة التي ظهرت في حقلنا الثقافي العربي لأسباب ذاتية وموضوعية. وهناك من الدارسين والنقاد من يرى بأن هذا الجنس الأدبي قد آتانا وافدا من الغرب، أو مستوردا من أمريكا اللاتينية ، عن طريق الترجمة والمثقافة والتعلم، وهناك من يرى بأنه امتداد للموروث السردي العربي القديم(الخبر، والنكتة، والطرفة، والنادرة، والحديث…)، وهناك من يرى بأنه إفراز طبيعي لفن القصة القصيرة، وهناك من يثبت بأن القصة القصيرة جدا قد فرضتها الظروف العربية المعاصرة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والتكنولوجية، وسرعة العصر، والتطور الإعلامي.
ومن جهة أخرى، فالقصة القصيرة جدا – على مستوى المفهوم- جنس أدبي يعتمد على التكثيف، والجرأة، والمفارقة، والقصصية، والاختزال، والانتخاب اللغوي، والاقتصاد، والحذف ، والإضمار، والتثغير، والتسريع، والحجم القصير، واستعمال جمل ذات بنية سردية بسيطة، وتشغيل جمل فعلية مبنية على التراكب وحركية السرد.
وإذا كان نقاد القصة القصيرة جدا قد ركزوا كثيرا على مضامينها، وشددوا على أركانها وشروطها وعناصرها الثانوية، واهتموا أيضا بشعريتها ومكوناتها البنيوية السردية، فإنهم لم يهتموا إطلاقا بالجملة داخل المتن القصصي القصير جدا، وحتى في الأجناس الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة، والرواية، والمسرحية.لذلك، كان اختيارنا مركزا على موضوع الجملة في القصة القصيرة جدا بنية ودلالة ومقصدية. وهذا النوع من الاختيار – في رأيي- بكر وجديد في الحقل الثقافي العربي.إذاً، ماهي أنواع الجمل التي يستعملها جمال الدين الخضيري في قصصه القصيرة جدا؟ وماهي مقاييسها البنيوية والدلالية والوظيفية؟
1- مقاييس التركيب الجملي:
ثمة مجموعة من المقاييس التي تخضع لها القصص القصيرة جدا لذى جمال الدين الخضيري1، ويمكن حصر هذه المقاييس فيما يلي:
| مقياس الجملة البسيطة:
كلما كانت القصة القصيرة جدا مبنية على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، وابتعدت عن الجمل الطويلة والمركبة ذات المحمولات المتعددة، كلما كانت القصة أكثر تركيزا واقتضابا واختزالا، وانبهارا للقارئ، وإدهاشا له.
لو تأملنا قصص جمال الدين الخضيري ، فإننا نجدها قد بنيت تركيبيا على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، سواء أكان محمولا فعليا أم اسميا أم ظرفيا أم حاليا… وتقوم الفواصل وعلامات الترقيم الأخرى، كالاستفهام ، ونقط الحذف ، والنقطة، وعلامة التعجب أو التأثر، بدور هام في تقطيع الجمل، وتكثيفها ، واختزالها إلى نوى محمولية. وتهيمن في هذه القصص القصيرة جدا محمولات الجمل الفعلية، للتدليل على الحركية، والتوتر الدرامي، وإثراء الإيقاع السردي ، وخلق لغة الحذف والإضمار.
أما المحمولات الاسمية، فتأتي للتأكيد والتقرير والوصف، وتبيان الحالة. ومن هنا، فالغرض من توظيف الجمل البسيطة بكثرة في القصة القصيرة جدا هو البحث عن إيقاعية متناغمة لجنس القصة القصيرة جدا ، وتسريع الأحداث بشكل ديناميكي حيوي، والميل إلى الاختزال والحذف والاختصار، وتشويق القارئ، والابتعاد عن التطويل والإطناب والإسهاب. ويتجلى هذا واضحا في قصة:”العاشق والقطة” التي تعتمد على محمولات فعلية واحدة:”عندما تطل الحسناء من الشرفة، يبدأ في مداعبة القطة، يربت على شعرها بحنان، يأخذها في حضنه، يشتري لها الحليب. ينهمر السخاء كالقلل في ميقات كل إطلالة.
يحذو خطوات الحسناء نعلا نعلا، يرافقها إلى مدرستها، يتجاسر، يطلب ودها. تصرفه، تلعنه لعنا.
يستشيط حنقا. يهددها بأداء ماسرطته القطة، وأداء ماصرفه لتلميع صورته، وتحميلها كافة الصائر.”2
فهذه القصة القصيرة جدا عبارة عن جمل بسيطة متراكبة ومتتابعة، ذات محمول فعلي واحد. ويعد استعمال الجمل البسيطة من أهم أركان القصة القصيرة جدا، ومن أهم مقوماتها البنيوية والتركيبية.
| مقياس الصيغة الفعلية:
يلاحظ نقديا أن كثيرا من كتاب القصة القصيرة جدا يكثرون من الجمل الفعلية، أو الجمل الاسمية التي خبرها جملة فعلية، أو يكثرون من الجمل الرابطية ذات الطاقة الفعلية. ويعني هذا أن الجمل الفعلية تساهم في تفعيل الحبكة، وتأزيمها توترا وتعقيدا ودرامية، كما أن الجمل الفعلية دالة على الحركة والحيوية والفعلية الحدثية ، من خلال تتابع الأفعال، وتراكبها استرسالا أو تضمينا. وينطبق هذا الحكم أيضا على قصص جمال الدين الخضيري الزاخرة بالجمل الفعلية ذات الطاقة الحركية، كما في قصة:”قارئة الفنجان”: ” تمعنتْ في قعر الفنجان وحدقتْ في قسماته جيدا حتى استقرت نظراتها على شفتيه وبعد هنيهة قالت:
- ستحتسي كل فناجين المقاهي وستمارسك الأرصفة والطرقات.
عادت تتمعن القعر من جديد. قطّبت حاجبيها. بدا التيه على وجهها. قال لها:
- هل من مستجد؟
ردت وهي تهز كتفيها:
-لاشيء، مجرد زوبعة في فنجان.”3
تتكىء هذه القصة القصيرة جدا على تتابع الجمل الفعلية ذات البعد الحركي: تمعنت- حدقت- استقرت- قالت- ستحتسي- ستمارسك- تتمعن- قطبت- بدا- ردت…
| مقياس التراكب:
من أهم الظواهر البارزة التي تلفت الانتباه في القصة القصيرة جدا، نجد ظاهرة تراكب الجمل، وتتابعها في سياق النص، من أجل تأزيم العقدة ، وخلق التوتر الدرامي، عبر تسريع وتيرة الجمل ، وركوب بعضها البعض، ولاسيما في القصص التي تسرد بواسطة الجمل الفعلية المسردة ، كما في قصة”أفعى”: ” سيج حظيرة. اكترى بدوا. نصب كرسيا واستوى عليه. لم ينقصه غير علم يرفرف ونشيد يعزف. وضعهما كيفما اتفق. وإذا الحظيرة دولة تسعى. وإذا هي تنقلب أفعى”.4
نلاحظ في هذه القصة مجموعة من الجمل الفعلية الإسنادية التي تخضع للتتابع والتراكب السريع، وذلك بشكل يؤدي حتما إلى تسريع النسق القصصي ، وإسقاطه في شرنقة التأزم والتوتر الدرامي الحركي.
