جسا للنبض، واستنباطا للرأي، قررت وزميلتي خوض غمار رحلة استكشافية بين عقول أبناء حي “ترقاع”، للوقوف على مدى معرفتهم بمشروع التهيئة “مارتشيكا” التي تقع منطقتهم ضمن حيز تنفيذ هذا الأخير. فاستقينا آراء متفاوتة بين معارض ومؤيد بضوابط معينة. كانت مجمل الآراء منطقية ومرحبة بمشروع التهيئة – لكن!!! – بشروطهم. من الوهلة الأولى أبدت الساكنة تحد واضح ورفض تام لما يتداول في أوساط الحي عن إخلاء المنطقة وهدم بيوتهم التي نشأوا فيها وعاشوا بين جدرانها حياتهم بوجهيها المختلفين سعادة وحزنا، وتعويضها بمنازل في مكان آخر. وتبقى هذه مجرد أقاويل ترددها الألسنة هنا وهناك، كما كانوا صريحين وأكدوا لنا أن هذا الكلام لم يأتي من أي جهة مسئولة. من جانب آخر رحب معظم ساكنة حي “ترقاع” بفكرة الإصلاح عامة، آملين من مشروع تهيئة بحيرة “مارتشيكا” أن يجود عليهم بالفضل، معلقين عليه أمانيهم في أن يغير وجه منطقتهم ويرفع عنها التهميش الذي طالها منذ الأزل، وأن يصلح ما أفسده الدهر والأيادي الآثمة. كما نوهوا بالإصلاحات المنتظرة والتي ستفك عزلتهم وتخبطهم الدائم مع مشاكل البنى التحتية وغيرها، زيادة إلى فرص العمل التي سيوفرها المشروع لأبناء المدينة عامة، وتمنيهم بأن يكون لهم نصيب منها خصوصا أن معظم شباب “ترقاع” –السفلى- يعملون كصيادين في بحيرة “مارتشيكا”. وقد أعربت هذه الفئة عن تخوفها من مصيرهم المجهول إذ ما منعوا من الصيد داخل البحيرة عند إتمام المشروع، مشيرين إلى أن وكالة “مارتشيكا” مطالبة بالتفكير في مستقبلهم وتوفير بديل يستطيعون من خلاله عيش حياة كريمة. وطوال حديثنا معهم أنا وزميلتي لم يكف أحد منهم عن التعبير عن معاناتهم الكثيرة والتي من أهمها الحالة المزرية التي يكون عليها محيطهم حين تمطر في موسم الشتاء ، وحسب قول الكثير منهم فإن السبب الرئيسي راجع بنسبة كبيرة إلى سكة الحديد، التي جعلت بينهم وبين البحر سدا يحول دون مرور ماء المطر وتصريفه إلى البحر، مجمعين على أن أخطاء شابت أشغال السكة الحديدية، التي يفترض أن تكون تحتها فتحات عدة تسهل تصريف مياه المطر، وقد لمسنا ذلك حقا من خلال معاينتنا للآثار الظاهرة والباقية إلى حد الساعة على جدران المنازل المتواجدة بقرب السكة الحديدية ويبدو عليها خط يمثل مستوى المياه التي غمرت تلك البيوت إلى علو المترين تقريبا. وقد حررت الساكنة منذ وقت طويل شكايات عدة وضعت على كل من مكتب السيد عامل جلالة الملك ومدير أشغال سكة الحديد و إلى رئيس المجلس البلدي بالناظور، للنظر في ما أسموه بعرقلة سيرهم وتعذر نقل معدات عملهم عبر سكة الحديد مطالبين بذلك بناء جسر لعبور السكة إلى البحر، كما ذكروا في شكاياتهم كيف تساهم السكة في إغراق حيهم إذ تكون كسد يمنع تصريف ماء المطر إلى البحر. زيادة إلى إشكالات أخرى مثل غياب المستوصفات والتي يرى الناس أنها ضرورية نظرا لبعد المستشفى من منطقتهم. ولم ينسوا في أوج حديثهم معنا الإشارة أيضا إلى افتقارهم لمركز للشرطة داخل محيطهم الذي يشهد العديد من عمليات السرقة والإعتداءات. لا يعلم أحد إلى حد الساعة ما يخبئه القدر – مخطط التهيئة- لهؤلاء، فمشروع ضخم كهذا قد يأتي على الأخضر واليابس، لا ننكر ولا ننقص من أهميته والخير الذي سيجلبه إلى مدينة الناظور، لكن تبقى عدة تخوفات تؤرق مضاجع الفئات الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة، وترى هذا المشروع كقدر محتوم ينتظرون حدوثه. جدير بالذكر أن منطقة “ترقاع” ذات موقع مميز حيث تمتد من خط ساحل بحيرة مارتشيكا صعودا إلى أعلى. واتخذت شكلا جبليا يطل مباشرة على البحيرة السالفة الذكر. تتوسط الناظور وجبل أطاليون الذي سيتم تأهيله سياحيا. إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع