وهاهي ناعورة الزمن تدور كعادتها لتعود إلى نقطة البداية، ونعود معها إلى أولى حروف الهجاء، وكأننا في حلقة مفرغة. لم يبق إلا أيام قليلة على حلول الموسم الذي يقام مرة كل خمس سنوات، فما مميزات هذا الموسم على مستوى مدينتي (بني أنصار)؟ عند البعض يعرف هذا الموسم بموسم الخطابات الشيقة، والولائم الشهية، والأعراس البهية وغيرها مما لذ وطاب. أما عند البعض الآخر، فإن هذا الموسم يعتبر خير تجسيد للمدينة الأفلاطونية الفاضلة، لما يحكى فيه من طرف بعض الرواة عن الإصلاحات الهامة التي ستأتي على أيديهم: فهذا، سيقوم بتعبيد الطرقات، وإنارة الأحياء، ومد أنابيب الماء الصالح للشرب إلى القرى والدواوير المجاورة، وإحداث شبكة لتصريف المياه المستعملة، وجلب الاستثمارات إلى المنطقة، مما سيسمح بتشغيل كافة المعطلين إلى درجة تصبح فيه الشوارع والمقاهي خلاء. أما ذاك، فسينشئ مكتبة عمومية ويجهزها بأحدث التجهيزات، وسينشئ مدرسة وثانوية ومستشفى وسوقا وحديقة خضراء تسر الناظرين. وهكذا، بحرف السين في الأول وحرف الفاء في الآخر وحرف الواو للربط بين الأول والآخر نبني وننشئ ونحدث كل ما كان يرام طيلة عقود مضت وفي وقت قياسي هو الوقت الذي يستغرقه أي تجمع خطابي يقيمه هذا أو ذاك. ومثل هذا الممارسات اللاأخلاقية الصادرة عن مثل هؤلاء بمنأى عن أي تأنيب أو عقاب هي التي تحكم على العملية الانتخابية بالفشل الموضوعي والمعنوي، أقول الفشل الموضوعي والمعنوي لأنها شكليا وماديا ناجحة 100%، ومع توالي هذه التجارب وتكرارها بنفس الألوان والرموز الانتخابية، يتولد العزوف وانسداد الأفق لدى فئات عريضة من المجتمع، بل والكفر بهذا الركن الأساس من أركان الديمقراطية، والتجريح في سند جميع الأحاديث الواردة بشأنه. فإلى متى تبقى هذه الخطابات المستنفذة والتي لا تزيدنا إلا خطوات إلى الوراء تعشعش في جماجمنا؟ أما آن الأوان للقول والفعل في نفس الوقت؟ … يوما بعد يوم بدأت تتضح خارطة وكلاء اللوائح الانتخابية التي ستتنافس في الاستحقاقات البرلمانية المزمع إجراؤها في 25 نونبر القادم، وقد حسمت مجموعة من التنظيمات الحزبية نهائيا في وكلاء اللوائح الذين سيحملون ألوانها السياسية، والغريب أن مجموعة من معمري مؤسستنا التشريعية مذ ردح من الزمن، لم تستحي بعد وفعلت فعلتها بأن زكت نفسها لخوض غمار هذه الاستحقاقات التي أسالت الكثير من الحبر ولا زالت، وكأنها لا ترى موجة التسونامي الشعبي التي تجوب العالم العربي بطوله وعرضه، ولا تسمع صوت الربيع الذي ينادي بالتغيير لأجل العدالة والحرية والكرامة، وكأنها لا تفهم بأن الزمن قد هرم من طول سباتها والمكان قد سئم من طول مقامها، والكل يناديها بالرحيل… الرحيل… عفوا يا سادة أنفسكم، لقد أخلفتم الموعد من جديد، ولم تعوا أهمية المرحلة التاريخية التي نجتازها في ظل التحديات والتحولات الداخلية والخارجية التي نعيشها، فاخترتم تحقيق مآربكم الذاتية على تحقيق المنفعة العامة، وفضلتم كسب رهان مصالحكم على ربح رهان الإصلاح والارتقاء بالوطن إلى أعلى الرتب وتمكين المواطنين من العيش الكريم. عفوا يا سادة أنفسكم، ألم يشعر أحدكم يوما طيلة مشواره البرلماني أنه عاجز عن النطق والفهم وإدراك ما يحيط به، ألم يحس أحدكم يوما بعقم فكره بين أقرانه، ألم ير يوما أنه قد أضحى أضحوكة قومه ومحط سخرية أهله وجيرانه… هذا، وفي انتظار غد مشرق قد ياتي أو لا ياتي، لا أجد سوى الأمل مؤنسا ورفيقا في وحشتي، وأملي في غد لناظره بعيد…