| مقياس التتابع:
يستند جمال الدين الخضيري في تحبيك قصصه القصيرة جدا إلى توظيف إيقاع سردي، يتميز بالسرعة والإيجاز ، وكثرة التعاقب في تسلسل الأحداث ، وتتابع الأحوال والحالات. ومن الأدلة على ذلك الإتباع الفعلي، وكثرة الاسترسال في الجمل والأفعال التي تصور حركية الأحداث، وسرعتها الانسيابية، مثل: اللقطات السينمائية السريعة والوجيزة. ومن ثم، تخضع بعض قصص جمال الدين الخضيري لمقياس التتابع، كما يتجلى ذلك بوضوح في قصة:”حب على شاكلة البعير”:” زارتني خليلتي كعادتها في غرفتي نهاية هذا الأسبوع. وما طفقنا في عزف وصلة غرامية رائقة حتى بدأ كلبي المدلل يضايقني ويهش وينبح ويلح علي إلحاحا شديدا أن أكلم فتاتي في أمره. سرعان ما عربد التجهم على وجهها وساحتها فقالت:
- ما به؟
- يريد أن تجلبي له كلبتك. له حاجياته الغريزية مثلنا، أليس كذلك..
- لكن الأمر لا يستقيم…
- لا يستقيم!! ولم؟
- لو كان الأمر يتعلق بحيوانات أخرى ربما.. أما أن نتساوى مع الكلاب فلا..
- ومع أي الحيوانات تريدين أن نتساوى؟
- ألم تسمع قول الشاعر: ” وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري”.5
فهذه القصة نموذج رائع لتتابع الأفعال والجمل من خلال الأفعال والجمل التالية: ” وما طفقنا في عزف وصلة غرامية رائقة حتى بدأ كلبي المدلل يضايقني ويهش وينبح ويلح علي إلحاحا شديدا أن أكلم فتاتي في أمره.” ومن يلاحظ الأفعال التالية: يضايقني ويهش وينبح ويلح، فسيخرج – بانطباع أولي- بأن هذه الأفعال متتابعة ومتسارعة تسريدا وتخطيبا.
| مقياس التسريع:
يوظف الكاتب في تحبيك قصصه القصيرة جدا إيقاعا سرديا يتميز بالسرعة Tempo. وينتج هذا الإيقاع عن تراكب الجمل، وتتابع الأفعال منطقيا وكرونولوجيا، والميل إلى الإيجاز، وكثرة التعاقب في تسلسل الأحداث ، وتتابع الأحوال والحالات. ومن تجليات الإيقاع السريع في القصة القصيرة جدا الإتباع الفعلي، وكثرة الاسترسال في الجمل والأفعال، التي تصور حركية الأحداث وسرعتها الانسيابية، مثل: اللقطات السينمائية السريعة والوجيزة.
هذا، ويقول خوصي خيمينيث لوتانو:” أن لكل نوع من السرد درجة عالية داخلية خاصة به أو ما يسمى Tempo .أي :درجة سرعة في غناء مقطع موسيقي، والقصة القصيرة جدا لها سرعة خاصة بها، ولها توتر آخر. وهي تعتمد على المحذوف ، والتشذيب، والتركيب، والمقتصد، والبنية الموجزة الدقيقة، والمعمقة.”6
وتستغرق القصة القصيرة جدا مدة ثانية من القراءة والتقبل. لذا، فهذه القصة المستحدثة معدة:” للقراءة الملائمة للقطارات، والطائرات، وقاعات الانتظار، وأماكن الحياة اليومية حيث يصبح الانتظار والقلق ملازمين لنا. وبالنسبة للكتاب القلقين والصعاليك، جاءت القصة القصيرة جدا لتصير مشروع المحتمل. “7
هذا، وتنبني قصص جمال الدين الخضيري في مجموعتيه:”فقاقيع” و” وثابة كالبراغيث” على السرعة في تشغيل الإيقاع السردي ، وتوظيف الأحداث الأساسية بحركية مكثفة ، وذلك في تعاقبها أو تسلسلها ، مع استعمال تقنية الحذف والإيجاز ، والاستغناء عن الوصف والإسهاب التصويري. لذلك، تتراكب الجمل والأفعال والأسماء والأحداث، في تتابع مستمر قائم على القفز والإضمار،وتشغيل الثغرات المحذوفة. ومن الأمثلة الدالة على ذلك قصة:” مطاردة”:” طارده كلب.أطلق ساقيه للريح.فتش عما يلقم به الكلب فلم يجد شيئا. ركض وركض. بدت له حجرة فانحنى عليها. كانت مغروسة بعناية في الأرض. قصد أخرى. كانت كالوتد المنعظ. أدركه الكلب. صاح هائجا:
أولاد الفاعلة، أتطلقون سراح الكلاب وتربطون الأحجار؟!”8
تتضمن هذه القصة القصيرة جدا مجموعة من الأفعال المتسارعة المتعاقبة؛ بغية تسريع وتيرة السرد ، وتنمية الأحداث القصصية تحبيكا وتخطيبا.
| مقياس الامتداد:
نعني بمقياس الامتداد توسع الجملة في أحداثها وعقدتها حتى تصير بلا حل ولا انفراج ، بل تتعقد القصة صراعا وتوترا واضطرابا من جهة، وتمتد سردا وخطابا ومساحة لتهيمن على كل أطراف القصة من جهة أخرى، كما يتضح ذلك جليا في قصة:”المتلعثم”:” الحانة تلفظ روادها. يلفظ جيوبه أيضا عله يجد ما يستقل به التاكسي. يعبر الزقاق المظلم الضيق. يجردونه من أحذيته ومن ساعته ومما تبقى من آدميته. يواصل المسير. يزداد تلعثمه. يزداد تنمّله. يحاول أن يحصي كم عدد المرات التي عاد فيها من الحانات والمساجد حافيا. لم يقو على ذلك، فازداد تلعثما.”9
نلاحظ أن هذه القصة القصيرة جدا ممتدة في أحداثها وعقدتها المتوترة مساحة وإيقاعا وتراكبا وتسريعا، وذلك عن طريق جمل ممتدة في البناء والتشكيل والدلالة والوظيفة.
| مقياس الإسناد:
تقوم القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري على جمل مسندة ، مبنية على العلاقة الإسنادية بين المسند والمسند إليه. بمعنى أن هذه الجمل القصصية تكتفي بالعمدة (مبتدأ وخبر- فعل وفاعل)، مع تشذيب الفضلات التكميلية أو التشطيب عليها تسريدا وتخطيبا وتقصيدا، كما يتبين ذلك واضحا في قصة:” ثورة” : “هاج حمار القرية وركض نحو القرية المجاورة وسفد أتانا هناك. القريتان على طرفي نقيض ولا يوحد بينهما إلا اشتباكات العصي وطقطقات المقالع. ثار النقع بينهما من جديد. هبت كل قرية لنصرة حيوانها. سقط حشد كبير. وجدها حمير القريتين فرصة لا تعوض فنزحوا إلى مكان بعيد عن أرض الوغى ليمارسوا لأول مرة الحب على هواهم ودون مراقبة.”10
يلاحظ أن جمل هذه القصة عبارة عن جمل إسنادية تكتفي بالفعل والفاعل، مع تفادي قدر الإمكان التوسع في استخدام الفضلات بشكل مسهب أو مستطرد.
| مقياس التكثيف:
تعتمد قصص جمال الدين الخضيري على جمل تنماز بخاصيات التكثيف والاختصار والإيجاز والحذف والتركيز والتبئير، وكل هذا من أجل إثارة المتلقي، وتخييب أفق انتظاره، كما يظهر ذلك في قصته:” ارتحال”:” عندما رأيته متصنعا الارتجال، تيقنت أنه أزف موعد الارتحال.11″
وهكذا، فقد وظف جمال الدين الخضيري جملا مكثفة ومختصرة لإثراء مخيال المتلقي،مع حثه على التأويل والافتراض والفهم والتفسير.
2- أنواع الجمل في قصص جمال الدين الخضيري:
يمكن الحديث عن مجموعة من أنواع الجمل في القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري. ومن بين هذه الأنواع، نذكر الأصناف النمطية التالية:
| الجملة السردية:
ترتبط الجملة السردية بأفعال الحكي والسرد، وتفضيء القصة في الزمان والمكان، عن طريق استخدام المؤشرات الفضائية، وتشغيل الشخوص، مع تسريد الأفعال والأحداث، وتخطيبها بالنعوت والأوصاف واللواحق التابعة، كما في قصة :” بائع متجول”:” مذْ عرفته وهو بائع متجول يذرع الطرقات، ويؤثث معروضاته في الأرصفة وحواشي الأسواق. يتاجر في كل شيء؛ من سقط المتاع إلى السماق والأحراز.
كل يوم يضايقه المخازني إن لم يدفع له الإتاوة المعلومة. يضطر إلى نقل بضاعته تجاه موضع آخر، لكنه يلقى دائما المصير نفسه. فلكل مكان سادة وجباة.
مرت سحابة هذا النهار عليه قمطريرا، فلم يبع إلا قشة واحدة. والأدهى أن القطعة النقدية التي قبضها مدكوكة متآكلة لن يتقبلها أحد، ولن يندم عليها ملقيها في التراب. ولأنه لا يود أن يمررها لأي من زبائنه فقد حار في أمرها، سيما وأنه مطوق بالبؤس والعوز.
سرعان ما غزته فكرة طارئة فقال في قرارة نفسه وهو يبتسم:
- لن يكون مثواها إلا جيب المخازني وزبانيته، أليست جيوبهم مستقرا لكل مساوئ الدنيا وسيئات البشر؟”12
نلاحظ في هذه القصة مجموعة من المؤشرات الزمنية التي تتحكم في الجمل السردية تأطيرا وتسريدا وتحبيكا وتخطيبا، كما يتأكد ذلك من خلال الروابط التالية: مذ عرفته- كل يوم- هذا النهار- سرعان..
| الجملة الميتاسردية:
تنبني الجملة الميتاسردية على تشغيل جمل وصفية تخطيبية ، تصف في طياتها لعبة القص والحكي، مع فضح أسرارها الإبداعية كشفا، وإغواء، وإثارة للمتلقي، كما يتضح ذلك جليا في قصة:” فقاقيع”:”كتبتُ قصة قصيرة جدا. استحضرت فيها أحداثا جساما وأزمنة متداخلة في شكل شذرات وومضات. فما كان من بطلها إلا أن انسل هاربا. وقال إن مكانه في الملاحم وليس في أقصوصة تتبخر أحداثها كالفقاقيع موزونة بأشبار كاتب مخبول. فعقدت العزم ألا أثق أبدا في بطل من صنع يدي، ولن ألبسه- ما أسعفني القلم- جبتي الورقية، ولن أسبغ عليه أي نعمة مدادية.”13
يقدم لنا جمال الدين الخضيري في هذه القصة القصيرة جدا صيغة من صيغ نظرية التلقي، التي يتعاقد فيها المبدع مع القارىء من خلال لعبة الفضح والكشف لسنن الكتابة، والتخييل، والتلقي، والتجنيس.
|الجملة الحوارية:
تعتمد القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري على الخاصية الحوارية والسمة المشهدية، والتي تعبر عن مختلف مظاهر الصراع اللغوي والفكري والإيديولوجي، وتجسيد اختلاف وجهات النظر، كما يتمظهر ذلك جليا في هذه القصة الحوارية:
” هو: أودّ أن أشتري قناعا يا حبيبتي
هي: لِمَ، أتنوي أن تمثل في مسرح؟
هو: لا، لكن حتى يبدو وجهي محايدا وأنا أغازلكِ، و…
هي: أتضع قناعا على قناع؟!
صفقت في وجهه الباب وهي تقول:
- في الوقت الذي كنت أنتظر أن تتجرد من أصباغك، تتمترس في قلاعك.”14
يلاحظ أن هذه القصة القصيرة جدا بمثابة جمل حوارية تعبر عن خاصية الاختلاف، وتباين وجهات النظر بين الشخوص المتحاورة، وذلك داخل سياق تلفظي تداولي معين.
| الجملة المشهدية:
نعني بالجملة المشهدية تلك الجملة السينارستية أو السينمائية أو تلك الجملة التي ترد في شكل لقطة حركية مشخصة، كما يتضح ذلك في قصة:”من مشاهدات الرائي اللامرئي”:
المشهد الأول:
أراهم في الميترو، في حمام السباحة، في كوكب ما، في اللامكان،… يدفنون رؤوسهم بين الصفحات، يتغاضون عن كل شيء عداها. لا هنيهة لهم لإبعاد خصلاتهم الشقراء عن عيونهم التي ترتحل في طيات الأسفار. كنت كمن يقبع تحت طاقية إخفاء، لا لمحة واحدة تحصدني، تصدحني من تلك اللمحات.
المشهد الثاني:
أرى البيداء ترعفني،لا ترفعني،لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم. أراها تسربلت عارية عاوية، تحبل بالقفار والآبار، تقتلعني، تبتلعني. في كل ثقب باب، أو خرمة خيمة تلتقي العيون بالعيون تتسّقط الثنايا والزوايا. لا هسيس، ولا جليس…
المشهد الثالث:
أرى الميترو نفسه يشق البيداء. تمتد “البركة الحسناء”. كالفسائل تُسْتورد بنادلاتها ومرتاديها الأسواق. ثمة أناس يلحسون … يقتنصون شتى الغلمات. يدفنون … يحاكون النعامات. على مرمى بلحة تُخسف، تُنسف- بمن فيها- الأنفاق.
(كم كنت هاجعا في فلوات ذاتي تطوقني طاقية إخفاء، يتخطاني مراقب التذاكر، وأنا أمتطي ميترو الأنفاق!!)”.15
حينما نتأمل هذه المشاهد واللقطات، فإننا نجد جملا مشهدية أو لقطات تشخيصية حركية.
| الجملة الوصفية:
تستند الجملة الوصفية في قصص جمال الدين الخضيري إلى استخدام الصفات والنعوت والأحوال والتشابيه والصور المجازية ،
كما في قصة:” الحاصد”:” طويل القامة. بارز العروق. منحن على منجله طول يومه. خلّف وراءه أكواما من الحصاد. تراءت له أفعى رقطاء تتجه نحوه. استمر في انحنائه ولم يبال بها قط. وما أن غرست أنيابها في ساقه نافثة سمها حتى سقطت ميتة. أخذها وربط بها قبضة من السنابل.”16
نلاحظ في هذه الجمل الوصفية التوصيف التشخيصي الخارجي، وتوظيف أفعال حركية تصف الشخصية الرئيسة ، وذلك في عملها وتفاعلها مع معطيات الواقع الموضوعي.
| الجملة الظرفية:
يمكن الحديث عن الجملة الظرفية في قصص جمال الدين الخضيري ، وإن كانت هذه الجمل ترد على أنها أشباه جمل متقدمة أو متأخرة، وتأتي هذه الجمل لتحديد فضاء القصة ، والتأشير على زمانها ومكانها كما في قصة:”شراشف”: ” منذ سنين وأنا أفتش عن نفسي فلم أجدني، على حين غرة، وفي خريف زاحف على غير عادته، ألفيتني مختبئا في شراشف مخدعها، ومقيدا في أراجيح شعرها الجامح. هممت أن ألملم مصالحي المقطوعة ونقودي المتلفة، بيد أني سمعت صوتا مثبطا هامسا كأنه الفحيح:
- ماجدواها وقد ذوى عودك وعودها!؟”17
ويتبين لنا من هذه القصة القصيرة جدا أن الكاتب يعتمد على جمل ظرفية في عملية التسريد والتخطيب، مثل: ” منذ سنين وأنا أفتش عن نفسي فلم أجدني- على حين غرة، وفي خريف زاحف على غير عادته”.
| الجملة المتوازية:
تنبني قصص جمال الدين الخضيري على جمل متوازية قائمة على التعادل، والتشاكل، والتماثل، والإتباع، والتجانس، والتوازي الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي، كما يبدو ذلك واضحا في قصة” الرجل المنجل”: “يسمى الرجل المنجل لكثرة تأبطه له.
رأيناه مرة يجري تجاه امرأته، يصيح كالملدوغ، ويصرخ في وجهها:
- ناولوني المنجل، أين المنجل أيتها…؟
حاول أن يتجرد من سرواله التقليدي المشدود بعناية حول خصره بحبال وأحزمة عديدة فلم يفلح.
رأيناه تنفرج أساريره، تنفجر مزاريبه، حممٌ تسيل من سيقانه ويقول في هدوء:
ملعون معقوف هذا المنجل، ملعون مأفون هذا السروال الذي يغلي كالمرجل.”18
ويتمظهر التوازي بشكل جلي في التعابير والجمل التالية: تنفرج أساريره، تنفجر مزاريبه، وملعون ومعقوف ومأفون ، والملذوغ والمشدود…
| الجملة المسكوكة:
يوظف جمال الدين الخضيري في قصصه القصيرة جدا مجموعة من الجمل المسكوكة. وتعتمد هذه الجمل على توظيف صيغ تعبيرية تراثية من جهة، واستخدام جمل وتعابير ذات صيغة تركيبية ثابتة كالأدعية والأمثال والمقتبسات والحكم من جهة أخرى، كما يبدو ذلك جليا في قصة:”معاذير آفلة”:”أخبرنا في مجلس سمر أحد شيوخنا ممن لا نردُّ خبره، قال:
” قصدتُ مستشفى المدينة بغية إجراء عملية أسفل بطني. ولما تمددتُ على السرير هرعتْ إلي بادئ الأمر ممرضة ناعمة فائرة كالموزة. طفقتْ في تنظيف مكمن الداء بقطن ومادة لزجة. استباحتْ حرمة أراض مجاورة، وأتقنت المناورة. وإذا بالسنجاب يزحف ويتمطط وينوء بكلكله مزاحما ناطحات السحاب.”
ونحن على أحر من الجمر، ترجيناه الإفصاح عما آل إليه الأمر، والإغداق علينا من السرد. وبعد روية أضاف:
” هَمَمتُ أن اعتذر فانتفت المعاذير، وألفيتُ نفسي أمسح عني وضر الخجل والسنون بقولي:
- ( أنا بَاري مَنُّه..) ، أنا بريء من ذاك الذي ينتفض من رماده كطائر العنقاء”.
فتعالت أصواتنا صادحة:
لحاك الله من رجل.. لحاك الله من رجل !!”19
فالجملة الدعائية:” لحاك الله من رجل… لحاك الله من رجل!!” هي جملة مسكوكة صيغت في شكل دعاء ، وذلك معروف في تراثنا العربي القديم، وجلي كذلك في كتاباتنا السردية الموروثة.
| الجملة الإنجازية أو الاستلزامية:
من المعلوم أن الجملة الاستلزامية أو الإنجازية أو التداولية أو الحوارية هي تلك الجملة التي تتجاوز النطاق الحرفي إلى إفادة المعاني السياقية والمقامية. بمعنى أن الجمل الحوارية هي التي تفيد الوعد، والوعيد، والتمني، والإرشاد، والاستغاثة، والندبة، والتوجيه، والنصح، والعتاب، والتأكيد، والإثبات، والنفي، والتحسر، والمدح، والذم، كما يتجلى ذلك في قصة:” ذوبان”:” مثل خيمة ملفًعة خرجت من الحمام الشعبي تتهادى، تتطاير منها الأنوثة. بإصرار يدب بسيارته وراءها. يستجديها بتذلل قطة. تفحصته هنيهة واسودت جنبه في المقعد الأمامي. يد تسوق وأخرى تزحف، تتقلى على الهضاب.
قال والموسيقى في اضطرام:
ألا تتكشفين ياذات الوشاح؟
تجردت الخيمة، وانفرجت الغيمة. مصعوقا مسحوقا ألفاها زوجته.
