قال عمر إحرشان، الأكاديمي المتخصّص في العلوم السياسية، إن “المغرب يعيش مفارقة بين إيقاع المجتمع وعرض الدولة، الذي يكون تجاوُبُهُ إما دون انتظارات المجتمع، أو يكون التّجاوُبُ بالحدّ الأدنى دون ضمانات الاستمرارية، أو يتعمّد عدم تجاوبه حتّى لا يصبح الاحتجاجُ الواحدُ ثلاثَة احتجاجات وكي لا يَتْبَعَ الّريفَ صحراوة”. إحرشان الذي أشار إلى كونه لا يتحدّث كممثّل عن جماعة العدل والإحسان في الندوة الدولية، التي نظّمها مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، والجمعية المغربية للعلوم السياسية، ومؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة، في أحد فنادق العاصمة الرباط، أعطى مثالا بدستور 2011 الذي تمّ الحديث عن كونه دستورا متقدّما جدا، لكنّه اصطدم بالقوانين التنظيمية التي لم تكن في مستواه؛ فبدأ الحديث عن ضرورة التأويل الديمقراطي للدستور. وأضاف إحرشان: “رغم أن انتخابات 2011 كانت أكثر نزاهة مقارنة بالمحطّات الانتخابية السابقة، فقد كان من المفترض أن يؤدي هذا الانفتاح إلى انفتاح إعلامي، بينما الإعلام المغربي اليوم يعيشُ أسوأ أحواله، مما دفع المواطنين إلى اللّجوء إلى وسائط إعلامية جديدة نظرا إلى عدم قيام الأحزاب السياسية بدورها في الوساطة، وهو ما نتجت عنه حملات انتقلت إلى العالم الواقعي بعد انطلاقها افتراضيا مثل حملة المقاطعة”. وشدّد الفاعل السياسي على أن الدولة ملزمة بالتحول إلى الديمقراطية “اختيارا أم إجبارا”، مضيفا أنه من المبتذل الحديث عن الانتقال إلى الديمقراطية بالمغرب في 20 سنة، وأن من الخطأ الدفاعُ عن شعارات غير ممكنة التّحقّق، يرفَعُها بعض الفاعلين من قبيل: “تحديث المخزن”، أو “الإصلاح في إطار الاستقرار”. من جهته، تحدّث المعطي منجب، المؤرخ والفاعل الحقوقي، عن التجربة “البَلْعَانية” للنظام السياسي المغربي، مستعيرا هذا اللفظ من الدارجة المغربية ويعني عُنْوةً، موضحا أن “استراتيجية الإدماج المزوّر انطلقت منذ سنة 1955 حتى بداية الستينيات مع الاتحاد المغربي للشغل، وحزب الاستقلال، قبل أن تليها استراتيجية تفكيك الأحزاب التي استمرت إلى حدود التسعينيات”. وقال المؤرخ والفاعل الحقوقي إنه “بعد الوقفات الاحتجاجية سنة 1991 كان الملك الحسن الثاني خائفا من حدوث انقلاب، وتحدّث بتواضع كبير مع الشعب، بعد اختيار الجماهير مساندة العراق ضد السعودية التي كان يساندها المغرب رسميا، وهو الضغط الذي كان لا بدّ معه من حلّ، فوضعت خطط من أجل فتح سبتة ومليلية، إلا أن حرب الجزائر وقعت وقوّت النظام المغربي، الذي كانت تفضّله القوى الوطنية على حدوث حرب أهلية قد يصعد بعدها نظام إسلامي”، يضيف منجب. وممّا نتج عن الاستراتيجية “البلعانية”، حسب منجب، “تفكّك الحزب الأغلبي بالمغرب، وتأسيس حزب الملك، واعتقال قيادات حزبية واتهامها بالإرهاب، رغم أن لا علاقة لها به، وهي الاستراتيجية التي تَلتها عودة استراتيجية الإدماج المزوّر في سنة 2011″، مشيرا إلى أن “هذه الاستراتيجية لم تنجح بعدما ظهرت نتائج انتخابات 2016، وهو ما أدّى إلى صدور قرار سيادي بتفكيك حزب العدالة والتنمية ظهر في اختيار أن لا يترأّس أمينه العام الحكومة، ودفع الحزب إلى الخلاف الداخلي نتيجة لقرار سياسي”. فيما أوضحت لطيفة البوحسيني، الأكاديمية والناشطة الحقوقية، أن الأحزاب والجمعيات الحقوقية والنسائية، التي انشقت عن الأحزاب اليسارية، أعادت إنتاج نفس ثقافة الفشل في تدبير الاختلاف وإقصاء المخالف. وأضافت مفسّرة أن “ظاهرة الانشقاقات التي رافقت الأحزاب طيلة تاريخها، ولو بدت صحيّة نظرا لمساهمتها في بناء إطارات تنظيمية جديدة، إلا أنها كانت تتضمّن عناصر سلبية، من بينها ضعف وسائل تدبير الاختلاف داخلها”. واستحضرت البوحسيني زمن المناضلين والفاعلين “الإصلاحيين”، الذين قبلوا بإصلاح النظام من الداخل. وأضافت أن تحلّل الإطارات السياسية التي كانت تجمعهم أخذ وقتا، مذكّرة بمجموعة من الوسائل التي استعملها النظام المغربي مع معارضيه، من قبيل القمع، والتضييق، والاغتيالات، والوسائل التي استعملها من من قبلوا باللعبة الانتخابية التي تمثّلت في التحكّم بالتقطيع الانتخابي، وشراء الذّمم، والتزوير، والتّحكّم في الخريطة الحزبية، وصولا إلى استراتيجية استقطاب النّخب، التي اتّسعت في “العهد الجديد” باستقطاب فاعلين يساريين ومعارِضِين سابقين. وانتقدت الفاعلة السياسية مجموعة من الإطارات التنظيمية، التي أصبحت “إطارات للرداءة والانتهازية والاستفادة من استراتيجية النظام في الاستقطاب”، موضّحة أن مجموعة من مناضلي هذه الأحزاب سابقا كانوا يعيشون خيبات أمل على مستواها الداخلي، ورغم عدم خروجهم فقد كانوا يحسّون بالتفتّت من الداخل إلى أن تحوّل الانسحاب الفردي إلى انسحابات جماعية. من جهته، قال عادل بنحمزة، الفاعل السياسي، إن المغرب يعرف منذ مرحلة ما بعد الاستقلال عطبا في الانتخابات بتصوّرها آلية للمساهمة والمشاركة، لا آلية من أجل الوصول إلى الحكم. وربط بنحمزة مجموعة من الإشكالات السياسية التي يعرفها المغرب اليوم بعدم حلّ الإشكالات السياسية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال، ومن بينها الوثيقة الدستورية التي لم تصبح أولوية بعد ذلك عند الكثير من الأطراف. وجزم الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال سابقا بأن “المخزن، أو المؤسسة الملكية، هو الوحيد الذي حقّق تراكما، بينما استنفد باقي الفاعلين خطابهم، وقاموا بقَطائع بمعناها السّلبي، سواء في تجربة الحركة الوطنية، أو في تجربة اليسار، ثم في تجربة الإسلاميين”. ومن بين ما نتج عن هذه التجارب، حسب بنحمزة، تحوّل منصات التواصل الاجتماعي إلى منصّات للترافع بدل الأحزاب السياسية؛ لينتج عن هذا تفاعل المجتمع المغربي مع ما يحدث في العالم الذي عرّفته إحدى الباحثات بكونه “طبقة وسطى مُعَوْلَمَة”. وقال مصطفى بوهني، وهو من المشاركين في “حراك الريف”، إن من أسّس الحراك هو محسن فكري بعدما فارق الحياة بالطريقة التي سحق بها، مضيفا أن “الحَرَاك جاء بعد تراكم نضالي على مستوى المغرب والريف الكبير، والحسيمة على وجه الخصوص، واستفاد من احتجاجات جمعية حاملي الشّهادات المعطّلين، واحتجاجات زلزال 2004 التي تمّ قمعُها، ومحطّة احتجاجات 20 من فبراير التي تمّ قمعُها أيضا.” وذكر بوهني أن “حَرَاك الرّيف أظهر نضجا كبيرا بتعبير المشاركين فيه، طيلة سنة كاملة، عن ملف مطلبي حقوقي دعا الدولة إلى الاستجابة عبر محاسبة المسؤولين عن جرائم متعدّدة، لكنّ أغلب ناشطيه موجودون اليوم وراء القضبان ظلما وعدوانا، رغم أن الانتفاض كان عفويا بعد الإحساس بالظّلم والاستبداد، إضافة إلى الحسّ الجماعي في الريف بالتّهميش، والحِصَارَيْن الاقتصادي والاجتماعي”، وفق تعبيره.