تنتشر في أسواق الشمال، وخاصة بأقاليم الحسيمة، شفشاون، وتاونات، مطاعم شعبية متنقلة، يعرض أصحابها وجبة السمك المشوي؛ نشاط يحقق هامش ربح كبير، كما أنه يحقق الكثير من الرضى للمواطنين، الذين يقبلون بنهم كبير على أطباق سمك " السردين" المشوي، في طقس يمزج بين الثقافي والغذائي، وتنخرط فيه مختلف شرائح المجتمع. السمك المشوي.. هكذا بدأت الحكاية منذ حوالي 3 عقود من الزمن، ظهرت في أسواق مدينة تاونات، مطاعم شعبية متنقلة، يمتهن أصحابها إعداد وجبات غذائية للمتسوقين، ومن بين هؤلاء نجد أصحاب " الشواية"، الذين يصطفون بجوار رحبة بيع السمك، استعدادا لتلبية طلبات زبائنهم. ارتبط السمك المشوي، في البداية، باستهلاك نخبوي، حيث جرت عادة البعض، خلال أيام الأسواق الأسبوعية، أن يشعل فحم الشواء في المجمر، لكن بين أهله وفي بيته، قبل أن ينتقل الطقس الغذائي إلى السوق، ويتحول إلى ما يشبه ضرورة لا تكتمل المتعة إلا بها؛ تماما كما هو الشأن بالنسبة لطقس الشاي في منطقة الغرب، وطقس " الطاجين" في منطقة الأطلس المتوسط. سوق بني وليد.. لا صوت يعلو فوق صوت " الشواية". تقع جماعة بني وليد نواحي مركز تاونات، وتستغرق الرحلة إليها حوالي 30 دقيقة، كما أنها تكلف 10 دراهم على متن سيارة الأجرة الكبيرة. كل زائر إلى سوق "بن وليد"، خاصة خلال فصل الصيف، لابد له أن يتغذى على سمك " السردين" المشوي، ولأن أقرب ميناء من المنطقة هو ميناء الحسيمة، فإن اللفظ الاعتيادي المتداول بين الساكنة هو "سردين الحسيمة". قبل الوصول إلى السوق، الواقع وسط غابة زيتون "مزيارة"، تعترض الزائر مناظر خلابة على جنبات واد ورغة، وتلوح من بعيد أعمدة دخان منبعثة من "رحبة الحوث"، إنه مؤشر على وفرة السمك في السوق، وإقبال المتسوقين عليه بنهم كبير. رحبة السمك عبارة عن ساحة كبيرة، جعلتها الجماعة القروية مجاورة لمحل بيع اللحوم الحمراء، كما أن اتساع مساحتها يفسر علاقة المواطنين بالسمك، خاصة سمك الحسيمة، الذي يصنف من أجود الأنواع، يشحن مباشرة من ميناء المدينة في اتجاه أسواق اقليمتاونات. " القيطون".. مطعم متنقل أول ما يلفت انتباه الزائر للسوق الأسبوعي " بني وليد"، اصطفاف خيام بدوية، يسميها العوام " قيطون"، تنصب بجوار السور الكبير، وتهيئ تحتها مقاعد خشبية للجلوس، فيما يشعل الفحم في مجامير كبيرة، إيذانا بانطلاق مسلسل " الشواء"، الذي يستمر لساعات ما بعد الزوال. في أسواق " مرنيسة"، "متيوة"، وبني ونجل، يتجدد مشهد الخيام المصطفة بجوار " رحبة" السمك، كما يتجدد معها الإقبال الكبير للمواطنين عليها، خاصة حينما يكون سعر السمك منخفضا، والفصل فصل الصيف، على اعتبار أن سمك الصيف يضمن لذة تغيب طيلة أشهر السنة، كما أكد على ذلك مواطنون للموقع. طقوس الشواء تبدأ بشراء ما تيسر من سمك " السردين"، وتقديمه لصاحب " القيطون" الذي يتكلف بوضعه فوق الجمر، وكثيرون يضيفون إليه قطعا من البصل المشوي، هكذا تكتمل حفلة الشواء، التي ينخرط فيها الكبير والصغير، الرجال والنساء، بل حتى الميسورين تجدهم تحت الخيمة يتلقفون الدخان، ولسان حالهم يردد مع غيرهم " سردين الحسيمة ولا بلاش"، بينما يردد أصحاب المطاعم " هل من مزيد"، على اعتبار أن حرفة شي السمك توفر هامش ربح كبير، قد لا تضمنه وظائف الدولة، يعلق أحد المواطنين للجريدة الالكترونية. طقوس تحقق استمرار الثقافة الغذائية الشعبية.. في أسواق تاونات، وغيرها من الأسواق المتواجدة بأقاليم الشمال، تعكس طقوس الغذاء التزاما تاريخيا بتقاليد القبيلة، حيث جرت عادة الأولين أن يكون يوم السوق هو يوم حفلة، لا تكتمل إلا بالجلوس تحت الخيمة في رحبة السمك، في تقليد يجمع بين الارتباط بالجغرافيا، بالنظر إلى القرب من منطقة الريف، وتحديدا ميناء الحسيمة، وبين إعادة إنتاج النمط الغذائي المتوارث، إذ لا غرابة أن تجد شخصا في قرية جبلية يتفق مع صاحبه على أن "شواية" يوم السوق على نفقته، وهذا ما يؤكد عمق الارتباط بالرأسمال اللامادي الحقيقي.