ذاب جسده ماء، تبخر هباء، وانداح من ثنايا وتفاريج السيارة.”20
يلاحظ أن الجملة الاستفهامية :” ألا تتكشفين ياذات الوشاح؟” خرجت عن نطاقها الاستفساري لتدل على التحضيض، والحث، والتشجيع، والإغراء.
| الجملة الموحية:
تحمل القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري إيحاءات رمزية، وإحالات فلسفية وتأملية وحلمية وفكرية ، كما يتجلى ذلك واضحا في قصة” مسح الطاولة”، حيث تحيل هذه القصة على الكوجيطو الديكارتي، وتوحي بفلسفة الأنا إنية وكينونة:”جلس ديكارت في الحانة مهموما، مسندا فكه على كفه محدقا في اللاشيء. جاء النادل ومسح الطاولة. لم يتمالك ديكارت نفسه. قفز كالملدوغ. صفق بيديه. عانق النادل بحرارة وقال:
إنني موجود في هذه الحانة.”21
ويعني هذا أن هذه القصة موحية بدوالها المنفتحة والمتشعبة ، والدالة على تيه ديكارت، وتأمله الحدسي في فلسفة الوجود والكينونة والإنية.
| الجملة الرمزية:
من المعروف أن الجملة الرمزية هي التي تحمل في طياتها دلالات موحية، تحيل على عوالم رمزية تأشيرا وتماثلا وإحالة ، كما يظهر ذلك جليا في قصة:”بغلان”:”غذ السير جهة شروق الشمس حتى امتد أمامه بغلان يرمقانه شزرا. هم بمواصلة السير إلا أنه تذكر أنهما رابضان هناك منذ مدة لا يتزحزحان قيد أنملة واحدة يشحجان ويرفسان كل عابر.
قرر أن يأخذ عصا ويهش بها عليهما علهما ينجفلان. سرعان ما تراجع وهو يقول:
- إن وراء البغلين ما وراءهما.”22
تدل هذه الجملة القصصية الرمزية (إن وراء البغلين ما وراءهما) على وجود صراع عدواني مفتعل بين جيرانين، لا يفصلهما إلا معبر حدودي يسمى ب(بغلان)، ويشير الكاتب من خلالهما – واقعيا- إلى التنافر الحدودي الموجود بين المغرب والجزائر .
| الجملة الأسطورية:
تتسم الجملة الأسطورية في قصص جمال الدين الخضيري بالإحالة على معرفة خلفية طقسية، وذاكرة أسطورية خرافية ، كما يتبين ذلك واضحا في قصة :” سيدة القهقرة”: ” ما بين المساحيق والفساتين تَتَسرمدُ سيدة القهقرة والثرثرة. فعلٌ يتواتر مع انبلاج كل صبح.
ينتظرها كعادته في سيارته. يروغ عن مواعيده. يطير جنونه مناطيد..
غزته فكرة طارئة: لم لا يغتال طول الانتظار بصولة الانصهار في فعل شيء ما؟
في ظرف وجيز، أَلَّف دواوين وعناوين بين ثنايا مقود سيارته. كاد أن يخرج من جلده جذلا.
قرر أن يهدي عمله إلى ملهمته وشيطانة شعره التي تقتسم معه السرير والشخير، والتي لم يَسْعَ قط إلى ملاحقتها في وادي عبقر على غرار الشّعراء والسعراء”23.
يلاحظ أن الجمل التي تحيل على شيطان الشعر ووادي عبقر كلها جمل أسطورية، توحي بعوالم خيالية افتراضية في عالم التخريف والأسطرة.
|الجملة الشاعرية:
تتميز جمل بعض القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري بالشاعرية البلاغية والتصويرية ، وذلك عن طريق توظيف المجاز والتخييل والاستعارة والتشبيه والكناية والرموز، كما يتجلى ذلك واضحا في هذه القصة:”وعد صادق”:” باسقةً تسمق الشمس. في شماريخها، تقصف البحر بأشعتها الاتهامية المتحرشة. تضطرب أنفاسه مدا وجزرا، ثم ما يفتأ يغويها غواية النار للفراشة، لتستسلم متدحرجة من علاها فتذوب فيه متوهجة متوارية.
استحضر هذا المشهد وهو يتأملها حاسرة متهالكة جنبه على السرير كأنها فقمة لفظها البحر. للتو تحوّل بحرا هادرا مستقطبا، وتحولت هي شمسا مشرقة مسافرة . كلاهما يحذق دوره، كلاهما يصدق وعده.”24
وهكذا، يتبين لنا بأن هذه القصة القصيرة جدا تطفح بالشاعرية النابعة من التخييل الإبداعي، والقائم على التشاكل والتوازي والتجانس، واستعمال الرموز الموحية، وتوظيف صور المشابهة والمجاورة والرؤيا.
| الجملة الحجاجية:
تعتمد الجملة الحجاجية على توظيف مقايس الاستقراء والاستنباط،وتشغيل مجموعة من العلاقات الذهنية المنطقية كالاستدراك، والتضمن، والتناقض، والتضاد، والسببية، والهوية، والاستنتاج، وغيرها من المفاهيم والروابط اللغوية والحجاجية، كما يتضح ذلك جليا في قصة”احتفال”: ” لأنهم عراة حفاة
ضحوا في يوم العيد بسلحفاة.
ليس اغتيالا لبطئهم وبطئها.
ولا اشتهاء للحمها.
ولا، ولا …
فقط لأن فرحتهم العيدية لن تكتمل إلا على أنغام قيثارة مصنوعة من قوقعة سلحفاة.”25
هذا، ولقد اعتمد الكاتب في هذه القصة القصيرة جدا على علاقة السببية والتعليل؛ بغية بناء استنتاجاته المنطقية وحجاجه الذهني الاستدلالي. وهذا النوع من الجمل الحجاجية نجدها أيضا في قصة:”حمية”: ” لأن البدانة ليست موضة، ولأن القارئ النهم والأكول الشره في طريقهما إلى الانقراض كما الديناصورات، تتبعتُ نظام حمية صارم:
تناولت وجبة خفيفة جدا..
كتبت قصة قصيرة جدا..
فأصبحنا رشيقين جدا.”26
إذًًاً، فالجملة الحجاجية هي تلك الجملة التي ترتبط فيها النتيجة بالسبب، وغالبا ماتكون تلك الجملة في تلك القصة القصيرة جدا مقترنة بأداة ” لأن” السببية.
| الجملة السياقية:
تعتمد الجملة السياقية على دراسة الوضعيات المركبة ، وطرح أسئلة الافتراض والاحتمال والكفاءة ، واستعمال الألغاز لإرباك القارئ، واستفزازه ذهنيا وعقليا ووجدانيا، كما يتضح ذلك جليا في قصة:” مطيتان”:” افرضْ مثلا أنهم سألوكَ عن الفرق ما بين مطيتين:
واحدة باسقة لكنها تزهر ولا تثمر، وأخرى تلتصق بالأرض وتتمرّغ بالتراب بَيْد أنها تزهر وتثمر.
أجزمُ أنكَ لن تعرف الجواب إلا إذا امتطيتَ قمّة شجرة الصفصاف، حينذاك سترى أحدَهم يتأبط ذراعها، حتى يستقرا تحت الشجرة، فيحصل ما يحصل من أمر الامتطاء والتمرغ بالتراب.
