بعد أن كان الحديث يدور في وقت سابق عن اختراق الأجهزة الأمنية والدركية من طرف مافيات وتنظيمات إجرامية أو متطرفة، صار الخوف الأكبر اليوم من لعب الدور نفسه لكن من طرف أجنبي. فقد كشفت الأبحاث والتحريات أخيرا لجوء بارونات إسبان كبار في تهريب المخدرات إلى أوربا، إلى اختراق جهاز الدرك الملكي، بغرض الاستفادة من «خدمات» التغاضي ومساعدة «التستر». لم يكتشف الأمر في المغرب، تنقل مصادر موثوقة، إلا عن طريق الأجنبي نفسه، فقد كان مسؤولون أمنيون ودركيون وقضائيون كبار منكبين على ملفات معينة في مكاتبهم، ليتلقوا فاكسات واتصالات هاتفية من نظرائهم بإسبانيا، تحثهم على ضرورة المساهمة في تحريات تجريها بشأن احتمال تورط منتمين إلى جهاز الدرك الملكي بالمنطقة الشمالية، ضمن مافيا لتهريب المخدرات عبر الطائرات المروحية والخفيفة إلى إسبانيا، ومنها إلى دول أوربية أخرى. المسؤولون الإسبان أشعروا نظراءهم بالمغرب بجميع نتائج الأبحاث، ما أدى إلى الإطاحة بأربعة دركيين، وإحالتهم على المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بالرباط، التي أصدرت في حقهم، أخيرا، عقوبات مختلفة بالحبس النافذ والغرامة. وقد انطلقت فصول البحث في هذا الملف بعد لجوء طائرة من الحجم الصغير إلى الهبوط الاضطراري بإسبانيا، نتيجة عطب تقني يصعب التحكم فيه، وبعد تطويقها من طرف رجال الأمن الإسبان، حاول راكباها الفرار، فألقي القبض عليهما. وبعد التفتيش، عثر بداخلها على كمية من المخدرات، يقدر وزنها بطنين. وكشفت الأبحاث أن المهربين الإسبانيين تمكنا من تهريب تلك الكمية الضخمة من المخدرات من منطقة «العروي» ضواحي الناظور، قبل أن يطيروا في اتجاه القارة الأوربية، بعد تمكنهم من اختراق بعض العاملين بالمنطقة، واستفادتهم من مساعدتهم، مقابل مبالغ مالية ضخمة. وتمت مصادرة الهواتف المحمولة التي كانت بحوزة المتهمين، وبعد تفتيش أرشيف ذاكرتها عثر المحققون الإسبان على أرقام هواتف تخص أشخاصا داخل المغرب، فتم إنجاز تقرير في الموضوع، تم تضمينه بالأرقام المضبوطة، وبعثه إلى المسؤولين المركزيين. وبعد إجراء الأبحاث اللازمة، تبين أن أحد الأرقام يخص دركيا بالمنطقة الشمالية، فيما ظلت الأرقام الأخرى مجهولة. وكشفت الأبحاث أن الأرقام الهاتفية المشتبه في رجوعها إلى مكلفين بالحفاظ على الأمن، تجاوزت اتصالاتها بأرقام المهربين الموقوفين 100 مكالمة في ظرف زمني وجيز. وألقي القبض على الدركي ووضع رهن تدابير الحراسة النظرية، وبعد إجراء أبحاث دقيقة معه توصل المحققون المغاربة إلى ثلاثة دركيين آخرين، تبين أنهم كانوا متورطين معه في تسهيل مهام بارونات التهريب الدولي للمخدرات من المغرب إلى عدد من دول أوربا، وعلى رأسها إسبانيا، لتتم إحالة الأربعة على القضاء العسكري بالرباط، الذي قرر إدانة كل واحد بالمنسوب إليه. وحكم على ثلاثة دركيين، بينهم ضابط، بالحبس النافذ لمدة سنتين في حق كل واحد منهما، فيما حكم على الدركي الرابع بالحبس لمدة سنة مع النفاذ. وكشفت الواقعة خطورة اختراق أجهزة الأمن والدرك والجيش من طرف جهات أجنبية، ما حدا بالإدارة المركزية إلى اتخاذ إجراءات فورية جديدة للرصد والمراقبة. محمد البودالي