لو كنتُ مكانكَ لجلبتُ فأسا وقطعتُ هذه المطية الصفصافة التي لمْ أَرَها أبدا تثمر.”27
هذا، ويلاحظ أن هذه القصة القصيرة جدا يبدأها الكاتب بجملة الافتراض، واستعراض الوضعيات الكفائية المركبة، واستحضار المتلقي لطرح السؤال عليه في شكل لغز، وحينما يعجز القارئ الحائر، يسرع الكاتب إلى تقديم الجواب الساخر.
| الجملة الساخرة:
تستند الجملة الساخرة إلى توظيف خاصية السخرية، وخاصية الاستهزاء، والتهكم من المعطى الموضوعي أو الذاتي ، وذلك في عبارات ساخرة، وملفوظات قائمة على التلميح والتلويح والتعريض، كما يتجلى ذلك بينا في قصة:”النادلة”: نادلة سوداء مثل الفحمة. لما اتجهت نحو منضدته تسأل عن بغيته. نظر فيها مليا وقال:
ترى لو طحناك هل سنصنع منك كحلا تمتلئ به مراودنا؟!”28
يشتم من هذه الجمل القصصية رائحة السخرية والازدراء والاحتقار. وتتمظهر الجملة الساخرة أيضا بشكل واضح في قصة:”زغرودة” :”جاء الإثنوغرافي عازما أن يدْرس المنطقة الزاخرة بتفرّدها الثقافي العريق، لكنه حار في أمر الزغرودة المجلجلة التي تمتاز بها نساء القرية. وبعد أبحاث إجرائية عديدة، وتحريه عن سببها ودلالاتها المختلفة، توصل إلى ما يلي:
-الزغرودة ناتجة عن نخس وهمز الشيطان للفتيات، فما أن يدخل أصبعه الوسطى في مؤخراتهن حتى يفزعن صائحات مزغردات.”29
تعبر هذه القصة القصيرة جدا عن جرأة الكاتب في فضح المستور، عن طريق توظيف جمل ساخرة موحية بشيطنة المرأة.
| الجملة الشذرية:
تعتمد القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري على خاصية التشذير، وتقسيم القصة إلى مجموعة من الشذرات، كما يبدو ذلك واضحا في قصة:” مضاعفة”:
“1-
يقبعون في خلوتهم وحولهم تتضاعف المعارف البشرية مثل الجوائح الوبائية.
2-
يقبعون في نزوتهم منتشين بما يتضاعف من تركيبة نسائهم؛ فكل واحدة تُقْبِل بأربع وتدبر بثمان.
3-
يخرجون من خلوتهم كاشفين بعد طول تجريب عن نظرية المضاعفة، وهي: “الوجه دُونَ القفا، وكل إدبار ضِعْفٌ لإقبال”30.
نلاحظ أن قصة:” مضاعفة” قد تفرعت إلى مجموعة من الشذرات المستقلة بنفسها.
| الجملة المفارقة:
تقوم الجملة المفارقة في قصص جمال الدين الخضيري على التناقض، والتضاد، والغرابة، وخرق المألوف، والانزياح عن العقل والمنطق، وكل ذلك من أجل تشكيل دلالة جديدة قوامها السخرية من الذات والواقع على حد سواء، كما يتضح ذلك في قصة:”لا حرج”:
“أعمى يحملُ أعرج.
حاملٌ مُساقٌ، ومحمول سائق مُميطٌ بعينيه للأذى.
في التلة نادى الأعرجُ على فتاة وأوغلا في الحديث.
لما مضت لسبيلها سأله الأعمى عمّن تكون. قال الأعرج بحنق:
- إنها أختي
- مخاتلٌ خبيثٌ، أتظن أنك محمول على هودج، أي أخت هاته التي يتمطى لها …، كدت تثقب الرقبة التي تحملك!
- ليس على الأعمى حرج إذا عاجَه وهم.
- ولا على الأعرج حرج إذا هاج وماج.”31
وهكذا، تطفح هذه القصة القصيرة جدا بدلالات مفارقة ومتناقضة ومتعاكسة، تعبر عنها شخوصها المتضادة في تصوراتها وانطباعاتها الذهنية والوجدانية. ومن الأمثلة الأخرى للجملة المفارقة ماورد في قصة:”الغانية والملتحي”:” قالت وهي تضج بالمساحيق:
- عِظْني يا شيخ
ظل محدقا فيها مأسورا بجمالها الوحشي الصاعق، حتى اعتقدت أنه تاهت منه لفظة البدء. فقال:
- تساوينا في هذا، أحتاج اللحظة إلى من يعُضّني، عفوا، إلى من يَعِظُني مثلك.
عَضّت شفتيها، وانصرفت متمايلة، ثانية أعطافها.”32
وهكذا، فجملة :” تساوينا في هذا، أحتاج اللحظة إلى من يعُضّني، عفوا، إلى من يَعِظُني مثلك” نموذج للجملة المفارقة الطافحة بالباروديا والحوارية والسخرية .
| الجملة المستنسخة:
تقوم الجملة المستنسخة على التضمين والاقتباس والتناص، واستنساخ التعابير المضمرة في الأنساق الثقافية الغيرية، كما في قصة” نكاية بحكاية ما”:
” مغرمٌ بحكاية “دارة جلجل”.
مغرمٌ بالجارة بلبل.
تفنّنَ في حيّاكة الحكاية لها.
تواعدا على اللقاء عند شطّ حارة الفلفل.
هناك ألفى البلابل بعدد النمل والرمل.
طوّقنه، جرّدنه…، قبع وتقوقع متدثرا باليم.
لا نأمة في البحر، لا ناقة للنحر.
بكى… نكى بالحكاية التي كانت ذات قروح وجروح.”33
تحيل جمل هذه القصة القصيرة جدا على قصص امرىء القيس أو ما يسمى في تراثنا الأدبي بقصص الملك الضليل الذي اشتهر بمعلقته اللامية ودارة جلجل.
وهناك جمل مستنسخة وتناصية كثيرا تعبر عن حوارية النصوص لدى جمال الدين الخضيري ، كما يتجلى ذلك بينا في قصة:”عصا الترحال”: بعدد النمل والرمل كانوا.
سعارا وجنونا، تشظت الربوع تحت وطأة صراخهم. جأروا، جهروا:
- ارحلْ مدحورا
- ما أنا براحل.
- ارحلْ ثكلتكَ أيّامُك.
- ما أنا براحل يا…
قالت نملة: لََيحطمنّنا الجندُ وهم يشعرون.
وما كادوا يشْرَعون حتى هبّت زوبعة مباغتة كالعطسة، هشّمت عصا الترحال، وأصبحت المسالك ذات محالك ومهالك.”34
فهذه القصة مليئة بجمل مستنسخة حوارية، وهي حبلى برواسب تناصية وحمولات معرفية ، كالإحالة مثلا على قصة سليمان والنمل، وقصة محمد (صلعم) وجبريل.
| الجملة الخارقة:
تنبني الجملة الخارقة على الفانطاستيك سواء أكان عجيبا أم غريبا، ناهيك عن خاصية التحول بكل مظاهرها التشكيلية، وتعبر هذه الجملة الخارقة – في جوهرها – عن امتساخ الإنسان كينونيا ووجوديا، كما يبدو ذلك جليا في قصة:”التنين الفاغر فاه”: “في المطعم الشرقي، انتبذتْ مكانا غير شرقي، تتناول طعامها بتأنق، متلاعبة بعمودين رقيقين من خشب. لما لمحتُها من خلل البهارات المنتشرة في المكان، وصورة التنين الفاغر فاه المتدلي من السقف، فزعتُ نحوها، وقلتُ:
- هل تتذكرينني؟
هزت رأسها علامة النفي وافترّ ثغرها عن ابتسامة سريعة الاضمحلال كفقاقيع مشروب غازي.
قلتُ وأنا أحدق فيها بتمعن:
- ألا تتذكرين يوم الطابور، عندما زحفت نحو الشباك، و…؟
ولما بدا الاستغراب ساطيا على محياها، قلتُ بصوت كسير:
أنا الصائح، الملوح بيدي ضد الخرق…
قالت مسترجعة نفس الابتسامة السابقة ومشيرة إلى التنين الجاثم فوقها:
-الطوابير كثيرة، والخرق مزن هطلاء، كالحمم النافثة من فم هذا الكائن اللامنقرض.”35
وهكذا، يشير التنين إلى عالم الغرابة والرعب، والخوف من الواقع الموضوعي الذي تتفاعل معه الذات سلبا.
ونجد هذه الجملة الخارقة القائمة على الفانطاستيك والتغريب في قصة “مجرد حلم”: “رأيت فيما يرى النائم أني تحولت عملاقا ضخم الجثة مفتول العضلات مهاب الجانب. فعزمت أن أجهز على أعدائي الذين استضعفوني وجرعوني العلاقم. قصدت مدير الشركة التي أعمل فيها فأزحت الحراس عن طريقي بدفعة حديدية من منكبي، وخرمت الباب بركلة واحدة من رجلي على شاكلة أفلام رعاة البقر. اقتحمت عليه المكتب فوجدته معتليا سكرتيرته. جذبته من قفاه وطرحته أرضا وأزبدت في وجهه:
- أزفت نهايتك، وانقضى علوك واعتلاءك.
قال بوجهه الصفيق تغزوه ضحكة متحدية:
- أنت الذي أزف اندحار حلمك، وانقضى مقامك في العمل.
جرجرته إلى النافذة في حالة انتشاء وددت لو كانت خالدة، وأسكبته منها. وبقدر تدحرجه نحو دركات الهبوط والفناء كان تدحرجي من سريري المهترئ. حثثت الخطى نحو عملي بثقة طافحة، ولم يخامرني شك أني سأحذو أثار حلمي النعل بالنعل. أليست الحياة برمتها في نهاية المطاف مجرد حلم؟”36
فهذه الجمل الخارقة الغريبة تعبير عن معاناة نفسية وانفصام لاشعوري ، وتعبير كذلك عن رغبات لاشعورية مكبوتة في بنية اللاهو ، وذلك في تقابله مع الهو والأنا الأعلى وكوابح المجتمع.
| الجملة الانزياحية:
تعرف الجملة الانزياحية بانتهاك المعايير اللغوية والصرفية والدلالية والتركيبية، بغية خلق الوظيفة الشعرية والإيحائية، عن طريق الخرق والتخصيص والتقديم، كما يظهر ذلك جليا في قصة:”فليعش المجنون”. وإليكم القصة كاملة:” في عز شمس الظهيرة، بأسماله الرثة لحق المجنون رفيقته المشردة. أمام مقهى الحديقة فار تنورهما. تعانقا، ثم تهاويا إلى مدارج التوغل. كان يموءان ويعويان. هب المارة إليهما، وسيّجوهما بأجسادهم اتقاء من عيون الدهماء. أطلت امرأة من شرفتها. انفلتت منها ضحكة كالصهيل. هتفت بأعلى صوتها:
- فليعش المجنون
ردد المارة:
- يعيش.. يعيش..
ثم رددت الكلام نفسه الجدران وسارت به الركبان.
اجتمع مجلس المدينة وأصدر القرار الآتي:
” يتم إحصاء وإخصاء كل مجانين المدينة”.37
وهكذا، فقد خلخل الكاتب معيار الترتيب تقديما وتخصيصا، كما في هذه الجمل: في عز شمس الظهيرة، بأسماله الرثة لحق المجنون رفيقته المشردة- أمام مقهى الحديقة فار تنورهما- رددت الكلام نفسه الجدران، وكل هذا الاستعمال تم تشغيله تفاديا للمباشرة، وإبعادا للغة التقريرية الفجة.
| الجملة التراثية:
هناك بعض كتاب القصة القصيرة جدا يوظفون جملا تراثية مسكوكة، أو موروثة ومحفوظة عن ظهر قلب. ويعد جمال الدين الخضيري من هؤلاء الذين يستعملون جملا سردية تراثية ، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على رغبته في التأصيل تحديثا وتجريبا وتأسيسا ، كما يتضح ذلك جليا في قصة:” منفاخ العلوم”:” لما كنتُ قليل الاستطراد والاسترسال عاجزا عن ملء كل الثقوب وسلك مختلف الدروب وتسويد البياض، خمّنتُ أن العلة كامنة في عدم توفري على مفتاح العلوم. فقصدت أحد المتمرسين في ملء هذه الثقوب والجيوب كي يعيرني مفتاحه. وما عرضتُ عليه حاجتي حتى استلقى على قفاه من شدة الضحك وقال:
- شاخ المفتاح شاخ، أعز ما يُطلب في وقتنا وأكثر ما يُكتب مستقى من منفاخ العلوم.”38
فمن يقرأ جملة:” شاخ المفتاح شاخ”، أو يتأمل جملة :” أعز ما يُطلب في وقتنا وأكثر ما يُكتب مستقى من منفاخ العلوم”، فإنه سيخرج بملاحظة أولية، وذلك بأن جمال الدين الخضيري مولع باستخدام الجمل التراثية تسريدا وتخطيبا وتعبيرا.
|الجملة المحاكية:
يستعمل جمال الدين الخضيري في قصصه القصيرة جدا بعض الجمل المحاكية التي صيغت بالدارجة أو العامية أو اللغة الثالثة التي كان يدعو إليها توفيق الحكيم، كما يبدو ذلك واضحا في قصة:”عبث”:” عبثي حتى النخاع. يرى العالم مرتبا ترتيبا معكوسا، وأن الأمور منفلتة فيه ومقلوبة رأسا على عقب.
وحين لا يجلب جل تلاميذه كتبهم كعادتهم يثور فيهم غاضبا:
“لّي ما عندوش الباب يخرج من لكتاب”39.
يستعمل الكاتب في هذه القصة القصيرة جدا جملة محاكية قائمة على العامية ؛ وذلك لتقريب المتلقي من واقع الأحداث المعطاة.
|الجملة المحذوفة أو المضمرة:
الجملة المحذوفة أو الجملة المضمرة أو جملة البياض هي التي تقوم على نقط الفراغ لإعلان الصمت أو الرفض أو الامتناع عن البوح والإفصاح ، كما يظهر ذلك واضحا في قصة:” رسم”: ” رسم شكلا أقرب إلى هيأة قوس يمتد من أعلى نحو أسفل. سرعان ما انقلب إلى تلاميذه يسألهم عن فحوى الرسم.
جاءت إجاباتهم على الشكل التالي:
- حبل يتدلى.
- أفعى تتلوى.
- طريق خطرة منعرجة.
- سيل لا يُبقي ولا يذر.
-…………………
نتف ما تبقى من شعيرات لحيته ورأسه. لعلع مترنحا باكيا:
- يا أولاد الفاعلة، أتودّون أن تأخذوا بلحيتي و رأسي؟! إنها الخريطة .. الخريطة.”40
يدل البياض والنقط الفارغة على وجود جملة محذوفة مضمرة، تحمل في طياتها دلالات سياقية محذوفة.
| الجملة اللازمة:
الجملة اللازمة هي التي تتكرر في القصة القصيرة جدا لخلق هرمونيا مقطعية إيقاعية ، كما يبدو ذلك ظاهرا في قصة:” رؤيا”:
-1
” في سقيفة اللقيا انتشرت الرؤيا.
قيل إن لرؤياه شأنا عظيما، فهي لاتبلى ، وفي
ميقاتها ستتجلى، آنذاك ستزحف الزوايا والتكايا.
وحينما رحل ميقات وجاء ميقات، قال الناس:
- موبقات، موبقات.
-2
في سقيفة اللقيا انتعشت الرؤيا.
قيل إنه رأى نفسه في أقصى الأرض يسوس البلاد
والعباد، لكن من هول مالقاه رأى نفسه أيضا
يفعل شيئا ما في السروال.
-3
في سقيفة اللقيا تم تفسير الرؤيا.
قيل إن نصف رؤياه محقق مدقق، ونصفها الثاني أضغاث أحلام. فالأضغاث تؤكد أن الرائي مازال مسوسا لاسائسا، أما المحقق منها فتبين أنه بالفعل فعل شيئا ما في السروال من هول مارأى ونأى.”41
تبدو هذه القصة القصيرة جدا كأنها قصيدة شعرية شذرية قائمة على تكرار اللازمة الشعرية أو اللازمة القصصية ، كما يتضح ذلك جليا في عبارة أو جملة:” في سقيفة اللقيا انتشرت الرؤيا.”
تركيب واستنتاج:
وخلاصة القول، نستنتج ، مما سبق ذكره، بأن القصص القصيرة جدا عند المبدع المغربي جمال الدين الخضيري ، كما في مجموعتيه:” فقاقيع”، و” وثابة كالبراغيث” ، تزخر بمجموعة من مقاييس انبناء الجملة تسريدا وتخطيبا وتقصيدا، وتتمثل هذه المقاييس في مقياس التراكب، ومقياس الجملة البسيطة، ومقياس التسريع، ومقياس الإسناد، ومقياس التكثيف، ومقياس التسريع، ومقياس الفعلية، ومقياس الامتداد… كما تنقسم هذه الجمل القصصية القصيرة جدا إلى أنواع وأنماط متعددة من التراكيب البنيوية والدلالية والتداولية، كالجملة الظرفية، والجملة السردية، والجملة الميتاسردية، والجملة المشهدية، والجملة الحوارية، والجملة الوصفية، والجملة الرمزية، والجملة الإيحائية، والجملة الانزياحية، والجملة الشاعرية، والجملة الأسطورية، والجملة الاستلزامية، والجملة المستنسخة، والجملة المضمرة، والجملة التراثية، والجملة السياقية… وبتعبير آخر، يخضع تصنيف الجمل وتنميطها وتنويعها – بطريقة من الطرائق- لمقياس البنية والدلالة والوظيفة.
الهوامش:
41 – ولد جمال الدين الخضيري بمدينة الناظور، وقد تابع دراساته الجامعية بكلية الآداب بوجدة، إلى أن حصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث والمعاصر، ويحضر الآن أطروحة الدكتوراه في التأليف المسرحي المغربي المعاصر. ويعد من الكتاب النشيطين بمنطقة الريف في القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ، كما يهتم كثيرا بالمسرح والثقافة الأمازيغية. ومن أهم مجموعاته القصصية القصيرة جدا: “فقاقيع”(2010م) و” وثابة كالبراغيث”(2011م).
2- جمال الدين الخضيري: وثابة كالبراغيث، شركة مطابع الأنوار المغربية، وجدة، المغرب،الطبعة الأولى سنة 2011م، ص:13.
3 – جمال الدين الخضيري: فقاقيع، شركة مطابع الأنوار المغربية، وجدة، المغرب،الطبعة الأولى سنة 2010م،ص:31.
4 – جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:32.
5- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:15.
6 – انظر سعيد بعبد الواحد:( مفاهيم نظرية حول القصة القصيرة جدا في إسبانيا وأمريكا اللاتينية)، مجلة قاف صاد،المغرب، العدد الأول، السنة الأولى، 2004م، ص:32.
7 – أنجيل ملدوندو أسفيدو: المقال السابق، ص:10.
8- جمال الدين الخضيري: نفسه ص:28.
9 – جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:87.
10- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:86.
11- جمال الدين الخضيري: وثابة كالبراغيث، ص:52.
12- جمال الدين الخضيري: فقاقيع، ص:10؛
13- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:88؛
14- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:13.
15- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:61.
16- جمال الدين الخضيري: نفسه ، ص:77.
17- جمال الدين الخضيري: وثابة كالبراغيث، ص:77.
18- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:16.
19- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:30.
20- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:10.
21- جمال الدين الخضيري: فقاقيع، ص:32.
22- جمال الدين الخضيري:نفسه، ص:53.
23- جمال الدين الخضيري:وثابة كالبراغيث، ص:15.
24- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:25.
25- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:48.
26- جمال الدين الخضيري: فقاقيع، ص:44.
27- جمال الدين الخضيري: وثابة كالبراغيث،ص:49.
28- جمال الدين الخضيري: فقاقيع، ص:78.
29- جمال الدين الخضيري: وثابة كالبراغيث، ص:12.
30- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص96.
31- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:50.
32- جمال الدين الخضيري:فقاقيع، ص:11.
33- جمال الدين الخضيري:وثابة كالبراغيث، ص:36.
34- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:44.
35- جمال الدين الخضيري: فقاقيع، ص:70.
36- جمال الدين الخضيري:نفسه، ص:25.
37- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:14.
38- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:5.
39- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:11.
40- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:14.
41- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:26-27.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.